دراما رمضان تتنصل من واقعها

أسماء الغول

لا يوجد مسلسل “أفراح القبة” في رمضان 2017 ليغفر لبقية المسلسلات عيوبها، ويبتلعها في عبقريته، لذلك بقي المُشاهد وحيداً، محبطاً من دراما هذا العام، فهو عطش للحكاية الجيدة، وصابر على المط والتطويل والحوارات المكررة التي أضعفت كثيراً من مسلسلات بدت قوية في أولى حلقاتها، كـمسلسلي “حلاوة الدنيا” للمخرج حسين المناوي، و”لا تطفئ الشمس” للمخرج محمد شاكر خضير، فقد كانا شيقين ومختلفين، إلا أنهما سرعان ما وَهِنا درامياً.

أبطال مسلسل "لا تطفئ الشمس"

“لا تطفئ الشمس”

ومسلسل “لا تطفئ الشمس” مأخوذ عن رواية الأديب إحسان عبد القدوس التي تحمل نفس العنوان، وبغض النظر عن مدى تماهيه معها من عدمه، فإن العمل الأدبي يتحول إلى كائن آخر في السينما أو التلفزيون.

كما استطاع أن يرجع سيناريست المسلسل تامر حبيب للشخصية المصرية في الدراما وعيها واستقلاليتها عبر حوار متمكن إلا أن المسلسل سرعان ما انخفض مستواه وتراجع.

 فقد نجح كل من السيناريو والإخراج في تطوير الشخصيات بشكل جميل في البداية، ولعبت ريهام عبد الغفور دورها باحتراف يفوق الآخرين، لكن رهان المخرج والكاتب على الممثل “محمد ممدوح” بدور الشقيق الكبير أحمد، لم ينجح طوال الوقت، فتركا له التحولات الأكبر ما جعل المسلسل كله يتأرجح مع أدائه خلال هذه التحولات.

 وقد كان على قدر التحدي في بعض المشاهد، كبكائه وافتقاده لشقيقه “آدم”، إلا أن الخط الدرامي انحرف كثيراً حين تلبس شخصية شقيقه آدم، فقد كان في تمثيله كثير من الافتعال والمبالغات، ما أضعف المسلسل كلياً.

 فبعد أن أصبح “أحمد” فجأة كاتباً مبدعاً يثقل على المُشاهد بسماع قراءته لقصصه بلغة عربية ركيكة، اختفى أيضاً فجأة هذا الكاتب الموهوب الذي امتدحه الجميع، ليصبح الشاب “الصايع” الذي يدخن المخدرات، ويسهر في النوادي، ويستجدي حب صديقة شقيقه “رشا”، بمشاهد تصل إلى الابتذال أحياناً.

محمد ممدوح في لاتطفئ الشمس

وقد كان الحوار وأداء الممثلين والحبكة، جميعها عناصر تغطي كثيرا من عيوب التصوير الداخلي المظلم في معظم مشاهد المسلسل، لكنه حين أصبح فيما بعد مسلسلاً يركز على إشكاليات عاطفية مترفة، برزت كل عيوب التصوير والإضاءة، لتتواجه طبقية المسلسل فالغني والفقير لا يلتقيان، هذه النتيجة التي وصل إليها الجميع ما عدا “آدم” الذي يُعاقب منذ بداية المسلسل حتى حلقاته الأخيرة.

لم يعد المسلسل يعطي المتلقي التشويق وغاب التأزم الذي كان في بدايته، وسار في تكرار ومبالغات عاطفية غير واقعية كالمشهد الذي أدته “رشا” شيرين رضا، حين رجع “آدم”، ناهيك عن غياب تام للطبقة المتوسطة ليس فقط في هذا المسلسل بل في معظم المسلسلات المصرية، فحين تتابعها إما تجد مسلسلاً يغرق في تفاصيل الطبقة الغنية، أو آخر لا يتزحزح عن الطبقة الشعبية الفقيرة إلا إذا أصبح فجأة البطل مليونيراً.

 كذلك هناك تغييب فادح للمشاكل التي تعاني منها مصر خلال الفترة الحالية في الحياة السياسة والاجتماعية والحقوقية، وكأن الفن في واد، والواقع في وادٍ آخر، فالتفجيرات والاعتقال السياسي وحكم العسكر والفقر والوضع الحقوقي المزري لم يتجرأ أحد على ذكر أي منها.

 وربما لهذا السبب غابت الطبقة المتوسطة المصرية عن الدراما، فهي الأكثر وعياً بما يجري حولها، والأكثر مساً بما يحدث حالياً على الساحة المصرية.

وكان مسلسل “لا تطفئ الشمس” بدأ بقوة عن قصة أرملة تعيش مع أبنائها وبناتها الخمسة، ولكل واحد منهم شخصيته ومشاكله، وهناك المربية خفيفة الظل “بسيمة” تقوم بدورها الممثلة عارفة عبد الرسول ببراعة، وطبعا الأم وهي الممثلة ميرفت أمين التي تحن إلى حبها القديم، لكن المسلسل لم يستمر بهذه القوة، ولم يأخذنا إلى واقعية هذه الشخصيات التي كان من الممكن أن تترك أثراً عند المُشاهد وتناقش مشاكل حقيقية في المجتمع المصري، بل ركز على خيانة زوجات جميلات لا يوجد اهتمام بحياتهن سوى بالرجال، والمظاهر، وتصبح الأم ناطقة باسم الطبقية المقيتة في حوارات فجة.

 وحتى الدور الذي قامت به ريهام عبد الغفور على الرغم من أنه الوحيد الذي بقي متميزاً إلا أنه لم يخلُ هو الآخر من عبارات عنصرية ضد المهن والطبقات الشعبية، كان بالإمكان أن تكون هذه العبارات ضمن التعبير عن الواقع، لولا الدروس النهائية وخلاصات الحياة التي جاءت على لسان أبطال العمل من أنه يجب أن تتزوج بمن يشبهك ومن طبقتك، ومن هؤلاء الشقيقة “إنجي” أمينة خليل التي لم يتطور أداؤها أو انفعالاتها، وكأن مسلسل “جراند أوتيل” 2016، وضعها وثبتها في خانة معينة.

وقد هبط مستوى السيناريو، وسير الشخصيات اللذين كانا بسقف مرتفع، ليصبح بعد ذلك “كروتة” كما يقولها المصريون، فتمت كتابة العشرين حلقة الأخيرة بسرعة، حتى إن النكات اللطيفة التي كانت تُضحك المُشاهد اختفت تماماً، ليصبح كل المسلسل ثقيلاً لا يشبه الرواية أو الواقع أو مصر. لا يشبه إلا نفسه.

مسلسل حلاوة الدنيا يروي كيف تحدى عاشقان مرض السرطان بالحب

“حلاوة الدنيا”

أما مسلسل ” حلاوة الدنيا” فقد بدأ هو الآخر قويا مفعما بالأحداث، إلا أنه بعد الحلقة السادسة أو الخامسة، أصبح كل شيء يتكرر، ولم يعد يراهن المُشاهد سوى على النهاية التي يفترض أن تكون غير متوقعة لخاتمة العاشقين اللذين يعانيان من مرض السرطان.

وكان من الممكن للسيناريو أن يغوص أكثر في تفاصيل مريض السرطان النفسية والحياتية، وألا يركز على كليشيات تتكرر في الأفلام الأجنبية التي تتحدث عن اقتراب الموت ومرض السرطان؛ كأمنيات المريض، وعزلته، والقوائم لأشياء مجنونة يفعلها.

 وقدم المسلسل المرض في حياة شابين من الأغنياء اللذين يسافران ويشاركان بحلقات فضفضة جماعية وعلاج روحاني، وهذا ما لا يحدث مع ملايين المرضى بالسرطان من الفقراء في مصر والعالم العربي.

 وعلى الرغم من أنه لا يوجد طبقية للمرض إلا أن المسلسل قدم طبقية العلاج والاهتمام، وربما كان الأحرى به أن يقدم مريض السرطان في مجتمع واقعي يأكله الفقر والظلم المجتمعي والسياسي، وأن يحتفظ بنفس الخفة والحيوية والإرادة للتغلب على المرض دون الحاجة لذلك إلى باروكة باهظة الثمن أو تذاكر طيران أو عصير فواكه عضوي.

  ولم تستطع حرفية هند صبري، وحيوية ظافر العابدين في دورهما أن يغفرا الحوار المتشابه والمتكرر بين الصديقات أو بين الأم وابنتيها أو بين الأختين، فلا يوجد أحداث كبيرة بعد أن كان المسلسل في ذروته في الحلقة الأولى حين تكتشف أمينة مرضها، وبعد ذلك تهبط الأحداث تنازلياً.

ظافر عابدين وهند صبري في المسلسل.

وربما يعود سبب كون المسلسل برتم واحد، هو غياب أصالته وأصالة الفكرة، فالإبداع عادة يجد ما يمده بحيوية متجددة وحقيقية ولكن التقليد يجعله باهتاً، ومستنسخاً بلا روح، بل مجرد حاجة درامية لتعبئة فراغ ثلاثين حلقة فقط، فالعمل مقتبس بشكل كامل عن المسلسل الأمريكي  Chasing Life، والذي بدوره مقتبس عن المسلسل المكسيكي Terminales، وهو ما يشير إليه مسلسل “حلاوة الدنيا” بشكل سريع باللغة الأسبانية في “التتر”.
ورغم كل ذلك إلا أن اختيار التونسييّن صبري وعابدين في دور مريضي سرطان موفق فقد كان بينهما تناغم أثناء التمثيل انسجم معها المُشاهد ولاقى موقفهما كثيراً من الأصداء على وسائل التواصل الاجتماعي حين قررا مواجهة مرضهما بالحب، في أجواء لطيفة من النكات والسخرية، خاصة مع وجود الممثلة “حنان مطاوع” والتي تؤدي دوراً جميلاً لولا بعض المبالغات في “القلش” التي سرعان ما ملّ منها المشاهد.
 كما تقدم مطاوع نموذجا مهماً للمرأة التي استقالت من عملها الذي تحب كمضيفة طيران من أجل زوجها لكنها خسرت كل شيء بالنهاية، ويبدو وضعها مأساوياً مقارنة بمرضى السرطان الذين تملؤهم الحيوية.

“هذا المساء”

وقد كانت مطاوع منسجمة أكثر كممثلة بدورها في المسلسل المهم “هذا المساء”، والذي لم يلقَ الرواج الذي يستحقه، وربما يعود ذلك كون حلقاته الأولى ذات إيقاع بطيء، فقد غاصت الحلقة الأولى في الحي الشعبي ومحل “الموبايلات”، مع انتقال محايد إلى عالم البيزنس والأعمال والبورصة حيث يعمل “أكرم” ويقوم بدوره الممثل إياد نصار في شركة حماه، ويعان�� من ملل ورتابة في الحياة مع زوجته التي قامت بدورها الممثلة أروى جودة.
 وكانت الحلقات الأولى هادئة أمام مسلسلات أخرى فيها جذب وتشويق أكثر، ولكن المسلسل سرعان ما أًصبح الأفضل بين ما يعرض حالياً على شاشات الفضائيات في حين خفت تشويق المسلسلات المحيطة، فـ”هذا المساء” لا يزال في أتون شعلة التشويق، فهو يمس حياتنا اليومية، ويقدم أزمات حقيقية إذا لم يكن المتلقي الحالي يعاني منها، فهو يخاف كل يوم أن تحدث له.
 إنه عالم التلصص السري على الحياة الإلكترونية، والخصوصية، ويكاد يكون المسلسل الوحيد الذي يلمس أزمة من الواقع المصري والعربي كالتحرش وابتزاز النساء والرجال عبر انتهاك الخصوصية.
ولم تكن حنان مطاوع صاحبة المطعم الشعبي هي الوحيدة التي قامت بدور أخاذ بل هناك سيمفونية عمل جميلة يقدمها المسلسل، فيؤدي كل واحد دوره على أكمل وجه، فلا يوجد من قدمه أقل من المتوقع أو أنه بالغ في أدائه.
 لقد حبس الإخراج والمونتاج أنفاس المُشاهد حتى هذه اللحظة، وتجاوز بسهولة الحلقات الأولى التي فشلت في جذب العيون إليه، ليصبح الآن حديث الناس في الصحافة، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
ونجح العمل بأن يضع المُشاهد داخله، وأن يشعره أنه هناك في المسلسل وقد يكون هذا الرجل أو تلك الفتاة، أو يكون هاتفه ذاك الهاتف، فهو يقدم الحياة السرية لمحلات تصليح الأجهزة الإلكترونية والعالم المرعب لابتزاز النساء والفتيات، في ذاك الحي الشعبي.

مسلسل "هذا المساء" يمس حياتنا اليومية، ويقدم أزمات حقيقية إذا لم يكن المتلقي الحالي يعاني منها، فهو يخاف كل يوم أن تحدث له.

ولم تتناقض ثيمة التلصص على نساء الحي الشعبي، على الإطلاق مع ثيمة أكرم وزوجته ومشاكل الطبقة الغنية كإدمان المخدرات والملل الزوجي، كما لم يستمر الحياد في تقديم العالمين، بل يسير بنا المخرج تامر محسن الذي أبدع في مهمته في هذين العالمين بشكل متواز، يتقاطعان أحياناً عبر مستر “أكرم” وسائقه سمير وهو الممثل “أحمد داود” الذي قام بأداء بارع وحقيقي أفضل بكثير من أدائه في مسلسل رمضان الماضي “جراند أوتيل”، والآن هناك “تُقى” تربط بين العالمين بعد أن أصبحت جليسة في فيلا مستر أكرم.
و”تُقى” هي ضحية صاحب محل “موبايلات” آخر يقوم بأداء دوره بإتقان الممثل محمد جمعة لدرجة تشعر أنك تريد أن تضربه، إذ يبتزها بعد حصوله على فيديو لها، وقد حطمت هذه الفتاة قلب المُشاهد حرفياً على حالها وندمها وخوفها من نشر الفيديو، وتقوم بدوها ممثلة صاعدة إلا أنها متمكنة “أسماء أبو اليزيد”، وغالبا يعود ذلك إلى كونها ممثلة مسرح.
“هذا المساء” دراما ذكية ناقشت مشاكل مجتمعية عدة دون مبالغات أو تكرار للمَشاهد والحوارات، أو شرح المشروح وهو ما وقع فيه المسلسلان السابقان. وقد جاء كل مشهد  بمكانه، منطلقاً من الحديث عن عالم الإلكترونيات إلى العلاقات المتأزمة بين الرجل والمرأة في الحياة الحقيقة ومدى الكذب والخداع بينهما، مقارنة بمدى الكذب والخداع في حياة “السوشيال ميديا”.

وهنا تجب الإشارة إلى أن المسلسل عبارة عن ورشة عمل جماعية ليس فقط في إنجاز السيناريو الذي جاء خلال كتابة مشتركة بإشراف السيناريست محمد فريد، بل أيضا في التمثيل، فالبطولة للجميع بدايةً بالمخرج تامر محسن الذي يبدو أن تخرجه من قسم عمارة جعل زوايا مسلسله وأعمدته مضبوطة إلى أقصى حد، وهناك المونتير وائل فرج الذي تحكم بالمَشاهد دون مد أو جزر، وآلف بينها بانسياب، وأخيرا طاقم التمثيل الذي أصبح من الصعب تخيله خارج هذا العمل.
 إن معاصرة الدراما للحداثة وتطور أزمات البشر بتطور التكنولوجيا لأمر مهم غائب كثيرا عن واقع الدراما العربية التي تبقى تحن إلى الحكايات الكلاسيكية، أو تستنسخ ما لا يشبهها، وتخاف من المغامرة.
 وهنا نرفع القبعة لمن راهن على الحداثة وأزماتها، ولم يغلق عينيه عن عالم تسيطر عليه التكنولوجيا، فمنذ اللقطة الأولى بالمسلسل تعرف أنك أمام دراما غير اعتيادية إذ لم تكن كاميرا تصور مشهدا يحدث في “البلاتوه” بل مشهد من على كاميرا موبايل، وهنا لب المسلسل الحياة من خلال هواتفنا الذكية، التي يحب “سوني” التحكم بها، وسوني هذا حكاية وحده، أدى دوره بعبقرية الممثل محمد فراج، إنه يشبه بشرا كثيرين لا يمكن أن تحكم عليهم بالسوء أو الخير، ومن يريد أن يعرفه فعليه بمسلسل “هذا المساء”.

“أرض جو”، “الحرباية”، “الأعلى سعر”، “كفر دلهاب”

هيفاء وهبي أدت دوراً جيداً كفتاة من حي شعبي تدعى "عسلية" في مسلسل "الحرباية"

تثبت دائما الأعمال الدرامية الجيدة بعد أن تمر بمرحلة الخطر أي غالباً بعد الحلقة الخامسة عشر، فإذا سقط العمل في التكرار، ولم يعد يقدم تشويقاً درامياً خرج من السبق وهكذا كان مسلسل الفنانة غادة عبد الرازق “أرض جو” للمخرج محمد جمعة الذي بدأ مشوقاً لكنه غرق في تلميع النجمة، وليس إبراز الدور، أو العمل ككل.
 فالمسلسل لا يتحدث على الإطلاق عن شخصيات حقيقية، فعبد الرازق تقوم بدور الأخت الكبيرة التي تعمل مضيفة طيران، وتتحمل مسؤولية عائلتها وأشقائها الشباب، ولا يتبقى لها من راتبها سوى القليل، وهو غير منطقي في سير المسلسل فهي تظهر بفساتين ومكياج وأماكن تكلف عشرات آلاف الدولارات، وقد أرادت بذلك أن تظهر غادة الجميلة التي لا تشيخ على حساب دورها كممثلة.
وهناك أيضاً حكاية شقيقها الذي اختطف الطائرة التي تعمل فيها، فقد ملأت الحلقات المبالغة، والمصادفات الكثيرة التي لا تحدث سوى في أعمال عبد الرازق، فهي حشو “أكشن” للإثارة وجذب المُشاهد على حساب الحكاية، والتسلسل الدرامي، وفي أداء ضعيف للممثلين أكثرهم سوءاً كان الممثل محمد كريم في دوره كـ “كابتن” الطائرة.
 وكان يجب على عبد الرازق أن تتعظ من أفول أعمالها الرمضانية الأخيرة، وتبتعد عن النرجسية العالية والحكايات التي لا تحدث سوى في مسلسلاتها، لكنها مصرة على لعب الدور المثالي في أبهى حلتها وسط أحداث بوليسية، ورجال يتحلقون حولها مولهين، فكل شيء مسخر لخدمة صورة النجمة على حساب العمل.
وهذا الفخ لم تقع فيه النجمة هيفاء وهبي، مع أنها أدعى لذلك، وقد أدت دوراً جيداً كفتاة من حي شعبي تدعى “عسلية” في مسلسل “الحرباية”، ولم تقدم نفسها كفتاة مثالية، بل جاءت بدور الظالمة التي تخدع من حولها وتتلون مثل “الحرباية”.

مسلسل "أرض جو" بدأ مشوقاً لكنه غرق في تلميع النجمة غادة عبد الرازق، وليس إبراز الدور، أو العمل ككل

وكان المسلسل مشوقاً لحلقات طويلة، خاصة مع إثارة فضول المُشاهد لتتبع حكاية هذه الفتاة وكيف سيتم اكتشاف خداعها لأزواجها المتعددين، لكن ما لم يساعد هيفاء على إبراز موهبتها في التمثيل التي كانت أكثر وضوحا في مسلسل “مريم” 2015، هو الضعف التدريجي للمسلسل، فلم يستطع المخرج أيمن صقر إنقاذ المسلسل أو الحفاظ على ألا يشبه عشرات المسلسلات والأفلام التي تتحدث عن العشوائيات والأحياء الفقيرة، والمشاكل الأخلاقية التي تحدث فيها.
 ويصل المسلسل في آخر حلقاته ليفقد قيمته تماماً حين تصبح “عسلية” مع الرجل الغني كبير السن وادعائها أمامه أنها فقدت الذاكرة، ليقع في حبها، فهذه حكاية مكررة آلاف المرات سينمائياً وتلفزيونياً، كما حكاية شقيقتها “فتون” التي أدت دورها الراقصة دينا، والتي انتقلت من الفقر إلى الغنى نتيجة بيع المخدرات.
 وكان المسلسل أفضل لو بقي في العشوائيات، وذلك العالم الخلاب للفقر وغيرة النساء والحقد، وبيع الجسد الذي لا يرفضه الحي، ولكن يحاربه بالنميمة، إلا أن الجميع انتقل منه بعد أن أصبحوا من أصحاب السيارات والشقق الفخمة.
ولم يعد مسلسل “الحرباية” ينافس، بل خرج من السباق الرمضاني، وكان وجود ممثل كعمرو واكد من المفترض أن يضيف إلى المسلسل، ولكنه مع الأسف قدم دوراً مبتذلاً مؤكداً على ستيريو تايب “الفنان التشكيلي” في الذاكرة السينمائية العربية، كشاب سكير، غير مخلص، مجنون، عاشق للنساء.
وتجب الإشارة إلى أن ملامح هيفاء وهبي البلاستيكية لم تساعدها كثيرا على تمثل الشخصيات المتعددة التي لعبتها في المسلسل، فتعابير وجهها لا تتغير، كأننا أمام هيفاء أخرى وليست تلك الممثلة البارعة التي نتذكرها من فيلم “دكان شحاتة”.

مسلسل "الأعلى سعر" بطولة نيلي كريم وزينة وأحمد فهمي، يقدم حكاية غير واقعية عن راقصات باليه تجاوزن الخامسة والثلاثين يتنافسن على النجومية والرجل الواحد

أما مسلسل “الأعلى سعر” للمخرج محمد العدل، ومن بطولة نيللي كريم وزينة وأحمد فهمي، يقدم حكاية غير واقعية أو من الممكن أن نصادفها في مجتمعات خاصة الخاصة، فأين في العالم العربي هناك راقصات باليه تجاوزن الخامسة والثلاثين يتنافسن على النجومية والرجل الواحد وسط شبكة مؤامرات وحقد عاطفي وغيرة قاتلة؟ سوى في مسلسل مصري يقلد فيلماً أجنبياً بديعاً كـ ” Black Swan” 2010 مع إضافات تناسب الروح العربية التقليدية. وهذا ما جعل له متابعة كبيرة بين الجيل الشاب خاصة الفتيات فهو يتحدث عن معركة دامية للحب والخيانة، وتصدرت الممثلة زينة كل ما قيل عن المسلسل لنجاحها في أداء دور الصديقة الشريرة.
ووسط تراجع كبير لمسلسلات كان الرهان عليها كبيراً، وبعضها قادم من أعمال أدبية مهمة، وسبقها إعلانات كثيرة، يأتي مسلسل دون إعلان ودون ضوضاء يفرض نفسه بقوة وهو “كفر دلهاب” للمخرج أحمد نادر جلال، حيث لا مكان محدد، أو زمان معين، سوى الغموض والحكايات الخيالية المشوقة، والمَشاهد المرعبة.
 ويتناسب غموضه وتشويقه مع ذاكرتنا للمسلسلات الخيالية الدرامية التي كنا نشاهدها في طفولتنا خلال شهور رمضان السابقة، فقد ترك مسلسل “ألف ليلة وليلة”1989 للمخرج فهمي عبد الحميد وبطولة ليلى علوي صورا سحرية في الذاكرة، وكذلك المسلسل السوري “كان يا مكان”1990 للمخرج بسام الملا، لا نزال نحتفظ بحكاياته الجميلة التي عاشت داخلنا لفترات طويلة.
 المشكلة الوحيدة في مسلسل “كفر دلهاب” الذي سيعيش بدوره في ذاكرة كثير من الأطفال، هي البطل أي شخصية الطبيب التي أداها الممثل “يوسف الشريف”، فعلى الرغم من كل الأحداث حوله المفجعة والمرعبة إلا أن لا شيء يتغير في أدائه وملامح وجهه حتى نبرة صوته، فعلى الرغم من ذكاء اختيار الشريف لمسلسل هذا العام، لأنه لم يكرر نفسه أو يستنسخ مزيداً من الأفلام الأجنبية، إلا أن الدور لا يتناسب مع طبيعة أدائه.

وتبقى الإشارة إلى أن المسلسل حمل كثيراً من الترميز السياسي للحاضر، كقصة حصار المدينة، ودكتاتورية شيخ الغفر الذي أدى دوره ببراعة الممثل هادي الجيار، والذي يتعمد نشر الأكاذيب بين الناس للتغطية على الحقيقة والتغطية على القتلة، ويعتمد عقاب الإعدام ليخفت بوادر الثورة ويشغل الناس.

 مسلسل جميل يستحق هذا الإنتاج الضخم، ويتميز بموسيقى تصويرية تعلق في الذهن، ومن الصعب التخلص منها للملحن المبدع عمرو إسماعيل.

يحكي مسلسل "الهيبة" قصة تاجر سلاح اسمه "جبل" يضطر للزواج من زوجة شقيقه المتوفى

“الهيبة”

ومن الأعمال التي ثبتت بعد الحلقة الخامسة عشر، وبقت على قوتها في جذب المتلقي مسلسل “الهيبة”. وقد استطاع المخرج سامر برقاوي أن يلعب على الكارت الرابح هذه المرة، فبعد أن اقتبس أفلاماً أجنبية وقدم أعمالاً مستعجلة ـ على الرغم من جماهيريتهاـ في مسلسلي “تشيلو” عن فيلم “ Indecent Proposal“، ومسلسل “نص يوم” مقتبس معظمه من فيلم “The best offer” إلا أنه غير اتجاهه تماما هذه المرة وراح إلى منطقة بعيدة تماما ليقدم لنا ذات الوجوه في أدوار تجعلك تنسى تماما الأدوار القديمة.

 ويحكي مسلسل “الهيبة” قصة تاجر سلاح اسمه “جبل” يضطر للزواج من زوجة شقيقه المتوفى التي قدمت من كندا لتواري زوجها الثرى، كما يعيش صراع الثأر مع عائلة أخرى تتنافس على قيادة قرية الهيبة.

المسلسل لم يخلُ من التشويق المكلل بنجومية الممثلة نادين نجيم والممثل تيم حسن في التعاون الثالث بينهما، إضافة لتميز أغنية المقدمة “مجبور” والتي تعتبر من أفضل “تترات” دراما رمضان الحالي للمطرب ناصيف زيتون، إلا أن هذا التشويق وهذه الأغنية وهذان النجمان، لم يستطع أي منهم التغطية على عيوب كبيرة في المسلسل.

 أبرز هذه العيوب تكرار الأحداث، والكوادر، فهناك حديث دائم عن المشاكل في سوريا ومحاولات “جبل” منع تهريب السلاح الثقيل، وخلافاته مع مهربين آخرين، لكن لا يتم تقديم أي مشاهد حقيقة من هذا الصراع، ولا تتضح أيضاً معالم جغرافية لهذه القرية التي من المفترض أنها تقع على الحدود بين لبنان وسوريا، فهناك بضع شجيرات تقف بجانبها كل مرة سيارات الجيب لشيخ الجبل وحراسه.

وهنا يتضح كون المسلسل تجاريا، لا يريد أن يُخلد في التاريخ الدرامي، فهو يوحي بالصراع لكن لا يقدمه في دراما حقيقية “متعوب” عليها، وربما لم يرغب فريق العمل والإنتاج بالاقتراب من السياسة، وربما لأنه لم يكن هناك وقت لتصوير مشاهد المعارك، خاصة أن كل عام ينتج الفريق ذاته مسلسلاً.

منى واصف في الهيبة

وقد قدم العمل نموذج الرجل المخالف للقانون، لكن الذي يتمتع بالأخلاق؛ فلا مانع لديه من تهريب سلاح خفيف ولكن ليس ثقيلاً، وهذا نوع من الالتفاف على المبادئ وسخرية من ذكاء المشاهد الذي أراد المخرج برقاوي والكاتب هوازن عكو أن يستدرا تعاطفه، ليميل إلى “جبل” وشريعة الغاب التي يبررها في كل حلقة.

ولم تكن مشاهد الالتحام “الكلامية فقط” سواء مع شرطة الدولة، أو بقية المهربين، أو العائلة المنافسة، سوى نوع من الاستخفاف بالآخر أمام جبروت “جبل” وعدله حتى في مخالفته للقانون.

 الصراع في مسلسل “الهيبة” سواء في الحب أو مع العائلة أو خلال أعمال التهريب جاء تماماً ليشبه المسلسلات التركية، في شكل المنازل الواسعة الحجرية، والأكل العائلي معا على سفرة واحدة في المطبخ بحضور ربة البيت العاملة، كما أن هناك الأم المتحكمة “منى واصف”، والحب الممنوع، وهكذا..

ولم يكن المسلسل يشبه لبنان في شيء سوى عبارات الحوار التي أرادت أن تقول أن هذا لبنان، وهذه الحدود مع سوريا، وحتى مع تفخيم الممثل تيم حسن لصوته لكنه لم ينجح في تغيير لكنته، كما تطل الجميلة نادين بأداء ضعيف “يستقبل ولا يرسل” منذ الحلقة الأولى.

ويبدو أن المخرج أراد أن ينافس الدراما التركية لكن بنسخة عربية، فقد تبنى كل ما هو تركي حتى بتسريحات شعر الممثلين الرجال، وبديكورات تشبه قرى الجبل التركية، ومن ثم ترقيعها ببعض الأحداث السياسية الآنية، وبوجوه عربية شهيرة. لتأتي لنا هذه التوليفة غير الأصلية، التي تشبه لبنان لكنها ليست لبنان، وتتحدث عن صراع سوريا دون أي صراع، ويقدم لنا الرجل الخارج عن القانون العادل المتناسل من صلب “الأب الروحي” لكنه ليس على مستوى جاذبيته!.