محمد ملص: قبل المقاومة كان وجودنا رمزيا

محمد ملص
مخرج سوري

يقول الإمام علي كرم الله وجهه “القلب مصحف البصر”.. وهذا البصر الخاص بنا الذي يختزن في حياتنا ستين سنة من الجرائم وحكايا الجرائم.. لا شيء جديدا سوى ارتفاع مساحة الجريمة واتساع رقعة الدم.. وبالتالي فإن الآية التي يجب على البصر اليوم أن يقرأها في مصحف القلب هي آية المقاومة لنمحو عار الهزائم.. هذه المقاومة التي يدفع إخواننا في غزة ثمنها الباهظ نيابة عنا جميعاً..
هذه فاتحة لا تفضح آلة الحرب المجرمة فحسب بل تهدد الأساسي فينا.. تهدد مفهوم الإنسان العربي.. وتقتل الإنسانية فينا دفعة واحدة..
قبل المقاومة سواء في 2006 في لبنان أو في غزة 2008/2009 لم نكن نشعر بأننا (العرب) موجودون سوى وجود رمزي حياتي.. وبعد ما حدث والذي يحدث تكسر هذا الإحساس المطبق على الروح وأصبح لوجودنا ثمن.
الصورة مؤلمة قاسية وبشعة حد الغثيان ولكن يجب ألاّ ندير وجوهنا عنها بل يجب أن نعيشها لتعيش فينا لأن الذاكرة البصرية التي تتحول إلى مصحف في القلب ستحول الموقف إلي إيمان وعقيدة…
تسألني عن الصورة والمشتغلين بالصورة ماذا يمكن أن يضيفوا للمشهد .. أنظر إلى الأطباء الذين هرعوا من كل الأصقاع ينتظرون أمام معبر رفح للدخول والمساعدة.. أنظر إلى هؤلاء وأقول ماذا يمكن للسينمائيين العرب أن يقدموا.. وأن تكون خدمتهم تضاهي خدمة الطبيب الذي ينقذ أطفال غزة بالدواء.. وأعود لأؤكد قناعة رابضة في داخلي منذ زمن وهي أن غزة تختزن المقاومين والمصورين.. وأن كليهما سيكتب ما حدث ويسجل الموقف الذي كان يجب أن يكون..
أما إبداعية المقاومة في غزة فهي في إعادة بناء الضمائر، وإبداعية مصوري غزة في إعادة بناء الصورة.. يقف الإعلام العربي عاجزا جبانا مرددا للصورة والألم ليزيد البائسين بؤسا والخائفين خوفا، لا مستنبطا من الصورة فكرة تتحول إلى موقف ومن ثم على عقيدة في القلوب عقيدة الموت من أجل الحياة..
ومن هذا المنبر أطالب بأن توضع كل المعطيات المصورة حول العدوان على غزة والحرب على لبنان وكل المواد الإعلامية المصورة التي تواكب المقاومة والنضال، أن يوضع كل هذا بين أيدي السينمائيين العرب.. ليقدموا القراءة الأعمق للمشهد فإذا ما كان الإعلام يعتمد على اللحظة والخبر يسابقه الزمن فإن للسينمائي كامل الحرية للتحلل من زمنية الخبر وإعادة كتابة الصورة على نحو يتجاوز آنية الإعلام وربما محليته لتصبح صورة خالدة وكونية تعبر عن مأساة الإنسان ممثلة في مأساة الفلسطيني في غزة ومعبرة عن إرادة الحياة عبر نموذج الفداء الجميل. ولعل ما أشاهده على قناة الجزيرة الوثائقية يبرهن على أن الوثيقة تكتسب قيمتها حينما يعاد بناؤها بناء يضمن تجدد قيمتها التأويلية ويضمن تجدد قراءتها وبهاء معناها.

وهذا ما لم يفهمه العرب حيث لم يولوا لصراع الصورة حسابا رغم أن لدينا السينمائيين الذين برهنوا على قدرتهم على تخطي الحدود والارتقاء إلى العالمية.. المشكل ليس في السينما، المشكل في من يحدد السياسة الثقافية والفكرية ويمولها.. نحن في دول عاجزة عن العون العسكري والمادي وحتى السينمائي لذلك أشاطر الزميل قيس الزبيدي عرّاب الفيلم الوثائقي العربي حينما قال إن العرب عجزوا أن يحولوا قضية فلسطين إلى قضية كونية رغم ما لدينا من تراث الهزائم والمآسي.. المشكلة ليست في السينما وإنما المشكل في العرب أنفسهم.