قراصنة بث البطولات.. محاولات دؤوبة وخطط صد

محمد موسى

تحاول القنوات التلفزيونية الضغط على حكومات دول أوروبية للتدخل لوقف بيع أجهزة إلكترونية خاصة تفك تشفير قنوات الرياضة

 

أعلنت عدد من القنوات التلفزيونية العملاقة والمنظمات التي تتصدى لقرصنة البث المباشر لمباريات كرة القدم التي تعرض على الشاشات التلفزيونية الأوروبية، أنها أعدت خططاً جديدة للعام 2018 للتضييق على المقرصنين، لتضاف إلى مجموعة الإجراءات المشرعة منذ سنوات لوقف هذه الظاهرة التي تكلف قنوات الرياضة أموالاً طائلة كل عام. ومن المنتظر أن تشمل الإجراءات الجديدة الضغط على حكومات دول أوروبية للتدخل لوقف بيع أجهزة إلكترونية خاصة تفك تشفير قنوات الرياضة، وهي الأجهزة التي تباع علناً في العديد من الدول الأوروبية، بسبب تعقيد النظام القضائي الأوروبي الذي يحتاج بعض الوقت لتشريع قوانين جديدة تمنع الاتجار بهذه الأجهزة.

تقف قناتا “سكاي” و”فوكس” التلفزيونيتان الأمريكيتان العابرتان للقارات خلف هذه الحملة الجديدة، وهي التي استفردت في السنوات الأخيرة بسوق نقل مبارات كرة القدم في العديد من الدول الأوروبية، إذ لا تتردد هذه القنوات في استثمار الملايين في جهود قضائية لملاحقة الذين يقفون وراء القرصنة المنظمة. كما تدعم القنوات التلفزيونية ذاتها منظمات أوروبية لمحاربة القرصنة مثل “برين” الهولندية، والتي أثمرت جهودها أخيراً في دفع البوليس الهولندي لوقف نشاط شركة ألمانية المنشأ تبيع أجهزة إلكترونية باسم “دريم بوكس” في هولندا، وهي الأجهزة التي ظهرت فجأة في السوق الأوروبية قبل عام، وأصبحت مفضلة للكثيرين بسبب سعرها المناسب وسهولة استخدامها، وما تمنحه من مميزات لعرض محتوى أغلب القنوات المشفرة ومن ضمنها قنوات الرياضة.

التصدي لقرصنة مباريات كرة القدم الحيّة ستنتفع منه أيضاً جهود محاربة قرصنة المواد الفنية بسبب استخدام المقرصنين غالباً لنفس البنية التكنولوجية لقرصنة مباريات كرة القدم.

وكان العام الماضي قد شهد مجدداً خسارة قنوات تلفزيونية أوروبية التنافس للحصول على حقوق البث الحيّ لمباريات كرة قدم لصالح قنوات أمريكية عابرة للقارات، حيث لم يقتصر الأمر على حقوق نقل البطولات المهمة، بل يصل اليوم إلى معظم البطولات حتى الصغيرة منها. ففي هولندا مثلاً أعلنت قناتان معروفتان تاريخياً بنقل مباراة كرة قدم مهمة في البلد بأنهما لم تعودا قادرتين على دفع المبالغ التي تشترطها الجهات المنظمة، الأمر الذي ترك الساحة مفتوحة لمجموعة قنوات “فوكس” الرياضية الأمريكية، والتي دخلت السوق الأوروبية قبل بضعة أعوام فقط، وتهيمن اليوم على سوق نقل المباريات الحيّة في أكثر من بلد أوروبي.

تعلل القنوات التلفزيونية الأوروبية الحكومية والتجارية خسارتها لحقوق نقل مباريات كرة القدم لصالح قنوات عالمية معروفة تشترط اشتراكات خاصة لمشاهدة مباريات كرة القدم؛ بأنها غير قادرة على دفع مبالغ أكثر مما تدفعها حالياً من أجل الحقوق التلفزيونية، لانخفاض عائدات الإعلانات التي تعرضها أثناء نقل هذه المباريات، والتي تشكل المصدر الرئيسي للدخل للقنوات التلفزيونية التي تبث على الكيبل الأوروبي التقليدي. ويعود تراجع الإعلانات -وفق القنوات التلفزيونية الأوروبية ذاتها– إلى القرصنة الإلكترونية للنقل الحيّ لمباريات كرة القدم، حيث لم يعد المعلن التجاري يثق بالنموذج الاقتصادي الذي تقدمه القنوات المفتوحة، ويفضل بدلاً عنه القنوات المشفرة التي تشترط اشتراكات شهرية لمشاهدة برامجها، ومن ضمنها النقل المباشر لمباريات كرة القدم.

تختلف قرصنة مباريات كرة القدم المباشرة عن قرصنة الأفلام والمسلسلات والموسيقى، لجهة أنها تتم بشكل رئيسي في وقت بث المباريات، وتقل قيمة المواد المقرصنة بعد انتهاء هذا البث، فيما يبقى تداول المواد الأخرى على الشبكة العنكبوتية لفترات طويلة. لهذا السبب تنتشر على نحو واسع مواقع إلكترونية سريّة، يظهر بعضها فجأة وقت بث مباريات كرة القدم، ثم تعود هذه المواقع وتختفي بعد انقضاء زمن المباريات. وعلى الرغم من أن عناوين هذه المواقع يكون سريّاً في العادة، فإن جمهور مباريات كرة القدم المقرصنة يعرف كيف يصل إليها، لأنها ترتبط بشكل أو بآخر بمواقع أكبر يعرف أنها تحصل بشكل غير قانوني على البث المباشر لمباريات كرة القدم الذي يتم قرصنته من القنوات المعروفة التي تملك حقوق هذه المباريات.

يرجع محللون توجه جمهور كبير لمشاهدة المباريات عبر طرق غير شرعية إلى أنه نوع من الاحتجاج على هيمنة المال على الرياضة

يُمكن تحليل توجه جمهور كبير لمشاهدة مبارياته المفضلة عبر طرق غير شرعية على أنه نوع من الاحتجاج على هيمنة المال على الرياضة، فبعد أن كانت القنوات التلفزيونية الحكومية هي المكان الرئيسي لمشاهدة مباريات كرة القدم المهمة، بدأت حقوق نقل هذه المباريات تنتقل إلى قنوات الرياضة المتخصصة القادرة على دفع مبالغ كبيرة جداً للجهات المنظمة لهذه المباريات للفوز بحقوق نقلها، الأمر الذي حرم جمهوراً واسعاً ممن لا يملك المال الكافي لدفع مبالغ الاشتراكات الشهرية الخاصة بالقنوات الرياضية المشفرة. استحواذ المال على الرياضة كان محل انتقاد جهات سياسية واجتماعية في الكثير من البلدان الأوروبية من التي خسرت شاشاتها التقليدية حقوق نقل معظم بطولات كرة القدم المهمة.

يدافع أنصار المنافسة المفتوحة عن الحقوق التلفزيونية لنقل المباريات الرياضية بأن الأموال الكبيرة المتحصلة جراء هذه المنافسة يساعد على تحسين ظروف الرياضة نفسها، وبالخصوص تشجيع المواهب الجديدة التي لا تملك الكثير من الإمكانيات للوصول إلى بداية الطريق، حيث تصرف الجهات الرياضية التي تبيع حقوق نقل مبارياتها جزءاً مهماً من هذه الأموال على الرياضة والرياضيين. كما أن القنوات الرياضية المتخصصة بما تملكه من إمكانات مادية وفنيّة كبيرة، رفعت جودة النقل التقني لمباريات كرة القدم إلى مستويات غير معروفة في السابق، وهو أمر انتفعت منه اللعبة وجمهورها وساعد في تكريس شعبيتها.

التنافس على حقوق العرض المباشر لمباريات كرة القدم وصل حدودا بعيدة حيث تُدفع المليارات من العملات المحلية في سبيل ذلك

والحال أن التصدي لقرصنة مباريات كرة القدم الحيّة ستنتفع منه أيضاً جهود محاربة قرصنة المواد الفنية والخدمية عبر الإنترنت، وذلك بسبب استخدام المقرصنين غالباً لنفس البنية التكنولوجية لقرصنة مباريات كرة القدم والمواد الفنية على حد سواء، حيث سيكون للتصدي لانتشار الأجهزة الإلكترونية الخاصة التي يمكن أن تخترق كل القنوات التلفزيونية المشفرة آثار على قرصنة مواد فنيّة أو برامج إلكترونية، إذ يتم استخدام هذه الأجهزة لقرصنة هذه المواد من قنوات الأفلام والمسلسلات المعروفة، وبنفس الأسلوب الذي يتم فيه المشاهدة غير الشرعية للنقل الحيّ لمباريات كرة القدم.

وصل التنافس على الفوز بحقوق العرض المباشر لمباريات كرة القدم على الشاشات التلفزيونية الأوروبية في السنوات الأخيرة لحدود لم يعرفها هذا القطاع من قبل، حيث يتم دفع مليارات من العملات المحلية للحصول على حقوق عرض دوري كرة قدم أو بطولة ما، كما تم تجزئة بطولات أخرى لتحصل قناة معينة على عرض بضع مباريات من هذه البطولة أو تلك، فيما تحصل قناة أخرى على حقوق عرض بقية المباريات. فتشاركت في هذا الاتجاه قناة سكاي في بريطانيا مع الشركة البريطانية للاتصالات لعرض الدوري الإنجليزي في السنوات الثلاث القادمة مقابل 7,4 مليارات يورو، فيما دفعت قناة فوكس الأمريكية مبلغ مليار يورو لنقل مباريات الدوري في هولندا لاثني عشر عاماً قادمة.