سينما بالألوان

مروة صبري   

مئة مليون دولار تكلفة فيلم A Wrinkle in Time الذي يمكن ترجمته بـ “تجعيدة في الزمن” أو “ثنيّة في الزمن”. الفيلم يعرض حاليا بالولايات المتحدة الأمريكية وبالعديد من الدول. لم تقصر ديزني في الإنفاق على تلك الرواية التي كتبتها مادلين لونجل عام 1962 وحصلت بها على جائزة نيوبيري عام 1963. تلك الرواية التي تحتوي على نظرة كاتبتها للكون. القصة عن ميج موري، فتاة مراهقة فقدت والدها ولا تدري أين ذهب أو لماذا تركها وأمها وأخيها الأصغر دون كلمة؟ كان الأب عالمًا وله نظرية عن أنّ وجود ذبذبات إذا أدركناها استطعنا التنقل بين الكواكب. أراد أن يلمس النجوم بيديه. كانت الأم تساعده في نظريته بخلفيتها العلمية في علم الذرة، وفجأة اختفى، ويبدأ الفيلم في الذكرى الرابعة لاختفائه. كانت ميج شديدة الارتباط به فهُدمت ثقتها في نفسها بعد رحيله. كانت متفوقة واجتماعية وفجأة انسحبت منها الحياة. صارت هدفًا للاستهزاء وعزفت إلى الوحدة. لم يكن تشارلز واليس الأخ الأصغر المتبنى أكثر شعبية منها إلا أنه لم يهتم أو يتأثر مثلها. كان مقتنعًا بنظرية والده، فظلّ يتضرّع لعودة أبيه، وتلبية لصوته ظهرعند باب البيت ريس ويذارسبون Reese Witherspoon والتي بدت في ثوبها الأبيض الأشبه بستارة أنيقة وشعرها الأحمر الناري وتصرفاتها الباردة، كإنسانة مختلة ممّا أثار خوف الأم والابنة، وحين سألتها الأم من هي، أجابت أنّ اسمها Whatsit أو ما هي؟ وكما دخلت من الباب خرجت منه بعد أن أكدت للأم أنّ نظريتها العلمية كانت صحيحة.

مئة مليون دولار تكلفة فيلم A Wrinkle in Time الذي يمكن ترجمته بـ "تجعيدة في الزمن" أو "ثنيّة في الزمن".

في الوقت الذي امتلأ فيه تشارلز واليس يقينًا بعودة الأب، كانت حياة ميج في غاية الاهتزاز، تكره كل شيء فيها، قدراتها الذكائية، شكلها، شعرها، تحرك جوارحها غير المحسوب، باختصار لا ترى في نفسها ميزة. يائسة ومستسلمة ليأسها.

في طريق ميج وأخيها إلى بيتهما قابلا كالفين، زميلها الذي رأى بطولة في قذف ميج لكرة سلة في وجه الفتوّة فيرونيكا، كانت فيرونيكا تسخر من ميج وتتهمها أنها السبب في هروب والدها من البيت وأنّ الجنون يسري في عائلتهم. دعا تشارلز واليس كالفين للبيت، وفي الحديقة فوجئوا بزيارة ثلاث سيدات؛ “السيدة ما هي”، “السيدة من” ثم ظهرت أوبرا وينفري كعملاقة واسمها في الفيلم “السيدة أيّهم”، النساء الثلاث دعون ميج لتذهب معهنّ في رحلة للبحث عن والدها. قاومت ميج الفكرة بسلبيتها المعهودة وبتشكيكها في رغبة والدها في العثور عليه، لكنها تبعتهم من خلال ثنيّة في الزمن تقارب بين الكواكب. منذ تلك اللحظة والفيلم خدعة سينمائية تلوّ أخرى بإمكانيات شديدة وألوان حادة لتصوير المغامرة والتنقلات من كوكب لآخر، فنرى عالمًا خياليًا تتحول فيه السيدة ما هي إلى نبتة كبيرة تحمل الأبطال الصغار الثلاث وتطير بهم بحثًا عن الأب المفقود. كانت ميج مترددة وتحتاج لمساعدة في كل خطوة لكن في لحظة لا نعرف ما الذي حدث في نفسها فيها، فوجئنا بإرادتها تفوق مرافقيها فانتقلوا جميعًا إلى كوكب الـ”شيء” أو It وهو كوكب يمثل جميع الصفات السيئة، لا يوثق فيه في أحد وهو بوجوه عديدة، يأتي منه الغيرة وجلد الذات والغضب والجحود وعدم الرضا وهذا هو المكان الذي ابتلع الأب. وهنا تركهم النساء الثلاث إذ لم تستطعن التواجد إلا في النور وبدأت مغامرة جديدة لميج وكالفين وتشارلز واليس على الكوكب الداكن.

في الوقت الذي امتلأ فيه تشارلز واليس يقينًا بعودة الأب، كانت حياة ميج في غاية الاهتزاز.

أفلام الأبيض والأسود

مما أتعجب منه في المجتمع الأمريكي هو أنه مهما دار الزمان ومهما تحضّر وتطور إلا أنّ أبجاديات الإنسانية من المساواة بين البشر بألوانهم المختلفة ما زال حدثا. هذا الفيلم يعوّل بشكل كبير على أنّ مخرجته وغالبية الممثلين من ذوي البشرة الداكنة وتم إبراز ذلك في الدعاية. أتفهم أنّ هذا رد فعل لجميع الأفلام التي ترتكز على البيض لكنني كنت أتمنى أن يتعامل مع هذا الموضوع بشكل طبيعي دون إظهاره كتعويض نقطة نقص. أحترم في ديزني إصرارهم على تمثيل الأقليات، فالأخ الأصغر أسيوي من أصل فيليبيني والسيدات الثلاث، إحداهنّ شقراء، وأخرى لاتينيّة سمراء، والثالثة إفريقية أمريكية وهذا يثري الفيلم. فجرح أيام الاستعباد غائرًا ترك آثارًا لا تُمحى وحساسية مفرطة ولم يقلل منها أنّ في بعض السنوات، لم ينل جائزة أوسكار إلا البيض فقط، وبالفعل وبالمقارنة نجد أنّ العديد من صنّاع الأفلام والممثلين من ذوي البشرة الداكنة تم ترشيحهم للجائزة لكن غالبيتهم لم يصلوا إلى الفوز بها، هذا يرجع جزئيًا لسبق وكثرة عدد البيض في صناعة الأفلام لكن هذا السبب يتنافى مع تعدد الممثلين وألوانهم وبراعتهم في الأداء.

كان أول احتفال بالأوسكار في السادس عشر من مايو عام 1929 في قاعة فندق هولييوود روزفلت بلوس أنجلوس، كاليفورنيا لتكريم الأفلام التي صدرت في عامي 1927 و 1928. بعد عشرة أعوام وبالتحديد في عام 1939، فازت أول ممثلة داكنة البشرة بجائزة واسمها هاتي مكدانيال Hattie McDaniel عن دورها في فيلم “ذهب مع الريح”. وبتتبع جوائز الأوسكار منذ بدايتها، نجد العديد منهم كان من نصيب ذوي البشرة البيضاء، وفارق النسبة واضح سواء كان ذلك لعدم عرض فرص كافية على غيرهم أو لتفرقة من الوعي أو اللاوعي في اختيار الفائزين، ففي الحالتين، هناك بون واضح وهذا ما لفت انتباهنا له كريس روك الفنان الأمريكي الإفريقي الشامل في حفل الأوسكار 2016 حين قال أنّ ترشح سيلفيستر ستالوني لجائزة عن فيلم Creed الذي يعد استكمالًا لدوره في أفلام روكي، هو لأنّه لا يوجد رياضيين بيض جيّدين، وبالغ روك حين أنكر فوز أي فنان داكن البشرة في الستينيات بالجائزة إذ فاز الممثل Homer Smith عام 1963 وSydney Poitier في 1964 ومع ذلك فإنّه من الهامّ إن شعر البعض بالظلم أن يتحدثوا بذلك لأنّ بالتواصل فقط تُصحّح الأخطاء.

هذا الفيلم يعوّل بشكل كبير على أنّ مخرجته وغالبية الممثلين من ذوي البشرة الداكنة وتم إبراز ذلك في الدعاية.

التحدي في صناعة الفيلم

مخرجة الفيلم Ava DuVernay إيفا دوفيرنيه هي مخرجة ناجحة ولكنّ حداثة التجربة وضخامة المشروع وكثرة الخيال في القصة لم تكن في صالحها. رفضت دوفيرنيه إخراج فيلم Black Panther الذي يعرض حاليًّا لارتباطها بالفيلم موضوع المناقشة. تكلفة إنتاج Black Panther هي مئتي مليون دولار أي ضعف ميزانية A Wrinkle in Time وقد وصلت عائداته حتى الآن إلى ما يزيد عن بليون ومئتين مليون دولار وهو نجاح لن يحققه A Wrinkle in Time من خلال دور العرض وربما أبدًا، وهذا لاضطراب وجهات نظر النقاد عنه، فهناك من صعد به إلى السماء ولكنهم قلة بالمقارنة إلى من قالوا لن تخسر بعدم مشاهدته. الفيلم يتحدث عن فكرة عميقة عن الكون وما فيه من صراع بين خير وشر وهذا ليس بالجديد، إلا أنه مليء بالخيال الذي يمكن تقديمه في كتاب لكن نقله إلى الشاشة في رأي البعض محال وحين تمّ، أتى على حساب تفاصيل هامة. المشكلة في الفيلم ليست في التفاصيل أو الإضاءة أو براعة الخدع فالمخرجة تتقنها، لكن افتقد النظرة الشمولية للقصة والموازنة بين اللحظات الإنسانية والخدع البصرية.

المشكلة في الفيلم ليست في التفاصيل أو الإضاءة أو براعة الخدع ، لكنه افتقد النظرة الشمولية للقصة والموازنة بين اللحظات الإنسانية والخدع البصرية.

ما الذي ينقصه؟

لعمق الفكرة واعتمادها على صراعات النفس الإنسانية كنت أتمنى أن يأخذ الفيلم وقته فيفصل إلى جزئين أو ينتقي عناصر قليلة منه وتفرد لها المساحة. الفيلم بدأ والأب غائب ومن خلال لقطة استرجاع موجز أو Flashback علمنا الارتباط بين البنت وأبيها، مجرد علم لم نشاهده، وهكذا سار الفيلم، مجرد إخطار بالأحداث فتسقط تفاصيل من المشاهد الذي لم يقرأ الكتاب، حتى فيرونيكا المتقصدة لميج لم يرسخ لدي تأثيرها السلبي عليها، هذه المشاعر تحتاج لمشاهد نسمع من خلالها صوت البطلة مُدويًا. كذلك تشارلز واليس الذي استجلب رحلة البحث، لم نعرف من أين أتاه هذا اليقين ونحن لم نره مع أبيه، وفجأة وجدناه عبقريًا. فشخصيات الفيلم كانت بحاجة للبناء والنمو لكنّ وقت فيلم واحد لم يسمح فعانى من عيوب وضع جميع الفيتامينات في كبسولة واحدة، تخرج صعبة الابتلاع.

الفيلم يتحدث عن فكرة عميقة عن الكون وما فيه من صراع بين خير وشر وهذا ليس بالجديد.

التمثيل

أوبرا وينفري كمقدمة برنامج، ملهمة لكن تمثيلها ليس بنفس المستوى ولا أستطيع أن أتهمها تحديدًا إذ لم يسمح الفيلم بتمثيل مبهر لأيّ أحد حتى لويذارسبون، فالشخصيات أحادية الأبعاد إلاّ شخصية ميج وواليس، فهما يتطوران ويمران بأحاسيس مختلفة، فهل نجحا؟

 تشارلز واليس الذي قام بدوره Deric McCabe ديريك ميكيب، لم يكن مناسبًا هنا، فلطفه مع صوته الصغير كان مطلبًا جيدًا في بداية الفيلم إذ يبرر إحساس ميج بالمسؤولية تجاهه لكن حين انقلب إلى دور الممسوس بالشر، كان من الصعب أخذه بجدية. فطيبته غالبة، على الجانب الآخر، فإنّ ميج التي قامت بدورها ستورم ريد Storm Reid معقولة الآداء لكنّ الشخصية لم تنّمَ بشكل كافٍ، فبدايتها كسلبية مهتزة ثم تحوّلها السريع إلى الإيجابية القوية العزيمة كان يحتاج لوقفات منها مع النفس أو حوار مع ممثل آخر أو خسارة تفيقها، كنت أريد أن يعطونا شيئًا يهيئنا لهذا التحوّل.

التوقعات من الفيلم كانت عالية فسقط دونها لا لسوء في اختيار الممثلين عامة، ففيه أسماء تشحذ الهمم للذهاب إلى دور العرض وخاصة  أوبرا وينفري وويذارسبون لذا فالدرس المستفاد هنا هو أنّ الوقع السريع لا يناسب الفلسفات العميقة التي لا يمكن استعجال وصولها للمشاهد.