مهرجان إسطنبول.. تألق سوداني وكوري إلى جوار التركي

 ندى الأزهري

جائزة لجنة التحكيم الخاصة وجائزة "فيبرسي" كانتا من نصيب الفيلم السوداني الوثائقي "التحدث عن الأشجار" لصهيب قسم الباري

الزحام على دار العرض في إسطنبول يضاهي بعض الشيء حشود المتنزهين في شارع الاستقلال هناك، حيث عليك في الحالتين إيجاد طريقك بصعوبة بين هؤلاء المنتظمين في صفوف المنتظرين أمام السينما في الشارع الشهير، أو بين هؤلاء الذين لا يكفون عن عبور الشارع الشهير رواحا ومجيئا دون كلل ولا ملل. لكلٍ جمهوره، مرتادون لمحلات بيع الحلويات التركية من كل الأصناف المتخيلة وغير المتخيلة والمتاجر التجارية والمقاهي والمطاعم من جهة، ولهذا المدخل الصغير للسينما الضائع بين متاهات الواجهات الكبرى للمحلات من جهة أخرى.

أمام هذه السينما التي تعرض أفلام المسابقة التركية في مهرجان إسطنبول؛ هناك ازدحام يريح الخاطر، فليس الاستهلاك وحده من له زبائنه، هذه السينما تستقطب أيضا جمهورا واسعا.

مهرجان إسطنبول للفيلم الذي تنظمه هيئة الثقافة والفنون بدعم من مديرية السينما في وزارة الثقافة والسياحة وأكثر من 20 هيئة ومؤسسة أخرى، عرَض في دورته الـ38 التي استمرت من 5-16 أبريل/نيسان الجاري 186 فيلما من 45 بلدا.

قسم التنافس على الجوائز في المهرجان يتضمن مسابقة للسينما العالمية وثلاث مسابقات للسينما التركية من أفلام قصيرة وطويلة ووثائقية، ومسابقة لسينما حقوق الإنسان المهتمة بأفلام ترفع من “وعي الجمهور واهتمامه بشؤون حقوق الإنسان بهدف خلق فهم أفضل لقضايا هامة”.

بالطبع ثمة تظاهرات أخرى منها “إعادة عرض كلاسيكيات السينما التركية، وقسم لاستعادة أفلام (26 فيلما) برزت في المهرجانات الكبرى وتمثّل التيارات السائدة في عالم سينما اليوم، وقسم آخر يطلق عليه “المعلمون الصغار” والمقصود الصغار في السن طبعا حيث أعمال لمخرجين شباب استُقبلوا بحفاوة من النقد والجمهور ونالوا جوائز في المهرجانات بسبب تفردهم السينمائي، وتضمنت الأعمال أفلاما فرنسية وتركية ويونانية وهنغارية.. وفيلما عربيا وحيدا هو فيلم “ولدي” للتونسي محمد بن عطية الذي يُبرز بحساسية وجع أب بعد فقدان ابنه الذي فرّ للانضمام إلى الجماعات المقاتلة في سوريا.

جائزة "التوليب الذهبي" نالها الفيلم الكوري "بيت الطائر الطنان" للمخرجة الشابة بورا كيم

بيت الطائر الطنان.. فوز متجدد

تضمنت المسابقة الدولية 12 فيلما اثنان منها وثائقيان، وحضرت أفلام من السويد وتركيا وبريطانيا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية والأرجنتين وفرنسا وإيران وروسيا وفيلم عربي واحد هو الفيلم السوداني “التحدث عن الأشجار” لصهيب قسم الباري.

جائزة “التوليب الذهبي” نالها الفيلم الكوري “بيت الطائر الطنان” للمخرجة الشابة بورا كيم. وهو فيلم كان حصد عدة جوائز منها جائزة جيل “+14” في البرليناله (مهرجان برلين السينمائي)، وجائزة الجمهور والفيلم الآسيوي في مهرجان بوسان في سيول، وجائزة أفضل فيلم في مهرجان الفيلم المستقل في سيول، وها هو الفوز في إسطنبول بالجائزة الكبرى يفاجئ المخرجة كما قالت عند استلامها.

تدور أحداث الفيلم في سيول عام 1994 حين انهيار جسر سونغسو، حيث تجول مراهقة تبلغ الرابعة عشرة من العمر في المدينة بحثا عن الحب. هي فتاة محرومة من اهتمام عائلتها وتشعر بإهمال الجميع لها، ولذلك كانت مستعدة لإعطاء قلبها لأي شخص قد يحبها أو يبدي اهتماما بها.

وحين تلتقي بمعلمتها الجديدة تجد عندها ما لم تجده لدى غيرها، وتصبح بذلك أول شخص بالغ يفهمها. لقد أشاد النقاد بهذه المخرجة حين صنعت فيلمها القصير الأول باعتباره “فيلمًا مثيرًا يشير إلى موهبة جديدة كبرى”، وهي في “بيت الطائر الطنان” فيلمها الأول الطويل تستكشف بمهارة المراهَقة والتعليم والضغوط الأسرية والمجتمعية.

قسم المسابقات التركية حظي بالجزء الأكبر من الجوائز تشجيعا للسينما التركية بكل أنواعها الروائية الطويلة والقصيرة والوثائقية المنتجة في تركيا

التحدث عن الأشجار.. ثورة سودانية

جائزة لجنة التحكيم الخاصة وجائزة “فيبرسي” كانتا من نصيب الفيلم السوداني الوثائقي “التحدث عن الأشجار” لصهيب قسم الباري. وتلقّى الفيلم حين ظهوره على الشاشة ومن ثم إعلان الجائزة تصفيقا حارا من الحضور.

لم يستطع المخرج القدوم إلى المهرجان بسبب الثورة والحراك الجاري في السودان هذه الأيام كما قال في كلمة أرسلها للحضور مليئة بالأمل بمستقبل جديد للبلد وتحقيق الحلم إلى حقيقة.

الفيلم يستعيد ماض لسينما سودانية في السبعينيات والتسعينيات وُجدت واختفت. هي هي بطلة الفيلم ولكنها ذاك البطل الذي يموت منذ البداية! فكيف تصنع فيلما بطله مفقود ومفتقد؟! أين السينما وما بقي من “الفيلم السوداني”؟

يتشارك الأسئلة إبراهيم ومنار والطيب وهم ثلاثة أصدقاء ومخرجين لأكثر من 45 سنة عادوا إلى السودان بأفكارهم المثالية وآمالهم بإعادة العروض السينمائية وافتتاح سينما “الثورة” من جديد. لقد تجمعوا بعد سنوات من الغربة والمنفى أيضا وكلهم تصميم على تحقيق حلمهم القديم بجعل السينما واقعا في بلد يبدو أنه نسيها تماما أو على الأقل لا يذكر ويرى منها إلا الأفلام الهندية وأفلام المغامرات (الأكشن).

بعد بحث عن بكرات قديمة للأفلام وإزالة ركام الغبار من عليها، يتم تجهيز سينما “الثورة” من جديد، ولكن لم هذه بالذات؟ يسأل جهاز الاستخبارات، وهل هناك مغزى لاختيارها؟ وبعد كثير من أخذ ورد يُرفض طلبهم بعرض فيلم على الأهالي من الجهات الأمنية.

مواقف طريفة ساخرة ومؤثرة عن هذه الرغبة وهذا الإصرار على عمل شيء مجدٍ في بلد لا يهتم، وعن تشابه أساليب هذه الأجهزة الاستخباراتية في البلدان الدكتاتورية وتشابه معاناة الأفراد لا سيما هؤلاء الذي يسعون لمستقبل أفضل لبلدهم؛ الاستخبارات التي قال عنها أحد الأبطال “إنها ليست أشطر منهم ولكنها أقوى”.

عبر أحاديثهم وسعيهم لإنجازٍ ولو صغير في سبيل نشر السينما، تبدو يوميات هؤلاء المجاهدين وأحلامهم وصداقتهم وتضامنهم. وكان الفيلم عُرض في قسم “بانورانا” في برلين ونال جائزتي أفضل فيلم وثائقي وجائزة الجمهور.

 

حكاية شقيقات ثلاث.. فيض من الجوائز

قسم المسابقات التركية حظي بالجزء الأكبر من الجوائز تشجيعا للسينما التركية بكل أنواعها الروائية الطويلة والقصيرة والوثائقية المنتجة في تركيا.

وقد اتفقت لجنة التحكيم الدولية ولجنة تحكيم اتحاد النقاد الدوليين (فيبرسي) في اختيارهما الذي وقع على فيلم “حكاية شقيقات ثلاث” لأمين ألبَر. ولم تكن هاتان الجائزتان الوحيدتين، فقد حصل الفيلم إضافة إلى جائزة أفضل فيلم تركي؛ جائزة أفضل إخراج وجائزة التمثيل النسائي التي ذهبت لممثلاته الثلاث الشابات (13-15-20) سنة.

هذا الفيلم هو الثالث للمخرج التركي المتميز، وكان شارك في مهرجان برلين في المسابقة الدولية. ويحكي قصة ثلاث أخوات هن ريحان ونورهان وحواء يجتمعن من جديد في قريتهن المعزولة في الجبال. وتربت الأخوات اللواتي فقدن والدتهن في كنف والدهن، إلى أن تبنت الكبرى منهن عائلةٌ غنية في المدينة.

هو نظام معروف في بعض المدن التركية حيث تصبح الفتاة كابنة للعائلة ولكن أيضا كخادمة، حين تعود الكبرى حاملا، وربما من رب عملها كما يوحي الفيلم، يُدبّر لها عريس على عجل وتذهب الصغرى مكانها إلى ذات الأسرة.

تتنافس الأخوات جميعهن -رغم الحب والتعاضد والتعاطف الذي يجمعهن- على الذهاب إلى المدينة والخروج من هذا المكان الموحش والقاسي الذي يبدو وكأن لا مفر منه، وتظهرن وكأن مصيرهن معلق بيد الرجال سواء أكان الأب الذي هو السيد أو الأب في المدينة أو زوج ريحان المعذب المحتقر والمهان من الجميع بدءا من زوجته.. إنه فيلم يحيل إلى الحكايات الشعبية ويوازن بقدرة وإبداع بين المأساة وبين طرافة تتخلل الواقع لتخفف من وقعه ومشاقه.