مهرجان فجر الدولي بطهران.. غياب عربي وغربي وحضور آسيوي

ندى الأزهري-طهران

فاز الفيلم الروسي "شباب روسي" للمخرج ألكساندر زولوتوخين بجائزة "العنقاء" الذهبي كأفضل فيلم مشارك في المسابقة الدولية التي أُطلق عليها "سينما سعادت"

 أقيم مهرجان فجر الدولي للفيلم في طهران من 18 وحتى 26 أبريل/نيسان الجاري، ويعد المهرجان الحدث الدولي الأهم لصناعة السينما في إيران.

 وتضمّنت الدورة الـ37 ثلاثة أقسام رئيسية هي المسابقة الدولية ومسابقة أفلام آسيا والعالم الإسلامي ومهرجان المهرجانات إضافة إلى عدة تظاهرات موازية أخرى. 

ووصل مجموع ما عُرض في مختلف الأقسام إلى أكثر من 160 فيلما من 64 بلدا. وشارك في المسابقة الدولية 15 فيلما روائيا طويلا من بينها ثلاثة أفلام إيرانية تعرض للمرة الأولى، وأفلام من تركيا ورومانيا وروسيا وكرواتيا وبلغاريا ولاتفيا والصين والأرجنتين والدانمارك وألمانيا وبولندا والهند معظمها من إنتاجات 2019.  

ووزعت جوائز “السيمورغ” (العنقاء، وهو اسم لطائر خرافي) على الفائزين في حفل افتتح بآيات من القرآن الكريم (مع ترجمة للإنجليزية مصاحبة على شاشة كبيرة)، وأغان من التراث الشعبي والعالمي.

وألقى مدير المهرجان المخرج رضا مير كريمي كلمة أشار فيها إلى الصعوبات التي واجهت تنظيم المهرجان هذا العام بسبب الحصار على إيران، منددا بهذه العقوبات التي فرضتها الحكومة الأمريكية، معتبرا أنها لا تستهدف فقط الاقتصاد الإيراني وإنما أيضا “الثقافة الإيرانية”.

 وقال كريمي “على الرغم من كل هذه المشاكل وبفضل المستوى العالي للسينما الإيرانية، نجحنا في تنظيم مهرجان رائع مع أصدقائنا من جميع أنحاء العالم الذين لم يتخلوا عنا”. 

ولوحظ غياب السينما العربية عن معظم الأقسام، وكذلك السينما الغربية لاسيما منها الفرنسية مع حضور واسع لسينما آسيا وبلدان العالم الإسلامي.

 

“شباب روسي”.. يتصدر الجوائز

وخرج الفيلم الروسي “شباب روسي” للمخرج ألكساندر زولوتوخين بأكثر الجوائز. وأولها “العنقاء” الذهبي كأفضل فيلم مشارك في المسابقة الدولية التي أُطلق عليها “سينما سعادت”، كما نال جائزة العمل الأول وجائزة النقاد الإيرانيين.

“شباب روسي” هو الثاني للمخرج الذي يُعتبر من الجيل السينمائي الجديد في روسيا. ويسرد قصة شاب روسي بسيط يذهب للجبهة أيام الحرب العالمية الأولى بحماس ناشدا البطولات والتضحيات، ولكنه يفقد بصره في هجوم بالغاز للجيش الألماني.

لم يمنع هذا من بقاء الشاب في الجبهة للاستفادة من حاسة السمع القوية لديه التي مكّنته من مساعدة رفاقه للاستماع لخطط العدو عبر أنابيب ضخمة، مما شكّل جهاز إنذار مبكر لروسيا.

وفي المسابقة نفسها حاز الفيلم الإيراني “ارقص معي أيها العالم” على جائزة أفضل إخراج.

 

“ارقص معي”.. إيراني بأسلوب هوليودي

يجب أن تتوقّع ازدحاما كبيرا وصفوفا طويلة عندما يُعرض فيلم إيراني في مهرجان فجر الدولي، وهذا أمر مطرد بشكل عام مع معظم الأفلام، لكن فيلم “ارقص معي أيها العالم” شهد ازدحاما أكبر، ولأول مرة يحدث تدافع بسيط على الرغم من أنه ليس العرض الأول للفيلم في المهرجان.

قالت شابة إيرانية لي بعد أن سألتها عن الأسباب: إن صيت الفيلم سبقه والناس تداولوا أخباره كفيلم هزلي مضحك يستحق المشاهدة.

هزلي؟! كنت قرأت تقديما للفيلم بأنه عن رجل ينتظر موتا قريبا!

“ارقص معي أيها العالم” الفيلم الأول للإيراني سروش صحت، نال جائزة “العنقاء” الفضية لأفضل إخراج. وللمخرج خبرة في الأعمال التلفزيونية وفي الكتابة للسينما، لكن فيلمه هذا كان مشابها لأسلوب الفيلم الهوليودي في أسلوبه ولأفلام المخرج الإيراني أصغر فرهادي في قصته.

فيلم لطيف عن أصدقاء يجتمعون في منزل ريفي قريب من البحر، ويحدث بينهم ما يحدث في هذه العادة من خلافات واكتشافات ومواقف مأساوية وأخرى طريفة مكررة للمرة الألف على الأقل. لا شيء جديد حقا، قد تكون هناك ابتكارات فيه كفيلم إيراني، مع أننا سبق ورأيناها في أفلام أخرى، من نوع موسيقيين معلّقين على أشجار، أو فرقة تظهر فجأة وتعزف في الحديقة.

الممثل علي مصفّا الذي أدى الدور الرئيسي نال تقديرا أيضا من لجنة التحكيم، وهو في الفيلم رجل ينتظر الموت، لكن الفيلم يتجنب الوقوع في مأساوية الحدث، ويحاول التخفيف منها بالكوميديا وخلق أجواء ساخرة ومضحكة.

يجد البطل المريض نفسه فجأة في خطة من أخيه، محاطا في مزرعته بأصدقائه المقربين للاحتفال بعيد ميلاده الأخير ربما. ولكل واحد مشاكله مع نفسه ومع الآخرين، لكن الموت القريب يجبرهم على التسامح وتناسي خلافاتهم السابقة والاقتراب من الطبيعة والحيوانات والموسيقى والرقص، وكلها عوامل تلعب دورا أساسيا في حياة البطل.

لكن الأفلام الكوميدية الإيرانية قليلة، وبالأحرى تلك التي تمتلك حدا أدنى من مقومات الفيلم الفني، من هنا ربما كان الإعجاب بهذا الفيلم وحصوله على الجائزة الفضية.

 

“مكان الصديق الخالي”.. عن انتحار المراهقين

فيلم إيراني آخر فائز ولكن في قسم “بانوراما آسيا والعالم الإسلامي”، وهو فيلم “مكان الصديق الخالي” للمخرج محمد علي طالبي، فقد فاز بجائزة أفضل فيلم آسيوي من ضمن 15 فيلما أربعة منها من إيران، وفيلم من فلسطين (مفك.. لبسام جرباوي) وسوريا (أمينة.. لأيمن زيدان) وقرغيزستان وتركيا وأفغانستان وأذربيجان وأوزبكستان وكزاخستان وماليزيا والصين وأرمينيا.

“مكان الصديق الخالي”، فيلم وثائقي يهتم بالعلاقة بين المراهقين والانتحار ويحاول التحري عن الأسباب التي دفعت بصبيتين إيرانيتين للانتحار بعد بث فيلم على وسائل التواصل الاجتماعي أعلنتا فيه عن ذلك. 

نيلوفر وعسل (15 عاما) فتاتان من أصفهان صورتا فيلما من ثلاث دقائق تشرحان فيه رغبتهما بالانتحار من فوق جسر في المدينة وبثتاه على يوتيوب. ففقدت إحداهن الحياة وأصيبت الثانية بجروح وكسور خطيرة. 

يذهب الفيلم أبعد من محاولة تحري أسباب انتحارهما، ويتجاوز هذا الفعل المأساوي إلى دراسة مدى تأثير الفضاء الافتراضي على قرارات وحياة المراهقين وعلى توسع ظاهرة الانتحار. 

ويرصد أيضا العديد من الحالات المشابهة في مدينة على هذا القدر من الجمال والتميز، ويلتقي الفيلم مع والد الفتاة التعيس وكذلك الفتاة التي نجت لتحليل دوافع هذا الحادث.

المخرج محمد علي طالبي معروف عنه اهتمامه بسينما الأطفال والمراهقين، ويتعامل مع أمور خاصة تتعلق بهم كما هو الحال في هذا الفيلم حيث الصمت يحيط بقضية كهذه.

فيلم (رونا.. أم عظيم) يلفت النظر إلى مشاكل اللجوء ومعاناة اللاجئين، والحياة في ظروف شاقة ماديا ومعنويا عبر حياة أسرة أفغانية في طهران

“أمُّ عظيم”.. اللجوء ومعاناته

في المسابقة نفسها نال الفيلم الأفغاني “رونا.. أمُّ عظيم” للمخرج جمشيد محمودي تنويها خاصا من لجنة التحكيم. والفيلم ترجمة عنوانه الحرفية “تحطيم عشرين عظما سويّةً”، وهو إنتاج مشترك مع إيران.

وقام بالدورين الرئيسيين فيه ممثلان من إيران، والمخرج –المولود عام 1983- هاجر مع أسرته من أفغانستان وعمره سنة واحدة إلى باكستان ومنها إلى إيران حيث يعيش حاليا. وفيلمه هذا هو تكملة لثلاثيته عن اللجوء بدأها مع فيلم “رحيل” ثم “بضعة أمتار مكعبة من الحب”. وفي فيلمه المؤثر الأخير يلفت النظر إلى مشاكل اللجوء ومعاناة اللاجئين، والحياة في ظروف شاقة ماديا ومعنويا عبر حياة أسرة أفغانية في طهران.

وعظيم هو لاجئ أفغاني يعمل في البلدية ليلا، ويعيش في طهران مع أسرته. إنه كبير العائلة ويشعر بمسؤوليته عنها، لذلك يرتب لتهريب شقيقه فاروق مع عائلته ووالدتهما إلى ألمانيا. 

لكن فاروق يقرر في اللحظات الأخيرة وتحت تأثير زوجته عدم اصطحاب أمه معهم. يشعر عظيم بالوحدة والغضب، لاسيما بعد أن يكتشف أن والدته بحاجة إلى عملية زرع كلية وإلا ستموت في غضون شهرين إن لم يَعثر على بائع لكليته. 

ويُعرف أنه لا يُسمح للإيرانيين قانونيا بالتبرع بأعضائهم للأجانب، وهنا تتنازع عظيم مشاعر مؤلمة بين التبرع بكليته لأمه الشخص الأكثر أهمية في حياته، وبين التفكير بتأثير هذا على حياته وعمله الشاق. وحاز هذا الفيلم أيضا على جائزة قسم “بين الأديان”.