إيران: السينما الخاصة بين السعفة والأوسكار

محمد رضا فرطوسي

حاولت الحكومات المتعاقبة ألا تُشاهد السينما المستقلة في الداخل على عكس ما تحصده في الخارج من مراكز تلفت الانتباه لها.

لم تحصل السينما المستقلة أو سينما المهرجانات كما تسمى في إيران على مكانتها في الداخل، وعلى عكس ما حدث لها من نجاحات لافتة في خارج إيران، بقيت بعيدة وللنخبة. وتكمن مشكلتها الرئيسية في عروضها العامة. إنها السينما التي ليست في متناول اليد ولا أتحدث هنا عن الرقابة ومنع الأفلام عن العرض، بل هي أفلام حاصلة على الترخيص.

منذ بداية السينما في إيران والحكومة لها مشاكلها مع السينما الموسومة بالخاصة،  هي سينما مشاكسة وتخلق المشاكل وغير راخضة للوضع الراهن. وحاولت الحكومات المتعاقبة جاهدة ألا تُشاهد في الداخل على عكس ما تحصده في الخارج من مراكز تلفت الانتباه لها. لذلك وبعد الثورة ورغم نجاحات السينما الإيرانية في المهرجانات وكسبها الكثير من الجوائز، ما زالت هذه الأفلام الأقلّ عرضا في الداخل. وتنقسم معارضة عرض هذه الأفلام من فريقين لسببين مختلفين. يرى الفريق الأول ويتشكل معظمه من الحكوميين أنها أفلام سوداوية ويرجحون أن تعرض في الخارج على عرضها في الداخل لأنّ أكثر هذه الأفلام تنقل واقع المجتمع الإيراني نسبياً، ولا تقع في قلوب الحكوميون كثيرا. أمّا الفريق الثاني فهو من أصحاب السينيمات التجارية، ويجدون أن هذه السينما تفتقد قوة استقطاب الجماهير، بينما عرض هذه الأفلام ما هو إلا فرصة لحرق فرص بقية الأفلام .

ورجّحوا أفلاماً تضمن ملأ صالات العرض وتضمن بيع تذاكرها وهي الأفلام التي تطرح موضوعات عامة وتجارية مثل الحب والكوميديا.

فيلم simulation هو أحد الأفلام التجريبية المعروضة في سينما الفن و التجربة

بعد مرور أعوام على الثورة ولمس النقص، تدخلت جهود كبيرة لتخصيص صالة عرض أو عدة صالات عرض يطلق عليها الصالات المفتوحة لعرض الأفلام الفنية قليلة المتابعين وباءت كلها بالفشل. ولكن مع تسلم حكومة روحاني وشعارات التغيير التي غطت كل الجوانب الحياتية والفنية قام رئيس مؤسسة السينما متخذاً من تجربة السينما الفرنسية بتأسيس سينما الفنّ والتجربة. وقد شغل رئيس المؤسسة السينمائية لأعوام منصب الملحق الثقافي الإيراني في فرنسا، وشهد التجربة السينمائية الفرنسية عن قريب، قام ،وبحركة جريئة، بتخصيص ميزانية ثابتة وصالات عرض في طهران وبقية المحافظات مفتتحاً عروض الأفلام الخاصة والوثائقية والقصيرة.

وقال حجة الله أيوبي حين افتتاح هذا القسم: “ما آمله من قسم الفن والتجربة هو، إضافة للعروض الجيدة، أن يكون فريق متقدم في مجال الإدارة السينمائية والتجارب الجديدة من إدارة لصالات العرض والإعلانات والحوارات والجلسات النقدية. آمل أن يفتح هذا الفريق تجارب جديدة. وآمل أن يكون هذا القسم نافعا لكل السينما وما أودّ حصوله في السينما بصورة عامة أن يحصل هنا أولاً وفي الفن والتجربة ثم يتوسع في بقية السينما، امنحوا السينما قوة إيجابية كهدية.

وفي العام 2016 بدأ قسم الفنّ والتجربة “عمله مؤكداً على عرض الأفلام الهادفة بين الأفلام غير التجارية إذ يمكن عبر عرضها أن تجد مكانة تليق بها بين صناعها وأن تعلو بثقافة المشاهد وبمستوى الفنّ السينمائي الإيراني”. وب 1500 كرسي الذي يعادل أقل من واحد بالمئة من حجم الكراسي السينمائية في البلاد، عُرض أكثر من 300 فيلماً روائيا ووثائقيا وقصيرا.

حصل المخرج الإيراني أصغر فرهادي على جائزة الأوسكار لفئة أفضل فيلم أجنبي عن فيلمه "the Salesman"

النقطة اللافتة هنا هي ذهاب كلّ مبيعات التذاكر لمنتج الفيلم وتدفع وزارة الإرشاد والثقافة لصاحب الصالة مكافئته بينما تتحمل في نفس الوقت وزارة الثقافة والإرشاد تكاليف إعلانات الأفلام. هذه حصيلة التجربة الفرنسية والاحتذاء بها. لكنها لم تمر بسلام…

وجد المعارضون لهذه الفكرة أنّ الحكومة وعبر دفعها مساعدات تستهلك استقلالية هذا القسم وتتوقع أنّ الحكومة وعبر تدخلها ستترك أثرها على الأعمال السينمائية المستقلة وإنتاجها وهذا أمر يتضاد مع الاقتصاد الحر للسينما.

وبعد تغيير الوزير ورئيس المؤسسة السينمائية وهما الداعمان الأساسيان لهذا المشروع، تصاعدت أصوات المعارضة أكثر من السابق وازدادت حدّة، وكانت خطوتهم الأولى خفض عدد صالات العرض. ولكن المعارضة مازالت مستمرةً والكثير قلق من تأثر أفلام الفنّ والتجربة على تيار السينما العام وانخفاض البيع وبالتالي نموها.

يُعتبر موقع “كافه سينما” من أهمّ المواقع الإلكترونية السينمائية الإيرانية، والمسؤول عنه هو أحد الوجوه النقدية المعروفة أمير قادري، وهو يأخذ عملية نقد مجموعة “الفن والتجربة” بكل جدية. وهم يعارضون كل تدخل أو دعم حكومي في إنتاج أو عرض النتاجات السينمائية، ويجدون الحلّ الأمثل لنمو السينما الإيرانية وبقائها على قيد الحياة في خروجها من دائرة الدعم الحكومي ودخولها في السوق الحرّ القائم على المتلقي وبيع التذاكر. فهم يجدون أنه كلّما زاد دور الحكومة في السينما، يزيد تدخلها في اختيار الموضوع ومراقبة وحذف المحتوى.

المخرج الإيراني عباس كيارستمي والذي حصل على جائزة السعفة الذهبيةفي مهرجان "كان" عن فيلم " طعم الكرز".

ولكن كيف تعامل السينمائيون الإيرانيون طوال هذه الفترة؟ وأي مدرسة سينمائية يرون أنها مخرجا لأزمتهم؟

طوال عقود سينمائية  كان السينمائيون يتبعون المدرسة الفرنسية في اتخاذ قرارتهم، التي تتلقى الدعم من حكومتها مع عدم تدخل الحكومة في المحتوى. مع اختلاف واضح وهو صمت الحكومة أمام منتجها السينمائي مهما كان لاذعاً وسوداويا ومأساوي. لذلك باتت الأصوات السينمائية في إيران اليوم أكثر صخبا لاتخاذ المدرسة الأمريكية خاطرة طريق لحلّ أزمتهم، بدل المدرسة الفرنسية. ومعروف عن المدرسة السينمائية الأمريكية استقلالها المالي وبعدها عن الدعم والتدخل الحكومي.

وعلينا أن ننتظر إجابة السؤال الذي يواجه السينما الإيرانية، السينما التي اتخذت المدرسة الفرنسية والأوروبية نموذجا يحتذى به، بعد حصول عباس كيارستمي على السعفة الذهبية، والآن أنظارها مشدودة جهة المدرسة الأمريكية بعد حصول أصغر فرهادي على الأوسكار، أيُّ مدرسة ستحل مكان الآخرى، السعفة أم الأوسكار؟