الدورة الـ41 لمهرجان القاهرة السينمائي.. تميز عالمي وانكفاء محلي

قيس قاسم

بإعلان لجان تحكيم مسابقاتها الرسمية أسماء الفائزين بجوائزها، اختتمت الدورة الـ41 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي أعمالها، وذلك وسط ارتياح عام لتمكنها من تجاوز عقبات واجهت دورات سبقتها، وتركت انطباعا بأن المهرجان بات عاجزا عن اللحاق ببقية المهرجانات المحلية والعربية المنافسة له.

تؤشر الجوائز والأفلام الفائزة إلى تطابق معقول جدا مع ما أعلنه مسؤولوها قبل انطلاقها، فأقسامها وخاصة الكبيرة منها؛ “آفاق السينما العربية” و”المسابقة الدولية” توفرت على أعمال سينمائية جديدة وجيدة، كما توضح الجوائز نواحي من ذلك الجانب المهم الذي غاب عن دورات سابقة، وفي إحداها عجز المهرجان عن تأمين فيلم مصري مهم في مسابقاته.

ليست الأفلام المصرية هذا العام كثيرة، لكن مشاركة الوثائقي “إحكيلي” لماريان خوري في المسابقة الدولية أحدث فرقا، وتعزز وجوده بعد حصوله على جائزة الجمهور “جائزة يوسف شريف رزق الله”.

 

“شارع حيفا”.. الأجود في آفاق السينما العربية

على المستوى العربي الأمر مختلف، فالأفلام كانت حاضرة بقوة في “مسابقة آفاق السينما العربية”، وقد حاز أجودها على جوائز مهمة مثل العراقي “شارع حيفا” لمهند حيال الذي نال جائزة أفضل فيلم عربي في المسابقة، إلى جانب نيل ممثله “علي ثامر” جائزة أفضل ممثل. فيما حصل الفيلم التونسي “بيك نعيش” لمهدي برصاوي على جائزة لجنة التحكيم الخاصة “جائزة صلاح أبو سيف”، وفي الوقت نفسه فاز بجائزة أحسن فيلم عربي مُختار من بين كل المسابقات الرسمية.

وعلى المستوى الوثائقي خرج اللبناني “بيروت المحطة الأخيرة” لإيلي كمال بجائزة أفضل فيلم غير روائي، مُعززا من حضور المنجز الوثائقي اللبناني في المهرجانات العربية والعالمية.

 

انكفاء جماهيري في بلد طليعي

ثمّة مفارقة صارخة لازمت مهرجان القاهرة في سنواته الأخيرة، ولم تتمكن الدورة الـ41 التي ختمت أعمالها في (29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019) من تجاوزها بالكامل، ونعني بها مسألة الحضور المصري والتفاعل الضعيف مع الفعالية، فهي ما زالت بعيدة عن اهتمام الجمهور العام، أو بعبارة أدق ما زال الجمهور بعيدا بمسافة عنها.

الصور المُلتقطة لحشود مُنتظرة أمام شبابيك قطع التذاكر في مجمع دار الأوبرا لا تُخفي حقيقة الانكفاء الحاصل، فالكثير من هؤلاء هم من طلبة معهد السينما. لا بأس بهذا، لكن بالنسبة لمهرجان يُقام في البلد الطليعي لصناعة السينما العربية فإن الأمر سيكون مختلفا، ويؤشر إلى خلل يحتاج لمراجعة وبحث جدّي في أسبابه. إن توسيع عروضه خارج تجمع الأوبرا وعرض أفلام مسابقاته وغيرها في صالات وسط البلد حلّ معقول، لكن الإقبال عليها ما زال ضعيفا.

إن المقارنة مع مهرجان أيام قرطاج السينمائية على سبيل المثال توضح الفكرة بشكل أفضل، فقرطاج التونسي مهرجان جماهيري بحق، لا تنقصه المشاركات المهمة عربيا أو أفريقيا باعتباره مختصا بها، ويحظى دوما بإقبال لافت هو الأكبر –ربما- بين المهرجانات العربية.

يكفي هنا الإشارة فقط إلى أن التونسي “بيك نعيش” والعراقي “شارع حيفا” الحاصلان على جوائز القاهرة قد سبق عرضهما في قرطاج.

المخرج الفلسطيني إيليا سليمان في لقطة من فيلمه “لو شئت كما في السماء”

 

أفلام عالمية لمخرجين كبار

إلى جانب تخصيصه مسابقة للأفلام العربية، تمَكّن القاهرة في دورته الأخيرة من تأمين أفلام أجنبية ذات خصوصية فنية عالية، حيث تجاوز بها كثيرا ما كان يحصل عليه في الدورات السابقة. فمن المعروف أن جلب أفلام عالمية لأي مهرجان كبير ليس بالأمر الصعب، فالصعوبة تكمن في الحصول على الأهم منها، وعلى هذا الجانب تتنافس المهرجانات العربية فيما بينها، وبالتحديد مهرجان القاهرة ومهرجان الجونة.

لقد انتبه منظمو مهرجان القاهرة لذلك الجانب فسعوا بقوة لجلب أفلام جديدة لمخرجين كبار، مثل المخرج الفلسطيني إيليا سليمان، والسويدي روي أندرسون، والأمريكي تيرينس ماليك (كلها خارج المسابقة)، أما إلى داخلها فجاؤوا بتحف رفعت من قيمتها.

إعلان فوز المكسيكي “أنا لم أعد هنا” للمخرج فرناندو فرياس بجائزة “الهرم الذهبي”؛ جاء إلى حد كبير متوافقا مع توقعات النقاد.

قصة شاب يافع عمل على تجميع مراهقي مناطق فقيرة في المكسيك في فرقة موسيقية

 

هروب من الجحيم وعودة إليه.. تحفة مكسيكية

تتأتى التُحفة المكسيكية “أنا لم أعد هنا” أهميتها سينمائيا من عمل إخراجي، وسيناريو يتشعب ويصل إلى تخوم جغرافيات مختلفة، وحركات سياسية ثورية تواجه عسفا عسكريا، وإلى حوافِ إبداع موسيقي يُعاكس المألوف.

جَمَعَ المخرج فرياس كل ذلك في نص انطلق من قصة شاب يافع عمل على تجميع مراهقي مناطق فقيرة في المكسيك في فرقة موسيقية تعزف وتغني نمطا جديدا من موسيقى أمريكية لاتينية الروح. هدفه لم يكن فنيا فحسب، بل رغبة في إبعادهم عن عالم المخدرات والعصابات المنظمة. كان يتميز بمظهره “الغريب”، وبسلميته في التعامل مع الغير حتى مع أشدهم قسوة، والذي اكتسبها من تجربة موت أخيه في أعمال عنف، وقرّر على إثرها أن لا يمر بمثلها مهما كلف الأمر.

حظه العاثر سوف يدفعه ليكون في المكان الخطأ واللحظة الخطأ، حيث سيدفع ثمن وجوده في موضع جريمة لم يشارك فيها غالبا. ولحماية نفسه من انتقام العصابات؛ قرّر الهجرة مُجبرا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. هناك في نيويورك سيجوع ويُشرد، لكنه في الوقت نفسه سيُقابل بشرا أسوياء يتعاطفون معه كإنسان قبل كل شيء. طيبتهم لن تقوى على مواجهة قرارات ترامب التي وضعها عن عمد للحد من هجرة الهاربين الباحثين عن سلام بعيد من عنف بلدانهم.

يطرح الفيلم الفائز ذلك السؤال المتعلق بإجبار الهاربين من الجحيم للعودة إليه، وذلك بأسلوب سينمائي رائع يجمع بين الميلودراما والموسيقى والنقد السياسي لسياسات قمعية محلية، ولأخرى خارجية لا تهتم بمصير البشر، ولا يهمهما ماذا ينتظرهم، حيث يعودون إلى بلدانهم يواجهون فيها ثانية وحوشا آدمية من دون حماية ولا قوة.

أداء بطل الفيلم خوان مانويل جارسيا تريفينا استحق عليه جائزة أحسن ممثل في المسابقة الدولية.

“أبناء الدنمارك” الحاصل على جائزة جمعية النقاد الدولية “فيبريسي” في القاهرة

 

“أبناء الدنمارك”.. شجاعة الطرح

جائزة أفضل ممثلة التي مُنحت لـ”جودي إن سانتوس” عن دورها في فيلم “مينداناو” جديرة بها، وذلك بعد تجسيدها دورا صعبا مركبا حققت فيه ما أراده منها المخرج بريانتي ميندوزا، والذي يحاول في فيلمه تجسيد فكرة الأمل والمعجزات بأسلوبه السينمائي الأخاذ، حيث يجمع فيه الروائي بالوثائقي والتحريك، منطلقا من الحكاية الشعبية إلى البحث في فلسفة التشبث بالحياة والعطاء الدائم للمرأة في ظروف قاهرة.

فيما يحقق علاوي سليم في “أبناء الدنمارك” الحاصل على جائزة جمعية النقاد الدولية “فيبريسي” في القاهرة عكس آثار ما تفعله العنصرية في الدنمارك بأجيال مختلفة من المهاجرين، وذلك من خلال نص عنيف يرصد فيه تحوّل بطله المسلم العربي الأصل من رجل شرطة يؤمن بأخذ العدالة عن طريق القضاء، بدلا من أخذ الناس لها بأياديهم، إلى الجنوح نحو الانتقام الذاتي وأخذ العدالة بنفسه.

يفعل ذلك حين يجد نفسه أمام مجموعة عنصرية لا تكتفي بالإساءة للمهاجرين وخاصة المسلمين منهم، بل تُعامله كواحد “سيء” منهم، بغض النظر عما يقدمه للمجتمع من خدمات، فتُقدم على قتل زوجته وطفله ظلما. نص مشغول بأسلوب سينمائي ديناميكي جدير بجائزة “فيبريسي” لشجاعة طرحه.

المخرج الفلسطيني وسام الجعفري الحائز على أحسن فيلم قصير “أمبيانس”

 

جوائز وتنويهات

في أقسام مسابقة الأفلام القصيرة، حصلت المصري ندى رياض في فيلمها “الفخ”، واللبناني سمير سرياني “تماس” على تنويه خاص من لجنة تحكيم مسابقة “سينما الغد”، أما جائزة لجنة التحكيم الخاصة بالفيلم القصير فمُنحت للبرتغالي الفرنسي المشترك “سوء الحظ العجيب للتمثال الحجري” لجابريل أبرانتيس، في حين ذهبت جائزة “يوسف شاهين” لأحسن فيلم قصير لفيلم الفلسطيني وسام الجعفري “أمبيانس”.

أُعطيت جائزة صندوق الأمم المتحدة للسكان للفيلم التونسي “بيك نعيش”، في حين نال الفيلم الكوستاريكي “أرض الرماد” لصوفيا كيروس جائزة مسابقة أسبوع النقاد الدولي “جائزة شادي عبد السلام”. كما حصل فيلم “شبح مداري” للمخرج البلجيكي باس ديفوس على جائزة الهرم البرونزي. في حين مُنح الهرم الفضي بالمناصفة للتشيكي “نوع خاص من الهدوء” لميكال هوجَناور، مع الصيني “الحائط الرابع” لجانج تشونج وجانغ بو.

أما جائزة “نجيب محفوظ” لأحسن سيناريو فذهبت لفيلم المخرجة الفلسطينية نجوى نجار “بين الجنة والأرض”.