ديربي أثينا.. دماء متناثرة وعداء أبدي بين الناديين المقدّسين

كلمة “ديربي” في عالم كرة القدم تعني مواجهة بين فريقين ينحدران من المدينة أو المنطقة، ودائما ما تتسم هذه المباريات بالحماس والإثارة والندية والمنافسة التي قد تخرج عن إطار الرياضة وكرة القدم.

في سلسلة أفلام “ديربي الكبار” التي عرضتها الجزيرة الوثائقية، يصحبنا النجم السابق للكرة الفرنسية “إريك كانتونا” إلى عدة مدن حول العالم، تشهد ديربياتها أجواء نارية وغير مألوفة.

وفي هذا الفيلم سنتحدث عن ديربي العاصمة اليونانية أثينا بين “أولمبياكوس” و”باناثينايكوس” الذي يوصف بأنه “الأكثر إثارة في التاريخ” نظرا لأن دماء الشعب حامية، والديربي يعبر عن ثقافته. يقول أحد مشجعي نادي “أولمبياكوس”: هذا الديربي أكبر المعارك، إنهم ألد أعدائنا، ولا يهم بأي رياضة يكون، نريد التغلب عليهم، والهدف إما تحقيق الهدف المنشود أو الموت.

في المقابل يقول أحد مشجعي نادي “باناثينايكوس”: ما يجري في المباريات جنون، فهي ليست كأي مباراة، إنك تشعر بالكراهية والعداوة بين الفريقين.

ديربي العاصمة.. عداوة أبدية بين أندية أثينا المقدسة

أثينا مهد الحضارة الغربية، والمكان التي ظهرت فيه الديمقراطية والفلسفة، ومسقط رأس سقراط وأفلاطون وأرسطو، وفيها ابتكرت روح المنافسة في الألعاب الأولمبية، واليوم تزدهر بسبب المنافسة بين ناديين مقدّسين بالنسبة لجماهيرهما، وهما “باناثينايكوس” و”أولمبياكوس” اللذان يخوضان ديربي العدوين الأبديين.

ابن الطبقة الأرستقراطية جورج كالافاتيس يؤسس ناديه الخاص في عام 1908 ويسميه “بنثينايكوس”

ففي بداية القرن العشرين كان لعب كرة القدم مستهجنا بين أفراد الطبقة العليا في المملكة اليونانية. وبعد رفضه من عدة أندية، أسس ابن الطبقة الأرستقراطية “جورج كالافاتيس” ناديه الخاص في 3 فبراير/شباط 1908، وأسماه “باناثينايكوس”، نادي كل أبناء أثينا.

وتعد مدينة بيرايوس الجانب الآخر من أثينا وقلب الحركة، وتقع على بعد 15 كيلومترا من أكروبوليس والمجتمع الراقي، وبعد عودة المبعدين اليونانيين من تركيا، ارتفع عدد سكانها وتحول الحي إلى مدينة.

وفي 1925 قرر 5 إخوة من عائلة “أندريانو بولس” لديهم شغف في الرياضة، منح النادي لمدينة بيرايوس وأطلق عليه “أولمبياكوس”. ويقول الصحفي “مينيو ساكيلاروبولوس” إن بيرايوس كان ميناء للعمال الفقراء الذين قرروا يوما ابتكار “تريولس” أو الأسطورة التي واجهت الفريق البورجوازي “باناثينايكوس”، ومنذ ذلك الحين لم يجتمع هذان العالمان معا، بل كانا دائما في صراع.

خمسة أخوة من عائلة أندريانو بولس يؤسسون نادي أولمبياكوس سنة 1925

وحتى على التاريخ، فهناك خلاف بين مشجعي الناديين، فيقول مشجع لنادي “أولمبياكوس”: منذ نشأة “أولمبياكوس” كان في عالم البساطة والفقر والاجتهاد، أما “باناثينايكوس” فكان يمثل العكس تماما.

في المقابل يقول مشجع لنادي “باناثينايكوس”: هذه أكبر كذبة سمعتها، وهذه دعاية وكلام فارغ، قصة جميلة يرويها أغنياء الشحن البحري للأغبياء في الميناء، ليعتقدوا أن “أولمبياكوس” هو فريق الفقراء.

“حلم منحه لنا أجدادنا وسنورثه إلى أبنائنا”.. رابطة التشجيع

في عام 1930، كانت البطولة المحلية الأولى، وفي الديربي الأول سحق “باناثينايكوس” نظيره “أولمبياكوس” بنتيجة 8-2، وفي ذلك العام كان الفريق الأخضر (باناثينايكوس) بطل الدوري، ونال وقتها أول ألقابه الذي ستبلغ أكثر من 21 لقبا. وفي الموسم التالي جاء دور “أولمبياكوس” ليفوز باللقب، ومنذ ذلك الحين ولدت منافسة لا تزال مشتعلة حتى يومنا هذا.

في عام 1930 أقيم ديربي أثينا الأول بين الفريقين التاريخيين بنثينايكوس وأولمبياكوس

تقول الجماهير إن الناديين فريقان خالدان، ولا يقترب منهما أي فريق آخر، ولكن “أولمبياكوس” هو المسيطر لامتلاكه المال، وهذا ما لا يتوفر لدى “باناثينايكوس”.

ورغم هذا الشغف والحماسة، فالشعب اليوناني في موقف حرج، ولم يعد يفكر بكرة القدم، بل في كيفية تأمين القوت اليومي، ففي عام 2010 اجتاحت اليونانَ أزمةٌ مالية، واختنقت البلاد بديون البنوك، وانتشرت البطالة والفساد، وأُغلقت مرافق الخدمات العامة، وتزعزعت الديمقراطية، وأصبحت اليونان تتجه في الطريق المعاكس، لتبدأ من جديد فترة من عدم الاستقرار السياسي.

وفي يونيو/حزيران 1964 تواجه الناديان بنصف نهائي بطولة الكأس، وللمرة الأولى كانت المباراة بطيئة وأداء اللاعبين كان مضبوطا، ليدرك المشجعون بسرعة أن هناك تلاعبا بالمباراة لكسب المال، وعندما أطلق الحكم صافرة النهاية اجتاحت جماهير الفريقين الملعب، وطردت اللاعبين منه.

بانثينايكوس يؤسس أول مجموعة تشجيع (ألتراس) في أوروبا باسم “البوابة 13”

وبعد عامين أسس “باناثينايكوس” أول رابطة تشجيع (ألتراس) في أوروبا، وأطلق عليها “البوابة 13”. ويروي أعضاء “الألتراس” قصص التعلق وحب النادي “الأخضر”، فقد وصل بالكثير منهم لتقديم حياته والموت فداء للفريق، أو في حوادث داخل الملعب وخارجها، وبعضهم يعتبر النادي أهم جزء في حياته ويصفونه بأنه “حلم منحه لنا أجدادنا وسنورثه إلى أبنائنا”.

ولا تقتصر ومباريات “ديربي أثينا” على كرة القدم، فالديربيات بكافة الرياضات ككرة السلة والطائرة والماء وغيرها الكثير.

مباراة لندن.. متنفس الفرحة الغامرة تحت ظل الديكتاتورية

يقول الصحفي “مينيو ساكيلاروبولوس” إن كرة القدم هي أفيون الشعوب، وما يعنيه ذلك هو أنك تمنح الناس عرضا، ومباراة كرة القدم عرض راقص، وسيلهيهم عن المشاكل الحقيقية، وقد أدرك الحكم العسكري الديكتاتوري ذلك بعد استيلائه على السلطة في انقلاب عام 1967، وقدم للناس كرة القدم لإلهائهم عن القضايا السياسية.

وفي عام 1971 تأهل “باناثينايكوس” للمرة الأولى في تاريخ النادي إلى نهائي دوري أبطال أوروبا، وشعر الشعب اليوناني الذي سحقته الديكتاتورية بالفخر مجددا.

يقول “كوستاس إليفتراكيس” لاعب الفريق وقتها: مع وصول المدرب العظيم “بوشكاش” تغيرت الأمور بالنسبة لنادي “باناثينايكوس”، فمنحنا الثقة وفتح لنا أبواب أوروبا. كان الوصول إلى ملعب ويمبلي (لندن) لخوض النهائي ضد نادي “أياكس” بمثابة ثورة بالنسبة لنا، وكأنها تظاهرة لكل الشعب اليوناني الذي نجح في تخطي القمع الذي فُرض لسنوات.

وقد أقصى الفريق “الأخضر”، فريق “ريد ستار” (النجم الأحمر) من بلغراد في نصف النهائي، وعاش اليونان هذا الإنجاز وكأنه نفس الحرية، وخرج المشجعون من الغريمين للاحتفال بهذا الإنجاز في الشوارع، ولم يتدخل الحكم الديكتاتوري لمنعهم أو قمعهم.

في عام 1971، تأهل بانثينايكوس للمرة الأولى في تاريخ النادي إلى نهائي دوري أبطال أوروبا فخرج الناس للشوارع احتفالا

يقول الصحفي “ساكيلاروبولوس”: هناك رئيس لـ”أولمبياكوس” مذهل قرر منح مكافآت مالية للاعبي “باناثينايكوس” في حال نجاحهم بالفوز باللقب الأوروبي، هذا شيء لم يحصل من قبل ولن يتكرر في المستقبل.

وإلى ملعب ويمبلي في لندن ذهب 20 ألف يوناني، وفتحت الحدود من قبل الحكم العسكري، واستأجرت طائرات لنقل الجماهير، لكن كل هذا لم يكن مفيدا أمام أفضل فريق بأوروبا وقتها بقيادة “يوهان كرويف”، ففاز بالمباراة بهدفين دون رد، وفاز بأول ألقابهم القارية الثلاثة.

الخسارة والخروج من البطولة لم يستسغها الحكم العسكري، وكانت عودة الفريق إلى أثينا صعبة. إذ يقول “إليفتراكيس” لاعب الفريق وقتها: الضربة الثانية التي تلقيناها بعد الخسارة من “أياكس” كانت من مدرائنا الذين كانوا في الجيش، ففرضوا علينا غرامة لأننا خسرنا.

“البوابة 7”.. مأساة مؤلمة تصنع أكثر المشجعين شغفا

استعادت اليونان حكمها الديمقراطي عام 1974 ومثل بقية المجتمع واكبت كرة القدم العصر، وأصبحت احترافية، وبات الشغف باللعبة بات أكثر جنونا من أي وقت مضى، وفي 8 فبراير/شباط 1981 تحول هذا الشغف إلى مأساة بعد فوز “أولمبياكوس” على “آيك”، إذ مات 21 مشجعا (بينهم 20 لـ”أولمبياكوس” ومشجع واحد لـ”آيك”) في ملعب “كارايسكاكيس” ومن وقتها لم تفتح البوابة رقم “7” الذين قتلوا قربها.

مقاعد عددها 21 محجوزة للأبد للمشجعين القتلى الذي سقطوا في ديربي 1981 عند البوابة رقم 7

أصبحت “البوابة 7” اسم مجموعة كبيرة من مشجعي “أولمبياكوس”، وحتى اليوم هناك 21 مقعدا شاغرا في ملعب “كارايسكاكيس” رسم عليها الرقم “7” باللون الأسود، وهي محجوزة للأبد. ويقول الفرنسي “فرانسوا موديستو” مدافع نادي “أولمبياكوس” السابق: أظن أن كل مشجعي “أولمبياكوس” ينتمون لمجموعة (البوابة 7)، إنهم مذهلون وشغوفون بناديهم، ويعيشون من أجله، وموجودون لدعمه على مدار الساعة.

أما الفرنسي “كريستيان كاريمبو” اللاعب السابق للنادي، فيقول: “البوابة 7” هي أشهر مجموعة للمشجعين والأكثر تعصبا لفريقها، إنهم المدافعون عن ألوان “أولمبياكوس”، إنهم المحاربون الأصليون الذين يواجهون المنافسين الحقيقيين، اجتمعت معهم أكثر من مرة لتهدئتهم، وتجادلت معهم ليسمحوا للاعبين بتقديم ما لديهم.

“جورج كوسكوتس”.. محتال يفسد عالم الكرة بالمال

أدخل “أندرياس باباندريو” -رئيس وزراء اليونان في ثمانينيات القرن الماضي- المال إلى كل قطاعات اليونان وحتى في عالم كرة القدم، وفجأة وصل رجل أعمال أمريكي ذو أصول يونانية يدعى “جورج كوسكوتس” إلى اليونان، لم يكن أحد يعرفه، وبدأ بشراء كل شيء كالمصارف والمطاعم والشركات والفنادق ونادي “أولمبياكوس”.

ولم يمض على وجود الشاب “كوسكوتس” سوى سنوات معدودة في اليونان، حتى أصبح مالك أكبر فريق كرة قدم في اليونان، وكان أول مظاهر دخول المال إلى كرة القدم اليونانية هو شراء “كوسكوتس” للاعب “ديمتري سارافاكوس” مهاجم “باناثينايكوس” وهداف البطولة.

رجل الأعمال جورج كوسكوتس بشتري الهداف ديمتري سارافاكوس لصالح نادي بانثينايكوس

في عام 1987 عرض “كوسكوتس” على “سارافاكوس” 600 مليون دراخما، أي 3 غرف مليئة بالأموال، وهذا ما لم يصدقه “سارافاكوس” نفسه، لأن المبلغ كان خرافيا، وبعد فترة أدرك الشعب اليوناني أن “كوسكوتس” كان محتالا وطنيا، فاعتُقل وسجن وترك “أولمبياكوس” غارقا في الديون، لكن النادي كان محظوظا جدا برئيس جديد هو “سقراط كوكاليس”.

بعد فضيحة “كوسكوتس” أصبح “أولمبياكوس” مجددا أفضل فريق في اليونان، وجنى الرئيس الجديد ثروته من قطاع الاتصالات، وأنفق أموالا طائلة للتعاقد مع أفضل اللاعبين، ووصل إلى ربع نهائي دوري أبطال أوروبا موسم 1998-1999. بينما واجه فريق “باناثينايكوس” صعوبة في مواكبة تطور الغريم، وانحصرت فرصة الفريق الأخضر في التألق بمباريات الديربي فقط.

وفي عام 2001 أصبحت مباراةُ الذهاب في ربع نهائي كأس اليونان مطبوعةً في ذاكرة جميع مشجعي كرة القدم، بسبب هدف “نيكوس ليبروبولس” الاستثنائي، وأيضا بسبب الأحداث التي تلته، وفي مباراة الإياب عاد “أولمبياكوس” وفاز على “باناثينايكوس”.

“جحيم ريزوبولي”.. جماهير عدائية في ديربي اللقب المرعب

استمر العنف في المدرجات، لكن هذه المرة كان شديدا وتعذرت السيطرة عليه، وقد شعرت اليونان وأنديتها بثقل ما يجري، ففي مايو/أيار 2003 كان ملعب “كارايسكاكيس” قيد الإنشاء، فلعب فريقا أثينا المقدسان الديربي على ملعب صغير، وكانا يتنافسان على الفوز باللقب، وكان التوتر في ذروته، وأطلقت وسائل الإعلام على المباراة اسم “جحيم ريزوبولي”.

يقول “أنتونيوس نيكوبوليديس” الحارس السابق للناديين متحدثا عن هذه المباراة: كانت المباراة الأكثر جدلا، لأنها كانت تحدد الفائز باللقب، وكانت الأجواء عدائية جدا، لكنها ليست المرة الأولى، فعندما تلعب في اليونان تعتاد على هذا الأمر، وقد كانت هناك مشاكل في الدخول إلى الملعب والخروج من الحافلة، وكان هناك أشخاص في غرف الملابس وليسوا من الموظفين، وكل هذه الأمور خلقت أجواء مرعبة.

أحد حكام ديربي 2002 يتعرض للضرب في المباراة بين بانثينايكوس وأولمبياكوس

يقول أحد المشجعين: دعوت أصدقاء من فرنسا لحضور الديربي، ورغم أن لديهم تذاكر فإنهم لم يستطيعوا الدخول إلى الملعب، لأنهم رأوا حشودا كبيرة تتوجه إلى الملعب، وبعضهم كان يحمل سلاحا، وكان الوضع جنونيا.

ولم يكن العنف حكرا على “أولمبياكوس”، فقد انتهت مباراة الديربي على أرض “باناثينايكوس” بالشغب، ولهذا أصدرت الحكومة قرارا بمنع الجماهير على أرض الخصم. يقول الصحفي “مينيو ساكيلاروبولوس”: شهدنا في السنوات القليلة الماضية ديربيات جامحة، ففي عام 2002 تعرض أحد الحكام للضرب، وكانت الدماء في كل مكان، فقد قام أفراد من الإدارة ورئيس “باناثينايكوس” والأطباء واللاعبون بضرب الحكم، لأنه منح ركلة جزاء في الدقيقة الـ90 لـ”أولمبياكوس”.

ويقول مواطن يوناني: مشجعو “أولمبياكوس” طوال القامة وأقوياء، أما مشجعو “باناثينايكوس” فتنقصهم الخشونة. أحد أبنائي يشجع “أولمبياكوس” والآخر “باناثينايكوس”، ومن سوء الحظ أنهما يتشاجران دائما بسبب الفريقين، وهذا ما يحصل في أغلب المنازل بأثينا.

ويرى مواطن آخر أن الفريق الأفضل هو الذي يمتلك أموالا أكثر، وباقي الأمور غير مهمة، لأن المال هو من يتحكم بكل شيء.

“يورو 2004”.. عام الحظ الذي سبق أعوام القحط

خلال بطولة أمم أوروبا في البرتغال 2004 التي توج بها المنتخب اليوناني، لم يكن للمال سلطة على اليونانيين، فحققوا أول بطولة أوروبية في تاريخهم، وكان ذلك بفضل المدرب الألماني “أوتو ريهاغل”، إلى جانب حماس وإرادة اللاعبين الذين جاء معظمهم من “باناثينايكوس”. يقول الصحفي “مينيو ساكيلاروبولوس”: في عام 2004 تغيرت الأقدار تماما، وحصلت أعظم معجزة في تاريخ كرة القدم.

تتويج المنتخب اليوناني في بطولة أمم أوروبا بالبرتغال 2004 بفضل المدرب الألماني أوتو ريهاغل

وبعد شهر من فوز اليونان ببطولة “يورو 2004” استضافت أثينا الألعاب الأولمبية، وبالنسبة لليونان والرياضة اليونانية فقد كان 2004 عام الحظ. وقد جُدد الملعب الأولمبي، وأنفق أكثر من 11 مليون يورو على البنى التحتية، الأمر الذي جعل البلاد بحالة بهجة وتترقب مستقبلا مبهرا.

وبعد ذلك بسنوات استفاق اليونان من الحلم الجميل، وفتح اليونانيون أعينهم على كابوس الأزمة المالية العالمية عام 2008، وكانت اليونان رمزا لها، وانفجر الدين العام الذي تلاعبت به المصارف والساسة، وبسبب الضغط الأوروبي خُفضت رواتب الموظفين ومعاشاتهم التقاعدية، ورفعت الضرائب وفرضت أخرى جديدة، وارتفع معدل البطالة، وزادت نسب الانتحار، حتى وصل العدد إلى بضعة آلاف بسبب الأزمة الاقتصادية التي أتت على رواتبهم ومدخراتهم وخسروا كل شيء.

“جبريل سيسيه”.. هداف فرنسي يقع في حب اليونان

عاشت كرة القدم اليونانية سنوات مجدها الأخيرة، فخلال موسمين استثمر زعيم قطاع الشحن “نيكوس باتيراس” 70 مليون يورو في نادي “باناثينايكوس”.

ففي 25 يونيو/حزيران 2009، وصل النجم الفرنسي “جبريل سيسيه” إلى مطار أثينا، وكان هناك نحو 3 آلاف شخص في المطار، كانوا يصرخون ويطلقون قنابل الدخان ترحيبا به. يقول: تفاجأت بالاستقبال، وظننت أن شخصا آخر وصل خلفي، أو أن الفريق اشترى لاعبا آخر، ولكن المفاجأة السارة أن هذا كان لي أنا، فقد شعرت أنني في وطني منذ البداية، وهذا ما جعلني أوقع العقد. لقد كنت راضيا عما رأيته، حتى أن رئيس النادي قدم الهدايا لعائلتي، ولم يكن الكرم هو ما دفعني للتوقيع، بل الاستقبال الذي حظيت به وحب المشجعين، وذلك الترحيب لمسني بالفعل.

يقول “نيكولاس باتيراس” الرئيس السابق لنادي “باناثينايكوس”: كان صعبا جدا إقناع “سيسيه” بالمجيء إلى اليونان، لأنه كان يلعب في مرسيليا بالدوري الفرنسي، وبعد شهر من المفاوضات أقنعناه بالحضور لرؤية الوضع بنفسه، فوقع بحب اليونان وقدّر كرمنا، وبعدها قرر التوقيع مع النادي.

وصول النجم الفرنسي جبريل سيسيه إلى مطار أثينا وفي استقباله نحو 3 آلاف شخص

سجل “سيسيه” 60 هدفا في موسمين، وحصل على جائزة الهداف موسم 2010-2011، ووصفها بأنها “لحظة لا تنسى في مسيرتي الاحترافية”.

وبسبب التحكيم و”انحيازه” بشكل “فاضح” لنادي “أولمبياكوس” غادر “سيسيه” اليونان، وقال: كان فريقنا يسجل أهدافا صحيحة، غير أن الحكام كانوا يجدون دائما طريقة لإلغائها.

انحياز الحكام.. فساد وعنف وفوضى تفسد اللعبة

يقول “يانيس ألافوزوس” رئيس نادي “باناثينايكوس”: في الفترة الماضية حقق “أولمبياكوس” الفوز بـ13 بطولة، وهذا أمر مثير للغثيان والغضب، فالفساد الذي يحصل في اليونان لصالح “أولمبياكوس” فيما يتعلق بالتحكيم لا يصدق، فقد كانت هناك حادثة تتعلق بأحد الحكام الذين أطلقوا صافراتهم ضد “أولمبياكوس”، وقد فُجّر مخبزه في كالاماتا، فتوقف عن التحكيم بعد ذلك، كما هوجم حكام آخرون، ويحدث ذلك كله وكأن شيئا لم يحصل.

ويرد رئيس “أولمبياكوس” بقوله: إذا كان لدى السيد “ألافوزوس” دليل، فإني أطلب منه نشره وتقديمه للسلطات لمساعدة كرة القدم اليونانية، وإن لم يفعل فنصيحتي له أن لا يتحدث عن الأمر مجددا، وليركز على فريقه الذي يواجه أزمة كبيرة.

الشغب ونزول الجماهير إلى الملعب ظاهرة متكررة في ديربي أثينا

أما “جان آلان بومسونغ” اللاعب السابق في “باناثينايكوس” فيقول: يمكنني التحدث بصراحة، فأحيانا بعد دقائق من بدء المباراة، أعلم إذا كنا سنفوز أم لا، ربما كان يوم الحكَم سيئا، ولكنني أشعر بالنتيجة بعد بضعة دقائق.

ليس الفساد المشكلة الوحيدة لكرة القدم اليونانية، فمنذ سنوات “سيسيه” ضربت الأزمة الاقتصادية كل الأندية اليونانية، وغادر النجوم الأجانب وأفضل اللاعبين اليونانيين البلاد بعد فترة قصيرة، ولم تعد الجماهير تملأ المدرجات. فعندما تحاول توفير لقمة عيشك كل شهر، يصبح شراء تذاكر المباريات خارج الأولويات.

وبصعوبة بالغة استطاع “باناثينايكوس” تفادي الإفلاس، لكنه بالنسبة لمشجعيه بقي كنزا وطنيا، ولا يزال الديربي مع “أولمبياكوس” مشحونا بالعواطف، وسيثير مشاعر اليونان إلى الأبد.