أين تجد الأفلام الفنيّة على شبكة الإنترنت؟

محمد موسى

لا تقتصر مشاهدة الأفلام الفنية على نتفلكس وأمازون فقط.

الذي يحسب أن الاشتراك بخدمات ترفيه إلكترونية أمريكية مثل: نتفليكس وأمازون، يٌمكن أن يشبع شغفه من مشاهدة الأفلام الفنيّة التي يفضلها على غيرها، سيخيب ظنه تماماً، حيث أن المتوافر من هذه الأفلام هو شحيح كثيراً، ويتألف أغلبه من الأفلام الأمريكية المعروفة، من التي كسرت دوائر عرض الأفلام الفنيّة المحدودة، وتصل منذ سنوات، وعبر منصات إعلامية عديدة إلى الجمهور. فيما تغيب على سبيل المثال وبشكل كبير أفلام السينما الأمريكية المستقلة من العقود الثلاث الأخيرة، والأفلام الأوروبية المختلفة. أما الأفلام الفنيّة من دول العالم الأخرى، ومنها الأفلام العربية، فتصل أحياناً إلى هذه الخدمات، كجزء من سعي الأخيرة لتمثيل الدول المنتجة لهذه الأفلام في المحتوى الذي توفره.

وعلى رغم أن مهرجانات سينمائية عالمية مثل كان وفينيسيا، تحولت منذ سنوات لأحداث فنيّة عالمية تجذب متابعين كُثر، إلا أن أفلام هذه المهرجانات وغيرها مازالت بعيدة عن خدمات الترفيه الإلكترونية العملاقة، حيث تتجه خيارات الأخيرة إلى أنماط فنيّة وإنتاجية خاصة، وتفضل أفلاماً يتصدر بطولتها نجوم معروفين. في الوقت الذي تحظى أغلب أفلام المهرجانات السينمائية – وحتى المهرجانات العملاقة – بفرص عرض محدودة كثيراً، وتغيب تدرجياً من الوعي العام، ولا يصدر من أغلبها أسطوانات رقمية (دي في دي). ونادراً ما تُعرض على شاشات التلفزيون في الدول الغربية.

تتفاخر نتفليكس وأمازون بأعداد المشتركين فيها (يقترب من المائتين مليون مشترك لخدمة نتفليكس حول العالم)، وأنها مهتمة بإرضاء هذا العدد الضخم من المشتركين سواء بنوعية الأعمال التي تنتجها خصيصا لخدماتها، أو بالتي تشتري حقوق عرضها. وإذا كانت نتفليكس قد قطعت خطوات معقولة على صعيد إنتاج الأفلام الفنيّة، ويتوقع منها المزيد (تخطط الشركة لعرض ثمانين فيلماً من إنتاجها الخاص في العام الجاري)، إلا انها مازالت متخلفة كثيراً، لجهة عدد الأفلام الفنيّة التي تشتري حقوق عرضها على خدمتها، إذ يبدو أن الشركة تفضل الخيارات الأمينة، ولا تريد أن تدفع مبالغ مالية من أجل الحصول على حقوق عرض أفلام لا يشاهدها إلا قلة من المشتركين في خدمتها.

خدمة Mubi التركية: تختار الخدمة ثلاثين فيلماً جديداً كل شهر و تتم الاختيارات عن طريق فريق الخدمة الذي يملك ذائقة سينمائية خاصة وخبرة كبيرة على صعيد البرمجة.

دفع غياب الأفلام الفنيّة عن المعروض في شركات الترفيه العملاقة البعض لإطلاق خدماته الخاصة بهذه الأفلام. فشهدنا في الأعوام الأخيرة على محاولات عدة، بعضها انتهى بالفشل، وبعد عام أو عامين على إطلاقه، فيما تحاول خدمات صغيرة أخرى التخصص في محتواها كثيراً، لجذب جمهور معين مهتم كثيراً بما تعرضه. فهناك مثلاً اليوم خدمات تتخصص بأفلام الرعب، التحريك، السينما الهندية، الوثائقيات، وغيرها. إضافة إلى الخدمات العامة، التي تعرض المختلف وغير المعروف من الأفلام السينمائية الفنيّة بكل أنواعها واتجاهاتها.

وأخيراً، تم في هولندا إطلاق خدمة “سينامبمبر” (CineMember)، التي يمكن الاشتراك فيها في هولندا وبلجيكيا مقابل مبلغ شهري، ويقف وراءها مجموعة من شركات التوزيع والإنتاج السينمائية في البلدين. يتوفر اليوم في الخدمة الجديدة خمسمائة فيلم، أغلبها عرض في الأعوام الماضية في صالات السينما الفنيّة في أوروبا. في حين ينتظر أن يضاف خمسمائة فيلم جديد في السنوات الثلاث القادمة، ليجذب هذا العدد الضخم نسبيا مشتركين جدد، بخاصة أن الخدمة تنافس في سوق صعب ومزدحم كثيراً، حيث توفر نتفليكس عدد كبير من الأعمال الحصرية التي تنتجها الشركة، علاوة على العدد الضخم من الأفلام التي تشتري حقوق عرضها وتضيفها إلى محتواها كل شهر.

صَرَحَ الهولندي ريك هارتمان، مدير خدمة “سينامبمبر”، لصحيفة “الفيلم” في بلده، بأن هناك شهية للفيلم الفنيّ في هولندا وبلجيكيا، وهذا ما أكدته أرقام التذاكر المباعة في صالات السينما الفنيّة في البلدين. حيث بيع في العام الماضي 2,7 مليون تذكرة في هولندا، و2,3 مليون في بلجيكيا. بيد أن هارتمان يعرف تماماً مُحددات السوق الخاصة التي يتوجه إليها، لذلك يكشف لنفس الصحيفة الهولندية، بأنه لا يخطط لمنافسة نتفليكس (تملك ما يقارب مليونين مشترك في هولندا)، وأنه سيكون سعيداً إذا وصل عدد المشتركين في هولندا في الثلاث أعوام القادمة إلى أربعين ألف مشتركاً.

خدمة Spuul: خدمة تتخصص في عرض الأفلام الهندية. يمكن التمتع بمشاهدة بعض الأفلام مجاناً.

أهم خدمات مشاهدة الأفلام الفنيّة على الإنترنت

خدمة Cinetree الهولندية: مشروع طموح يختار فيه فريق من الإختصاصيين عشرة أفلام كل شهر لطرحها على الخدمة. يُمكن الاشتراك في هذه الخدمة في هولندا فقط.

خدمة Mubi التركية: تختار الخدمة ثلاثين فيلماً جديداً كل شهر للمشتركين فيها، لترفع هذه الأفلام بعدها من الخدمة. تتم الاختيارات عن طريق فريق الخدمة الذي يملك ذائقة سينمائية خاصة وخبرة كبيرة على صعيد البرمجة. تتضمن الاختيارات غالباً أفلاماً غير معروفة كثيراً.  يمكن التمتع بهذه الخدمة في جميع دول العالم.

خدمة Yaddo البريطانية: تتخصص في عرض الأفلام الوثائقية المعروفة وغير المعروفة. يشرف على الخدمة الصحافي البريطاني نيك فريزر، والذي كان مسؤول عن البرنامج التسجيلي المعروف “ستوريفيلا”، الذي يعرض على شاشة هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي). يمكن استلام هذه الخدمة في جميع دول العالم.

خدمة Walter Presents البريطانية: خدمة مجانية للقناة الرابعة البريطانية، والتي يمكن استلامها في بريطانيا فقط. وتقوم على خيارات مبرمج الخدمة “والتر ليوزوني” من الأفلام والمسلسلات التي كانت قد عرضتها سابقاً القناة البريطانية الرابعة.

خدمة Crunchyroll اليابانية: تجمع الخدمة بين الأفلام اليابانية وأفلام التحريك. يمكن التمتع ببعض الأفلام التي تتوافر على الخدمة مجاناً، في حين تشترط الخدمة اشتراكاً شهرياً مقابل مشاهدة مُحتواها كاملاً. الخدمة متاحة للراغبين حول العالم.

خدمة Spuul: خدمة تتخصص في عرض الأفلام الهندية. يمكن التمتع بمشاهدة بعض الأفلام مجاناً، والتي تقطعها الإعلانات التجارية. وهناك اشتراكاً شهرياً في الخدمة يخلو من الإعلانات. يمكن التمتع بالخدمة في جميع دول العالم.

خدمة Fandor الأمريكية: واحدة من أكبر خدمات الأفلام الفنيّة في العالم، إذ يقترب عدد الأفلام الموجودة فيها من خمسة آلاف عمل. تتوفر الخدمة في الولايات المتحدة فقط.

خدمة Yaveo: وتتخصص بالأفلام الناطقة باللغة الإسبانية، ويمكن استلامها في جميع دول العالم مقابل اشتراكاً شهرياً.

خدمة Sundance Now Doc Club الأمريكية: تتخصص في عرض الأفلام الوثائقية، ويمكن استلامها في الولايات المتحدة وكندا.

خدمة Crunchyroll اليابانية: تجمع الخدمة بين الأفلام اليابانية وأفلام التحريك.

ما هو الفيلم الفني..؟

هناك تعريفات عديدة فضاضة للفيلم الفنيّ، والتي تحلل طبيعته وملامحه والآفاق التي يتحرك بها على صعيد الصناعة والعرض. إذ أنه الفيلم الذي يعكس إلى حدود كبيرة رؤية المخرج والعاملين في الفيلم، وحد أدنى من تدخلات الجهات الإنتاجية. هو أيضاً الفيلم الذي يبحث عن لغات سينمائية جديدة، بعيداً عن القوالب والأنماط الجاهزة، ويتحدى ويخالف توقعات الجمهور منه أو من الفئة السينمائية التي يصنف تحتها. الفيلم الفنيّ الأصيل هو رحلة من الصعب التكهن بمسارها وخواتيمها. كما يهيج هذا الفيلم أسئلة كثيرة، ولا يقنع بالحلول المبسطة المقنعة، ولا يخشى من صدم الجمهور عبر قصص ومعالجات ومشاهد تخالف الشائع.

وجد الفيلم الفنيّ في المهرجانات السينمائية المنصة المثالية – وأحياناً الوحيدة – للوصول والتفاعل مع الجمهور، إذ دافعت وروجت هذه المهرجانات لهذا النوع المختلف من الأفلام، وحمتها من قوانين السوق السينمائية المجحفة وجشع شركات الإنتاج. إلى جانب المهرجانات السينمائية، وفرت صالات السينما الفنيّة حضناً أميناً للفيلم المختلف لكي يعرض فيها، وتحولت هذه الصالات التي تتلقى دعماً حكومياً في العديد من الدول الغربية، إلى الوجهة الأولى للباحثين عن مشاهدة الفيلم الفنيّ في الصالات السينمائية. كما ساهمت قنوات تلفزيونية أوروبية حكومية في تعزيز حضور السينما المختلفة، عبر تخصيصها مساحات ضمن برمجتها الأسبوعية لعرض جديد وكلاسيكيات هذه السينما لمشاهديها.  

الفيلم الفني يبحث عن لغات سينمائية جديدة، بعيداً عن القوالب والأنماط الجاهزة.