سيزار الفرنسية بدورتها الـ44.. ثلاثة أفلام تحصد نصف الجوائز

ندى الأزهري

فيلم "إلى الآخر" فهو الروائي الأول لكزافييه لوغراند، وكان قد أنجز قبله فيلما قصيرا نال نجاحا كبيرا ووصل إلى الأوسكار

أعلنت أكاديمية الفنون وتقنيات السينما الفرنسية عن جوائز “سيزار” لأفضل الأفلام الفرنسية لعام 2018، وفاز فيلم عن العنف الزوجي بجائزة أفضل فيلم، وفيلم عن العنف الإجرامي بجائزة الإخراج، وآخر عن عنف شباب الضواحي بجائزة أفضل فيلم أول.

وكان 4303 أعضاء ناخبين في أكاديمية فنون وتقنيات السينما بفرنسا قد رشّحوا العديد من الأفلام في عدة فئات لنيل 22 جائزة، واستقطبت ثلاثة منها نصف الجوائز في الحفل الذي نُظّم مساء الجمعة 22 فبراير/شباط 2019.

فقد حصد فيلم “إلى الآخر” لكزافييه لوغران الذي كان مرشحا لعشرة جوائز في الترشيحات النهائية؛ أربع جوائز، وهي جائزة أفضل فيلم وأفضل سيناريو أصلي وتوليف وتمثيل نسائي، ونال فيلم “الإخوة سيسترز” لجاك أوديار المرشح لتسع جوائز؛ جائزة أفضل إخراج وأفضل تأثيرات صوتية وتصوير وديكور، كما فاز فيلم “شهرزاد” لجان برنارد مارلان بثلاث جوائز سيزار كان مرشحا لها كلها وهي أفضل فيلم أول لمخرجه وأفضل ممثلة واعدة لكنزا فورتاس، وأفضل ممثل واعد لديلان روبير.

حصد فيلم "إلى الآخر" لكزافييه لوغران أربع جوائز، وهي جائزة أفضل فيلم وأفضل سيناريو أصلي وتوليف وتمثيل نسائي

مفاجآت الدورة الـ44 لسيزار

وتضمنت الدورة الـ44 لسيزار أفضل الأفلام الفرنسية بعض المفاجآت، وكان أبرزها خروج فيلم “الحوض الكبير” لجيل لولوش خالي الوفاض إلا من جائزة وحيدة وهي سيزار الدور الرجالي الثاني التي ذهبت إلى فيليب كاترين، فكان الخاسر الأكبر على الرغم من ترشيحه لنيل عشر جوائز، وكذلك كان مصير الفيلم الهزلي “طلقاء” الذي خرج تماما من سباق الجوائز على الرغم من عشرة ترشيحات له بالفوز.

أما جائزة التمثيل الرجالي فمُنحت إلى الممثل الشاب أليكس لوتز عن دوره في فيلم “غاي” الذي جسّد فيه دور مغن يكبره بثلاثين عاما.

ووزعت جوائز على فئات أخرى في السينما الفرنسية منها أفضل فيلم وثائقي نالها “لا أحكام ولا خضوع” لجان ليبون وايف هينان، وجائزة سيزار الجمهور للفيلم الفرنسي “لي توش” في جزئه الثالث، وهو سلسلة أفلام هزلية عن عائلة شعبية فرنسية نمطية في سلوكها وأفكارها ومغامراتها، وذلك من سفر للمرة الأولى إلى الولايات المتحدة ومن ترشح ربّ العائلة للانتخابات الرئاسية.

أما جائزة أفضل فيلم أجنبي فمُنحت للفيلم الياباني “سارقو المتاجر” لصاحبه هيروكازو كيرو إيدا، والذي سبق وفاز بالسعفة الذهبية في مهرجان “كان” الأخير.

تميز حفل توزيع جوائز "سيزار" بصعود الممثل الأميركي روبرت ريدفورد المسرح لتكريمه ومنحه "سيزار" الشرف عن مجمل أعماله

روبرت ريدفورد.. سيزار الشرف

تميز حفل توزيع جوائز “سيزار” بصعود الممثل الأميركي روبرت ريدفورد المسرح لتكريمه ومنحه “سيزار” الشرف عن مجمل أعماله، حيث وقف جميع من في القاعة من الفنانين والحضور وهم يصفقون له، في حين ظلّ هو يردد “شكرا، شكرا، وأيضا شكرا”، ثم روى ذكرياته في باريس حين قدم إليها شابا وقال “لطالما أحببت باريس التي أتيت لها وعمري 18 سنة بحثا عن تجارب جديدة، فلم يكن معي مال، ولم يكن معي إلا الأمل”، وقال إنه ذهب إلى مهرجان “كان” في ذاك الحين ونام على الشاطئ أمام الفندق الفخم الذي يستقبل النجوم، وأنه عاد إلى الفندق نفسه بعد 17 عاما، لكن بصفته نجما هذه المرة”.

وترأست الممثلة البريطانية كريستين سكوت توماس الحفل، وقالت في كلمتها الافتتاحية إن فرنسا أتاحت لها كأجنبية أن تصبح ممثلة، وأضافت “تعيش السينما الفرنسية.. كلنا هنا نحب هذه السينما، إنها السينما الأكثر استقلالية وحرية من أي مكان آخر، أفلام شجاعة وطموحة وغير متوقعة”، واختتمت بالقول “يمكنكم أن تفخروا بإنتاجكم”.

وتميز عام 2018 في فرنسا بفرادة الأعمال السينمائية وتنوعها إضافة إلى ظهور فنانين جدد، وأظهرت الإنتاجات عافية السينما الفرنسية وقدرتها على منافسة السينما الأجنبية والأمريكية تحديدا، وذلك بحصول الأفلام الفرنسية على 40% من نسبة التذاكر المُباعة في دور السينما، والتي وصل عددها إلى 77 مليون تذكرة ذهب معظمها إلى الأفلام الكوميدية التقليدية مثل الفيلم الفائز بسيزار الجمهور والذي استقطب أكثر من خمسة ملايين ونصف مليون مشاهد، أو الكوميديا الجديدة كفيلم “الحوض الكبير” الذي وُصف بأنه فيلم العام وجذب الفرنسيين بصدقه وإنسانيته وغزا قلوب أكثر من أربعة ملايين مشاهد، لكنه لم يفز كما ذكرنا إلا بجائزة وحيدة، أو كوميديا المؤلف التي تجددت مع أفلام مميزة ومرحة مثل “طلقاء” لبيار سلفادوري لكنه لم ينل كذلك أي سيزار.

 

الإخوة سيسترز.. الغرب الأمريكي بعين فرنسية

وعودة إلى الأفلام الفائزة بأهم الجوائز فهي “الإخوة سيسترز” لجاك أوديار، و”إلى الآخر” لكزافييه لوغراند، و”شهرزاد” لجان برنار مالان، وكذلك الفيلم الفائز بجائزة الوثائقي “لا أحكام ولا خضوع”.

يعتبر المخرج الفرنسي جاك أوديار (66 عاما) الذي يحصل للمرة الثالثة على جائزة سيزار عن الإخراج؛ من أهم المخرجين الفرنسيين المعاصرين، وهو في فيلمه الأخير “الإخوة سيسترز” يطرق مجالا جديدا، فقد اختار أوديار فيلما ينتمي إلى أفلام الغرب الأمريكي (الويسترن) ليطلق مواهبه، وذلك في تجربة مغايرة لكل ما فعله سابقا، فقد صوّر فيلمه بالإنجليزية مع ممثلَين أمريكيين هما جواكيم فونيكس وجون إس ريلي.  

فيلم “الإخوة سيسترز” كلاسيكي كفيلم ويسترن بكل عناصره التي تميز هذا النوع من خيول ومطاردات وبنادق، لكنه من جهة أخرى فيلم ذاتي فلسفي عن الخير والشر وتأصلهما في النفس البشرية، ومدى قابلية الفرد للتغيير على الرغم من مورثاته.

ذاتية الفيلم وهوية صانعه الأوروبية كانتا محسوستين بوضوح في الفيلم، وكما صرّح أوديار “الأمريكيون يصورون الويسترن كشيء منتم إلى تاريخهم، فيما يصوره الأوروبي كشيء مجلوب لثقافته”.

وتدور قصة الفيلم حول أخوين وصلت شهرتهما الغرب الأميركي لما يتحليان به من عنف وقدرة على التصويب ومقارعة أعتى المجرمين، إنهما قاتلان مأجوران يكلفهما زعيم بتقصي أثر شاب لديه وصفة سحرية لاكتشاف الذهب في الأنهار، رحلتهما معا وعبورهما البراري والوديان وملاقاتهما للشاب ولصديقه كشفت لهما الكثير من شخصيتهما، وكانت مناسبة لمراجعة النفس والمواقف والشك بما فعلاه لغاية اليوم.

لقد كان تحدي الفيلم هو التناقض في شخصية الأخوين، وذلك بين ما يبدو عليه الأخ الأصغر من شرّ مطلق وما يعتمل في نفس الأخ الأكبر من رغبة قوية بالحنان والحب وعيش حياة عادية، فهل يغيران ما بأنفسهما أم تجبرهما الظروف؟ فيلم ممتع وأداء رائع للأبطال.

نالت ليا دروكر جائزة أفضل ممثلة عن تجسيدها دور الزوجة في فيلم "إلى الآخر"

“إلى الآخر”.. صراع على حضانة طفل

أما “إلى الآخر” فهو الفيلم الروائي الأول لكزافييه لوغراند، وكان قد أنجز قبله فيلما قصيرا نال نجاحا كبيرا ووصل إلى الأوسكار.

يُفتتح الفيلم بمشهد يلتقي فيه زوجان منفصلان عند القاضية، وكل مع محاميته، فالزوجان يتصارعان لحضانة ابنهما ذي العشر سنوات، أما ابنتهما الشابة فقد قررت من نفسها الامتناع تماما عن رؤية والدها، وعلى الرغم من اتهامه بالعنف تجاه الزوجة والأولاد وإعلان الطفل عن خوفه وعدم رغبته بالقدوم مع أبيه؛ ينجح الزوج في تقاسم حضانة الصبي مع أمه. فمن هذا المشهد يضع المخرج المشاهد بشك وتساؤلات عن مدى صدق الطرفين، وعن نوعية الطلاق إن كان طلاقا عاديا أم ناتجا حقا عن أسباب مأساوية تتعلق بعنف الزوج.

ومن هنا تبرز قوة الفيلم الذي يزيدها تأثيرا هذا التوتر المتصاعد تدريجيا ويسيطر على الأحداث التالية، وينتقل إلى المشاهدين لتنكشف الأمور تدريجيا. هو موضوع حساس وصعب لكن المخرج تعامل معه بسلاسة وتحكم تام، وساهم التمثيل إلى حد كبير في نجاح الفيلم، حيث نالت ليا دروكر جائزة أفضل ممثلة عن تجسيدها لدور الزوجة.

ديلان روبير أفضل ممثل واعد

“شهرزاد”.. جائزة التمثيل الواعد

أما “شهرزاد” للمخرج جان برنار مارلان فتدور قصته عن الأشقياء، فالمخرج أهدى في كلمته حين تسلّم الجائزة فيلمه إلى كل هؤلاء الذين “يشقون”.

يتحدث الفيلم عن العنف الاجتماعي في ضواحي مدينة مرسيليا، ويسرد علاقة حب بين مراهق جانح (17 عاما) وعاهرة قاصرة، وعلى الرغم من حبه يصبح قوادا لها. ويكشف له هذا الوضع الجديد وتعرضه لعنف الآخرين مدى عنفه الشخصي.

صاغ المخرج يوميات الشابين بكل بساطة وحساسية بعيدا عن الادعاءات، ولعب الشابان غير المحترفين دوريهما بصدق تام، وذلك ما استحقا عليه جائزة التمثيل الواعد. وكان المخرج قضى ثمانية شهور لاختيار الممثلين وانتقاءهم من الضواحي ومن أمام أبواب السجون.

 

“لا أحكام لا خضوع”.. الواقع بكل فجاجته

أما الفيلم الفائز بجائزة أفضل فيلم وثائقي “لا أحكام.. لا خضوع” لجان ليبون وايف هينان فهو مستوحى من البرنامج التلفزيوني البلجيكي “ستربتيز” الذي عرض على تلفزيونات بلجيكا وفرنسا، وهو برنامج يُعرّي الأوضاع الاجتماعية في البلدين، وأثار عام 2012 في إحدى حلقاته نقاشات كثيرة بعد إذاعته لحلقة عن مزارع فرنسي شاب سعى جدّاه لتعريفه على فتاة من خلال وكالات التعارف.

مخرجا الفيلم هما من العاملين في ذلك البرنامج، ولتحقيق فيلمهما هذا تابعا لمدة ثلاث سنوات قاضية في بروكسل خلال أدائها لعملها، وتحقيقاتها مع المجرمين في المحاكمات ومواقع الجريمة. إنه الواقع بكل فجاجته حيث تحاول القاضية تأدية عملها والتخفيف من قسوته بشيء من الهزل، ويعرض الفيلم قضايا يعيشها الجسم القضائي والبوليسي يوميا، ويكشف للمشاهدين يومياتهم مثيرا لديهم مشاعر متناقضة من التعاطف والجزع.