مهرجان طنجة: وثائقي بألوان قوس قزح

المصطفى الصوفي

يكرم المهرجان عددا من الرموز السينمائية والنقدية الدولية.

تنطلق مساء اليوم الثلاثاء، وعلى مدى خمسة أيام، فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان أوروبا- الشرق للفيلم الوثائقي، التي تنظمها الجمعية المغربية للدراسات الإعلامية والأفلام الوثائقية، ومؤسسة مهرجان أوروبا الشرق للفيلم الوثائقي، وذلك في محاولة من لجنة التنظيم، لجعل هذه التظاهرة السينمائية التي ولدت في مدينة أصيلة ضواحي مدينة طنجة أو مدينة البوغاز، التي لا تبعد عن إسبانيا إلا بنحو 12 كيلومترا، أكبر تظاهرة سينمائية متخصصة في مجال الفيلم الوثائقي، وذلك بالنظر إلى احترافيتها، وجودة تنظيمها بالرغم من قلة الدعم، الذي تتلقاه من قبل الشركاء، مقارنة مع مهرجانات أخرى، أقل منه مستوى، وتتحصل على دعم سخي.

غرغور تحكّم 10 أفلام

وفيما يتعلق أفلام المسابقة الرسمية لهذا المهرجان الذي يقام بالمركز الثقافي أحمد بوكماخ بشراكة مع المركز السينمائي المغربي ومجلس الجالية المغربية بالخارج، والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وبدعم من ولاية طنجة تطوان، وجهة طنجة تطوان الحسيمة، والجماعة الحضرية لطنجة ومجلس عمالة طنجة أصيلة ومقاطعات مغوغة، بني مكادة، وطنجة المدينة، فقد فتحت مؤسسة المهرجان باب التسجيل للمشاركة باكرا، وتلقت نحو 220 فيلما، تم انتقاء عشرة أفلام فقط، توفرت فيهم شروط المسابقة، وقد سهر على عملية الانتقاء لجنة متخصصة ضمت الأكاديمي عز العرب القرشي، والمخرج إدريس الريفي التمسماني الإعلامي والسيناريست عبد الله الدامون. وهذه الأفلام التي تتنافس على خمس جوائز مادية أرفعها جائزة ابن بطوطة الكبرى، إضافة إلى جائزة ابن بطوطة للإخراج، وجائزة ابن بطوطة للسيناريو، وجائزة ابن بطوطة للتفرد، ثم جائزة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة.

هذه الأفلام هي “منطقة صفر” لبابلو توسكو وبابلو أرابورب وجورجي فرنانديز مايورال من إسبانيا، و”الانتظار” لمخرجه السويدي إيميل لاكبال، و”اصطياد أشباح” للمخرج رائد أندوني من فلسطين، ، و”ازهار بتيم” لكارين موراليس وكارولين بيركارد من فرنسا، و”لا مكان للاختباء” للمخرج أحمد زرداشت من العراق، و”عندما يجتمع الرومي مع فرنسيس” لمحمد قناوي من ايطاليا،  و”الأرز والصلب” للمخرج اللبناني فاليري فانسون، و” قبلة جيدة من مورورا” لمخرجه الجزائري العربي بن شيحا، ثم “العدو الخفي” لرشيد قاسمي، و”دماء على نهر السين” للمهدي بكار من المغرب.

وتحكم مسابقة هذه الأفلام لجنة متخصصة تترأسها المخرجة الفلسطينية ماريز غرغور وتضم في عضويتها  ورادا سيزيك من البوسنة والهرسك، جمال دلالي من تونس، وروبيرت هوف من هولندا ثم المخرج المغربي إدريس المريني من المغرب. كما تخصص الدورة بالمناسبة جائزة أخرى تحمل اسم جائزة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، التي يترأس مسابقتها منتصر مرعي من فلسطين، وتضم كلا من سينتيا شقير من لبنان، وبن يونس بحكاني من المغرب.

تشتمل دورة المهرجان على عدد من الندوات

مختبر الوثائقي

وخصصت الدورة احتفالية مهمة لتكريم أربعة وجوه سينمائية أبدعت في مجال الفيلم الوثائقي، وخلفت بصمات مميزة في حقل الفيلم الوثائقي، ويتعلق الأمر بالمخرج الهولندي روبرت هوف، والمخرج المغربي حكيم بلعباس، المنشط والمنتج المسرحي والسمعي البصري الحبيب بلهادي من تونس، والمدير المركزي للإنتاج والبرمجة بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون المغربي العالمي الخلوق والناقد السينمائي الرئيس المؤسس لجمعية نقاد السينما رئيس للإتحاد الإفريقي لنقاد السينما خليل الدامون.

وتتعزز فقرة الندوات والمنتديات الفكرية والأكاديمية، بتنظيم ثلاث ندوات فكرية مهمة، تعنى بقضايا الفيلم الوثائقي، حيث تتمحور الأولى حول موضوع الفيلم الوثائقي من التراث الشفهي إلى الصورة الموثقة- التراث الصحراوي نموذجا  بالتعاون مع الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، ويشارك فيها عدد من البحثين والنقاد من ابرزهم الناقد المغربي حيمادي كيروم والدكتور الحبيب ناصري رئيس المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة والمخرج المغربي، أما الندوة الثانية فسيكون موضوعها الصحافة الاستقصائية ودورها في تطوير الفيلم الوثائقي “،  بمشاركة مع مركز هيسبيرس للدراسات، وبدعم من القناة الدولية الألمانية ” دويتشه فيله”، ويشارك فيها المخرج جمال الدلالي من تونس، وعبد الوهاب الرامي وياسين العمري، ورضا بنجلون من المغرب وسطيفان بوشان، فيما الثالثة تتمحور حول موضوع التدوين المرئي من الحكاية إلى التوثيق” بمشاركة عدد من الخبراء منهم المخرج المصري مصطفى محفوظ، أيوب عقيل، وأمين المغاري، عب المومن عمري وإحسان بن علوش.

كما يؤطر محفوظ خريج المعهد العالي للسينما، ورشة مختبر الوثائقي (دوك لاب)، في حين يؤطر ورشة السيناريو المخرج والمنتج السينمائي الفلسطيني عايد نبعة، فيما ورشة الكتابة “حروف على ألوان”  سيؤطرها المغربي يوسف حجي، أما ورشة الطفل المبدع  فيؤطرها المخرج المغربي عبد الغفار السالفي لصالح أطفال عدد من مدارس مدينتي طنجة وأصيلة لتتوج بانجاز فيلم سيقدم في حفل الاختتام تشجيعا لهؤلاء الأطفال المبدعين.

عدد من ورش العمل ستقام على هامش المهرجان

توثيق المنصات الرقمية

وصلة بالموضوع وبشراكة مع مركز الجزيرة للإعلام، سيتم تنظيم ورشة حول الصحافة الالكترونية”المنصات الرقمية والتوثيق الإعلامي”، بالتعاون مع بيت الصحافة في طنجة، حيث سيؤطر هذه الورشة سلمان البدري من مصر وهو عضو مؤسس في فريقي ميدان ومدونات شبكة الجزيرة، حيث شارك في تأسيس وحدة الرصد والتحقق الخاصة برصد الأخبار في القناة الإخبارية للجزيرة، فضلا عن عمله ضمن فريق تحرير الجزيرة توك سابقا. وضمن فقرة ماستر كلاس سيلتقي المخرج السينمائي الهولندي روبرت هوف عضو لجنة تحكيم المسابقة الرسمية، والذي سيكرم خلال هذه الدورة في لقاء مفتوح مع الجمهور، للحديث عن تجربة السينمائية وليلقي درسا في السينما. ويعد روبرت هوف من عمالقة السينما الوثائقي في أوربا حيث أنجز أزيد من 200 فيلم وثائقي عير مسيرة سينمائية امتدت لما يقارب أربعين عاما، توج خلالها بعدد من المهرجات الدولية وفاز بجوائز قيمة كرم في عدة مناسبات عالمية.

وكنشاط مواز، ومن أجل تقريب الثقافة السينمائية لكتابات المبدعين، سيتم تقديم وتوقيع كتاب وهو من إصدارات الجمعية المنظمة،  للكاتب والشاعر الدكتور أحمد الصمدي مؤلفه الجديدتثمين الرأسمال الثقافي المشترك بين البعد الإشعاعي والبعد التكويني نموذج مهرجان أوروبا الشرق للفيلم الوثائقي بطنجةأمام الجمهور، حيث سيرصد الباحث الصمدي وهو حاصل على شهادة الدكتوراه تخصص النقد الأدبي، وسبق أن أصدر عددا من الأعمال الشعرية والغنائية والدراسات اللغوية والنقدية وشارك في إعداد مجموعة من الأفلام الوثائقية والبرامج الإعلامية، جانبا مهما الحضور الثقافي الكبير خلال دورات المهرجان السابقة، وذلك من خلال تكريس روح الإشعاع والانتشار، وكذا تكوين الأجيال والشباب والطلبة والمهتمين، من أجل ثقافة سينمائية عالمية.

كما سيتم تنظيم ثلاثة معارض، ويضم المعرض الأول بانوراما ورقية جميلة لمعرض الجرائد المنشورة في عهد الحماية، وذلك من توقيع المغربي يونس الشيخ علي، وهو معرض سيتم فيه تقديم نحو 70 لوحة لأول إصدارات الجرائد الورقية في المملكة المغربية من 1906 إلى 1956 باللغات العربية والإسبانية والإيطالية والفرنسية. أما المعرض الثاني فتنظمه الفنانة التشكيلية المغربية المقيمة في فرنسا رحمة عزوز، هذه الفنانة التي تسافر بالجمهور إلى ضفاف حالمة من خلال لوحات تحتفظ بالسرد على أنه الجرح الأصلي والتمزق الوحشي عبر محطات التاريخ والهجرة القسرية، إنها لوحات تجمع بين السحر والدهشة وألم الفراق والغزارة في الإنتاج الفني، الذي يرسخ لفيلم من الألوان المؤثرة الرائعة.

ندوة الوثائقي من التراث الشفهي إلى الصورة الموثقة التراث الصحرواي نموذجا.

محطة تعايش الشعوب والحضارات

واعتبر مدير المهرجان المهندس والمنتج صهيب الوساني في تصريح خاص للجزيرة الوثائقية أن ميزة الدورة هو، جودة الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية، وانتقاؤها من بين أزيد من 220 فيلما تم التوصل به، من قبل لجنة متخصصة، فضلا عن القضايا التي تعالجها الأفلام وخاصة على مستوى الانسجام بين الثقافتين الشرقية والغربية وتكاملهما، وروح الاختلاف الخلاق الذي يفضي إلى تمتيع المتلقي بروح الفرجة السينمائية الوثائقية، التي تنبني على التنوع والخصوبة وتكريس روح التعايش بين الثقافات والحضارات الإنسانية حتى يكون المهرجان محطة دولية يتوافق وروح مدينة طنجة الدولية، التي ظلت على مر العصور، محطة تعايش وحياة لكثير من الشعوب والأجناس والحضارات، كأقرب نقطة على الصعيد الإفريقي، والشرق الكبير إلى أوربا ومنها إلى مختلف باقي أنحاء العالم.

وأشار صهيب إلى أن الدورة التي تعتبر دورة النضج على مستوى الاحترافية والمهنية وبداية الانطلاقة نحو العالمية سواء على مستوى التنظيم أو جودة الأفلام المشاركة أو ضيوف المهرجان، ستكون مميزة من حيث الفقرات المختارة بدقة، والتي تتوزع بين الندوات الفكرية التي يشارك فيها خبراء وأكاديميون، وتتمحور بالخصوص حول الفيلم الوثائقي وثقافة الصورة والتراث الشفهي في الإبداع الوثائقي، وكذا ما يرتبط بقضية التدوين والصورة والحكاية والتوثيق، هذا دون نسيان العديد من الورش التي يؤطرها متخصصون من المغرب وخارج المغرب، خاصة من مصر وفلسطين وقطر، وغيرها، وأنشطة موازية أخرى وذلك من أجل تعزيز مزيد من الحوار والتواصل، إضافة إلى أنشطة أخرى منها تاكسي المهرجان، وهي فكرة طريفة تجعل الضيف يركب في رحلة مصورة عبر الفيديو عبر شوارع ودروب طنجة للحديث عن السينما وغيرها.

صهيب الوساني مدير المهرجان

الوثائقي لتهذيب الذوق الفني والجمالي

وشدد الوساني على قيمة فقرة التكريمات لعدد من الوجوه السينمائية التي قدمت خدمات راقية للسينما الوثائقية سواء على المستوى المغربي أو الدولي، ومن أبرز المكرمين نذكر على سبيل المثال المخرج المغربي حكيم بلعباس الذي أخرج العديد من الأفلام الوثائقية التي ركزت في إبداعها على تيمة الهوية  والرؤيا والإبداع، بلعباس ذو التكوين السينمائي الفرانكو أمريكي، الذي اشتغل في أفلامه على مواضيع اجتماعية وإنسانية، ترتبط بالإنسان والوجدان والأرض والأحاسيس، ما جعل من أفلامه الوثائقية تحفة فنية تنبض بالحيوية والتلقائية والبساطة، لكن بعمق فني مكتنز بالرموز والدلالات، هذا فضلا عن تكريم المخرج الهولندي هوف الذي أثرى الساحة الدولية بفيض من الأفلام الرائعة، وتوج في كثير من المهرجانات العالمية.

وعن رهانات المهرجان المستقبلية اعتبر مدير المهرجان أن الرهان دائما هو خدمة قضايا السينما الوثائقية، وجعل الوثائقي كإبداع خلاق متجدد، يساهم في صنع الفرجة للناس وتكوين احتفالية جماعية، لها مرام توعوية وتربوية، إضافة إلى صنع جيل من الشباب يهوى السينما في مضامينها العامة، وذلك وسط وضع سينمائي مغربي غير مريح، من حيث العزوف عن مشاهدة الأفلام السينمائية، وقلة القاعات السينمائية، وإغلاق أبوابها واحدة تلو الأخرى بحثا عن منافذ تجارية وربح سريع، وكذا وسط  توسع الهيمنة التكنولوجية التي تتيح للجميع مشاهدة الأفلام عن قرب دون الحاجة إلى الذهاب إلى القاعات السينمائية.

إن الرهان في العمق خلال هذا المهرجان، هو جعل السينما الوثائقية مساهما حقيقيا في التنمية وتهذيب الذوق الفني والجمالي، والتربية والتكوين، وجعل ثقافة الصورة، منهاجا حقيقيا للتعلم، والتربية، وترسيخ قيم المحبة والتسامح والتعايش بين الشعوب، مع نبذ كل أشكال التطرف والعنف.

هذا مهرجان هو أوربا الشرق للفيلم الوثائقي الذي يبدعه فريق من الشباب المتعطش والعاشق للسينما والصورة في بعدها الكوني والإنساني والجمالي، نافذة إبداعية مشرعة على السحر والسفر والحلم، ومد الجسور بين الشرق الغرب، وبين عالمين مختلفين لكن تجمعهما ألوان قوس قزح في مشهد شاعري جذاب ومثير.