رحلة الموت إلى لندن

محمد موسى

يتحدث المسلسل عن جريمة قتل ستكشف تدريجياً عن ما يحدث في سفن اللاجئين، وبالمافيات القاسية التي تشرف على استغلالهم.

يَفتتح مسلسل “كولاتيرل” البريطاني أحداثه بجريمة قتل موصل بيتزا سوري (يتبين لاحقاً أنه من جنسية عربية أخرى)، والذي كان قد وصل قبل فترة قليلة فقط إلى بريطانيا، على واحد من القوارب التي تنقل لاجئي “الربيع العربي” بعيداً عن أوطانهم. وعلى رغم أن جريمة القتل العنيفة تلك بدت عشوائية، أو ربما كانت تتقصد شخصاً آخر،إلا أنه سيتكشف تدريجياً عن خيوط لها ترتبط بما يحدث في سفن اللاجئين، وبالمافيات القاسية التي تشرف على استغلالهم، والتي لا تتورع عن الذهاب إلى أقصى حدود الإجرام لحماية أسرارها ومصالحها. كما أن مقتل اللاجئ العربي سيتحول إلى كرة ثلج، التي ستكبر بقصص وفضائح شخصيات بريطانية، كاشفاً – أيّ المسلسل – عن أزمات العالم المُعاصر، والأثمان التي ندفعها جميعا بسببها.

تتشابك الخطوط السردية والقصص الصغيرة في المسلسل الذي أنتجته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، فهناك جريمة قتل اللاجئ، والتي كان البحث عن الفاعل ومن يقف خلفه يقود البناء الدرامي في العمل، بيد أن الأخير سيتناول قصص فرعية أخرى عنيفة، كالآثار التي تركتها مُشاركة بريطانيا في حروب العقدين الأخيرين على جنودها الذين قاتلوا هناك، وكذلك يبرز المسلسل الجدال السياسي الدائر حول موضوع اللاجئين في بريطانيا، بين التيار المحافظ في السياسة والإعلام، والبريطانيين المتعاطفين مع اللاجئين، والذين يذكرون بمحن الذين تركوا أوطانهم بسبب الحروب والعنف. ويتناول المسلسل أيضاً الصراعات بين الأجهزة الأمنية البريطانية، وأجندات أفرادها المُتشعبة، ويفتح نافذة على عالم اللاجئين، وبالخصوص النساء، اللواتي هربن بسبب ظروف اجتماعية خاصة فُرضت عليهن.

تؤدي الممثلة السينمائية البريطانية كاري موليغان دور شرطية تقود النحقيق في الجريمة.

يقود التحقيق في جريمة القتل شرطية بريطانية (أداء مُتقن من الممثلة السينمائية البريطانية كاري موليغان)، والتي ستمثل ضميراً إنسانياً غير مساوم،إذ ترفض هذه الشرطية أن تتعامل بخفة أو لامبالاة مع جريمة قتل اللاجئ العربي، وتبذل جهوداً كبيرة في سبيل القبض على الفاعلين. ستتعثر هذه الشرطية بصحافة يمينية بريطانية كانت تريد أن تحول القضيةإلى جريمة قتل لدواعي دينية، وبروؤسائها في العمل، والذين لم يكونوا يرغبون باستنزاف موارد وجهود الشرطة للعثور على قاتل لاجئ عربي وصل منذ أشهر قليلة فقط إلى بريطانيا.

تصل الشرطية في الحلقة الثانية من المسلسل إلى أُختي اللاجئ المقتول، واللتان كانتا تعيشان في مراب للسيارات في لندن. سيقود التحقيق سريعاً إلى أصل العائلة، إذ أنها لم تأتي من سوريا كما أدعت، بل من العراق، وأنها كذبت على السلطات البريطانية بسبب سهولة حصول اللاجئين السوريين على الإقامة في الدول الأوروبية حال وصولهم إليها، على عكس اللاجئين العراقيين. هذا سيفتح التحقيقات في المسلسل على مديات جديدة، إذ يتبيّن أن جريمة القتل كانت منظمة للغاية، وأن دوافعها وأسرارها ربما تعود إلى ما حدث في رحلة اللجوء، وبالخصوص في الجزء البحري منها، وأن الفاعلين، هم من المجرمين الخطرين الذين يحسبون بدقة شديدة لكل خطوة يخطوها.

يبرز المسلسل الجدال السياسي الدائر حول موضوع اللاجئين في بريطانيا، بين التيار المحافظ في السياسة والإعلام،والبريطانيين المتعاطفين مع اللاجئين ،والبريطانيين المتعاطفين مع اللاجئين.

يتميز المسلسل بالبحث الموسع والرصين الذي أنجزه مؤلفيه في عوالم اللجوء والرحلات البحرية غير الشرعية، كجزء من التحضيرات لكتابة قصة وأحداث العمل. وإنّ كان المسلسل نفسه ارتكب بعض الأخطاء الكبيرة على صعيد دراسة سلوك الشخصيات الآتية من دول المنطقة العربية، فعندما أبلغت الشرطة البريطانية أُختي اللاجئ عن مقتل أخيهن الوحيد، كان تأثرهن أقل كثيراً مما تتوقعه من نساء من بيئتهن، كما أن الأختين ،بعد وقت قليل فقط من حادثة مقتل أخيهن، بالعمل سوياً على إقناع السلطات في بريطانيا لمنحهن حق الإقامة الدائمة في المملكة المتحدة. بيد أن القصص الذاتية التي روتها واحدة من الأختين عن الظروف التي قادت إلى قرار العائلة الفرار من العراق، تتضمن الكثير من التفاصيل المقنعة، والتي يُمكن العثور على جذور فعليّة لها فيما حدث في العراق وسوريا في الأعوام الأخيرة.

يحتشد المسلسل بالشخصيات والقصص الفرعية، وهذا أثر أحياناً على قوة وحِدة قصة جريمة قتل اللاجئ، والتي كانت أساسية في العمل. حيث لم يتناول جميع القصص الفرعية تلك بالجودة نفسها التي تم فيها حبك قصة الجريمة، سواء على صعيد البحث أو الكتابة،أو الأداء ذاته.

من الشخصيات المُهمة والمؤثرة في المسلسل، جندية بريطانية خدمت في أفغانستان، وكنت شاهدة على مقتل زملاء لها. سيتم استغلال هذه الجندية والمضطربة عقلياً في خطط عصابة تقودها شخصية بريطانية غامضة. على الجانب الآخر، لم تكن قصة السياسي البريطاني الذي حدثت جريمة قتل اللاجئ العراقي في المنطقة التي يتولى حزبه تمثيلها في البرلمان، بنفس القوة، وشتت من انتباه القصص الأخرى.

يتميز المسلسل بالبحث الموسع والرصين الذي أنجزه مؤلفيه في عوالم اللجوء والرحلات البحرية غير الشرعية.

يقف وراء هذا المسلسل المؤلف والمخرج البريطاني المعروف ديفيد هير، والذي تنقل بين المسرح والتلفزيون والسينما، وأخرج وكتب مجموعة من الأعمال المشهودة (في السينما فيلميه: “الساعات” و”القاريء” مثلاً). قضى “هير”، والذي يبلغ السبعين من العمر، أوقاتاً طويلة في مراكز ترحيل اللاجئين في بريطانيا، ليطلع عن قرب على أحوال الذين كانوا ينتظرون قرار إرجعاهم إلى بلدانهم، واستلهم بعض التفاصيل في عمله، وبالخصوص في الجزء الذي يتم فيه حجز الأختين العراقيتين في مركز ترحيل بريطاني.

ينتمي المسلسل إلى مجموعة المسلسلات العالية الكلفة التي بدأت “بي بي سي” بأنتاجها في السنوات الأخيرة، وتستقطب لكتابتها وإخراجها والتمثيل فيها مجموعة من الأسماء والنجوم المهمين، بعضهم من عوالم السينما (الممثلة كاري موليغان)، للبقاء في المنافسة القوية للغاية، والتي تدور اليوم بين القنوات التلفزيونية وشركات تجهيز الترفيه عبر الأنترنت، على إنتاج المسلسلات التلفزيونية الضخمة، التي تستقطب الجمهور الكبير عند عرضها الأول، ويكون لها بعدها حياة طويلة على خدمات المشاهدة الإلكترونية.

يقف وراء هذا المسلسل المؤلف والمخرج البريطاني المعروف ديفيد هير.