الدورة الـ77 لجوائز “غولدن غلوب”.. ميدان صراع آبل ونتفليكس على الهيمنة

محمد موسى

بقصة عن تحرشات جنسية تقع في كواليس صناعة التلفزيون الأمريكي، تدخل شركة “آبل” العالمية سباق “غولدن غلوب” للجوائز التلفزيونية، وذلك عبر مسلسلها “البرنامج الصباحي”.

“البرنامج الصباحي” هو الترشيح الأول للشركة الأمريكية العملاقة، وذلك بعد أشهر معدودة فقط من انطلاق خدمتها التدفقية لبثّ المسلسلات الحصرية عبر الإنترنت، التي تطمح عبرها إلى تحدّي هيمنة شركات مثل “نتفليكس” و”أمازون” على سوق بيع الترفيه عبر الإنترنت.

يُنافس المسلسل المذكور في فئة أفضل المسلسلات الدرامية، كما وَقَعَ اختيار الجوائز على بطلتي المسلسل “جنيفر آنيستون” و”ريس ويذرسبون” للتسابق على لقب أفضل ممثلة في فئة المسلسلات الدرامية.

ورغم أن الدورة الـ77 لجوائز “غولدن غلوب” (سيُعلن عن جوائزها في الخامس من يناير/كانون الثاني الجاري) ستكون الأولى التي تشارك فيها شركة آبل التكنولوجية بمسلسل من إنتاجها؛ فإن هذه الجوائز بشقّها التلفزيوني تُكرّس هيمنة شركة نتفليكس العالمية التي تبيع الترفيه عبر الإنترنت، إذ حصلت الشركة على 17 ترشيحاً لأعمالها التلفزيونية الحصرية التي عُرضت على خدمتها في العام 2019.

 

2020.. قفزة نتفليكس الكبرى

الملفت أن نتفليكس لم تعد تكتفي بالتنافس على الجوائز التلفزيونية كما كان الحال في السنوات الأخيرة، فأفلامها التي تُنتجها منذ سنوات تَحجز اليوم حِصة مُعتَبرة من الترشيحات على الجوائز السينمائية، إذ تُسابق نتفليكس على 17 جائزة سينمائية من جوائز الدورة القادمة من “غولدن غلوب”، علاوة على الترشيحات لأعمالها التلفزيونية الحصرية في الجوائز الأمريكية ذاتها، والتي تمنحها رابطة هوليود للصحافة الأجنبية سنوياً، وذلك للأعمال السينمائية والتلفزيونية على حد سواء.

تصاعد عدد ترشيحات نتفليكس على جوائز “غولدن غلوب” في شقها التلفزيوني في الأعوام الأخيرة يعكس الاهتمام والميزانيات الهائلة التي تُخصصها الشركة لأعمالها التلفزيونية الحصرية، فما بين عامي 2014 الذي حصلت فيه الشركة على ستة ترشيحات فقط، وعام 2020 الذي تنافس فيه الشركة على 17 جائزة؛ تفصلنا ستة أعوام فقط، ما يُعدّ فترة زمنية قصيرة للغاية في عمر الإنتاجات التلفزيونية، فهي تحتاج في الغالب إلى فترات طويلة من الكتابة والإعداد والتنفيذ. بيد أن هذا لم يوقف آلة نتفليكس العملاقة التي تتحرك في اتجاهات عدة، وتجذب مواهب كبيرة للمشاركة في أعمالها.

مع استثناء عام 2017 الذي حصلت فيه نتفليكس على خمسة ترشيحات “غولدن غلوب” في المسابقات التلفزيونية؛ كان حضور الشركة الأمريكية في الجوائز التلفزيونية الشهيرة يكبر كل عام، حيث شهد عام 2015 سبعة ترشيحات، وتسعة ترشيحات عام 2016، و12 ترشيحاً عام 2018، والعدد نفسه في عام 2019.

لم تعد نتفليكس تكتفي بتصدّر قائمة الترشيحات على جوائز “غولدن غلوب” للشركات التي تبيع الترفيه عبر الإنترنت، بل تُهمين اليوم على المشهد التلفزيوني بشكل عام، إذ أنها تخطّت قناة “أتش بي أو” (HBO) الأمريكية التي تحجز حصة ثابتة تقليدياً من ترشيحات الجوائز التلفزيونية في الولايات المتحدة.

“نتفليكس” أم “أتش بي أو”؟

 

أتش بي أو”.. تعثر ثم نهوض

بعد تراجع واضح في عدد الترشيحات التي حصلت عليها قناة “أتش بي أو” التلفزيونية في العام 2018 حين حصلت على تسعة ترشيحات فقط؛ عادت القناة التلفزيونية إلى المستوى المعروف عنها، وحصلت على 15 ترشيحا عام 2019.

فقد قدمت القناة مجموعة من الأعمال الرصينة والمُجددة لتعزز مكانتها كأحد أهم مصادر إنتاج الدراما المبتكرة والجريئة، رغم أن هناك شكوكا كبيرة حول قدرة القناة التي تبث عبر الكابل على الاحتفاظ بهذه المكانة، وذلك بسبب المنافسة الهائلة من شركات الإنترنت القادرة على جذب المواهب التلفزيونية في كل المجالات بسبب الميزانيات التي تملكها، والحريات الأسلوبية التي توفرها للعاملين فيها.

نتفليكس ليست شركة الإنترنت الوحيدة التي لفتت انتباه مانحي الجوائز في “غولدن غلوب”، فشركات مثل “أمازون” و”هولو” لها حصتها في سباق الجوائز لعام 2019، فقد حصلت الشركتان على خمسة ترشيحات لكل منهما، فيما تنافس آبل على ثلاث جوائز. وفي المقابل بلغ مجموع الترشيحات التي حصلت عليها القنوات التلفزيونية الصغيرة التي تُبث عبر الكابل التلفزيوني الأمريكي (باستثناء قناة “أتش بي أو”) على ثلاثة ترشيحات.

لقطة من مسلسل “التاج” لوالدة الملكة إليزابيث

 

مشهد الجوائز التلفزيونية.. ظواهر جديدة

يتميز عام 2019 بظاهرتين جديدتين على مشهد الجوائز التلفزيونية في “غولدن غلوب”، فهذه هي المرة الأولى في التاريخ التي تحصل فيها جهة إنتاجية واحدة هي “نتفليكس” على هذا القدر من الترشيحات في الجوائز السينمائية والتلفزيونية، إذ من المعروف أن الجهات الإنتاجية التي تنتج الأفلام السينمائية تختلف عن تلك التي تصنع الأعمال التلفزيونية.

والظاهرة الأخرى الجديدة في عام 2019 هي عدم حصول أي من القنوات التلفزيونية الأمريكية الكبرى التي تصل ببثها إلى الأمريكيين دون كابل إضافي على أيّ ترشيح، وهي التي كانت في الماضي تتحكم بأعمالها في المشهد التلفزيوني، وترسم ملامح الظواهر الفنيّة والاسلوبية في هذا المشهد.

 

مُسلسلات مُتنافسة.. عام النساء

على صعيد الأعمال المتنافسة لعام 2019 يُمكن الحديث عن دراما نسوية، ومُسلسلات تركز على شخصيات نسائية بالدرجة الأولى، فقد شهد عام 2019 وصول تأثيرات حركة “أنا أيضاً” إلى الأعمال الدرامية، وذلك عبر مسلسل “البرنامج الصباحي” الذي ينافس في فئة أفضل مسلسل درامي.

يركز المسلسل على كواليس برنامج تلفزيوني صباحي أمريكي شعبي، وذلك بعد طرد أحد مقدمي البرنامج بسبب تُهم الاعتداء الجنسي التي وُجهت له من عاملات في البرنامج. مُقاربة المسلسل بعيدة عن التبسيط كثيرا، بل إنه يقلب في كل حلقة تقريباً المُسلّمات المعروفة، ويطرح أسئلة جدليّة عن العلاقات والمصالح والسلطات.

وفي فئة أفضل مسلسل درامي يتنافس مسلسل “العرش” الذي يتابع في جزئه الثالث حياة الملكة البريطانية الحالية “إليزابيث الثانية”، ومسلسل “أكاذيب صغيرة كبيرة” الذي ينافس بموسمه الثاني، ويقدم قصة مجموعة من الصديقات والجارات في بلدة أمريكية غنية.

العمل الثالث الذي ينافس في فئة الدراما هو مسلسل “قتل إيف”، وهو عمل يكسر القوالب التلفزيونية، ويقدم بأسلوب مشوق جدا مطاردة طويلة ودموية بين شرطية وقاتلة محترفة. أما العمل الأخير في القائمة فهو مسلسل “خلافة”، الذي يقدم قصصاً من عوالم الإعلام الغربي من خلال عائلة ثرية تهيمن على صحف ومحطات أمريكية، ويُقال إن صانعي المسلسل استلهموا الفكرة من حياة رجل الأعمال الأسترالي المعروف “روبرت مردوخ” الذي يمتلك إمبراطورية إعلامية.

 

بين التمثيل والإجرام.. الصراع على عرش الكوميديا

تتنوع الأعمال التي تُنافس في فئة أفضل مسلسل كوميدي أو موسيقي، إذ تحجز القصص النسائية مسلسلين من الأعمال الخمسة المتنافسة، وهما “فليباك” للممثلة الكوميدية البريطانية الموهوبة “فيبي والر- بريدج”، الذي يتناول بكوميديا سوداء يوميات فتاة بعد وفاة أمها وصديقتها الحميمية.

والمسلسل الثاني هو مسلسل “السيدة الرائعة ميسيل”، المستوحى من قصة مُتخيلة لكوميدية أمريكية شابة تشق طريقها في خمسينيات القرن الماضي في مدينة نيويورك الأمريكية.

أما الأعمال الأخرى المتنافسة في فئة الأعمال الكوميدية والموسيقية فهي مسلسل “باري” الذي يروي قصة قاتل محترف يتعثر بالصدفة بدورة للتدريب على التمثيل، فيقرر البقاء هناك والتعلم، دون أن يكفّ الماضي عن مطاردته. ومسلسل “طريقة كومينسكي” الذي يدور أيضاً في عوالم التدريب على التمثيل، لكن هذه المرة سيكون التركيز على المدرب الذي يلعب دوره النجم “مايكل دوكلاس”.

إضافة إلى مسلسل “السياسي” الذي يتناول في جزئه الأول انتخابات طلابية في إحدى المدارس الأمريكية، كمجاز عن الحياة السياسية الغريبة والمضطربة في الولايات المتحدة الأمريكية في الأعوام الأخيرة.

لقطة من مسلسل “تشرنوبل”

 

مسلسلات قصيرة مُتنافسة

وفي فئة المسلسلات القصيرة والمحدودة المواسم أو الأفلام التلفزيونية تتنافس كل من الأعمال التالية: مسلسل “كايش 22” عن قصة من الحرب العالمية الثانية، وهو من بطولة النجم “جورج كلوني”. ومسلسل “تشرنوبل” الذي يُعدّ من أفضل المسلسلات الأمريكية التي أُنتجت في السنوات الأخيرة، ويتناول انفجار مفاعل تشرنوبل الروسي في عام 1986.

كما ينافس فيلم “فوس/فيردون” عن قصة حقيقية للعلاقة المُعقدة بين الراقصة “غوين فيردون” ومدربها “بوب فوس”. ومسلسل “الصوت الأعلى” عن حياة الإعلامي الأمريكي “روجر آيلز” الذي كان له شأن كبير في تحديد هوية ونجاح قناة فوكس الأمريكية. ومسلسل “لا يصدق” عن مجرم يقوم باغتصاب نساء من كل الأعمار، بيد أن العمل يركز بشكل مفصل على المحققتين اللتين ستطاردانه في رحلة مُشوقة كثيراً.

 

نجوم لامعون في مسلسلات خاصة

على الرغم من أن بعض الأعمال التلفزيونية المُهمة من الأعوام الأخيرة لا تُنافس في فئة أفضل المسلسلات سواء الدرامية أو الكوميدية، فإنها لم تخرج من سباق الجوائز المهمة خالية الوفاض، ذلك أن بعض أبطال هذه المسلسلات يتنافسون على لقب أفضل ممثل أو ممثلة، سواء في فئات الدراما أو الكوميديا والأعمال الموسيقية.

كما أن الجوائز اهتمت ببعض النجوم الذين لم يكتفوا ببطولة أعمالهم، بل كتبوها أيضاً، مثل البريطانية “فيبي والر بريدج” التي كتبت مسلسلها المبدع “فليباك”، والأمريكية “ناتاشا ليون” التي تقف وراء فكرة مسلسلها الغرائبي “الدمية الروسية”، وقد رُشحت في فئة أفضل ممثلة في المسلسلات الكوميدية والموسيقية.

الممثلان المصريان رامي مالك ورامي يوسف

 

بين “رامي يوسف” و”رامي مالك”.. جائزة أفضل ممثل

كما التفّت الجوائز حول الموهبة الكوميدية الكبيرة للممثل الأمريكي ذي الأصول المصرية “رامي يوسف”، الذي ينافس في فئة أفضل ممثل في المسلسلات الكوميدية والموسيقية عن مسلسله المهم “رامي”. حيث يقدم رامي يوسف في مسلسله نسخة مضخمة من شخصيته الحقيقية، وينسج من حولها قصصا صغيرة حول ما يمرّ به كأمريكي من أصول مسلمة في الولايات المتحدة اليوم. كما يتناول المسلسل قصص عائلته الصغيرة التي تعيش هي الأخرى حائِرة بين ثقافتين.

وينافس “رامي مالك”، وهو أيضا أمريكي من أصول مصرية على لقب أفضل ممثل في مسلسل درامي، وذلك عن الجزء الرابع من مسلسل “السيد روبوت”، الذي يواصل فيه تقديمه لشخصية الشاب المعذب الذي يخترق الأنظمة الإلكترونية.

ويأتي هذا الترشيح للممثل بعد فوزه عام 2018 بلقب الأوسكار كأفضل ممثل رئيسي عن دوره في فيلم “الملحمة البوهيمية”. كما يشارك الممثل في النسخة القادمة من فيلم “جيمس بوند”، الذي سيُعرض في غضون الأشهر القليلة القادمة.