“اغتيال فرحات حشاد”… الفيلم الذي شغل التونسيين

ما إن بثت قناة الجزيرة الوثائقية فيلم “اغتيال فرحات حشاد” للمخرج التونسي جمال الدلالي، حتى استفاق المشهد الإعلامي التونسي على حملة وطنية تطالب بمحاسبة الجناة الذين اغتالوا الزعيم النقابي الأبرز في تاريخ تونس.

ولد الزعيم فرحات حشاد يوم 2 فيفري سنة 1914 في جزيرة قرقنة التونسية من عائلة متواضعة حيث كان أبوه صياد أسماك ككل سكان المنطقة تقريبا. لم يتمكن من مواصلة تعليمه حيث خرج من الصف السادس ابتدائي ودخل سوق الشغل في منطقة الساحل. هناك بدا يتلمس طرق النضال العمالي والسياسي. وترقى في سلم العمل الوطني والنقابي حتى أصبح العضو الأبرز في الحركة العمالية التونسية في الثلاثينات والأربعينات.
وتمكن سنة 1946 من يؤسس مع رفاقه في النضال الاتحاد العام التونسي للشغل وانضم إلى الكنفدرالية الدولية للنقابات الحرة. اغتالته منظمة اليد الحمراء التابعة للمخابرات الفرنسية. حيث امتدت يد الغدر نحو الشهيد يوم 5 ديسمبر 1955 في مدينة رادس الضاحية الجنوبية للعاصمة تونس. حيث هوجمت سيارته بالرصاص. ولما لم يمت في حينه نقله القتلة إلى منطقة قريبة من تونس وتمت تصفيته.

منفذ العملية اسمه أنطونيو ميليور.. وقبل الفيلم لم يكن أحد من التونسيين يعرف قاتل زعيمهم التاريخي. وبعد الفيلم الذي عرض يوم 18 ديسمبر الجاري أصبح هذا العميل السابق للمخابرات الفرنسية أكثر الرؤوس طلبا من مختلف شرائح المجتمع التونسي لأنه اغتال زعيما يتربع على الذاكرة الوطنية بكل ثقله الرمزي والنضالي.

عميل المخابرات الفرنسية أنطونيو ميليور

أول ردود الفعل كانت من ابنه السيد نور الدين حشاد الذي طلب بفتح التحقيق رسميا. أما ردة الفعل الأخرى والتي اتخذت خطوة عملية فهي الحملة التي قادها الاتحاد العام التونسي للشغل  الذي يدين لحشاد بالكثير. فاتخذ إجراءات قانونية حولت القضية إلى قضية وطنية تمهيدا لتدويلها.
من جهتها أبدت عمادة المحامين التونسيين استعدادها لإعداد الملف القانوني للقضية. وقد امتلأت صفحات الجرائد التونسية في الأيام الأخيرة بمقالات مؤيدة لفتح التحقيق ومحاسبة الجاني. واتفقت كل قوى المعارضة والمجتمع المدني على هذه القضية.
وفي اتصال مع السيد عبيد البريكي رئيس قسم التثقيف النقابي في الاتحاد العام التونسي للشغل والذي كلفه الاتحاد بملف هذه الحملة، أبدى امتنانه وشكر الاتحاد لقناة الجزيرة الوثائقية التي أسدت خدمة لا تقدر بثمن للاتحاد وللتونسيين عموما.
وقال البريكي “إن ما جاء في الفيلم يعتبر أول دليل واضح بالصوت والصورة على هوية الجاني وتورط فرنسا في الموضوع. وبالتالي يعتبر أنطونيو ميليور مجرما مع سبق الإصرار والترصد.. خاصة وأنه أبدى استعداده لإعادة تنفيذ جريمته، لو عاد به التاريخ إلى تلك المرحلة”.

السيد عبيد البريكي

وأضاف البريكي أنه وبمجرد مشاهدة الفيلم اُتخذ فورا قرار على مستوى قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل لرفع قضية ضد الجاني. وعن الخطوات العملية وضح أن الاتحاد بدأ بالاسترشاد بالمحامين وأهل القانون لتحديد الإجراءات القانونية المعمول بها دوليا في مثل هذه القضايا. وتبين من خلال الاستشارات القانونية أن هذا النوع من الجرائم لا يسقط بالتقادم. فهي جريمة تصنف ضمن جرائم الحرب لأنها استهدفت مسؤولا سياسيا ونقابيا معترفا به وطنيا ودوليا.
وقد تمكن الاتحاد بحسب عبيد البريكي من تجنيد محامين تونسيين وعرب ودوليين لخوض غمار هذه القضية. وأن كل محام سيتخذ الفيلم دليلا على أي إجراء قانوني يتخذه.
وفي سؤالنا عن سبب تأخر الدليل أكثر من نصف قرن. وكيف أن فيلما وثائقيا يعيد التحقيق إلى مربعه الأول قبل 54 سنة، قال مسؤول التثقيف في الاتحاد : “إن هذا الفيلم تميز بحرفية في الاستقصاء والبحث. وقد لفت نظرنا إلى كثير من عناصر خاصة بملابسات القضية. من خلال شهادة المؤرخين الذين تحدثوا في الفيلم”.
وأردف المتحدث بأنهم سيتصلون بأسماء الباحثين الواردة أسماؤهم في الفيلم لمزيد من التفاصيل والاسترشاد. كما أن معلومة الكتاب الذي كتبه الجاني في أواخر التسعينات عن تجربة عصابة اليد الحمراء كان من المعطيات الجديدة الغائبة عن كثير من المهتمين في تونس وكان الفضل للفيلم في نشرها.

جثة الشهيد حشاد وأثر الرصاصة في رأسه

 ويستغرب البريكي من امتناع الخطاب الرسمي من الإدلاء بدلوه في القضية خاصة وأن فرحات حشاد من رجالات البلاد الذين كان لهم الفضل في استقلال تونس.
يختم البريكي مقابلته مع الجزيرة الوثائقية بالقول ” ظل الاتحاد لسنوات يبحث عن دليل قاطع وها قد وفره الفيلم أخيرا. وهذا دليل على أهمية الأفلام الوثائقية في كشف المستور وطرح القضايا الوطنية وهو أمر يحسب للجزيرة الوثائقية.”