الفدائي.. منتخب فلسطين لكرة القدم يتحدى معوقات الاحتلال

في قاموس فلسطين لا تجد كلمات على وزن الانكسار والهزيمة والخضوع، فأطفال هذا الشعب يرضعون الرجولة والتحدي والمقاومة مع حليب الأمهات، وعندما يتفنّن الاحتلال في البطش والتنكيل، ترى الفلسطينيَّ يجترح ألف طريقة للتحدي والصمود، حتى ولو كان ذلك في مهرجان أدبي أو مسابقة رسوم كرتونية.

ولا يختلف الأمر في كرة القدم، فعلى الرغم من تضييق الاحتلال على الشباب الفلسطينيين، فقد تجمّعوا في نواد وفرق، وأنشأوا ملاعب وصالات رياضية، حتى نجحوا في تشكيل المنتخب الفلسطيني لكرة القدم “الفدائي”، وهو عنوان الفيلم الشيّق الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية، وعرضته على شاشتها.

“نريد أن نُسمع صوتنا إلى العالم بالرياضة”.. رسالة المنتخب

أنا سامح مراعبة لاعب منتخب فلسطين، أحمل الرقم 10 مع “الفدائي”، وأحلم بتمثيل فلسطين في كأس العالم قطر2022، إنه لمن دواعي الفخر أن أمثل فلسطين، ليس من أجل اللعب وتسجيل الأهداف، ولكن من أجل رفع عَلم فلسطين عاليا في المحافل الدولية.

أنا محمد درويش من قرية الفريديس، من قرى الداخل الفلسطيني 1948، ألعب في منتخب “الفدائي” منذ 6 سنوات، وإنه لشرف عظيم لي أن أمثل فلسطين، وطموحنا جميعا أن نكون في كأس العالم قطر 2022، نحن فلسطينيي الداخل، نوصل بالرياضة رسالةَ شعب إلى كل مكان، نحمل على أكتافنا مسؤولية شعبنا، لنثبت وجودنا وقدرتنا على الوصول لأهدافنا.

كباتن فريق “الفدائي” الفلسطيني يتحدثون للوثائقي

أنا عبد اللطيف البهداري قائد منتخب فلسطين، أسكن بمخيم الشابورة في مدينة رفح، وبلدتي الأصلية هي بئر السبع. سوف تنطلق بعد قليل مباراة منتخب فلسطين والمنتخب الماليزي على أرضية ملعب عمان الدولي في الأردن، وذلك ضمن التصفيات المزدوجة لكأس العالم وقارة آسيا.

أنا تامر صيام لاعب منتخب فلسطين “الفدائي”، وابن القدس، شرفٌ كبير لي، ومسؤولية عظيمة على عاتقي، أن أمثل منتخب فلسطين، هذا وأنا ابن أقدس المدن الفلسطينية، نريد أن نُسمع صوتنا إلى العالم بالرياضة، ونحققَ بها ما عجزت السياسة عن تحقيقه.

هكذا قدّم نجوم المنتخب الفلسطيني أنفسهم، وبالإصرار والتحدي يواصلون مسيرتهم في التدرُّب والمنافسة، لا يبالون بتعسف الاحتلال.

إغلاق المدن والمعابر.. عقبات الاحتلال تخنق الرياضة الفلسطينية

يحرص اللاعب عبد اللطيف البهداري على أن يتصل بوالده قبل كل مباراة ليرضى عنه ويدعو له، ويتمنى أبو عبد اللطيف أن يرى ابنه في الملعب رأي العين، وليس من وراء الشاشات، ولكن بسبب الاحتلال فإنه لم تتح له هذه الفرصة ولا لوالدته، ولو لمرة واحدة.

يقول اللاعب سامح مراعبة: بسبب الاحتلال لعبنا 80% من مبارياتنا “البيتية” خارج أرضنا فلسطين، ومباراتنا في الأردن ضد ماليزيا حضرها الأردنيون وأبناء المخيمات الفلسطينية في الأردن، وما بخلوا علينا بالتشجيع، حتى أحسسنا أننا نلعب في بيتنا فلسطين، وحققنا نتيجة كبيرة يومها، فجمعنا 9 نقاط وأصبحنا ثاني المجموعة.

يتحرك فريق منتخب فلسطين “الفدائي” بين الملاعب المتاحة على أرض فلسطين من أجل التدريب وإقامة المباريات

ويعلق البهداري قائلا: نعاني من إغلاق المدن الذي تفرضه سلطات الاحتلال الصهيوني، فقبل بطولة الاتحاد الآسيوي بشهر كامل، لم نستطع أن نجتمع كفريق للتمرين، وأتيحت لنا الفرصة أن نجتمع في الأردن قبل انطلاق البطولة بأسبوع واحد، فلا يوجد لدينا مطار، وأغلب المعابر البرية مغلقة معظم السنة، يجب أن تكون هنالك استثناءات للفريق.

“فدائي يا أرضي يا أرض الجدود”.. نشيد يلهب الملعب

يوجد الملعب البيتي لمنتخب فلسطين في منطقة الرام بالقدس، خلف جدار الفصل العنصري الذي بناه الاحتلال، ومن المحزن أن يتدرب الفريق بدون حضور الجماهير، فالتدريبات والمباريات الخالية من الجمهور تفقد طعمها، لأن الجماهير هي نكهة كرة القدم.

تأسس الملعب البيتي لفريق فلسطين في 2006، والطريف أنهم لم يتعرضوا لأي خسارة على ملعبهم ذاك.

“فدائي يا أرضي يا أرض الجدود”..  تحية العلم “الفدائي” قبل كل مباراة

وما أجمل أن يصدح اللاعبون والجماهير بالنشيد الوطني الفلسطيني، ويتردد صداه في أرجاء الملعب والوطن:

فدائي يا أرضي يا أرض الجدود
فدائي يا شعبي يا شعب الخلود
سأحيا فدائي وأمضي فدائي وأقضي فدائي إلى أن تعود.

احتفاء العرب بالمنتخب.. شمعة مضيئة تبدد ليل الاحتلال

في بلدة قلقيلية أُنشئت أكاديمية لتعليم الصغار كرة القدم، من أجل إعداد أجيال رديفة للمنتخب الفلسطيني الحالي، وأنشئت أكاديمية “تشامبيونز” في غزة للغرض ذاته، ويلقِّب كثير من أطفال غزة أنفسَهم بالبهداري تيمنا باللاعب عبد اللطيف.

وفي خطوة تعتبر الأولى من نوعها حضر المنتخب السعودي إلى فلسطين، ليلاقي منتخبها ضمن التصفيات المزدوجة لبطولتَي آسيا وكأس العالم، وفي هذا الصدد يقول نور الدين ولد علي المدير الفني للمنتخب الفلسطيني: يجب أن نبذل أقصى جهدنا لإمتاع جماهيرنا وللفوز على الأشقاء السعوديين.

يعيش الفريق ظروفا استثنائية وصعبة، فأعضاؤه يتجمعون من الضفة وغزة والداخل الفلسطيني ودول الشتات، ولك أن تتخيل صعوبة مهمة تجميع الفريق الذي يدربه الجزائري نور الدين، وهو يعتبر نفسه فلسطينيا، يحفز اللاعبين ويرفع ثقتهم بأنفسهم وإيمانهم بقدراتهم. وهنا يستذكر اللاعب محمد درويش: لعبنا في الجزائر مباراة للتاريخ، يومها هتف 100 ألف من الجماهير الجزائرية لفلسطين والقدس.

ضمن المعسكر التدريبي في السعودية سنة 2021، مباراة ودية بين فلسطين واليمن

في 2021 وصل المنتخب الفلسطيني إلى السعودية لإقامة معسكر تدريبي، ولاستكمال تصفيات بطولتَيْ آسيا وكأس العالم، وبسبب الكورونا وإجراءاتها المعقدة، فقد قرر الاتحاد الآسيوي إجراء المباريات في دولة واحدة، وكان غياب الجمهور يؤثر على اللاعبين، واستغل الفلسطينيون معسكرهم بإقامة مباراتين تدريبيتين مع اليمن وسنغافورة، ثم توجهوا إلى قطر لمواجهة جزر القمر في التصفيات.

عدوان الاحتلال.. قلوب يمزقها القلق في الملاعب

يقول اللاعب عبد اللطيف البهداري: في الحرب الماضية على غزة كنت أخاف رنة الهاتف إذا اتصل أحدهم، أخشى أن يصلني خبر محزن من هناك، استشهد أصدقاء كثر وأقارب لنا، هذا يجعلنا نفكر كثيرا بأهلنا ويُفقدنا تركيزنا في الملعب، كنا نشتهي النوم ولا نجده من شدة القلق، فلم تسلم الملاعب ومقر اتحاد كرة القدم في غزة من قصف الاحتلال الغاشم، إنهم يريدون حتى طمس الهوية الرياضية لشعب غزة.

أما سعاد البهداري والدة عبد اللطيف، فتتحدث عن ابنها بفخر وتلمع عيناها فرحا وهي تقول: أشاهد جميع مبارياته على التلفاز، وعندما يسجل هدفا فتلك سعادة من نوع آخر. لا يمكن أن يبدأ اللعب دون أن يتصل بي ويطمئن عليّ ويطلب مني الدعاء.

يضم المنتخب لاعبين من أنحاء فلسطين، منهم أسرى محررون وأبناء شهداء، يقول اللاعب سامح مراعبة: أثناء عودتي من أحد المعسكرات التدريبية في قطر احتُجزت على جسر الملك حسين بين الأردن وفلسطين، واعتقلتني سلطات الاحتلال 8 شهور، وبعد الإفراج منعوني من السفر، وحرموني من المشاركة في بطولتين مهمتين؛ بطولة التحدي في المالديف، وكأس آسيا في أستراليا.

لم يتأهل الفريق لكأس العالم في قطر، ولكنه يأمل الوصول إلى البطولات العربية والدولية، وبفوزه على جزر القمر، فقد ضمن المنتخب “الفدائي” مقعده في بطولة كأس العرب فيفا قطر 2021.

معابر الحدود.. معاناة الفلسطيني تحت لعنة الاحتلال

يقول اللاعب محمد درويش: كنت أتمنى أن يحضر كل لاعبي المنتخب حفل زفافي، ولكن هذا غير ممكن في ظروف الاحتلال، فالدخول إلى فلسطين المحتلة 1948 يحتاج إلى تصاريح وإجراءات معقدة من قبل سلطات الاحتلال، ووجودها يمنع فلسطين من التقدم في عالم الرياضة، ويمنع الفرق العربية من القدوم إلى فلسطين، بسبب الإجراءات الأمنية والظروف السياسية.

الاحتلال الإسرائيلي يفرض قيودا كبيرة على حركة لاعبي فريق “الفدائي” الفلسطيني

تتضاعف المعاناة عندما يتحرك منتخب فلسطين خارج حدود الوطن، فالسفر غالبا عبر حدود الأردن عن طريق الجسور، مع ما يرافق ذلك من المرور عبر حواجز الاحتلال. وبالنسبة لفلسطينيي الداخل الذين يحملون جواز سفر الاحتلال، فسوف تواجههم ورطة أخرى مع الدول التي لا تعترف بكيان الاحتلال، فيضطرون للحصول على جواز سفر فلسطيني من الأردن، ليسهل لهم الدخول إلى تلك الدول.

وعلى الجسور مع الأردن هناك إجراءات طويلة ومعقدة على ثلاثة محاور، أولها مركز حدود السلطة الفلسطينية، ثم النقاط الأمنية الإسرائيلية، وهذه بذاتها قصة طويلة ومعاناةٌ وتفتيش وانتظار، ثم تأتي النقطة الحدودية الأردنية، كل هذا في بضع مئات من الأمتار.

كأس العرب.. تجربة مُرة في انتظار أشبال المستقبل

لم يكن أداء الفريق الفلسطيني جيدا في كأس العرب، قطر2021، لظروف مختلفة منها وباء كورونا الذي حرم عددا من نجوم الفريق المشاركة في البطولة، ومنها قوة وجاهزية الفرق العربية الأخرى التي تتفوق على الإمكانيات المتاحة لنجوم فلسطين، وعلى رأس هذه الظروف وجود الاحتلال الصهيوني الذي كرّس نفسه لتدمير جميع أحلام الفلسطينيين حتى الرياضية منها.

كان الخروج من دور المجموعات في كأس العرب مُرّا، ولكنه ليس نهاية المطاف، فالأمل معقود على أشبال فلسطين الذين يوجدون في النوادي والأكاديميات الرياضية، ويحظون بدعم وتشجيع نجوم المنتخب الفلسطيني.

عبد اللطيف البهداري.. عودة بعد الحرب تكشف آلام غزة

عاد عبد اللطيف البهداري إلى غزة في إجازة قصيرة، فهو بعيد عن أهله ووطنه منذ 15 سنة، ويزورهم في إجازات قصيرة فقط، كانت آخر زيارة لأهله بعد غياب استمر 3 أعوام متتالية، فهو محترف منذ 15 عاما، تنقل خلالها بين أندية قطاع غزة والضفة الغربية والأردن والعراق والسعودية ومصر، إضافة إلى قيادة منتخب فلسطين “الفدائي”.

أشبال “الفدائي” يتمرنون كي يصبحوا أبطال الكرة الفلسطينية في المستقبل

ولكم أن تتخيلوا فرحة والديه وأقربائه وأصدقائه بقدومه، وكذلك فرحة الأشبال والناشئين الذين زارهم على ملاعب تدريباتهم، فساندهم وشجّعهم والتقط معهم الصور التذكارية، ثم اختتم زيارته بالتوجه إلى المقابر وقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء الذين سقطوا في حروب العدوان الصهيوني على قطاع غزة.

ولا تسل عن طول الرحلة التي سيقطعها البهداري لينتقل من غزة إلى رام الله، وهي مسافة لا تحتاج لأكثر من ساعتين في الظروف الطبيعية، أما بوجود الاحتلال فهي رحلة تحتاج إلى يومين على الأقل، ينتقل فيها من قطاع غزة إلى مصر عبر معبر رفح، ثم إلى الأردن جوا أو بحرا، ومن الأردن إلى الضفة الغربية عن طريق الجسر على نهر الأردن.