ختام مهرجان سالونيكي التسجيلي

 محمد هاشم عبد السلام

لقطة من فيلم "النباح البعيد للكلاب" للمخرج سايمون ويتحدث عبر مجموعة من الصبية، عن فترة التوتر وقت أن كانت الحدود مُلتهبة بين روسيا وأوكرانيا.

اختتمت ليلة الأحد، الحادي عشر من هذا الشهر، فعاليات الدورة العشرين من مهرجان سالونيكي للسينما التسجيلية. ذلك الحدث البالغ الأهمية لأهل المدينة، الذي باتوا منذ عقدين ينتظرونه في مارس من كل عام، والشديد الأهمية أيضًا على المستوى الأوروبي، إذ يُعتبر المهرجان من أهم وأقوى مهرجانات الأفلام التسجيلية التي تنعقد بالقارة الأوروبية على مدار العام. ومهرجان سالونيكي للسينما التسجيلية هو جزء من مهرجانها الدولي الكبير للسينما، الذي تنعقد فعالياته في شهر نوفمبر من كل عام.

مُسابقة المهرجان الرئيسية

في برمجة المهرجان لهذه الدورة العديد والعديد من الأفلام التسجيلية المتنوعة، إذ عُرض في المهرجان هذا العام ما يزيد عن المائتي فيلم تسجيلي، ما بين قصير وطويل، في أقسام المهرجان المختلفة، مثل، المسابقة الدولية، وحقوق الإنسان، والسينما، والأطفال، والتاريخ – الذاكرة، والطعام، والسينما اليونانية، وغيرها من الأقسام. بعض الأفلام عُرضت كعرض عالمي أول، وأخرى كأول عرض دولي، وبعضها كان العرض الأول له في أوروبا. وقد استأثرت اليونان، كالعادة، بنصيب الأسد من العروض، وذلك بإجمالي عدد أفلام تجاوز السبعين فيلمًا في أقسام المهرجان المُختلفة، 53 فيلمًا طويلا و23 فيلمًا قصيرًا، وقد اشترك من بينها فيلمين في المُسابقة الرسمية.

وقد ضمت مُسابقة المهرجان الدولية هذا العام عشرة أفلام، يزيد طولها عن 50 دقيقة، أغلبها ذات إنتاج مشترك بين عدة دول أوروبية وعربية، وقد تراوح أطوالها بين تسعة وخمسين دقيقة إلى ساعة ونصف الساعة أو أكثر قليلا. وقد اشتركت الأفلام التالية في المسابقة: “بارونيسة” للمخرجة جوليانا أنتونيس من إنتاج البرازيل، وهو من أقوى أفلام المهرجان، ويتناول حياة الفقر والخطر في العشوائيات بالبرازيل. وفيلم “كل هذا يمر عبر نافذة لا تُفتح” للمخرج مارتن ديسيكو من إنتاج قطر والولايات المتحدة، ويتناول بتميز شديد قصة إنشاء خط سكة حديد جديد يمر عبر حدود ثلاث دول، بينها صراعات، ومصير هذا الخط والعمال في ظل تلك الصراعات. فيلم “الاستيقاظ” للمخرج جياوي نينج من الصين، يتناول حياة أحد الصيادين وسط الجليد، ودأبه لإذابة الجليد عن مركبة، والإبحار به في موسم الصيد الجديد، والفيلم رائع على المستوى البصري وتنفيذ الصوت والإضاءة. الفيلم الأوكراني “النباح البعيد للكلاب” للمخرج سايمون ليرينج ويلموت من إنتاج الدانمارك وفنلندا والسويد، يقدم لنا عبر مجموعة من الصبية، صبيين على الأخص، فترة التوتر وقت أن كانت الحدود مُلتهبة بين روسيا وأوكرانيا، وذلك من خلال تقدم نموذج لقرية حدودية يعيش سكانها القلائل على خط النار.

الفيلم الكردي “الشُهب” للمخرج التركي جوركان كيلتيك من إنتاج هولاندا وتركيا، يتناول أيضًا موضوع الحرب والقرى الواقعة على خط النار، لكن على الحدود التركية الكردية، إن جاز التعبير، ومعاناة الأكراد من القصف والدمار أثناء فترات التوتر. واستعرض فيلم “فندق يوغسلافيا” للمخرج نيكولاس فاجنيرز من إنتاج سويسرا، سقوط أو تفكك يوغسلافيا عبر رحلة بانوراميه لأحد أهم وأكبر فنادق البلقان، الذي يعاني من حالة انهيار تام منذ سنوات بعيدة، لا سيما بعد الانفصال وتفكك الوحدة. أما الفيلم الإسباني المرح والممتع “السينيفليات” للمخرجة ماريا ألفاريز من الأرجنتين، فيتناول حياة ثلاث سيدات عجائز من إسبانيا والأرجنتين والأوروجواي، مهوسات حد الولع المَرَضي بالسينما، التي يذهبن إليها كل يوم، ويقضين يومهن بالكامل فيها. أما الفيلم اليوناني الأول بالمسابقة فهو بعنوان “الباروكي المعتم” للمخرجة إيفانجيليا كرنيوتي إنتاج فرنسا واليونان فيتناول نشاط وحركة المتحولين جنسيًا في مدينة ريو دي جانيرو في البرازيل، وسعيهم لنيل حقوقهم هناك. أما الفيلم الثاني فهو بعنوان “عبر جسدها” للمخرج زخارياس مافروإيدس من إنتاج اليونان، وقدَّم لنا قرية وجزيرة “ثيراثيا”، التي هجرها أهلها، لكن من بقي منهم على قيد الحياة يذهب إليها في 31 يوليو من كل عام، وهناك يلتقون من أجل تنظيف وتجهيز الكنيسة، استعدادًا للاحتفال بيوم وفاة مريم العذار في 15 أغسطس من كل عام، وفقًا للمفهوم الديني لدي اليونانيين. أما آخر أفلام المسابقة فقد كان الفليبيني “أنجكار” للمخرجة نيري أدلين هاي من إنتاج فرنسا، وتناول قصة حياة والدها الذي نجا من مذابح الخمير الحمر في كمبوديا، والذي يروي لنا فيه ما كان شاهدًا عليه بأم عينيه هناك، وأماكن العديد من القبور الجماعية وتنفيذ الإعدامات والتعذيب والانتهاكات الجسدية.

لقطة من فيلم " وجوه وأماكن" للمخرجة البلجيكية المخضرمة، آنييس فاردا.

لجنة التحكيم والجوائز

وقد تكونت لجنة تحكيم هذا العام من خمسة أعضاء، هم: السويدية آنيكا جوستافسون وهي ناقدة سينمائية وصحفية، ومُبرمجة المهرجانات الأميركية كارولين ليبريسكو، والمخرج السينمائي الدانماركي ديفيد بورنشتاين، والمنتج السينمائي الهولندي يان روفيكامب، وأخيرًا المخرج اليوناني ليفتيريس كاريتوس. كما تكونت لجنة نقاد السينما الدوليين (الفيبريسي) من ثلاثة نقاد: يائيل شوف من إسرائيل، وتونشي فالينتك من كرواتيا، وجوزيف برويماكيس من اليونان.

وقد منحت لجنة تحكيم المسابقة الدولية جائزة “ألكسندر الذهبي”، ومبلغ مالي قدره ثمانية آلاف يورو لفيلم “النباح البعيد للكلاب”، كما مُنحت جائزة “لجنة التحكيم” لفيلم “بارونيسا”، ومبلغ مالي قدره ألفي يورو وذلك مناصفة مع فيلم “شُهب”. كما منحت لجنة الفيبريسي جائزتها لفيلم “النباح البعيد للكلاب”. والمبالغ المالية مُقدمة من جانب رعاة للجوائز من أجل دعم المهرجان والمخرجين التسجيليين وأفلامهم.

هذا، وقد فاز فيلم المخرج السوري المتميز طلال ديركي، عضو لجنة تحكيم المهرجان في العام السابق، بجائز الجمهور لدورة المهرجان هذا العام، وذلك عن فيلمه الشديد الأهمية والجرأة “عن الآباء والأبناء”، والذي عُرض ضمن فعاليات قسم كاليدوسكوب. وكان “عن الآباء والأبناء” قد فاز بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان “صندانس” في دورته الفائتة هذا العام.

يستعرض فيلم "فندق يوغسلافيا" للمخرج نيكولاس فاجنيرز من إنتاج سويسرا، سقوط أو تفكك يوغسلافيا عبر رحلة بانوراميه لأحد أهم وأكبر فنادق البلقان.

فيلما الافتتاح والختام وآنييس فاردا

ومع احتفال المهرجان هذا العام بدورته العشرين، قرر أن يهدي تكريمه العشرين للمخرجة البلجيكية المخضرمة، آنييس فاردا (1928 – ). وقد عرض المهرجان عشرة أفلام من أهم أعمال آنييس التسجيلية، إلى جانب عرضه لآخر أفلامها التسجيلية، وهو بعنوان “وجوه أماكن” (2016)، في افتتاح المهرجان هذا العام، وكان الفيلم بالفعل خير افتتاح لفعاليات المهرجان. وقد عبَّرت آنييس، اليونانية الفرنسية الأصل، عن سعادتها البالغة وتقديرها الشديد لهذا التكريم عبر شهادة بُثت في حفل الافتتاح، قبل عرض فيلمها.

وقد اختتم المهرجان دورته لهذا العام في الثامنة من مساء الأحد في مسرح الأوليمبيون بعرض الفيلم الصامت “عن نيس” (1930)، للمخرج الفرنسي القدير الراحل جان فييجو، مع عزف النوتة الموسيقية الأصلية المُصاحبة للفيلم، وذلك بمصاحبة عزف حي لأوكسترا سالونيكي السيمفوني. وكان من عادة المهرجان عرض الفيلم الفائز في الختام، عقب توزيع الجوائز، ومع ذلك فقد كان اختيار هذا الختام الموسيقي الحي وفيلم فييجو المُرمم، في غاية التوفيق لختام تلك الدورة.

لقطة من الفيلم الكردي "الشُهب" للمخرج التركي جوركان كيلتيك من إنتاج هولاندا وتركيا، ويتناول موضوع الحرب والقرى الواقعة على خط النار، لكن على الحدود التركية الكردية.

فعاليات أخرى

وضمن فعاليات المهرجان الأخرى، وكعادته السنوية، منح المهرجان تفويضه هذا العام للمخرجة والكاتبة والمنتج الأميركية “سارة درايفر”، ضمن فعالية بعنوان “تفويض مُطلق: سارة درايفر”، والتي اختارت فيها درايفرعرض عشرة أفلام تسجيلية لمخرجين متنوعين، تم اختيار أفلامهم بناء على الذائقة الخاصة لها، وقد وقع اختيارها على أفلام متباينة الطول من 12 دقيقة إلى ما يقترب من الساعتين، بعضها يعود لأوائل الثمانينيات من القرن الماضي والآخر إلى مطلع هذا العام. كما عرض المهرجان آخر أفلام سارة درايفر التسجيلية وهو بعنوان “سنوات المُراهقة الأخيرة لجان ميشال باسكيا” (2017)، عن فنان الجرافيتي الأميركي الشهير جان ميشال باسيكا الذي أبدع في فن الجرافيتي وكان من رواده، على الأقل في أميركا، وتوفي وهو في الثامن والعشرين من عمره.

وفي السياق ذاته، عقد المهرجان عدة احتفاليات وتظاهرات جانبية، سينمائية وترفيهية ومعارض وحلقات نقاش وسينما الواقع الافتراض وغيرها، وذلك على هامش احتفاله بالسنوات العشرين الأولى من عمره. وتحت عنوان “ما بعد 68″، عرض المهرجان، احتفاء بتلك الحركة التمردية ومظاهرات الشباب في تلك الفترة في أوروبا وغيرها، ما يزيد عن سبعة أفلام قصيرة وطويلة، صنعت في الفترة بين عام 68 وعام 2017.  كما نقل المهرجان، في سابقة أولى من نوعها، على الهواء مباشرة من مسرح المهرجان الكبير، في تمام الثالثة صباحًا وحتى السابعة صباحًا، حفل توزيع جوائز الأوسكار لهذا العام، الذي انعقد قبل أيام قليلة.

فيلم "السينيفليات" للمخرجة ماريا ألفاريز من الأرجنتين، يتناول حياة ثلاث سيدات عجائز من إسبانيا والأرجنتين والأوروجواي، مهوسات حد الولع المَرَضي بالسينما.

المشاركة العربية

كالمعتاد، لا يتغافل المهرجان عن عرض أهم الأفلام التسجيلية العربية التي عرضت في مهرجانات مختلفة أو في عرضها العالمي الأول، وقد تنوعت الأفلام المشاركة العربية في أقسام المهرجان المختلفة هذا العام ما بين القصيرة والطويلة، بإجمالية سبعة أفلام، وهي كالتالي: “يوم في حلب” للمخرج علي الإبراهيم، و”طعم الأسمنت” للمخرج زياد كلثوم، “أمل” للمخرج محمد صيام، و”عن الآباء والأبناء” للمخرج طلال ديركي”، و”الجمعية” للمخرج ريم صالح، و”حجرة لرجل” للمخرج أنتوني شدياق، و”أهل الأرض الخراب” للمخرجة هبة خالد.

يعد مهرجان سالونيكي للسينما التسجيلية من أهم المهرجانات في أوروبا.