سلسلة العلماء المسلمون استعادة للماضي المجيد

عرضت قناة الجزيرة الوثائقية على مدار شهر رمضان الكريم سلسلة العلماء المسلمون الوثائقية بواقع 14 حلقة، وأخذتنا السلسلة في رحاب إبداعات العلماء المسلمون في شتى المجالات الحياتية من فيزياء وكيمياء وفلسفة وطب وفلك وغيرها الكثير، واستخدمت السلسلة أسلوب الدوكودراما في استعادة الماضي الإسلامي المجيد، وسنقدم قراءةً في السلسلة من حيث المضمون والشكل.

من حيث المضمون:
جاءت الحلقة الأولى تمهيدية تحدثت عن دور الحضارة الإسلامية في خدمة العلم، وما قدمته من إنجازات على جميع الأصعدة، وبعدها دخلت السلسلة في الحديث عن العلماء فقدمت سيراً ذاتية عنهم وعرضت منجزاتهم وطريقة الوصول إليها والظروف التي عاشوها، وتحدثت عن كوكبة من العلماء، فأخذتنا في رحلة بكنف الكيمياء مع الأب الشرعي لهذا العلم جابر بن حيان، وما قدمه من  إسهامات علمية حيث يعتبر هو من أدخل المنهج التجريبي إلى الكيمياء، وهو مخترع القلويات المعروفة، وابتعدت السلسلة عن العلوم التطبيقية لتتجه نحو الأدب بصحبة فيلسوف الأدب الساخر(الجاحظ) صاحب المؤلفات العديدة ومنها البيان والتبيـّن في أربعة أجزاء، الحيوان في ثمانية أجزاء، البخلاء، المحاسن والأضداد، البرصان و العرجان، التاج في أخلاق الملوك، الآمل و المأمول، التبصرة في التجارة، البغال.
وفي إحدى الحلقات حطت بنا السلسلة في حضرة أمير الظل والنور ابن الهيثم وهو عالم في البصريات والرياضيات والهندسة ومؤسس علم الضوء، وكان لابن النفيس نصيبٌ من هذه السلسلة بحلقةٍ عُنونت بالطبيب الفيلسوف حيث عُرف ابن النفيس أنه مؤرخ للطب، وبعدها قدمت لنا السلسلة سيرة الشيخ الرئيس والذي اشتهر بالطب والفلسفة وصاحب كتاب القانون في الطب وهو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، ولم تتناسَ السلسلة الوثائقية الجغرافي الأديب ياقوت الحموي، وأخذتنا كذلك في رحاب علم الاجتماع بصحبة مبدع المقدمة ابن خلدون، ثم وقفت عند شيخ المؤرخين المقريزي، وطبعاً كان للفارابي نصيبٌ من هذه التحفة الوثائقية، ورحلت من الأندلس إلى الشام مروراً بمصر مع المتصوف الأكبر أو الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، لتُختتم السلسلة مع العالم الموسوعي البيروني.
ونلاحظ من خلال هذا العرض السريع لمواضيع الحلقات أن السلسلة تناولت شتى العلوم التي برع فيها المسلمون من خلال الحديث عن رواد تلك العلوم، ومبرزةً الدور الحضاري الكبير للإسلام، وواضعةً نصب أعين العرب قبل الغرب أن المسلمين هم أصحاب فضلٍ في النهضة العلمية فهي رسالة للعرب كي لا ينسوا أو يتناسوا وللغرب رسالة كي يعرفوا أننا عرّابين للعلوم التي أوصلتهم لما هم عليه الآن.

من حيث الشكل:
نلاحظ الاستخدام المتقن والاحترافي للدراما في تمثيل الواقع القديم للعلماء المسلمون حيث اتبعت أساسيات وشروط دخول عنصر الدراما في الأفلام الوثائقية، فالممثلون المشاركون في السلسلة هم غير مشهورين بالنسبة للجمهور، والأداء التمثيلي لم يخرج عن السياق الطبيعي للفكرة المراد إيصالها حيث لم نشهد مبالغة في الأداء.
ونلاحظ أن السلسلة حافظت على الوحدة الإخراجية مع فوارق بسيطة في السيناريو فمرةً نلاحظ العرض الكلاسيكي ومرةً أخرى نشهد طريقة الخطف خلفاً على الرغم من اختلاف المخرجين، ولانستطيع تجاهل الإبداع في غرافيك التتر الذي حاول صانعه محاكاة جميع منجزات العلماء المسلمون، وكذلك شاهدنا الغرافيك في كل حلقة حاضراً حيث أضفى الكثير من الجمالية على السلسلة بالمجمل.

أثناء التصوير

أما الديكور فيعتبر مُنفذ بإتقان، ويحاكي ذاك الواقع الذي حاولت السلسلة استعادته، ومشغول بطريقة تجعلك تعيش الماضي بتفاصيله الدقيقة كأنك أمام فيلم سينمائي روائي ينقصه الحوار الذي استبدل بمداخلات من قبل متخصصين بالتاريخ والأدب والعلوم التطبيقية، ولكن نسجل نقطة على المكياج حيث ظهرت بعض الهفوات الظاهرة مثل تركيب بعض الذقون للشخصيات التي ظهرت بعضها على أنها اصطناعية، وبالنظر إلى الملابس نجد الاختيار المتميز، والمناسب للمرحلة التاريخية.
وبالانتقال إلى أسلوب التعليق حمل الطابع التقريري في بعض الأحيان، وبالأخص في سرد بعض التواريخ المهمة في حياة العالم وإنجازاته،  وإبداعي أدبي في الحديث عن الأمور الشخصية، حيث نقف عند أسلوبٍ جذاب، ومصاغ بطريقة تكسر الملل، ولن نهمل الأداء الصوتي المميز، الذي لعب دور في إضفاء الجمالية للسلسلة.
ونسجل نقطة للمؤلف الموسيقي “تامر كروان” حيث رسخ لدينا موسيقاه وجعلها مربوطة عند سماعها باسم سلسلة علماء مسلمون ونلاحظ محاكاتها للتراث الإسلامي وإن صح التعبير التراث الشرقي.
أخيراً .. أوجه الشكر لكل من ساهم في إتحافنا في هذه السلسلة العلمية المفيدة من صاحبة الفكرة والمشرفة العامة دينا بوزيد إلى جميع الفنيين و الممثلين ومعدي السيناريو  ومدراء الإنتاج، وأصحاب أصوات التعليق، ومعدي المادة العلمية، وطبعاً المخرجين وهم (وليد بدوي، شريف المغازي، عمر زهران، بسام اسماعيل، محمود سليمان، وجيهان الأعصر).