في عيد العشاق: سيرفانتيس الإسباني يحتفي بالحب

المصطفى الصوفي

لقطة من فيلم “لابوينا”

تفنّن العديد من المخرجين السينمائيين من مختلف أنحاء العالم، في إبداع أعمال سينمائية راقية، تحتفي في العمق بنبض القلب، وسمو الحب والوجدان، وتمنح للسينما في بعدها الكوني والإنساني ألقها الرومانسي الجميل، ما يمنح للجمهور مساحات شاسعة للاستمتاع بمشاهد إبداعية رقيقة تنعش الروح، وتسافر به إلى ضفاف الأحلام.
وقد برعت السينما العربية والمصرية خصوصا، في إنتاج مثل هذه الأعمال الرومانسية اللطيفة، التي حققت مداخيل مهمة، حيث تذكرنا العديد من الأفلام الشهيرة، لمخرجين كبار، كم استطاعت تلك الأفلام جذب جمهور عريض إلى القاعات السينمائية، والتي أصبحت حاليا تتناقص بشكل فظيع، بفعل الطفرة التكنولوجية الحديثة، والتي بسطّت الحصول على الأفلام ومشاهدتها مجانا دون عناء الذهاب إلى دور العرض.
ومما لا شك فيه أن السينما الهندية حاليا، ما تزال تشكل أحد مرتكزات السينما العالمية في بعدها الرومانسي، الذي يستند على العلاقات الإنسانية الجوهرية، وتكريس روح التعايش والألفة بين الأنا والآخر، رغم كل الاختلافات المذهبية والعقائدية والفكرية، التي تميز المجتمع الهندي، حيث توظف تلك الأفلام تيمة الحب والرومانسية، في مجمل أعمالها، وهو ما منح للسينما البوليودية، قاعدة كبيرة من الجمهور، وعشاق الموسيقى الهندية بنجومها الكبار والشباب، مهما كانت تلك الأفلام درامية أو كوميدية.

أفلام يحبها العشاق
وفي تاريخ السينما العالمية، يسجل المتتبعون عددا من الأفلام الرومانسية الشيقة، التي يفضل الجمهور والشباب مشاهدتها في ذكرى القديس (فالنتاين) أو ما يطلق عليه بعيد الحب والعشاق، حيث يمكن اعتبار الفيلم الكلاسيكي (الدار البيضاء)، بطولة كل من همفري بواغرت وانغريد رغمان، من أعظم الأفلام الرومانسية الجميلة الأكثر شعبية، فضلا عن العديد من الأفلام الأخرى ذات الشهرة العالمية، والتي تحتفي بموضوع الحب والرومانسية، ومن أبرزها أيضا فيلم (دفتر الملاحظات) لمخرجه الأمريكي نيك كازافيتيس، الذي حصد الكثير من الجوائز العالمية حيث تم تصنيف مشهد قبلة الحبيبين، تحت وقع المطر، من أروع وأعظم اللحظات الحميمة في تاريخ السينما العالمية.
كما يعتبر الفيلم البريطاني (الحب الحقيقي) كذلك، من الأفلام الكوميدية والرومانسية الشهيرة، التي يعشق الشباب متابعتها في عيد الحب، فضلا عن الفيلم الأمريكي (امرأة جميلة) لمخرجه غاري مارشال،وهو من بطولة النجم ريتشارد جير، وجوليا روبرتس، وكذا الفيلم الأمريكي (عندما التقى هاري سالي)، والذي أنتج العام 1989، حيث يعد من الأكثر الأفلام مشاهدة في عيد الحب، وذلك بالنظر إلى الحكاية الرائعة، التي جمعت البطلة الجميلة ميج ريان بالممثل الرائع بيلي كرستيان، في علاقة وجدانية مؤثرة للغاية.

هذا دون نسيان الفيلم الايرلندي (ذات مرة) ومدته 86 دقيقة، الذي قدم للجمهور سحر قصة خرافية عن أقاصيص الحب ومشاعر العشاق، حيث يلتقي ثنائي مجنون ذات ليلة ساحرة، على إيقاعات نبرات قيثارة. هذا دون نسيان أفلام عالمية كبرى، حازت على عدة جوائز أوسكار، ومنها فيلم (تيتانيك) لمخرجه جميس كامرون، وبطولة كل من الممثل الوديع ليوناردو ديكابريو والنجمة الساحرة كيت وينسليت.
العلوي تتألق في “عريس ياسمينة”
وبمناسبة ذكرى عيد الحب، و(سان فالنتاين)، أقدم معهد سيرفانتيس الإسباني بالعاصمة الرباط، على استهلال برنامجه الثقافي للعام الجاري، بتنظيم دورة سينمائية خاصة واستثنائية، اختار لها شعار”الحب والصداقة”، وذلك خلال شهر فبراير الجاري.

لقطة من فيلم “عريس ياسمينة”

وقد انطلقت فعاليات هذه الدورة، في السادس من شهر فبراير الجاري، وذلك بعرض أولى أفلام هذا الموضوع، ويتعلق الأمر بفيلم (عريس ياسمينة) لمخرجته الإسبانية إيرين كاردونا، مدته 97 دقيقة، وهو من بطولة الممثلة المغربية سناء العلوي، والتي تألقت في العديد من المسلسلات والأفلام الأوربية والمغربية، منها فيلم”غصن الورد” لمخرجه المغربي لحسن زينون، والذي عرض مؤخرا بالمهرجان الدولي للفيلم بمدينة مراكش، وذلك ضمن فقرة أفلام الوصف السمعي الخاص بالمكفوفين وضعاف البصر، و التي يقدمها المهرجان بالتعاون مع قناة(ارتي) الفرنسية الألمانية. فضلا عن ترأسها مؤخرا لجنة تحكيم الدورة العاشرة لمهرجان السينما الأوروبية العربية بمدينة سانتياغو دي كومبوستيلا، بغاليسيا الإسبانية.

ويعتبر فيلم (عريس ياسمينة)، ذو المسحة الرومانسية الخفيفة، والذي تابعه جمهور عريض بالمعهد من طلبة وباحثين وسينمائيين وعموم الجمهور، أحد النقط السينمائية المضيئة في مسيرة المخرجة الإسبانية كاردونا، حيث أبدعت هذا العمل السينمائي الممتع، بعد سلسلة أفلام تسجيلية روائية، وقصيرة، كما شارك بعدد المهرجانات العربية والأوربية، ونال جوائز قيمة.

حكاية سينمائية أشبه بزهرة الفل
ويعالج الفيلم قصة فتاة مغربية هاجرت إلى إسبانيا إحدى بلدان الشمال المتقدم، من أجل إتمام دراستها الجامعية والأكاديمية، لكنها، تصطدم بواقع آخر، ليس الواقع الذي كانت تحلم به، حيث تجد صعوبة كبيرة في الحصول على أوراق الإقامة، ما منح الفيلم مساحات كبيرة للتشويق والإمتاع السينمائي الجميل. وبالرغم من وجود عائلات ومعارف البطلة المشبعّة بعادات وقيم وثقافة مغربية تتناقض وبلاد الاستقبال، والكثير من الأصدقاء الذين يمكن الاعتماد عليهم من أجل مساعدتها على تحسين وضعها الثقافي والتعليمي والاجتماعي، وتحقيق حلمها، وهو إتمام دراستها والعودة إلى أحضان الوطن إلا إنها تصطدم بعالم آخر، هو عالم المهاجرين، الذين يصارعون من أجل تحقيق الذات والاندماج، وتحسين أوضاعهم المادية والمعنوية.
كما يكشف الفيلم، الذي برعت فيه المخرجة، في تقديمه بلغة سينمائية ممتعة، تجعل من الصورة السينمائية، اللغة الحية للتعبير بكل إضاءاتها الخصبة، القناع عن كثير من المواقف، التي تبرز زيف الشعارات، وتباين الرؤى بين ثقافتين، حيث تصير العروس ياسمين، المحملة بعادات وطقوس جنوبية مغايرة عن عادات وطقوس الشمال، بين مخالب، واقع مرير، يفند سحر الفردوس والحلم المنشود، الذي يحلم به كل مهاجر إلى الديار الأوربية. بالرغم من كل ذلك تحاول البطلة تحدّي كل الصعاب، للتكيُّف مع أجواء الواقع، وذلك من أجل الاستمرار في الحياة دون العودة إلى البلاد بخفي حنين.

ومع توالي أحداث الفيلم، الذي كسر رتابة بعض مشاهده حس كوميدي ساخر، وعدم قدرة  البطلة، التي تلعب إلى جانب كل من ماريا لويسا بورويل، خوسيه لويس غارساي بيريس، وفرانسيسكو اولمو، على مجاراة الحياة القاسية التي يعيشها المهاجرون وبخاصة في الضيعات الفلاحية، وحلمهم الكبير بجمع الثروة والرجوع إلى البلاد، والوطن الأم، وعدم التكيف مع الحياة الجديدة، والاندماج في محيط الجالية المهاجرة، وكذا المحيط الإسباني، تختار ياسمين ربط علاقة مع شرطي إسباني يدعى (خابي)، عساها تنسى هموم أخيها (عبدو) الذي جاء إلى إسبانيا للانشغال في المزارع الفلاحية رفقة أصدقائه المهاجرين.
وبهذا التجاذب الفيلمي، تنفتح مشاهد الشريط على آفاق أخرى من المتعة البصرية، والتشويق، وهي الحبكة السينمائية التي تعمدت المخرجة كاردونا خلقها في الفيلم، من أجل إعطاء تجليات مرتفعة، وإيقاعات شاعرية وجمالية ممتعة، منحت الشريط، إيقاعا سينمائيا تتوازى فيه الثنائيات الضدية، وروح الاختلاف وقيمة التباين في مواقف عدة، وكذا اختلاف بين ثقافتين وعادات مختلفة، لكنها تلتقي عند مفترق نبض القلب. إنها حكاية أشبه بزهرة الفل والياسمين، التي أزهرت وتفتحت ذات ربيع، وتحلم بأن تبقى طول المواسم أنيقة ومزهوة بنخوتها الطبيعية، ورائعة الحسن والجمال، بأوراقها، وأريجها، وعشاقها أيضا، ملامحها الرومانسية الغالية.

(خوانا) الحمقاء تعشق (فليبي) الوسيم

“خوانا الحمقاء”

وبعد فيلم الافتتاح، الذي قدم نموذجا حيا للتعاون المغربي الإسباني في المجال السينمائي، وتقديم حالات مشابهة للواقع، والتي يعيشها المهاجرون والمهاجرات المغربيات الحالمات بالفردوس الأوروبي تختار لجنة التنظيم لهذه الدورة تقديم الفيلم الثاني يوم 13 من شهر فبراير الجاري، وهو بعنوان (خوانا الحمقاء) لمخرجه بيتين اراندا، وهو فيلم رومانسي درامي، مدته 115 د��يقة.
ويحكي الفيلم الممتع، قصة البطلة (خوانا دو كاستل) الفاتنة، ولقائها الأسطوري، بحبيبها (فيليبي) الوسيم، على متن سفينة، في صورة حالمة تستحق المشاهدة، حيث ستبحر بالطرفين، إلى إحدى القصور ببلجيكا، لإتمام عملية الزواج الخالد للحبيبين، اللذين وقعا في غرام حالم، وعشق جارف، أنساهما الكثير من الالتزامات العملية والشخصية.
ويقدم هذا العمل السينمائي الطويل صورة رومانسية، للمقولة الشهيرة (الحب من أول نظرة)، حيث أن اللقاء القصير الذي جمع (جوانا) و(فليبي)، كان كافيا لإشعال نار الحب والهيام في قلبيهما، وليكون أرقى لقاء غرامي بين عاشقين متيمين، برع المخرج في ترجمه تلك الأحاسيس المشتركة بين البطلين، إلى عالم ساحر من الرومانسية، تتهادى مزهوة بالعفة والحميمية، على أمواج البحر الحالمة.

(أوبابا) وقصة السحلية العجيبة
أما الفيلم الثالث الذي برمجته لجنة التنظيم لهذه الدورة، في الـ 20 من شهر فبراير الجاري، فهو فيلم (أوبابا) لمخرجه مونتشو أرماندريز، وهو مقتبس عن قصة رومانسية من رواية للكاتب برناردو أتاغا من إقليم الباسك الإسباني، والمعروف بكتاباته الغرائبية لكنها واقعية، وتحكي الرواية قصة سحلية عجيبة كانت تدخل في أذن النائم على العشب فتصيبه بالصمم.

“أوبابا”

ويحاول المخرج عبر هذا الفيلم، الدرامي المشوق، إلى ترجمة الخوف والغرابة في الرواية إلى واقع هادئ وساكن وغير مخيف، بل إلى لحظات وجدانية لا تُنسى، تقديم صورة سينمائية مبدعة، مفعمة بفيض رومانسية وصداقة وحب، حيث البطلة فتاة جميلة تدعى (لودريس)، تقوم برحلة استكشافية إلى منطقة (أوبابا)، لتصوِّر بكاميرا اليد، مشاهد وثائقية عن الواقع اليومي والمعاش في تلك المنطقة، بعالمها الغريب والمدهش، وخلال عملية التصوير، تكتشف (لودريس) أن أهالي المنطقة، مع اختلاف مراحل حياتهم، سواء أثناء طفولتهم أو شبابهم، أو ما يحلمون به في المستقبل، إلا أنهم ما يزالون يحافظون على عاداتهم، متشبثين بماضيهم القديم.

الحب في زمن الحرب
 وسيسدل الستار على دورة الحب والصداقة، التي ينظمها معهد سيرفانتيس الإسباني، بعرض فيلم (لا بوينا نويفا) لمخرجته إيلينا تابيرنا، في الـ 27 من شهر فبراير الجاري، وهو من بطولة فرانسيكسو اكوانيا، وخورخي أليس، ودانيال انتيفيلو.
 ويحكي الفيلم، الذي تدور أحداثه خلال الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936، قصة رومانسية، جمعت بين أحد اللاجئين، الذي عُيِّن كقسيس في بلدة اشتراكية يدعى(ميخائيل)، وأرملة فقدت زوجها خلال تلك الحرب، تدعى (مارغري)، والتي تمارس مهنة التدريس في إحدى المؤسسات التعليمية.
وبهذا يكون معهد سيرفانتيس الإسباني، قد أعطى للحب في السينما قيمته الإنسانية الخاصة والسامية، في ذكرى عيد الحب، وذلك بعرض تجارب سينمائية مختلفة، تحبل بالكثير من الإشارات الفيلمية الموحية، والعلامات الرقيقة، رغم دراميتها في كثير من الأحيان فضلا عن الاحتفاء بالحب، كشعور إنساني ووجداني نبيل وراق، به تسمو الحياة عبر السينما، التي تظل وسيلة حقيقية للفرجة والمتعة البصرية.