“ناجي العلي” يُتوّج بجائزة الجزيرة الوثائقية

أصيلة ـ المصطفى الصوفي

أسدل الستار ليلة السبت الماضي على فعاليات الدورة الثانية من مهرجان أوربا الشرق للفيلم الوثائقي بمدينة أصيلة شمالي المغرب، وذلك بتتويج فيلم “ناجي العلي في حضن حنظلة” لمخرجه الفلسطيني فائق جرادة بجائزة الجزيرة الوثائقية.

لحظة تتويج المخرج فايق جرادة بجائزة الجزيرة الوثائقية

وشكل إعلان هذه الجائزة الرفيعة من قبل رئيس لجنة التحكيم الدولية التي ترأسها المخرج والمنتج المغربي جمال السويسي، لحظة راقية ومؤثرة تجاوب معها الجمهور، الذي غص به مسرح مكتبة الأمير بندر بن سلطان بشكل كبير، فكانت بحق عبق تكريم ووفاء مستحق للراحل ناجي العلي الفنان المناضل، ولفلسطين، حيث وجدت لجنة التحكيم الدولية في هذا الفيلم النص الإبداعي التمييز، الذي قدم خلال مشاهده المتسلسلة، صورة حية لفيلم وثاقي ساحر، رحل بالمتلقي عبر رحاب عوالم فنية وتاريخية، ومحطات مضيئة في مسيرة ناجي العلي، مشاهد كشفت النقاب عن الكثير من التجليات الفنية التي ارتبطت بكل ما هو فني واجتماعي وسياسي، وكوني وإنساني، تجليات فيلمية صاغها المخرج فائق جرادة في قالب إبداعي تميز بالقوة والسلاسة، ورقة المعالجة، ونقل الحقيقة، وتفكيك خطاب الصورة، ما أهلّه ليكون المتوج بلا منازع. 

ناجي الفنان والإنسان والمناضل
وطافت مشاهد فيلم (ناجي العلي في حضن حنظلة)، الذي كتبه الدكتور الحبيب الناصري رئيس المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة، طيلة 47 دقيقة، بالجمهور، عبر الكثير من المحطات الجميلة، التي ميزت الراحل ناجي العلي الفنان والإنسان والمناضل، الذي جعل من حنظلة الرمز، الشاهد، والاشراقة، التي تحبل بالكثير من العلامات والدلالات السينمائية، محطات أبرزت الدور التاريخي الذي لعبته الريشة بزهو الصمود، ونخوة العروبة، في مواجه قصف المدافع، وأزيز البنادق، ورهبة السجون، ومرارة الاعتقالات وألم المنافي القصية.
ان الفيلم المتوج الذي تجاوب معه الجمهور خلال فعاليات المهرجان بشكل كبير، خلال عرضه، وأثناء إعلان فوزه، كان متوقعا أن يظفر بإحدى جوائز المهرجان، حيث اعتبر العديد من المتتبعين تتويجه، هدية مستحقة، ووقفة نبيلة تستحق الإشادة والإنصاف لعمل فني جميل، ونص إبداعي سينمائي اعتمد ثقافة الصورة كبارقة أمل، للتحسيس بأهمية استنطاق كل ما هو جميل في هذه الحياة، وكل من ساهم في وشم التاريخ الإنساني والمجتمعي، دفاعا عن الحق في الحياة، والحلم، إنها حلقة من حلقات ترسيخ قيم الهوية والعروبة، وتكريم روح الإبداع والحلم.

 الأسطورة التي هزت قلوب الجماهير
ان الفيلم، الذي شارك فيه العديد من المبدعين من شعراء وإعلاميين وفنانين تشكيليين بالوطن العربي بشهادات حقيقية ومؤثرة، من زاوية أخرى، بوح تلقائي عميق، حول ذاكرة ناجي العلي الفنية، وسعي حثيث وفق مرجعيات ثقافية وفنية وأكاديمية لتفكيك تيمة حنظلة، التي مهما اولت او فككت، وفسرت حول طريقة تفكيرها، ووجودها، وبنائها الفيزيولوجي، وأحاسيسها السيكولوجية تظل نوعا من الأسطورة، التي هزت قلوب الجماهير في مختلف أنحاء العالم. أسطورة نبثث حكايتها في فلسطين، لتمتد عروشها وبراعمها وتسود روحها في كل الأقطار العربية والكونية، وتكون ذلك المعادل الموضوعي الذي يدافع ليس فقط عن قضية الشعب الفلسطيني في صراعه مع الكيان الإسرائيلي المحتل، بل عن كل القضايا العادلة في العالم، وعن كل مضطهد، وجريح، وحزين، وفقير، ومسكين في العالم، تجاه قوى الظلم والطغيان.

تتويج راق ومتميز وانتصار لحنظلة

وقال مخرج الفيلم فائق جرادة الذي أردف الدموع وهو يتلقى النتيجة، في تصريح خص به الجزيرة الوثائقية “إن تتويج فيلمه بجائزة الجزيرة الوثائقية هو في العمق انتصار وفوز للشاهد والرمز حنظلة، وفوز لكل الشهداء وأصحاب القلم ونصرة للقضية الفلسطينية، وتكريم رمزي للراحلين ناجي العلي وللشاعر العربي الكبير سميح القاسم، الذي ساهم بشكل كبير في إنجاح هذا الفيلم.. والمجد للشهداء والشفاء للجرحى، والعودة للأسرى وعاشت فلسطين حرة”.
وأضاف جرادة “كنت سعيد جدا بهذا التتويج بحضوري الشخصي، حيث أن الفيلم فاز بمهرجان الإسكندرية الدولي للسينما الأخير، ولم أكن موجودا، وفاز أيضا  بمهرجان مسقط الدولي السينمائي، لكن بأصيلة كنت موجودا وسط نخبة من السينمائيين والمثقفين والأكاديميين”. معتبرا أن الفوز هو في حد ذاته فوز لفلسطين وتتويج للقضية الفلسطينية التي هي قضية إنسانية ووطنية وقومية، وأن أي عمل كان عربيا او فلسطينيا  لناجي او غيره ممن لهم مكانة مرموقة وترك بصمة في تاريخ فلسطين في مجالات مختلفة تمت بصلة الى القضية الفلسطينية، هو انتصار لفلسطين وللشعب الفلسطيني برمته وللإنسانية.
وبخصوص قيمة هذا التتويج من قبل الجزيرة الوثائقية، أكد جرادة أن هذا التتويج، الذي وصفه ب”الراقي والمتميز”، سيفتح له آفاقا جديدة للعمل، وسيمنحه التحفيز الكبير والأمل، والقوة للعمل في المستقبل، من اجل تعزيز الفيلم الوثائقي في كل ما له علاقة بالقيم الوطنية والهوياتية والإنسانية، مضيفا أن الجزيرة شكلت على الدوام إحدى العوامل  الأساسية والميكانيزمات الرفيعة التي عززت وطورت وانعشت الفيلم الوثائقي في العالم العربي”.

القيم المجتمعية والحضارية والإنسانية
وقال في هذا الصدد “قبل الجزيرة الوثائقية لم تكن هناك ثقافة الفيلم الوثائقي لدى المتلقي العربي سائدة بشكل كبير، والآن، وبفعل فيض من الأعمال الرائعة التي تنتجها القناة، أصبحت لنا ثقافة الفيلم الوثائقي، كما أنها لعبت أدوارا طلائعية في هذا الشأن، من أجل إشاعة ثقافة الفيلم الوثائقية، ما مكن الجمهور من التعرف واكتشاف العديد من القيم المجتمعية والحضارية والإنسانية بالعالم العربي، فضلا عن دعمها للعديد من المهرجانات، وهذا شيء مهم وممتاز ورائع.
ودعا فائق جرادة بالمناسبة إلى إنشاء وإحداث مهرجان فلسطيني، او غزة الدولي للفيلم الوثائقي تحتضنه الجزيرة الوثائقية، معتبرا ذلك إن تحقق سيكون حلما له ولكل الفلسطينيين. كما شدد بالمناسبة على القيمة الكبرى للعمل المشترك الفلسطيني المغربي، الذي اخرج هذا العمل إلى الوجود، مبرزا في الوقت ذاته ان فوز الفيلم يعزز العمل المشترك العربي في المجال الثقافي والسينما من اجل القضية الفلسطينية، كما ناشد كل جهات الاختصاص إلى ترسيخ روح العمل المشترك العربي في مجال الفيلم الوثائقي، بهدف استنهاض للحالة العربية، واستنطاق الكثير من مكنوناتها ومؤهلاتها الثقافية والحضارية والتاريخية وغيرها.

(الغوستو) يآخي بين المسلمين واليهود

وفاز بجائزة لجنة التحكيم فيلم”الغوستو” لمخرجته الايرلندية صافيناز بوزبيا، والذي يتحدث عن قصة مجموعة من الموسيقيين اليهود والمسلمين، فرقهم التاريخ، لمدة خمسين عاما، وجمعهم الفن ذات يوم على خشبة المسرح، لمشاركة شغفهم الكبير بسحر الموسيقى، موسيقى الفن الشعبي،”الغوستو” هو ايضا قصة الحلم الذي أصبح حقيقة واقعة، هو رسالة قوية لجيل الشباب، حيث الوقت ليس متأخرا ليكافئ في احلك أيامه، انه سحر الموسيقى والصداقة والحب حين يجتمعون.
ونال جائزة الإخراج الفيلم الألماني “السلحفاة التي فقدت درعها” لمخرجته باري القلقيلي، فيما عادت جائزة السيناريو لفيلم ” غوغل ودماغ العالم” لمخرجه الاسباني بن لويس، أما جائزة النقد فكانت من نصيب المخرج الصيني زهوو ليانغ عن فيلمه”التماس”. وارتات لجنة التحكيم ان تنوه بفيلم”محمد قل لي” لمخرجه المغربي ايوب اليوسفي.
وضمت لجنة تحكيم الدولية للمسابقة الرسمية التي تبارى فيها عشرة افلام من بين خمسين فيلما، توصلت بها لجنة التنظيم، في عضويتها كل من الفرنسية دومينيك كرو، وهي منتجة ومخرجة أفلام وثائقية، والمخرج الاسباني خوليو اسكاراتي، فضلا، والمخرج البريطاني المسلم ابو حامد الغزالي، وكمال إسماعيل مدير التصوير ورئيس مهرجان الإسماعيلية بمصر، وا لمخرج الأمريكي اوفيديو سالازار.

منتصر مرعي يؤطر طلبة الماستر

منتصر مرعي أثناء ورشة السيناريو

وبالمناسبة أطر رئيس قسم الاستشارات الإعلامية بالجزيرة الوثائقية منتصر مرعي، ورشة مهمة حول السيناريو لفائدة طلبة الماستر، حيث كشف في لقائه مع الطلبة ان الجزيرة الوثائقية حققت قفزة نوعية في مجال صناعة الأفلام الوثائقية، وذلك وفق معايير دولية تستجيب لعمل فيلمي متميز، في وقت يشهد فيه الوطن العربي لصناعته وثائقية فيلمية تحدد الخصوصيات.
ولامس مرعي امام الطلبة، الذين استناروا بنصائح جمة قدمها للطبلة والخرجين الواعدين، قضايا عدة ارتبطت بشح في الموارد المالية، التي بإمكانها خلق مشاريع سينمائية وثائقية مهمة، وتجربة الجزيرة الوثائقية المهمة في المجال الفيلم الوثائقي وتجاوزها للاكراهات المادية، فضلا عن أهمية الفيلم الوثائقي الذي ما يزال لم يحقق بعد الرهانات الكبرى، ولا يزال لم يشكل مدرسة قائمة الذات يمكن الاستفادة من تجاربها، مشددا على أهمية العودة الى الجذور والاصول خلال إبداع أفلام وثائقية، والتركيز على الهوية والخصوصية للمخرجين ورؤيتهم للمواضيع والقضايا التي يريدون معالجتها، فضلا عن متابعة المخرج لعمله أولا بأول والتدخل فيه حتى يتم تشييد العمل وفق رؤية فنية تروق المتلقي وتحقق.

المعالجة الخلاقة للواقع بحثا عن الحقيقة

وركز مرعي الذي عرف الفيلم الوثائقي على كونه هو المعالجة الخلاقة للواقع بحثا عن الحقيقة وبعيدا عن الذاتية، على قيمة الأفلام الدرامية التي تشد انتباه المتلقي، وضرورة الابتعاد عن الأفلام التي سماها بافلام “الشأن الجاري”، والتي غالبا لا تحقق أفق انتظار الجمهور.
وناقش الخبير السينمائي، الذي نصح الطلبة بمشاهدة الأفلام الوثائقية بكثرة من اجل التعرف على هذا الجنس الفني بشكل كبير، ومعرفة خصوصياته، وحتى تكون لديهم مرجعية فيلمية مهمة، وقاعدة قوية تساهم في بلورة رؤاهم بشكل جيد وجميل، وناقش معهم مواضع عدة ترتبط بطرائق صناعة فيلم وثائقي وخطوطه العريضة، حتى يكون إبداعا متكاملا وحكاية منسجمة ترضي المتلقي في نهاية المطاف. إضافة الى فنية وتقانية التصوير الضوئي، الذي يجعل الصورة عالما ساحرا له الكثير من التأويلات وينتج كتابات وتعاليق ممتعة، ومراحل الفيلم الوثائقي بعد وقبل الإنتاج، وتغيير الأفكار والحقائق خلال رحلة الإنتاج، وتيمة الحيادية في الفيلم الوثائقي، وخلق المفاجئات والعقبات في الفيلم لشد انتباه الجمهور، وتصوير كل ما يثير الانتباه ثم تاتي المعالجة الخلاقة، وكتابة السيناريو والصورة الفونغرافية كنص وفيلم دون كلمات.
وشهدت الدورة تنظيم فقرات خصبة ومتنوعة، من أبرزها ندوة حول السينما الوثائقية الفلسطينية ودورها في المقاومة، خلالها ابرز عدد من المتدخلين والمهتمين، تجارب سينمائية فلسطينية عدة، كشكل من اشكال المقاومة والدفاع عن فلسطين.
كما تطرق المتدخلون بالمناسبة الى شاكال إبداعية كثيرة وضفت في المجال كالشعر، وذلك من اجل جعل الصورة الوثائقية كرديف حقيقي لفضح الممارسات الاسرائلية الهمجية تجاه الشعب الفلسطيني الاعزل، والعين الثاقبة التي تسجل وتؤرخ لما يقع في فلسطين بحثا عن الحرية والامل والامن والامان.
 
ورش وندوات ولقاءات مع ضيوف المهرجان

 وشهدت فعاليات هذا المهرجان الذي تعقده الجمعية المغربية للدراسات الإعلامية والأفلام الوثائقية بدعم من شركاء عدة، منهم المركز السينمائي المغربي ومؤسسة منتدى “أصيلة” وقناة الجزيرة الوثائقية، تنظيم فقرات متنوعة وخصبة منها تنظيم ورش، ولقاءات تواصلية، وتوقيع اصدارات، وعقد ندوة حول صورة أوربا في المتخيل المغربي، بتنسيق مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية سلك الدراسات العليا تخصص الفيلم الوثائقي والسينما، وذلك بمشاركة نخبة من النقاد والباحثين والأكاديميين، منهم الدكتور سعيد يقطين أستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط تخصص السريات، وأستاذ البحث الجامعي الدكتور الحبيب الناصري، وعميد كلية الآداب بتطوان محمد سعد الزموري، الذي اكد في ماخلته على أهمية ادب الرحلة، وتاريخ الرحلات بين الجنوب الى الشمال والعكس، والتي لعبت دورا كبيرا، في فهم الأخر، ومعرفة ودراسة مختلف الجوانب الادبية والثقافية والاجتماعية، والجمالية والبلاغية، ذات البعد الفكري والانتروبولوجي، وذلك من اجل تكوين رؤيا وصورة واضحة المعالم للاخر الذي هو الاوربي، الذي ظل دوما في علاقة وطيدة مع منطقة الجنوب.
من جهته اشار الناصري الى ان صورة أوربا في المتخيل الثقافي المغربي، تحتاج الى كثير من التفكيك والتحليل، والتأطير الفكري، وتطوير كل ما له علاقة بالفيلم الوثائقي من مخرجين  وممثلين وجمهور، فيما ركز سعيد يقطين في مداخلته على ثالوث مفاهيمي يحضر بشكل قوي في المتخيل المغربي، وهو (النصراني والرومي والعصري)، وعلاقة ذلك بين ما هو صوري يرتبط بالصورة والفلسفي الفكري، والأدبي، ومدى واهمية حضوره في الثقافة الشعبية المغربية والعربية، في علاقتها بنظريتها الأوربية، والتي تبقى صيرورة متحركة، وليست جامدة.

تكريم فسلطين ضيف شرف

كما عرفت الدورة، التي اشرف على انطلاقتها وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي رفقة وفد رفيع المستوى، منذ الاربعاء الماضي العاشر من شهر سبتمبر الجاري، حضور نخبة من خبراء الفيلم الوثائقي الدوليين منهم المنتج التونسي عادل كسيكس، تكريم دولة فلسطين ضيف شرف في حق سفيرها المعتمد بالعاصمة الرباط أمين أبو حصيرة، فضلا المنتج والمصري أسعد طه، الذي يعد إحدى اعمدة الفيلم الوثائقي بالعالم العربي، والذي انتج كما هائلا من البرامج والافلام والوثائقية من أبرزها نقطة ساخنة. فضلا عن والإعلامية والمنتجة المغربية مليكة حاتم والممثلة المغربية نورا الصقلي.