مهرجان كارلوفي فاري في دورته الـ53.. احتفاء بالعالم العربي

محمد هاشم عبد السلام

يُعتبر مهرجان "كارلوفي فاري" أحد أكبر وأعرق المهرجانات السينمائية على مستوى أوروبا والعالم.

بعد عرض لقرابة الـ200 فيلم تنوَّعت جميعها بين الروائي الطويل والقصير والتسجيلي والرسوم المتحركة، انتهت مساء السبت فعاليات الدورة الـ53 لمهرجان “كارلوفي فاري” الذي انعقد في الفترة ما بين 29 حزيران/يونيو و7 تموز/يوليو، وذلك بإعلان جوائز مسابقات المهرجان في المسرح الكبير بفندق “تيرمال”، حيث تنعقد الجزء الأكبر من فعاليات المهرجان كل عام.

ويُعتبر المهرجان أحد أكبر وأعرق المهرجانات السينمائية على مستوى أوروبا والعالم، ويحضره العديد من النجوم سواء للمُشاركة بأعمالهم أو لحضور فعالياته المختلفة أو تكريمهم، ويشارك فيه من أهل الصناعة ما يقترب من 800 موزع ومنتج ومبرمج، إضافة إلى 700 صحافي.

كما ويعد أحد المهرجانات المفتوحة للحضور الجماهيري، حيث يشهد كل عام حضور ما يزيد على 10 آلاف شخص، وبيع قُرابة 120 ألف تذكرة للجمهور العادي.

يعد كارلوفي فاري أحد المهرجانات المفتوحة للحضور الجماهيري، حيث يشهد كل عام حضور ما يزيد على 10 آلاف شخص، وبيع قُرابة 120 ألف تذكرة للجمهور العادي.

كارلوفي فاري.. مدينة الكريستال

على امتداد أغلب فصول العام خاصة الصيف، يتوجه العديد من السائحين والمرضى من جميع أنحاء العالم لزيارة مدينة الينابيع الحارة، وعشرات المُنتجعات الصحية.

تبعد كارلوفي فاري أو حمامات كارل عن العاصمة التشيكية “براغ” قرابة الساعة والنصف، تلك المدينة الصغيرة الساحرة التي يقترب عدد سكانها من 50 ألف نسمة تزدحم بمقدار ضعفي عدد سكانها أو أكثر وقت انعقاد مهرجانها السينمائي السنوي، ولا تكاد تجد موضعا بشوارع المدينة أثناء انعقاد المهرجان، وذلك لفرط تدفق عشاق السينما إلى المدينة لا سيما في عطلة نهاية الأسبوع.

وبخلاف الينابيع الحارة (13 ينبوعا رئيسيا و300 صغيرة تتفاوت جميعها في درجات حرارتها المُرتفعة) تشتهر مدينة كارلوفي فاري التي بناها الملك كارل الرابع عام 1370 بأنها مدينة الكريستال، إذ تُعرف المدينة أيضا منذ عقود طويلة -إضافة إلى ينابيعها ونهري “تيبلا” و”أوري”- بأنها أحد أهم المدن الأوروبية المُتخصصة في صناعة الكريستال بمختلف أشكاله وأحجامه وألوانه.

من حفل ختام المهرجان بالمسرح الكبير بفندق تيرمال.

المهرجان.. أقسامه وفعالياته ومسابقاته

تنقسم مسابقات المهرجان الرئيسية إلى “المسابقة الرسمية”، وعُرض بها 12 فيلما روائيا طويلا، وعلى هامشها عُرضت ثلاثة أفلام، وتليها في الأهمية مسابقة “شرق الغرب” وهي غاية في الأهمية وذلك لإلقائها الضوء على سينما تلك المنطقة من أوروبا الشرقية، وعُرض بها 12 فيلما روائيا. وأخيرا مسابقة “الفيلم التسجيلي” التي عُرض بها 12 فيلما تسجيليا طويلا.

بخلاف مسابقات المهرجان الرئيسية، ذات الجوائز المادية وتمثال الكُرة البلورية، والمكرسة بالأساس لاكتشاف سينما المنطقة ومخرجيها، تتعدد الفعاليات والأقسام بالمهرجان وتنفتح على جميع السينمات والدول.

من أهم الأقسام والفعاليات التي تقام سنويا بالتوازي مع مسابقاته الرئيسية، قسم “آفاق”، وهو بالفعل بمثابة كنز المهرجان، فمن فاتته مشاهدة أفلام المهرجانات الكبرى “برلين وكان وفينسيا” يجد الكثير منها في ذلك القسم.

وبخلاف قسم “آفاق”، هناك قسم “مناسبات خاصة” لعرض قلة من أفلام النجوم الذين كرَّمهم المهرجان، إضافة إلى قسم “وجهة نظر أخرى” الذي يجمع بين الأفلام الروائية والتسجيلية التي عُرضت بالعديد من المهرجانات وحصلت على جوائز أو لفتت الأنظار، وقسم “تخيل” وتعرض فيه أفلام من أوروبا وأمريكا فقط. وهناك العديد من الأقسام الأخرى مثل “من الماضي” و”عروض منتصف الليل” و”الأفلام التشيكية لعام 2017 و2018“.

 

 

 

انفتاح على العالم العربي.. ما الذي تغيّر؟

بحكم طبيعة المهرجان المُتخصصة التي فرضتها عليه جغرافيته، تمحورت الأفلام عامة في الدورات السابقة حول منطقة وسط وشرق أوروبا، ونادرا ما حادت أو تجنبت تناول ثيمات بعينها يغلب عليها مناقشة قضايا الحروب التي مرت بها المنطقة إضافة إلى تبعاتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية على السكان والأجيال الجديدة، وأيضا المشكلات العرقية والإقليمية والإثنية بالمنطقة، وكذلك قضية اللاجئين الطارئة على تلك المنطقة.

كل تلك الموضوعات بالطبع ذات طابع إنساني معاصر، تدور على خلفيات اقتصادية وسياسية ودينية وعرقية، ويصعب رصد تأثيرها على تلك المجتمعات وأفرادها ومعيشتهم اليومية عبر مهرجانات أوروبية أخرى، لا تلتفت كثيرا لتلك المنطقة من أوروبا ولا قضاياها اليومية أو الآنية. ورغم ذلك كله فقد اتسمت أفلام هذا العام بالتنوع إلى حد بعيد، ومناقشة قضايا الشباب والمراهقين والانفتاح على العديد من البلدان، ومنها منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي.

 

 

كارلوفي فاري.. أفلام المسابقة الرئيسية

افتتح المهرجان مسابقته الرئيسية بالفيلم الكندي “طارت الخنافس” للمُخرج سيباستيان بيلوت، حيث تدور الأحداث حول مُراهِقة ضائعة ويائسة تحاول شقّ طريقها في الحياة والعثور على والدها الذي لا تعرف عنه شيئا.

من سلوفينيا عُرض فيلم “تاريخ الحب” للمخرجة سونيا بروزنيتش، وتناول حياة أسرة تعرضت لوفاة الأم، وتأثير ذلك على الزوج والابنة الصغيرة والابن المراهق، وبالأخص “إيفا” التي كادت تفقد حياتها مع والدتها في الحادث.

في الفيلم الإسرائيلي “فداء” للمخرجين جوزيف مادموني وبوعاز ياكوف، دارت الأحداث حول الأربعيني مناخيم –يهودي شديد التدين لدرجة الهوس– الذي تُصاب طفلته بمرض السرطان ولا يجد ثمنا لعلاجها، فيضطر للعودة إلى الغناء بعد إقناع رفاقه السابقين بإعادة إحياء فرقتهم الموسيقية القديمة، وذلك للحصول على المال رغم تمزقه بين التدين وما يفعله.

وباسم دولة التشيك قدَّم المخرج السلوفيني أولمو أوميرتزو فيلم “ذباب الشتاء”، وهي قصة طريفة ومشوقة من أفلام الطريق عن صبيين يسرقان سيارة وينطلقان بها في أنحاء التشيك، ويخوضان الكثير من المغامرات المسلية والمشوقة، حتى يتم القبض على أحدهما وينقذه الآخر، فيسرقان السيارة مجددًا من قسم الشرطة وينطلقان إلى طرق ثانية.

من تركيا عُرض فيلم “الأشقاء” للمخرج أومر أتاي، وتدور أحداثه حول المُراهق “يوسف” الذي قضى سنوات حبس بإحدى الإصلاحيات بعد اتهامه بارتكاب جريمة قتل، نعرف لاحقًا أنها كانت ضد شقيقته التي فرَّت من بلدتهم وتزوجت بشخص غير مرغوب فيه، تتطور الأحداث ونكتشف أن يوسف ضحية شقيقه الأكبر ولم يقتل.

المخرج الروماني رادو جود الفائز بجائزة المهرجان الكبرى بفيلمه الروائي الأحدث "لا يهمني إن أداننا التاريخ كبرابرة".

من رومانيا عاد المخرج المتميز رادو جود بفيلمه الروائي الأحدث “لا يهمني إن أداننا التاريخ كبرابرة”، وفيه يرجع المخرج إلى التاريخ الروماني المعاصر وتحديدا عام 1941، ويكشف المسكوت عنه في الأحداث التي دارت على الجبهة الشرقية خلال الحرب العالمية الثانية، والمذبحة العرقية التي اقترفها الجيش في تلك المنطقة.

فيلم آخر طريف ومشوق بعنوان “نوبة هلع”، وهو أول أفلام المخرج البولندي بافو ماشلونا، وهو مجموعة من القصص المنفصلة المتصلة، أبطالها مختلفون، تتجمع خيوط القصص والأحداث وتلتقي الشخصيات في النهاية في عرس صاخب وذلك بعد الكثير من المواقف الطريفة والمؤلمة أيضا.

بعد حصوله على جائزة “لجنة التحكيم الخاصة” عام 2016 من المهرجان عن فيلمه “علم الحيوان”، عاد للمسابقة الرسمية مجددًا المخرج الروسي الشاب إيفان تفيردوفيسكي بفيلمه الجديد “رجل القفز”، ويتناول الفيلم قصة شاب تركته والدته رضيعا في أحد الملاجئ، ثم عادت لتضمه إلى حضانتها كمراهق، يرفض الملجأ طلبها لعدم توفر الشروط، فتقوم بتهريبه واستغلاله أبشع وأسوأ استغلال في أعمال لاإنسانية، فيضطر للعودة بنفسه من حيث جاء.

من الأرجنتين عُرض فيلم “حلم فلوريانوبوليس” للمخرجة آنا كاتز، وتدور أحداثه حول أسرة أرجنتينية تنطلق في رحلة صيفية إلى المنتجع البرازيلي “فلوريانوبوليس”، وفي الطريق وحتى انتهاء الرحلة تدور الكثير من الأحداث الصادمة -بين أفراد العائلة، وبينهم وبين الأصدقاء من حولهم- تكشف مدى هشاشة العلاقات بين أفراد تلك الأسرة.

من جمهورية دومينيكان عرض فيلم “أكاذيب مريم” للمُخرجين نتاليا كابرال وأوريول إسترادا، وتدور أحداثه الطريفة عن المراهِقة مريم التي تَخدع أهلها والأصدقاء من حولها بكونها في علاقة حب جارفة مع شاب فرنسي أبيض اللون، وذلك بعدما اكتشفت أن الشاب الذي تحبه وتتحادث معه عبر الإنترنت أسمر اللون مثلها، وليس وسيمًا كما تخيل الأهل والأصدقاء، وتدور الكثير من المُفارقات الحزينة أحيانًا.

الفيلم الأميركي “نحو الليل” للمُخرج بيتر برونر، يعتبر من أكثر أفلام المسابقة كآبة وإرهاقا وضعفا لأسباب كثيرة، وتدور أحداثه حول نورمان الذي لا يزال يعاني منذ طفولته من صدمة نفسية بعدما أتت النيران على منزله وأهلكت أسرته، يحاول نورمان بشتى الطرق الخروج من الآثار النفسية للحادث ونسيان ما جرى، ويتخذ لنفسه رفيقة وينجب ابنًا، لكن حياته تعاني من دمار تام على كافة المستويات.

 

 

 

الكرة البلورية.. وجوائز المهرجان

ذهبت جائزة المهرجان الكبرى لأفضل فيلم (الكرة البلورية و25 ألف دولار أميركي) إلى الفيلم الروماني “لا يهمني إن أداننا التاريخ كبرابرة”. وحصل على “جائزة لجنة التحكيم الخاصة” (الكرة البلورية و15 ألف دولار أميركي) الفيلم الأرجنتيني “حلم فلوريانوبوليس“.

أما بقية “الكرات البلورية” فجاءت كالتالي: جائزة الإخراج للفيلم التشيكي “ذباب الشتاء”. أما جائزة أحسن مُمثلة فذهبت للمُمثلة “لمرسيدس موران” عن دورها في فيلم “حلم فلوريانوبوليس”. وذهبت جائزة أحسن ممثل لبطل فيلم “فداء”، “موشيه فولينفليك”. كما أشادت لجنة التحكيم بفيلمي “رجل القفز”، و”تاريخ الحب“.

أما مسابقة “شرق الغرب” ففاز بجائزتها الكبرى (الكرة البلورية و15 ألف دولار أميركي) فيلم من قرغيزستان بعنوان “جبل سليمان” للمخرجة إليزافيتا ستيشوفا. وبجائزة “لجنة التحكيم الخاصة” (الكرة البلورية و10 آلاف دولار أميركي) الفيلم المجري “وادي الأزهار” للمخرج الشاب لازلو تشويا. أما مسابقة “الأفلام التسجيلية” ففاز بجائزتها الكبرى (الكرة البلورية و5 آلاف دولار أميركي) الفيلم الروسي “شهود بوتين” للمخرج المعروف فيتالي مانسكي، وبجائزة “لجنة التحكيم الخاصة” الفيلم السويسري “فالدن” للمخرج دانيال تسيميرمان.

عارض الأزياء الإنجليزي "روبرت باتنسن" يحمل جائزته التكريمية لأبرز الشخصيات في مهرجان كارلوفي فاري.

جوائز تكريمية وشخصيات بارزة

يمنح مهرجان كارلوفي فاري -كعادته كل عام- عدة جوائز تكريمية لأبرز الشخصيات من مُختلف أنحاء العالم، وذلك لدورها في إثراء الحياة السينمائية وعن مساهماتها الفنية والسينمائية البارزة عبر حياتها المهنية، حيث منح المهرجان كُرَته البلورية التكريمية لكل من المخرج والممثل والسيناريست والمنتج الأميركي “باري ليفينسون”، والممثل والموسيقي وعارض الأزياء الإنجليزي “روبرت باتنسن”، أما الجائزة التكريمية الخاصة التي تُمنح باسم رئيس المهرجان فذهبت للممثل التشيكي “يارومير هانزليك“.

المخرج والممثل والسيناريست والمنتج الأميركي "باري ليفينسون" يتسلم جائزته الكريمة من رئيس المهرجان.

المُشاركة العربية.. هل من أمل؟

سعى المهرجان في دورته هذا العام للانفتاح أكثر على سينما الشرق الأوسط بما في ذلك تركيا وإيران، والسينما العربية خاصة، وذلك بغرض تعريف بلاد أوروبا الشرقية بما يدور من أحداث في تلك المنطقة والتي تعكسه السينما الخاصة بها.

وقال المدير الفني للمهرجان “كارل أوخ” إن لديه رغبة في أن تتزايد مساحة المشاركات العربية خلال الدورات القادمة، وأنه يتمنى مستقبلا عرض المزيد من الأفلام المتميزة من تلك المنطقة وتعريف الجمهور بها.

فعن تداعيات ثورة 25 يناير المصرية اشترك في قسم “نظرة خاصة” فيلم “أمل” للمُخرج محمد صيام، وعن الآثار الاقتصادية الكارثية التي نجمت عن تفجير الطائرة الروسية فوق سماء شرم الشيخ قبل سنوات قليلة عُرض فيلم “الحلم البعيد” للمخرج مروان عمارة والألمانية يوهانا دومكي في مسابقة الأفلام التسجيلية. كما عُرض فيلم “المرجوحة” للمُخرج اللبناني سيريل عريس ضمن نفس القسم، وتناول الفيلم المرحلة الأخيرة قبل وفاة والدي المخرج، والحادث الأليم الذي تعرضت له الأسرة بفقدان شقيقته.

عُرض فيلم “ولدي” للمُخرج التونسي محمد بن عطية ضمن قسم “آفاق”، وتناول قضية فرار شاب مراهق للالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية والكارثة التي حلَّت بوالديه. وفي ذات القسم عُرض فيلم “واجب” للمُخرجة الفسلطينية آن ماري جاسر، وتدور أحداثه حول أب وابنه من الناصرة يقومان بتوزيع دعوات عُرس الابنة/الشقيقة، وما يُصاحب هذا من مُلابسات في ظل الاحتلال الإسرائيلي.