مباريات الافتتاح.. مفاجآت البدايات التي تصنع ذاكرة كأس العالم

تُشد أنظار العالم يوم الأحد 20 نوفمبر/تشرين الثاني، إلى ملعب “البيت” بمدينة الخور شمال العاصمة القطرية الدوحة الذي يستضيف المباراة الافتتاحية لكأس العالم في كرة القدم 2022 بين قطر والإكوادور. وقبل المباراة سيقام حفل الافتتاح مشكلا أول لحظات المونديال الذي تستضيفه لأول مرة دولة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية.
وتحظى مباريات افتتاح كأس العالم عادة بمتابعة جماهيرية قياسية، فهي تشكل أول مشهد من مشاهد هذه المناسبة العالمية، وتظهر مدى قدرة البلد المضيف على الإبهار، وخلق الفرجة، ونجاح التنظيم.
وقد تباينت على مر تاريخ البطولة طريقة تنظيم هذه المباريات، ففي المراحل الأولى كانت تقام مباراتان أو أكثر بشكل متزامن، قبل الانتقال إلى المباراة الافتتاحية الواحدة التي يخوضها المنتخب حامل اللقب، ثم بعد ذلك منتخب الدولة المستضيفة.
وبالنظر إلى هذه الرمزية الكبرى للمباريات الافتتاحية، سنعود في هذا التقرير إلى أهم ما ميز هذه المباريات طيلة مسار البطولة منذ أول دورة عام 1930 بالأوروغواي إلى مونديال روسيا عام 2018. وأبرز الأحداث التي شهدتها لقاءات الافتتاح ذات النكهة الخاصة والطابع المميز.
تخبط البدايات… مباريات افتتاح متزامنة
شكلت الدورات الأولى لكأس العالم -منذ 1930 بالأوروغواي حتى 1952 بالتشيلي- ما يمكن أن يسمى بالفترة التأسيسية لهذه البطولة التي أصبحت اليوم أكبر نشاط رياضي في العالم، وتميزت تلك الفترة بغياب لقاء الافتتاح الذي يدشن البطولة بالشكل المتعارف عليه اليوم، وكانت تلعب في المقابل مباراتان أو أكثر بشكل متزامن.
ودشنت أربعة منتخبات افتتاح البطولة يوم 13 يوليو/تموز 1930 بمباراتين، تغلبت فيهما فرنسا والولايات المتحدة تواليا على المكسيك وبلجيكا. وفي هذا اليوم التاريخي كتب اسم الفرنسي “لوسيان لوران” بأحرف من ذهب، بوصفه أول لاعب في التاريخ يسجل هدفا في كأس العالم الذي ينظمه الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”.
وفي دورة إيطاليا 1934، لعبت المقابلات الثمانية للدور الأول في الوقت نفسه، أما في دورة فرنسا 1938 فقد سبقت مباراة سويسرا وألمانيا المباريات الأخرى التي كانت مبرمجة في الدور الأول، من دون أن تكون هناك نية لجعله لقاء افتتاحيا.
وبعد التوقف الذي شهدته البطولة لـ12 عاما بسبب الحرب العالمية الثانية، شهدت الدورات التي لعبت ما بين 1950-1962 استمرارية للنهج السابق، مع بعض الصعوبات التنظيمية المتعلقة بخروج دول العالم من الحرب. وشهدت المباراة الافتتاحية الأولى بعد هذا التوقف فوز البرازيل بنتيجة 4-0 على المكسيك أمام 82 ألفا في ملعب ماراكانا الشهير. ولُعبت بالتزامن معها مباراة جمعت بين منتخبي يوغوسلافيا وفرنسا.
واستمر افتتاح البطولة بمباراتين متزامنتين في دورة سويسرا 1954 رغم تغيير نظام البطولة، وبموجبه قُسمت الفرق الستة عشر المتأهلة على أربع مجموعات، يتأهل فيها أصحاب المركزين الأول والثاني للدور المقبل. وظل الافتتاح بمباراتين متزامنتين، قائما أيضا في بطولتي السويد عام 1958 ودورة الشيلي عام 1962.
دورة إنجلترا 1966.. انطلاق عرف المباراة الافتتاحية
اعتُبر اللقاء الذي جمع منتخبي إنجلترا والأوروغواي سنة 1966 الذي انتهى بالتعادل السلبي، بداية لاعتماد عرف المباراة الافتتاحية، واعتبرها بذلك الاتحاد الدولي أول مباراة افتتاحية بالطريقة المتعارف عليها اليوم في تاريخ المونديال. وقد تميزت هذه الدورة أيضا بالإعلان عن أول تميمة لكأس العالم، وأطلق عليها اسم “الأسد ويلي”. وأما تميمة مونديال قطر 2022 فهي “لعّيب” (La’eeb).

وقد شهدت دورة 1966 في إنجلترا أيضا أحداثا مثيرة، منها مقاطعة جميع منتخبات أفريقيا وآسيا للتصفيات المؤهلة إليها، باستثناء منتخب كوريا الشمالية، وذلك اعتراضا على توزيع عدد المقاعد من قبل الفيفا، وكذلك سرقة كأس البطولة الفضية المطلية بالذهب من طرف أحد اللصوص، قبل أن يعثر عليه الكلب “بيكلز” الذي ذاع صيته في العالم بأكمله.
وبعد تنظيم أول لقاء افتتاحي في “دورة إنجلترا”، جاءت دورة المكسيك سنة 1970 لتكرس هذا العرف، وتجمع مباراة الافتتاح بين منتخبي المكسيك والاتحاد السوفياتي، وانتهت أيضا بالتعادل بدون أهداف في العاصمة مكسيكو سيتي، وشهدت هذه المباراة المتوترة 5 إنذارات، وأول تغيير لأحد اللاعبين في النهائيات.
دورة ألمانيا 1974.. افتتاحية حامل اللقب في طقس محبط
جاءت مباراة افتتاح كأس العالم الذي فازت بشرف تنظيمه ألمانيا الغربية سنة 1974، لتكرس تقليدا جديدا للمباريات الافتتاحية سيعمل به إلى غاية دورة كوريا الجنوبية واليابان سنة 2002، وهو أن حامل اللقب هو الذي يفتتح المونديال، وليس منتخب الدولة المستضيفة.
وهكذا سيجمع لقاء الافتتاح في هذه الدورة بين منتخبي البرازيل (الفائز بلقب 1970) ويوغوسلافيا، وقد انتهى أيضا بالتعادل السلبي في مباراة لم ترق إلى المستوى المطلوب، رغم قيمة المنتخبين البرازيلي وأيضا اليوغوسلافي الذي كان يلقب آنذاك ببرازيل أوروبا.
وزاد الطقس السيئ من الإحباط الذي أصاب الجماهير بسبب ضعف المستوى التقني لهذه المباراة، فقد تزامنت مع طقس بارد وممطر ورياح قوية، بعكس الأجواء التي تشهدها أوروبا عادة في شهر يونيو من كل سنة.
دورة إسبانيا 1982.. هدف يكسر لعنة الافتتاحيات البيضاء
كان التعادل السلبي عنوانا لمباريات افتتاح لكأس العالم اثنتي عشرة سنة متتالية، بدءا بلقاء بريطانيا والأوروغواي في 1966، إلى لقاء ألمانيا وبولندا الافتتاحي في الأرجنتين سنة 1978.
وبعد أربع مباريات افتتاحية متتالية بدون أهداف، جاءت المباراة المثيرة والمشوقة بين الأرجنتين وبلجيكا في افتتاح مونديال إسبانيا سنة 1982، لتكسر بصعوبة لعنة المباريات الافتتاحية البيضاء إلى اليوم، إذ انتهت آنذاك لصالح المنتخب البلجيكي بهدف نظيف، وكانت هذه أول مباراة يخوضها “دييغو مارادونا” في كأس العالم.
وسيعود الأسطورة الأرجنتيني بقوة في مونديال المكسيك 1986، ليقود بلاده للتتويج بالكأس الذهبية، في بطولة افتتحتها إيطاليا (حاملة اللقب) بتعادل مخيب مع بلغاريا، لكنه لم يكن سلبيا على الأقل، إذ انتهى بهدف في كل شبكة.
سقوط الكبار في مباريات الافتتاح.. مفاجآت اللعبة
قطعت مباراة الأرجنتين أمام الكاميرون شريط افتتاح بطولة كأس العالم 1990 التي احتضنتها إيطاليا، وكانت الأنظار متوجهة إلى أداء حاملي اللقب ونجمهم “مارادونا”، لكن المنتخب الأرجنتيني اصطدم في هذه المباراة بمنتخب كاميروني قوي استطاع انتزاع فوز تاريخي بهدف دون رد من راقصي التانغو، رغم أن منتخب الأسود غير المروضة، أنهى اللقاء بتسعة لاعبين بعد طرد الحكم للاعبين اثنين. لتدخل بذلك هذه المباراة التاريخ، بوصفها واحدة من أبرز المفاجآت في كأس العالم ومبارياته الافتتاحية.
وفي استمرارية لعرف تدشين البطولة من قبل حامل اللقب، افتتحت فرنسا -المتوجة بالكأس الغالية على أراضيها سنة 1998- بطولة 2002 التي احتضنتها بشكل مشترك كوريا الجنوبية واليابان، ووضعتها القرعة في المجموعة الأولى، لتواجه منتخب السنغال الذي لم يكن أحد يرشحه للفوز، لكن “أسود التيرانغا” أحدثوا مفاجأة كبيرة، وانتصروا بهدف دون رد سجله “بوبا ديوب” بعد انطلاق المباراة بنصف ساعة.
وكان لهذا الفوز طعم خاص على اعتبار أن جل لاعبي المنتخب السنغالي كانوا محترفين آنذاك في أندية فرنسية، ويقودهم المدرب الفرنسي “برونو ميتسو”. وكانت أيضا مشاركة “الديَكة” في هذا المونديال الآسيوي الأول كارثية بكل المقاييس، وودعوا البطولة منذ الدور الأول.
دورة ألمانيا 2006.. عودة الافتتاح للبلد المضيف وانتصار قياسي
أشّر افتتاح مونديال ألمانيا 2006 على عودة البلد المضيف إلى قص شريط البطولة، بعد كان هذا الشرف يمنح لحامل اللقب ثماني دورات متتالية. وهكذا سيلعب المنتخب الألماني مباراة افتتاح كأس العالم على أرضه ضد منتخب كوستاريكا أمام 66 ألف متفرج.
انتهت المباراة بتسجيل أكبر عدد من الأهداف على الإطلاق في لقاءات افتتاح المونديال وأمتعها كذلك، فقد سجلت خلالها الآلات الألمانية أربعة أهداف وتلقت هدفين، مما مكن منتخب ألمانيا من تحطيم الرقم القياسي بأربعة انتصارات في المباريات الافتتاحية.

وفي سنة 2010 استضافت دولة جنوب إفريقيا أول بطولة تنظم على أراضي القارة السمراء، ولعب بذلك منتخب الـ”بافانا بافانا” لقاء الافتتاح الذي واجه فيه منتخب المكسيك، وانتهى بالتعادل الإيجابي بهدف لمثله. وقد وصفت هذه المباراة بالأكثر ضجيجا ضمن مباريات كأس العالم، بسبب استعمال مشجعي المنتخب الجنوبي الأفريقي لـ”فوفوزيلا” (آلة نفخ) التي كانت تصدر أصواتا قوية لم تتوقف طيلة أطوار المباراة.
وفي افتتاح مونديال روسيا 2018، تلقى المنتخب السعودي أثقل هزيمة في تاريخ المباريات الافتتاحية من قبل المنتخب الروسي بخمسة أهداف دون رد، فقد استغل منتخب روسيا في مباراته الافتتاحية هفوات الدفاع السعودي وهشاشة خطوطه، ليدكّ شباكه بخمسة أهداف أمام 80 ألف متفرج وملايين المتابعين خلف شاشات التلفاز حول العالم.
وكان المنتخب السعودي قد تلقى أقسى هزيمة له في تاريخ المونديال عام 2002 عندما تلقى ثمانية أهداف من قبل المنتخب الألماني، بقيادة هداف كأس العالم التاريخي “ميروسلاف كلوزه”. بينما يبقى أكبر فوز في تاريخ البطولة من نصيب المجر، وقد حققته في دورة 1982 بفوزها بـ10 أهداف لواحد على السلفادور.
قطر 2022.. المشاركة الأولى في المونديال لمنتخب البلد المضيف
يدشن منتخب قطر أول مشاركة له في كأس العالم لكرة القدم، بلعب أول مباراة في البطولة التي يستضيفها على أراضيه، وذلك لأول مرة في تاريخ المونديال، وبمواجهة الإكوادور “العنابي” مسيرته على ملعب “البيت” الذي يتسع لـ60 ألف متفرج، ضمن منافسات المجموعة الأولى التي تضم أيضا منتخبي هولندا والسنغال.
وكان منتخب قطر قد لعب أولى مواجهاته الدولية يوم 27 مارس/آذار 1970، وسجل له اللاعب مبارك فرج أول هدف دولي، وشكل التتويج بلقب كأس آسيا عام 2019 أهم إنجاز تاريخي للمنتخب القطري، بالإضافة إلى فوزه ببطولة كأس الخليج 3 مرات.

أما منتخب الإكوادور فهو يشارك للمرة الرابعة في كأس العالم، وكان قد وصل إلى دور الـ16 مرة واحدة في مشاركاته السابقة، وأفضل إنجاز له هو الوصول إلى نصف نهائي بطولة كوبا أميركا في مناسبتين.
وتكتسي المباراة الافتتاحية أهمية قصوى، بالنسبة لمسيرة المنتخب القطري في المونديال، وستشكل نتيجتها محددا رئيسيا لبقائه في المنافسات للأدوار المقبلة، كما أنها ستكون أول مباراة تتابعها الجماهير في الملعب وحول العالم، وأول مشهد في المونديال الذي تراهن عليه الجهات المنظمة ليكون الأفضل في التاريخ.