مهرجان وهران للفيلم العربي.. ماض حالم ومستقبل غائم

عبد الكريم قادري

 

 

كان الحلم السينمائي العربي عند انطلاق النسخة الأولى لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي سنة 2007 بمناسبة اختيار الجزائر عاصمة للثقافة العربية، مع المحافظ والمؤسس حمراوي حبيب شوقي؛ أن يكون هذا المهرجان رافدا من روافد تطوير السينما العربية والنهوض بها، حيث سيجمع أفضل الإنتاجات العربية في رواق واحد، تتنافس فيما بينها على “الأهقار الذهبي” – تتحول التسمية إلى الوهر الذهبي مع بداية النسخة الخامسة- ويلتقي صنّاع السينما في مدينة واحدة، لتتلاقى أفكارهم وتتبلور رؤاهم، مجتمعين حول أفلام تحمل الهوية العربية، بعد أن شتتتهم السياسة والجغرافيا والخلافات والحدود.

ولم لا يكون أحد أهم الفضاءات التي تُعقد فيها الشراكات السينمائية بين المنتجين والمخرجين والممثلين وكتاب السيناريو والتقنيين، وحتى شراكات بين البلدان تحت شعار ومسمى “السينما تجمع وتذيب المسافات، تقرب الرؤى وتبرز الحلم”.

 مهرجان وهران.. حلم عربي

أسعد خبر تأسيس مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي الكثير من السينمائيين، وأثنوا على هذه التجربة العربية المنفردة، وكان وقتها المهرجان الوحيد المتخصص في الأفلام العربية، وبعد انطلاق النسخ الأولى اتضحت المعالم وانتشر الخبر واتسعت رقعة الإعجاب به، وأصبح حضور هذا المهرجان بمثابة الحلم الذي يراود الفنان العربي للأهمية التي بات عليها، ناهيك عن الأضواء التي سُلطت عليه من الإعلام العربي في كل نسخة.

وقع الاختيار على مدينة وهران لتستضيف النسخة الأولى (تقع في الغرب الجزائري وتبعد عن العاصمة بنحو 430 كلم)، وهي مدينة ساحلية متسامحة، تُعرف بأنها عاصمة الراي، تقدر الفن وأهله، ومنفتحة على كل الثقافات والأجناس، تحتضن الآخر وتتقبله دون عقد.

 من هنا كان مكانا مثاليا لإقامة هذا العرس السينمائي السنوي، يحج إليه سنويا عشرات نجوم السينما العرب وصُنّاعها، ليمشوا على بساطه الأحمر، ويشاهدوا أفضل وأحسن ما أنتجته البلدان العربية من أفلام، سواء أكانت روائية أو وثائقية، تتنوع الخيارات، دون أن يتم التحيز لجنس سينمائي على آخر، ليكون التنافس على أوجه بين أصحاب هذا الأفلام، لتحضر أفلامهم فيه، ولعلها تحظى بالتتويج بأحد جوائزه المتنوعة.

المحافظ المؤسس يذهب بعيدا

أثارت الصحافة الجزائرية أخبار تتعلق بإلغاء النسخة الرابعة من المهرجان بعد تعيين المحافظ ومؤسس المهرجان حمراوي حبيب شوقي سفيرا للجزائر في دولة رومانيا، حيث أصبح منصبه شاغرا، واحتارت الوزيرة في تعيين من يخلفه، لكن بعد فترة تم تعيين مدير الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي مصطفى أوريف محافظا جديدا للمهرجان.

اختلفت الآراء بين مؤيد ومعارض للخلفية التي يحملها المحافظ الجديد الذي أتى من عوالم الفن التشكيلي، ناهيك عن توجهه الفرانكفوني، لكنه دافع عن نفسه أكثر من مرة وحاول أن يثبت للرأي العام بأن عشقه الأول كان السينما، لأنه كان ناقدا سينمائيا بالإذاعة الجزائرية خلال الفترة الممتدة بين 1970 و1973، وقد جاء هذا التبرير حتى لا يثير غضب السينمائيين، وفي الوقت نفسه يبرر موافقته على هذا المنصب.

ولقد تم التحضير للنسخة الرابعة خلال شهر من الزمن، ومع انتهائها انتهى دور المحافظ مصطفى أوريف، وتم تعيين السيدة ربيعة موساوي الكاتبة والشاعرة ومديرة الثقافة بوهران محافظة جديدة لهذه التظاهرة، حيث بقيت في منصبها ثلاث دورات متتالية 2011 و2012 و2013، لتأتي بعدها دورات 2015 و2016 و2017 و2018 التي كان على رأسها ولا يزال الشاعر والصحفي ومدير الأخبار في التلفزيون الجزائري سابقا إبراهيم صديقي محافظا.

لم يعد المهرجان الوجهة المفضلة للكثير من صنّاع السينما في البلدان العربية، وهذا ما جعل الإدارة الحالية تقدم رسائل تستجدي بها النقاد وصناع السينما العرب ليرشحوا لها أفلاما للمهرجان

ولد كبيرا وعاد القهقرى

ولد مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي كبيرا، لكنه مع الوقت عاد القهقرى، وأصبح عالة على صورة الجزائر الثقافية داخليا وخارجيا، إذ لم يعد الوجهة المفضلة للكثير من صنّاع السينما في البلدان العربية ليدفعوا بأفلامهم إلى المهرجان، وهذا ما جعل الإدارة الحالية تقدم رسائل تستجدي بها النقاد وصناع السينما العرب ليرشحوا لها أفلاما للمهرجان.

مع هذا الشح لم تعد الإدارة تهتم كثيرا بجودة الأفلام التي تقرّها في مسابقاتها أو نوعيتها، حتى وإن كانت هذه الأفلام تخالف الشروط الأساسية التي وضعها المهرجان، ناهيك عن التمييع الذي هز أركانه بعد أن حادوا عن الخط الأساسي الذي اتضحت مبادئه الأساسية في الدورة الأولى.

أسماء غير عربية.. أسئلة الهوية

بدأت الهوية العربية للمهرجان تتلاشى تدريجيا مع استقدام أسماء غير عربية وترشيحها في لجان التحكيم بالمسابقات الرسمية، ناهيك عن المشاركات الأخرى في الندوات أو الورشات، رغم وجود أسماء عربية وازنة في هذا الخصوص وأكثر احترافية حتى من الأسماء المستقدمة.

 وعليه أصبحت لجان التحكيم مليئة بأسماء غير عربية، خاصة المستقدمة من الدول الأخرى، وهو ما يزرع الشك بأن هناك جهات خفية تسعى جاهدة لمحو المهرجان من توجهه العربي، وبدأت التخلي تدريجيا عن الأسماء العربية في النسخ الأربع التي نظمتها الإدارة الحالية.

وهذا ما ظهر بوضوح في النسخة الحالية التي جرت وقائعها من 25 إلى 31 يوليو الماضي من خلال لجان تحكيم المسابقات الرسمية، مثل لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة المكونة من خمسة أعضاء؛ اثنان منهم غير عرب، وهما المنتج والمخرج الكزاخستاني يارمك شيناربايف، والمحررة والمنتجة الإيرانية مستانة مهاجر.

 أما في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة المكونة من خمسة أعضاء هي الأخرى، فقد كان أحدهم الفرنسية صوفي بلانفيلين التي تم توصيفها على أنها “مديرة كاستينغ فرنسية، مختصة في اكتشاف المواهب الجديدة”.

يضاف إلى ما سبق لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية التي تتكون هي أيضا من خمسة أعضاء؛ اثنان منهم غير عرب، وهما الموسيقار البلجيكي لوري كريستيان ريني والإيطالية جوسي بويمي التي تم توصيفها على أنها “متخرجة من الجامعة الدولية للعلوم السياسية في بولونيا (إيطاليا) ومعهد ليون للدراسات السياسية بفرنسا”، بالإضافة الى الأسماء الأخرى المشاركة في الندوات والورشات.

أثار "ملصق" المهرجان جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب الاعتماد في تصميمه على برامج قديمة جدا

أفيش يثير الجدل أكثر من المهرجان

شهد المهرجان تراجعاً بسبب طريقة تعامل الإدارة مع الأدوات التي تظهر صورة المهرجان وتروج له بدءا من عدم تحديث الموقع الإلكتروني الرسمي إلى شكله المنفر وغير العملي.

ووصل هذا التخبط إلى تصميم الملصق (أفيش) الرسمية للنسخة الحادية عشرة من المهرجان بالاعتماد على برامج قديمة جدا، وهو ما أدى إلى خلق ملصق منفر، مع تقديمه مع البرنامج العام الذي يحتوي على أسماء لجان تحكيم المسابقات الرسمية، وعناوين الأفلام قبل انطلاق المهرجان بأربعة أيام عبر ندوة صحفية عقدها المحافظ مع الصحافة المحلية، وهذا ما لم يحدث في السابق.

وبالعودة إلى ملصق المهرجان يمكن القول إن ما أثاره من نقاش وجدل على مواقع التواصل الاجتماعي لم يثره المهرجان بشكل عام، حيث تعرض لنقد لاذع جدا.

 هذا الأمر جعل وزير الثقافة الجزائري عز الدين ميهوبي يتدخل ويكتب تغريدة على حسابه في تويتر حيث قال ‏ماذا لو تم تنظيم مهرجان وهران للفيلم العربي دون ملصق (أفيش)؟ هل كان هذا سيؤثّر على الحدث؟ لا أعتقد، فاختزال مهرجان تكرّس كموعد ثقافي سنوي بامتياز في شكل ملصق أمرٌ يدعو للأسف، الملصق اكتفى بعرض شعار “نعيش معا تعزيزا لمبادرة الجزائر الإنسانية، والسينما إحدى أدوات التعبير عن ذلك.

وقد أثارت هذه التغريدة ردود أفعال كبيرة من قبل الكتاب وصناع السينما، حيث اعتبروا هذا الأمر تشجيعا على صناعة القبح والرداءة، ويعتبر ضوءا أخضر من الوزير للمؤسسات الثقافية التي يشرف عليها كي تواصل ما هي فيه.

  ومن جملة هذه الردود ما دونه الكاتب والشاعر عبد الرزاق بوكبة على فيسبوك حيث كتب “ما معنى أن يُبرّر (يقصد وزير الثقافة) ما حصل وهو الشاعر والخطاط الطالب السابق في مدرسة الفنون الجميلة، عوض أن يُقرر التراجع عنه؟ هل هذا المصمّم الهاوي أهم من النخبة المثقفة التي عبرت عن صدمتها من رداءة الملصق؟ أيّ معنى يبقى لكونه وزيرا للثقافة ما دام تواطأ ضد الجماليات واستهجن أصوات النّخبة وغلب ما هو سياسي على ما هو ثقافي؟ أين السينما في شعار الملصق؟ ما جدوى أن تتفاخروا باستقدام وجوه فنية كبيرة ما دمتم لم ترقوا ذوقيا وجماليا إلى مقام تصميم جميل؟ وما دام الرّجل يملك الوقت والمزاج إلى درجة التّدخل في جزئية مثل ملصق مهرجان، فلماذا لا يتدخل في ما هو أهم من ذلك: ردم الهوة الصارخة بين المهرجان ومحيطه الوهراني”.

أثارت تغريدة وزير الثقافة الجزائري عز الدين ميهوبي التى دافع فيها عن ملصق المهرجان ردود أفعال كبيرة من قبل الكتاب وصناع السينما، حيث اعتبروا هذا الأمر تشجيعا على صناعة القبح والرداءة

رهان محبط لكن الحلم باق

من الأشياء الجميلة التي رافقت مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي منذ التأسيس، الشعارات التي تعكسها كل نسخة على شكل ندوات وورشات وملتقيات.

 فقد كانت البداية مع “رهان السينما الجزائرية”، لتتوالى بعدها الثيمات: “تحديات السينما العربية”، “السينما العربية بين الرؤى الكلاسيكية والحديثة”، “الموسيقى في السينما العربية وسبل النهوض بالنقد”، “المنتدى العربي للسينما، راهن ومستقبل”، “الشراكة السينمائية المغاربية”، “الرواية.. السينما من القلم إلى الشاشة”، “ملامح الآخر في السينما العربية”.. كي تكون داعما لقيم تقوية المرجعية السينمائية، والانتصار للنظرية السينمائية العربية، مع الوقوف على ما حققته وما ستحققه.

لكن هذه الأحلام الطوباوية بدأت تتبخر، خصوصا بعد ظهور ملامح تذهب إلى إلغاء مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي أو تمييعه مع الوقت، للتخلص نهائيا من “ثيمته” الجامعة للبلدان العربية.

ومن أكثر الأشياء العبثية في هذا المهرجان أن يكون تسلسل المحافظين الذين تناوبوا على المهرجان على النحو التالي:

 حمرواي حبيب شوقي، صحفي/ ثلاث دورات.

– مصطفى أوريف، تشكيلي/ دورة واحدة.

 – ربيعة موساوي، كاتبة وشاعرة/ ثلاث دورات.

– إبراهيم صديقي، صحفي وشاعر/ أربع دورات ولا يزال.

والعامل المشترك الوحيد بينهم هو أنه لا أحد منهم يملك مرجعية سينمائية أو ينتمي إلى صناع السينما، وهذه من الأمور التي تحزن الكثير من المهنيين في الجزائر، وحتى في البلدان العربية الأخرى.

لكن من جهة أخرى لا يزال الحلم مستمرا، في أن يعود مهرجان وهران إلى سابق عهده، يحتفي بالفيلم العربي ويعلي من شأنه، خصوصا وأن هناك تسابقا محموما بين العديد من المهرجانات العربية حاليا، إذ لم يعد الوحيد الذي يهتم بهذه “الثيمة”، لكن باب التفاؤل لا يزال مفتوحا، والحلم بغد سينمائي أفضل لمهرجان لطالما كان يفتح النقاش عاليا ويثير الأسئلة، وإن غدا لناظره قريب.