الأفلام الهندية.. النهايات السعيدة ليست حتمية

 
ندى الأزهري- نيودلهي
 
تكتسح السينما الشعبية، الناطقة باللغة الهندية والمتعارف على تسميتها بسينما ” بوليوود”، دور العرض وقلوب الجماهير في الهند، وهي لا تترك دَورا لسينما أخرى محلية كانت أم أجنبية، وعلى الرغم من أن معظم ولايات الهند التي لها لغتها الخاصة إضافة إلى اللغتين الهندية والإنجليزية الرسميتين، تنتج أفلاما محلية بهذه اللغة تعبر عن خصوصيتها الثقافية إلا أن تلك لا تحظى إلا فيما ندر بعروض في ولايات الهند الأخرى.
يُعتبر المهرجان الوطني للسينما في الهند إحدى المناسبات النادرة التي تتيح التعرف على إنتاجات المقاطعات الأخرى من خلال عرض أفضل أفلامها الفائزة بجوائز الدولة المالية والمعنوية. تعرض تلك الأفلام في نيودلهي العاصمة وعلى مدى إسبوعين يتابع المهتمون عروض أفضل فيلم  وإخراج وتمثيل وتصوير… أُنتج في العام السابق قادم من شتى أنحاء الهند  وناطق بلغات أشهرها الماراتية- ولاية مهارشترا غرب الهند وعاصمتها مومباي- والتاميلية – ولاية تاميل نادو وعاصمتها مدراس-  والبنغالية ولاية البنغال الغربي وعاصمتها كلكوتا-….الخ
 
فما هي المواضيع التي تطرحها سينما الأقاليم تلك؟
 
حبّ مستحيل
السينما الماراتية باتت تشكّل منافسة حقيقية لسينما بوليوود. أحد أفلامها الفائز في جوئز الدولة بتنويه خاص لبطلته “رينكو راج غورو” ، التي كانت تستحق في الحقيقة جائزة أفضل ممثلة، سطا على قلوب الناس في ولاية مهارشترا وحقق أعلى إيرادات نالها فيلم ماراتي لغاية اليوم في الهند. ” سايرات” Sairat  للمخرج ناغراج مانجول، قصة حب بين مراهقين لكنها لا تشبه تلك القصص التي نراها عادة في الأفلام الهندية بما تحتويه من مبالغات عاطفية وتخمة رومانسية عن أحلام شابين ببناء بيت ومستقبل معا، بل هي قصة حب متحدية مشوقة بمواقفها وأداء أبطالها العفوي. متحدية لأنها عن حب يجمع بين فتاة وشاب ينتميان لطبقتين اجتماعيتين مختلفتين. في نظام الطبقات الهندي، فإن ارتباطا كهذا لا يمكن له أن يحدث، وإن حدث فعواقبه وخيمة… الفيلم مازال يحصد إقبالا منقطع النظير في الولاية حيث صوّره المخرج، ويرى فيه نقاد هنا إنذارا حقيقيا للسينما الناطقة بالهندية. إنه فيلم ممتع ومقنع  ومشوق ولا يخلو من قيمة فنية لاسيما لناحية أداء أبطاله المبتدئين الذين أسروا القلوب بطبيعيتهم وإتقانهم في تجسيد الشخصيات. وهو فيلم تبقى صور أبطاله ولاسيما بطلته في الذاكرة لقوة حضورها.
إنه أيضا فيلم منعش لاسيما في جزئه الأول وقد حلت نهايته الأليمة كصدمة غير متوقعة. 
 
التنديد بنظام التراتب الطبقي في الهند نراه في أفلام أخرى. من ولاية “أوتار برادش فاز ” ماسان” بجائزة أنديرا غاندي الممنوحة للفيلم الأول. في هذا الفيلم الذي عرض في ” نظرة ما” في كان العام الفائت، يسلط نيراج غيوان الضوء على التركيب الأخلاقي لمدينة ” مقدسة”. في فرناسي تتقاطع حيوات أربع شخصيات على نهر الغانج المقدس. هنا أيضا شاب من الطبقة الدنيا يحب حبا لا أمل منه لفتاة من طبقة أعلى، كما ثمة فتاة تشعر بالذنب لافتضاح أمرها في علاقة جنسية وثمة آخرون يحاولون النجاة من الأعراف القاسية التي تتدخل في مصائرهم. 
كذلك جاء أفضل فيلم من ولاية آندرا برادش الناطق بالتيلغو، عن الطبقات وحواجزها ومحاولة اختراق حدودها في فترة حرجة من تاريخ الهند. في ” كانش” شاب من الطبقة المتوسطة يقع في حبّ فتاة من عائلة ملكية، وبالطبع هناك الأخ ليفعل كل شيء للتغلب على هذا الحب إلى أن يتيح القدر للحبيب إنقاذ حياة الأخ خلال الحرب العالمية الثانية التي شاركت فيها وحدات هندية تحت التاج البريطاني. جاء ذلك بعد فوات الأوان! هنا نسجل ملاحظة أن النهايات السعيدة لم تعد أمرا محتوما في السينما الهندية حتى في أفلام بوليوود!
 
الإنسان العادي هو الضحية دائما!
المواضيع الاجتماعية هي المفضلة للسينما في الهند. أفضل فيلم  بلغة كانندا “Thithi” لوحة طريفة مبتكرة وممتعة لقرية عبر أربعة أجيال بكل ما فيها من نفاق وغش وسُكر وتمسك حرفي بالتقاليد الشكلية لاحترام المظاهر. كذلك طرحت حياة القرى وقضية انتحار المزارعين في الهند تحت وطأة الديون ورهن الأراضي التي تقود الفلاح البسيط إلى الانتحار في أفضل فيلم ماراتي Ringan.
  أما أفضل فيلم لولاية هارايانا المجاورة لدلهي فكان عن وضع الفتاة المهمل في تلك الولاية، فعلى الرغم من محاولاتها لإثبات ذاتها، إلا أن نظرة المجتمع لا تواكب التغير في وضع الفتاة. كذلك يتزايد اليوم الحديث في السينما الهندية عن تبعات الحروب على النساء وتأثير حركات التمرد عليهن وهذا ما نراه مثلا في الفيلم الفائز بجائزة أفضل فيلم بودو حيث أبرزت مانجو باراه  مخرجة “دو هودوني ميتاي” الاغتصاب الذي تعرضت له نساء من المنطقة خلال أيام التمرد في شمال شرق الهند وذلك من قبل الجيش والمتمردين على حد سواء، كذلك تناولت التحديات التي تواجه الرجل العادي الذي لا حول له في هكذا أوضاع.
ثمة أفلام أخرى تتناول فترات الاضطرابات التي مرت وتمر بها بعض مناطق الهند، وتداعياتها التي أكثر ما تمسّ الأبرياء. كان هذا موضوع أفضل فيلم بنجابي “Chauti Koot لغورفندر سينغ الذي عرض في قسم ” نظرة ما” في مهرجان كان العام الفائت. يعود الفيلم إلى أجواء الشك والرهاب والخوف التي سادت فترة التمرد في البنجاب في الثمانينيات، حيث الإنسان العادي ضحية تجاوزات الجيش والمتمردين على حد سواء.
ولم يكن يشار إلى السياسة في الأفلام الهندية إلا من بعيد، لكنها تبرز أكثر فأكثر اليوم لاسيما لجهة الفساد والرشوة، وما يخضع له الإنسان البسيط من تسلط السلطات وقمعها. في دراما قوية تثبت من جديد مدى تطور السينما التاميلية يأتي فيلم مأخوذ عن قصة حقيقية عن تسلط الشرطة على المواطنين الأبرياء.   “عنف” Visaaranai أفضل فيلم بالتاميلية مشغول بحرفية، يتابع الأيام الأخيرة لمجموعة من عاملين فقراء هاجروا من ولايتهم لولاية أغنى للعمل وأريد لهم حمل عبء جريمة لم يرتكبوها. بعد سلسلة من الحوادث سيواجهون قدرهم المحتوم الظالم. 
 
هجرة وحدود مصطنعة
الهجرة أيضا ولكن نحو بلاد أخرى يعالجها أفضل فيلم بلغة المالايام” Pathemar” لسليم أحمد. من شواطئ ولاية كيرالا إلى صحارى الشرق الأوسط يذهب الكثير من السكان إلى الخليج للعمل من أجل مستقبل أفضل. 
كما طرحت قضايا الحدود التي فرضها التقسيم على الهند في فيلمين أحدهما فيلم البنغالي غوتام غوش” شنكشيل” أو اللا حدود، عن تقسيم الحدود العشوائي الذي لا يأخذ بالحسبان الإنسان بل يقسم على أساس العرق والدين كهذه العائلة الهندية التي يقع منزلها بين الهند وبنغلاديش، الغرف في بنغلاديش والمطبخ في الهند! لوحة مدهشة رسمها هذا المخرج  المعروف لتأثير التقسيم الأحمق على حياة الناس وأثر الهوية الثقافية في سلوكهم، ولو أن هذا الفيلم لا يصل إلا بتصويره إلى مستوى فيلم ” العبور”  أحد أفضل الأفلام التي قدمها هذا المخرج للسينما الهندية.
 
بالطبع ثمة أفلام ناطقة بالهندية فائزة، كالفيلم الذي فار بجائزة الفيلم الأكثر شعبية ” باجْرانغي بهاي جان”( بما معناه، الأخ العزيز المتفاني في خدمة الإله هانومان) وهو من تمثيل سلمان خان وحقق حين عرضه في الهند نجاحا ساحقا…
 ولكن تلك نتركها فثمة فرص عديدة للحديث عنها ولمشاهدتها، فلنعطِ الفرصة لتلك الأفلام المختلفة التي لا مجال لرؤيتها إلا في بعض المهرجانات ربما والتي تتيح التعرف على غنى وتنوع الهند بعيدا عن مومباي!