ديربي القصبة الجزائرية.. منافسة الإخوة الأعداء منذ عصر الاحتلال الفرنسي
على عكس معظم الديربيات الكروية في العالم، ليست هناك عداوة بين قطبي العاصمة الجزائرية “مولودية الجزائر” و”اتحاد الجزائر”، رغم أن هناك منافسة شديدة على أرض الملعب وخارجه، لكن عندما ينتهي ديربي “الإخوة الأعداء” يعود الجميع جيرانا وأصدقاء طفولة.
وفي سلسلة أفلام “ديربي الكبار” التي عرضتها الجزيرة الوثائقية يصحبنا النجم السابق للكرة الفرنسية “إريك كانتونا” إلى عدة مدن حول العالم ديربياتها تشهد أجواء نارية وغير مألوفة. وفي هذا الفيلم سنتحدث عن ديربي مدينة الجزائر الذي يوصف بأنه عاطفي جدا، لأنه يذكر بحقبة كاملة في تاريخ الجزائر العاصمة وتاريخ القصبة (العاصمة القديمة).
وتصف جماهير الفريقين هذا الديربي بأنه “الأفضل في البلاد”، إذ تجد في البيت الواحد فردا يشجع “اتحاد الجزائر” وآخر يشجع “مولودية الجزائر”، وأحيانا يكون هناك تنافس بين الإخوة في الأسرة الواحدة، ولهذا فإن لكرة القدم سحرها الخاص وميزتها.
وعن هذه المواجهة، يقول رضا العمراني نائب رئيس مؤسسة القصبة (العاصمة القديمة) إن مشجعي “الاتحاد” و”المولودية” صورة نمطية، لأنهم ينتمون إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط، فنحن نمازح ويغيظ بعضنا البعض.
ديربي القصبة.. معقل الإخوة الأعداء في قلب العاصمة القديمة
يقول أحد المشجعين: نجلس معا ونتبادل أطراف الحديث ونأكل ونشرب، وهناك زيارات اجتماعية متبادلة فنحن لسنا أعداء، فأنا لا أجالس عدوي، وترعرعنا معا وذهبنا للمدرسة نفسها، ولدينا نفس العادات والتقاليد.
فالجزائر العاصمة عاصمة ذات ألوان زاهية بعيدة جدا وقريبة جدا في الوقت عينه، والعودة إليها تعني الغرق فيها مرة ثانية، وهي تقع على ضفة البحر الأبيض المتوسط، وهي العاصمة والبيضاء السعيدة التي تعيش منذ نحو قرن على إيقاع ديربي مميز وأخوي، يتواجه فيه “مولودية الجزائر” مع “اتحاد الجزائر”، وهو يسمى أيضا ديربي الإخوة الأعداء في منطقة القصبة (العاصمة القديمة).
يسكن في منطقة القصبة 30 ألف شخص، ويسيطر عليها لونان يمثلان “الاتحاد” و”المولودية”، فقد نشأ الناديان في منطقة القصبة التي هي القلعة أو رمز الأحياء الشعبية في المدينة، أما “مولودية الجزائر” فقد تأسس في القصبة السفلى، وأما “الاتحاد” ففي القصبة العليا.
تأسيس النوادي الإسلامية.. ضربات الثوار تثقل كاهل المستعمر
استولت فرنسا عام 1830 على الأراضي الجزائرية، وعند انتهاء الحرب العالمية الأولى عمت الحرية، وكان هذا سببا جيدا لسكان الحي لتأسيس “مولودية الجزائر” في 7 أبريل/نيسان عام 1921. يقول عبد القادر ظريف الرئيس السابق لـ”مولودية الجزائر”: كان الفريق أول رابطة تجمع الجزائريين بهدف محدد يتمثل في الرياضة، ولكنه في الحقيقة كان وسيلة تعبير للجزائريين، فهذا النادي أسطوري ويحظى بتاريخ حافل.
يعد نادي مولودية الجزائر أعرق ناد إسلامي، وكانت تمارس عليه مراقبة شديدة أيام الاحتلال، وهو أول من واجه الأندية المستعمرة. يقول الصحفي عبد النور بلخير: جذب المولودية جماهير كبيرة على مر التاريخ، وهو ما هدد الإدارة الاستعمارية بسبب الوعي الذي كان يخلقه بين أوساط السكان الأصليين، وبهدف خفض هذا العبء الذي كان يثقل فريق الحكم والقادة، فقد خطرت لهم فكرة إنشاء فريق آخر، وأطلقوا عليه اسم “الاتحاد الرياضي الإسلامي الجزائري”.
ويشرح رضا العمراني نائب رئيس مؤسسة القصبة بأن اتحاد الجزائر كان فريقا مختلفا، وكان أعضاؤه ناشطين جدا وجريئين ولا يخافون شيئا، وكانوا قوميين ولا يهابون ركوب الأخطار، فيافعو “اتحاد الجزائر” هم من أنشأوا الفريق.
ولم يكفِ وجود ناد إسلامي واحد في العاصمة كلها، بل كان المطلوب إنشاء عدد من الأندية كي يصبحوا أقوى. يقول أحد مشجعي “المولودية”: نادينا عريق، إذ تأسس عام 1921، أما قصة تأسيس نادي “الاتحاد” فجاء من الفريق الاحتياطي لنادي المولودية، وقد أنشئ بهدف معين وهو الثورة. وبعد اكتمال فريق “مولودية الجزائر” أنشئ فريق آخر وهو “اتحاد الجزائر”، وهو ليس فريق حي، بل نادٍ لديه مناصرون من كافة أنحاء الجزائر وحتى خارجها، ولدينا القاعدة الجماهيرية الأكبر والألقاب والتاريخ.
في المقابل يعتبر أحد مشجعي “الاتحاد” أن أعضاء فريقه هم أبناء حقيقيون للجزائر العاصمة، فمشجعوه يمثلون النوع، أما مشجعو “المولودية” فيمثلون الكم. والمقارنة بين الناديين لا تجوز بأي حال من الأحوال.
“قانون الأهالي”.. قيود تخنق أندية وجماهير كرة القدم
منذ حقبة ما قبل الحرب وكرةُ القدم ذات شعبية كبيرة في الجزائر، ولكن بسبب الواقع كان من المستحيل تخيل ناد إسلامي يصل إلى البطولة الوطنية، فقد كانت السلطات هي من ترسم الطريق وتفرض رؤيتها للأمور في أزقة الجزائر العاصمة. يقول عبد القادر ظريف الرئيس السابق لـ”مولودية الجزائر”: كانت حقبة الاستعمار صعبة بعض الشيء، وكانت الحرية مقيدة فيها، وكان هناك ما يسمى بـ”قانون الأهالي” الذي يمنع التجمعات والرابطات.
وقد فُرض حينها حظرٌ صارم لأي مباراة لا يشارك فيها 4 أو 5 لاعبين أوروبيين على الأقل، ضمن صفوف الفريق المحلي الذي يتألف من 11 لاعبا. يقول الكاتب ياسمينة خضرا: انطلاقا من هذه الفرق بدأنا دعم معاهدة الاستقلال، وكان الجميع في الملاعب يطالبون بأمة واحدة، الأمة الجزائرية التي كانت تحت الاستعمار، فقد بدأ الناس يدركون أنهم مستعمَرون، وأن هناك جسما غريبا داخل الجسم الجزائري، وعليهم التخلص منه يوما ما. كل هذا بدأ في الملاعب لأن كرة القدم لغة عالمية.
لكن الشغف يطغى على الأنظمة بشدة، وقد يتحكم المستعمرون في تنظيم اللعبة، غير أنهم لا يستطيعون التحكم في حريتها. وفي 11 مارس/آذار 1956 وبينما كان “اتحاد الجزائر” لا يزال في الدرجة الثانية، واجه فريق مولودية الجزائر فريق “سانت أوجين”، وهو ناد مستوطن بامتياز، وقد تسبب بالكثير من الإحباط والإهانة، فكان لا بد من توقع خروج الأمور عن السيطرة.
وعن هذه المباراة، يقول رضا العمراني نائب رئيس مؤسسة القصبة: جميع من كنا نسميهم فدائيي قصبة الجزائر الذين كنت أعرفهم كانوا حاضرين في الملعب، وقبل انتهاء الشوط الأول من المباراة وقعت حوادث وشجارات وحرائق، وتوقفت المباراة في الشوط الثاني، وكانت النتيجة تشير إلى التعادل 1-1. وعمت الفوضى الكبيرة المنطقة المحيطة بالملعب، ليقرر رئيس النادي توقيف البطولة الرسمية، وتوقف إثرها الجزائريون عن لعب كرة القدم حتى عام 1962.
“جبهة التحرير الوطني”.. سفراء الثورة في ملاعب العالم
لم يعد 10 ملايين جزائري يتعايشون بسلام مع فرنسيي الجزائر البالغ عددهم مليون نسمة، ورغم المراقبة والتحكم والتضييق وحتى محاولة الجنرال “ديغول” إجراء مصالحة أخيرة في 4 يونيو/حزيران عام 1958، فقد فشلت كل محاولات التعايش بين الطرفين.
350 ألف شهيد ضحوا بأنفسهم في سبيل الصورة التي رسموها للحرية، وأيضا كان هناك لاعبو كرة القدم منفيون في فرنسا نشروا كلمة الجزائر المحاربة. يقول حميد زوبا وهو لاعب سابق في فريق “جبهة التحرير الوطني”: ترك هؤلاء اللاعبون أشياء كثيرة وراءهم، ورواتب عالية وشهرة ومستقبلا رياضيا واعدا. وعند وصولنا إلى القاعدة العسكرية أدركنا أن مستقبلنا الرياضي انتهى، وأننا أصبحنا جنودا الآن، ورغم أننا لم نطلق النار فإن التزامنا كان راسخا.
شكل الأمر صدمة كبيرة على الصعيد الرياضي، بعد الكشف عن أسماء كبيرة في فرنسا تغادر بين عشية وضحاها، ومن بين هؤلاء لاعبون كانوا يشاركون في كأس العالم، ومنهم من استدعي بالفعل، لكنهم اختاروا تقديم هذه التضحية.
وعن جبهة التحرير الوطني، يقول الكاتب ياسمينة خضرا: أنا مسلم ولا يحق لي قول هذا، ولكنهم كانوا أشبه بالآلهة، لأنهم تخلوا عن كل شيء في سبيل عزة الشعب وكرامته، وجسدوا ذلك جيدا إذ كانوا يفوزون على أقوى الفرق، فقد لعبوا أمام رومانيا وبلغاريا وهنغاريا وبولندا والاتحاد السوفياتي وليبيا والصين وفيتنام منذ عام 1958 وحتى عام 1962، خاضوا 91 مباراة وفازوا بـ65 منها وتعادلوا في 13 منها وهزموا 13 مرة، وأصبح لاعبو كرة القدم سفراء من الطراز الرفيع.
حظر الجماهير.. إجراءات منع العنف تفسد متعة الديربي
قرر الاتحاد الجزائري لكرة القدم -في السنوات الماضية- إبعاد الجماهير لتجنب الفوضى وأعمال العنف. وتصف الجماهير غياب الجماهير بأنه “حماقة” وأضافت أن أي ديربي مماثل في أي بلد بالعالم لا يمكن أن يقام من دون جمهور.
فمنذ أعوام والعنف يخيم على مباريات كرة القدم الجزائرية، مما أدى إلى تكرار إقامة المباريات من دون جمهور، ورغم عدم وجود مشاكل بين مشجعي “مولودية الجزائر” و”اتحاد الجزائر”، فإن مبارياتهما تقام من دون جمهور.
يقول توفيق زردان مدافع “مولودية الجزائر”: لم أكن أعرف “المولودية” ولا “الاتحاد” ولا قيمة هذا الديربي وأهمية الفوز به، ولن يدرك أهمية هذا الديربي إلا من يشاركون فيه، لأن الجميع يعلم مدة الانتظار الطويلة التي يمر بها المشجعون على وجه الخصوص، قبل المباراة أحيانا يكلمنا الناس طوال الأسبوع عنه عندما نسير في الشارع، وحتى النساء المسنات يسألن عنه.
كأس الجزائر.. اشتعال المنافسة بين الغريمين بعد الاستقلال
بعد الاستقلال عام 1962، اشتركت الأندية الإسلامية في أول بطولة وطنية، واستطاع “اتحاد الجزائر” المشاركة، وسطرت في التاريخ أول مواجهة بين الأخوين من القصبة على نحو رسمي في نهائي أول بطولة للجزائر العاصمة. وخسرها “مولودية الجزائر” بنتيجة 1-3.
يقول الصحفي عبد النور بلخير: عاد الجزائريون إلى حماسة كرة القدم وجوّها بسرعة فائقة، لأن ما عانوه بين أعوام 1954-1962 زادهم شوقا إليها، فامتلأت المدرجات منذ أول مباراة، وشهدنا ديربيات كثيرة بين “الاتحاد” و”المولودية” أقيمت بمدرجات ممتلئة عن آخرها.
وفي السياق يقول حميد برناوي المهاجم السابق في نادي “اتحاد الجزائر”: رأينا أشخاصا لم نلتقِ بهم منذ وقت طويل جدا، أناسا أقلعوا عن مشاهدة كرة القدم منذ عام 1956، ولكن في يوم المباراة النهائية حضر الجميع، وكان وقتها الفريقان الأكثر تميزا هما “اتحاد الجزائر” و”مولودية الجزائر”، وكنا الأفضل آنذاك.
أقيم نهائي بطولة محلية مصغرة بين فريقي “اتحاد الجزائر” و”مولودية الجزائر” في ملعب “20 أغسطس” أكبر ملاعب العاصمة وقتها، وأصبح مليئا عن آخره بحضور 15 ألف شخص وعلى رأسهم الرئيس أحمد بن بيلا، وأضيفت مقاعد حول الملعب، ووقتها فاز فريق “الاتحاد” على “المولودية” بثلاثية نظيفة.
كانت هذه الخسارة الثانية على التوالي في النهائي، واعتبرت أشبه بالإهانة بالنسبة لجماهير “مولودية الجزائر”، لأنهم كانوا يعتبرون أنفسهم الأعرق والأحق بحمل اللقب في الرياضة وخارجها، غير أنه انتفض في السنوات التالية، وفاز بعدد من الألقاب المتتالية.
ورغم جميع الصعاب، فقد ظل فريق “الاتحاد” مسيطرا خلال السنوات القليلة التي تلت الاستقلال، وانتظر فريق “المولودية” حتى مطلع السبعينيات كي يُعترف به بعد 50 عاما من تأسيسه. وعن هذا الانتظار يقول عبد القادر ظريف الرئيس السابق للنادي: انتظرنا هذا اللقب بفارغ الصبر، وكان في بطولة كأس الجزائر، وواجهنا “اتحاد الجزائر” بالصدفة، وهذا كان ثأر عام 1962.
ويقول عمر بطروني المهاجم السابق في نادي “مولودية الجزائر”: رشحت معظم الصحف “اتحاد الجزائر” للفوز باللقب، وأعدوا احتفالا مع مطربهم الراحل القراوبي، وكانوا جهزوا كل شيء للاحتفال، لكنهم خسروا بهدفين دون رد، ولم يكونوا مستعدين لمفاجأة مماثلة، وكان هذا لقبنا الأول.
عبد النور كعوا.. حارس المرمى البديل يسجل هدف الفوز
كان الديربي الأسطوري يقام في ملعب أسطوري هو ملعب “5 جويليه” الذي افتتح عام 1972 في مرتفعات الجزائر العاصمة، ويتسع لمئة ألف متفرج. وفي إحدى مباريات الديربي عام 1973 وأمام ملعب ممتلئ بالجماهير، ساهم حارس مرمى احتياطي رغما عنه في خلق أسطورة “الإخوة الأعداء”.
والشخص هو عبد النور كعوا حارس المرمى السابق لـ”مولودية الجزائر”، ويروي ما جرى معه قائلا: في المباراة النهائية آنذاك لم يكن يسمح بوجود أكثر من لاعبين اثنين على دكة الاحتياط، فلما أعلن المدرب عن تشكيلة الفريق وضعني على دكة البدلاء، إلى جانب مدافع أيسر كان من الفريق الأساسي، لكنه وضعه احتياطيا، لأنه تدرب مع “اتحاد الجزائر” سابقا، ولم يرد المدرب إدخاله مباشرة إلى الملعب، لأنه لم يكن يثق بقدراته كثيرا، أما أنا فلم أرد أن أكون احتياطيا، فقلت له إن لم ألعب فسأجلس في المدرجات، ولكنه أصر على إبقائي على دكة البدلاء، وأثناء المباراة كان “الاتحاد” متقدما بهدف نظيف وبعد إشراك المدافع الأيسر بسبب إصابة أحد اللاعبين بقيت الوحيد الجالس على الدكة.
وتابع كعوا قائلا: أصيب لاعب آخر من فريقنا، فطلب مني المدرب الدخول بديلا، وسجلت هدف الفوز لفريقنا، رغم أني كنت حارس مرمى.
وبعدها بثلاثة أعوام فاز “مولودية الجزائر” باللقب الوحيد له ولبلاده في دوري أبطال أفريقيا، بفوزه على نادي “هافيا كوناكري” الغيني بثلاثة أهداف دون رد، وكان “المولودية” -بحسب الحارس كعوا- أول ناد أو الثاني الذي يفوز بثلاثية الدوري والكأس ودوري الأبطال.
كأس العالم.. عصر الذروة في الكرة الجزائرية
في مطلع الثمانينيات وصلت كرة القدم الجزائرية إلى ذروتها، وأصبحت تنافسية لدرجة أن الفريق الوطني تأهل لكأس العالم عام 1982، ومن بين الـ22 لاعبا الذين اختيروا في التشكيلة، كان 15 منهم يتنافسون في البطولة الوطنية، ليس لأنهم وجدوا فيها بعض الميزات بل لأنهم أجبروا على ذلك أيضا.
يقول رابح ماجر أسطورة كرة القدم الجزائرية: عندما وصلنا إلى المونديال وجدنا قامات من قبيل اللاعب الألماني “بريغل” الذي كنا نشاهده فقط عبر التلفاز، وبين عشية وضحاها وجدنا أنفسنا نلعب ضد أفضل منتخب في العالم وهو ألمانيا، صحيح أننا كنا خائفين جدا، ولكن بعد 20 دقيقة من انطلاقة المباراة استوعبنا أننا نلعب في كأس العالم، ولم نسهل المأمورية على الألمان وفزنا عليهم بنتيجة 2-1.
وتابع قائلا: أدخلنا السعادة إلى بيوت الجزائريين، ولكن رغم الفوز لم نستطع التأهل إلى الدور التالي، بسبب أمور لا أريد الخوض فيها مجددا.
عصر العشرية السوداء.. رجال الكرة الشجعان يواجهون الواقع المر
بعد قمة كأس العالم، بدأ الانهيار السريع والمحتوم نحو الكارثة واستمرت آثاره لعشر سنوات، فالأصدقاء يتشاجرون، والجيران يتجاهلون بعضهم، والإخوة يديرون ظهورهم لبعضهم. يقول الصحفي عبد النور بلخير: خلال العشرية السوداء التي عانت خلالها الجزائر الأمرّين وتوقف فيها كل شيء، كانت كرة القدم الروح التي سمحت للجزائريين بالتخلص من التوتر والقلق من أن يصبحوا هدفا للإرهابيين يوما ما، وكان لاعبو كرة القدم وقتها شجعانا جدا.
وفي السياق يقول طارق الحاج عدلان المهاجم السابق في فريق “اتحاد الجزائر”: أقف احتراما لكل من حرص على استمرارية كرة القدم، فقد مررنا بأيام صعبة كثيرة في حياتنا، ولكن كل ما جرت مباراة بين “الاتحاد” و”المولودية” كان عدد الجماهير يزيد على 100 ألف، وأظن أن هذا هو الأمر الوحيد الذي كان يخرج الناس من الواقع المر الذي كانوا يعيشون فيه.
ويقول بلال دزيري المهاجم السابق في فريق “اتحاد الجزائر”: منذ عام 1995 إلى 2005 فزنا بـ9 ألقاب وشاركنا 5 مرات في دوري أبطال أفريقيا، كانت تلك السنوات مميزة بالنسبة إلى النادي ومشجعيه.
قصص الديربي.. حكايات أسطورية تصنع تاريخ اللعبة
يتغذى الديربي على الحركات السحرية والقصص الخيالية، ففي عام 1997 استحوذ المهاجم طارق الحاج عدلان على الكرة ولم يفارقها، بهدف إبراز هيمنة “اتحاد الجزائر”، وبقيت هذه اللقطة خالدة في تاريخ الذاكرة الجمعية لكرة القدم الجزائرية.
وهناك لحظة تاريخية أخرى وقعت عام 2005، فقد سجل “مولودية الجزائر” -الذي كان يدربه الفرنسي “روبرت نوزاريه”- هدف التقدم، وبينما كانت المباراة تتجه نحو الفوز سجّل “الاتحاد الجزائري” هدف التعادل القاتل في الدقيقة الـ94 من المباراة.
يقول أحد مشجعي “اتحاد الجزائر” إن المدرب الفرنسي “رولان كوربيس” قال في 2013: الضغط في مباريات “اتحاد الجزائر” و”مولودية الجزائر” أقوى بعشر مرات مما يجري في مواجهة “باريس سان جيرمان” و”مرسيليا”، ونحن أفضل من مشجعي “مرسيليا”.
أما “كوربيس” المدرب السابق لفريق “اتحاد الجزائر” فيقول: معظم الناس لم يشجعوني للذهاب وتدريب فريق “اتحاد الجزائر”، وكانوا يقولون لي لن تبقى هناك أكثر من أسبوعين، ولكنني استقبلت في مكان مفعم بالشغف، وكان أفضل ذكرياتي التي لا تنسى هو الفوز على “مولودية الجزائر” والتتويج بلقب الكأس.
ويقول نسيم بوشامة مهاجم “اتحاد الجزائر”: كان “رولان كوربيس” جلاد “مولودية الجزائر”، لأنه كان يعشق هذه المواجهات والديربيات، فأنا أذكر أنه في ديربي بنهائي كأس الجزائر عام 2013 كتب على لوح التعليمات اسم “اتحاد الجزائر” بخط كبير واسم “مولودية الجزائر” بخط صغير، وقال سنلعب ضد فريق ضئيل جدا.
ويصف مصطفى العروسي الأمين العام لنادي “اتحاد الجزائر” المدرب “كوربيس” قائلا: كان المدرب المثالي لفريقنا، وكان أفضل مدرب في تاريخ النادي.
ورغم هذه المنافسة الشديدة بين الفريقين والتوتر والعنف اللذين يعمّان الملاعب الجزائرية، فإن جماهير ديربي “الإخوة الأعداء” يبقون جيرانا وإخوة وأصدقاء طفولة.