كرة القدم.. ساحرة تحمل الفقراء من أحياء الصفيح إلى نادي الأثرياء

يقال عنها أنها رياضة الفقراء، بينما أبطالها ليسو مجرد مشاهير ونجوم رياضيين فقط، بل هم أثرياء من الطينة التي تدخل سنويا قوائم الترتيب العالمي للأغنياء وحائزي أكبر الثروات وأعلى المداخيل، إذ لا تجد المنصات المتخصصة في تعقب أخبار الأغنياء صعوبةً كبيرة في إيجاد مئة مليونير تُدخلهم سباق الثروة كل عام، لكن المفارقة أن أغلب هؤلاء انطلق في مسار حياته فقيرا معدما ومنحدرا من أكثر الأحياء والفئات الاجتماعية تهميشا.

سحر المراوغات وموهبة تسجيل الأهداف والقدرة على تحمل التداريب والمحافظة على اللياقة البدنية، تلك كانت وصفتهم السحرية لطرد لعنة الفقر وتسلّق السلّم الاجتماعي ودخول نادي أغنى الأغنياء.

ففي عصر العولمة وهيمنة الفكر الرأسمالي بما يعنيه من احتكار للثروات، واستئثار فئات قليلة من الناس بوسائل تحقيق الغنى المادي؛ بقيت لعبة كرة القدم قناة يتمكن من خلالها أبناء الفقراء المنحدرين من أوساط شعبية أو مهمشة، من ولوج نادي الأغنياء من خلال مواهبهم وتدريباتهم الشاقة وما يظهرونه من قدرات خاصة تستقطب اهتمام الشركات الكبرى والأندية الغنية.

لا شك أن هناك بعض اللاعبين الكبار في مجال كرة القدم الذين ينحدرون من أوساط اجتماعية غنية، أمثال الإسباني “جيرارد بيكيه” والإنجليزي “باتريك بامفورد” والألماني “أوليفر بيرهوف” والبرازيلي “ريكاردو كاكا”، ولا ننسى أغنى لاعب كرة قدم على الإطلاق فائق بلقية الذي تعادل ثروته قرابة عشرين ضعفا من ثورة “ميسي” و”رونالدو” مجتمعين[1]؛ لكن هؤلاء جميعا يظلون الاستثناء الذي يؤكد القاعدة.

فكرة القدم لم تعد مجرد رياضة هدفها تمرين الجسد والحفاظ على صحته، ولا مجرد مطية للتسلية وتزجية الوقت، بل أصبحت في جميع أنحاء العالم مصعدا حقيقيا للترقي الاجتماعي، يركبه أبناء الفقراء والمهمشين أملا في تحقيق قفزة اجتماعية لا يمكن بلوغها بالطرق الأخرى، بل إن الانتساب إلى ناد رياضي، حتى في الدول الغنية والمتقدمة، بات مرادفا لفتح نافدة الأمل على المستقبل، ومبعثا للفخر إذا كان الأمر يتعلق بناد عريق وله صيت واسع.

وهذه بعض النماذج للاعبين سطعت نجومهم في سماء كرة القدم، وأصبحوا من أكبر أغنياء اللعبة، بينما ينحدرون من أصول فقيرة أو متواضعة.

“كريستيانو رونالدو”.. أول لاعب يدخل نادي المليارديرات

لا يجد نجم المنتخب البرتغالي وأحد أفضل لاعبي كرة القدم العقد الثاني من الألفية الحالية، حرجا كبيرا في الحديث عن طفولته البئيسة، فقد كان يعيش حياة شبه معدمة خالية من كل مظاهر المتعة والاحتفال، بل من ضروريات الحياة نفسها.

بين أب يعمل بستانيا وأم تحترف الطبخ، ولد “كريستيانو رونالدو” في حي سان أنتونيو الفقير الموجود في مدينة فونشال في أرخبيل ماديرا البرتغالي المقابل للساحل الأطلسي للمغرب.

كان توقيعه لعقد مع فريق “مانشستر يونايتد” الإنجليزي عام 2003 طفرة في حياته الاجتماعية، ذلك أنه لم يركب الطائرة قط قبل الرحلة التي أخذته إلى بريطانيا لاحتراف اللعب هناك.[2]

تصنّفه مجلة “فوربس” المتخصصة في تعقب أخبار الأثرياء، في المرتبة الثالثة من حيث مجموع العائدات التي حصل عليها خلال سنة 2022، ويقدر مجموعه بمئة مليون دولار، بعدما كان في الصدارة قبل عام واحد، متفوقا على منافسه الأزلي “ليونيل ميسي”، في صدارة أكثر الرياضيين مداخيل مالية.

تصل تقديرات إجمالي ثروة “كريستيانو رونالدو” حسب بعض المصادر إلى درجة المليار دولار (قبل خصم الضرائب)، ويعتبره البعض أول لاعب لكرة القدم يدخل قائمة المليارديرات.[3]

وإلى جانب راتبه الرسمي لاعبا وجوائزه الكثيرة يحقق “رونالدو” عائدات مالية ضخمة من خلال أنشطته الدعائية، إذ باتت قيمة خدماته تصل حسب بعض التقديرات إلى مليون دولار للوصلة الإشهارية الواحدة عبر المنصات الرقمية، وتقدر مداخيله من منصة “إنستغرام” وحدها بما يناهز 40 مليون دولار في السنة.

“ليونيل ميسي”.. بصيص من الأمل تحت أقدام الطفل المريض

عاش “ليونيل ميسي” طفولته الأولى في كنف والده العامل البسيط الذي لا يكاد يوفر لقمة العيش لأسرته، رفقة زوجته التي كانت تعمل في مهن بسيطة كالتنظيف، وعانى “ميسي” في طفولته من مرض نقص هرمون النمو الذي كان يرهق كاهل الأسرة بفعل كلفة علاجه الباهظة بالنسبة إلى إمكاناتها المالية.[4]

كانت موهبة “ليونيل” الكروية أمل الأسرة الوحيد، فبذلت قصارى الجهود لتوصل ملفه إلى أكبر الأندية الكروية، وهو ما تحقق لها مع نادي برشلونة الإسباني، حيث اكتشفت الإدارة الرياضية للنادي مواهب ميسي الاستثنائية، لتعرض على أسرته الانتقال إلى إسبانيا مقابل التكفل بمصاريف إقامتها.

خلال العام 2022، خسر “ميسي” موقع الصدارة من حيث العائدات المالية السنوية في عالم اللاعبين، متأخرا عن “كيليان مبابي” و”رونالدو”، محققا ما مجموعه 110 ملايين دولار، موزعة بين الراتب الذي يتلقاه من نادي باريس سان جيرمان الفرنسي، والمداخيل المختلفة التي يحصل عليها من أنشطته التجارية والإعلانات.

“كيليان مبابي”.. ابن الضواحي الفرنسية على عرش اللعبة

نشأ النجم الصاعد بقوة في سماء كرة القدم العالمية “كيليان مبابي” في الضاحية الباريسية التي تضم الطبقة العاملة، وتحديدا منطقة بوندي الواقعة على بعد 11 كيلومترا إلى الشمال من باريس، وهو ابن لأب ينحدر من أصول كاميرونية، وأم ذات أصول جزائرية. وإلى جانب أصولهما التي تعود إلى الهجرة العمالية لملايين الأفارقة نحو أوروبا، يتولى والد “مبابي” مهمة الإشراف على أعماله بصفته وكيله، بينما تشرّب “كيليان” مبادئ الرياضة الأولى من والدته التي كانت لاعبة لكرة اليد.

“كيليان مبابي” ابن لأب ينحدر من أصول كاميرونية، وأم ذات أصول جزائرية

دخل “كيليان مبابي” عالم كرة القدم عبر نادي “بوندي” المحلي الذي كان والده يعمل مدربا رياضيا فيه، ومنذ بلوغه 6 سنين فاجأ الجميع بقدراته ومواهبه الاستثنائية، وهو ما أهله للانتقال إلى “أكاديمية كليرفونتين” المرموقة، مما فتح أعين أكبر أندية كرة القدم الأوروبية عليه، ليستقر به الأمر في نادي “موناكو” الفرنسي متم العام 2015.

وبعد تحقيقه إنجازات استثنائية بالنظر إلى سنه الصغير (من مواليد 1998)، انتقل “مبابي” إلى نادي “باريس سان جيرمان” العريق قبل نهاية العام 2017، وهناك فرض نفسه بسرعة وأصبح أحد أكثر اللاعبين موهبة وقوة في البطولة الفرنسية.

صنّفته مجلة “فوربس” أكثر لاعبي كرة القدم مداخيل مالية خلال العام 2022، بما مجموعه 128 مليون دولار، إذ يحصل على أكثر من 110 ملايين دولار راتبا من ناديه الفرنسي “باريس سان جيرمان”، كما ينال قرابة 18 مليون دولار من العائدات المالية التجارية.

“نيمار دا سيلفا”.. موهبة تغير حياة العائلة البدائية في الجنوب

يحتل نجم المنتخب البرازيلي وقائده خلال أطوار كأس العالم قطر 2022 “نيمار دا سيلفا” الرتبة الرابعة بين نجوم كرة القدم الممارسين خلال فترة المونديال، من حيث المداخيل المالية في السنة الحالية، مباشرة خلف كل الفرنسي “كيليان مبابي” والبرتغالي “كريستيانو رونالدو” والأرجنتيني “ليونيل ميسي”.

وتقدّر مجلة فوربس الأمريكية المتخصصة مجموع مداخيل نيمار المالية خلال العام 2022، بحوالي 87 مليون دولار، أغلبها عبارة عن راتب يحصل عليه من نادي “باريس سان جيرمان” الفرنسي، والباقي (حوالي 25 مليونا) عبارة عن أرباح مالية من أنشطته التجارية.[5]

“نيمار دا سيلفا” قائد المنتخب البرازيلي في كأس العالم قطر 2022

في مدينة صغيرة جنوب البرازيل أبصر “نيمار جونيور” النور أول مرة، في منطقة لا تبعد كثيرا عن مكب للنفايات، وكان والده أيضا لاعبا لكرة القدم، وكانت الأسرة تعيش ظروفا شبه بدائية دون الكهرباء وأبسط التجهيزات المنزلية، إلى أن خطا “نيمار” الصغير خطوته الأولى في عالم المستديرة وهو في عامه الثاني عشر، حين باتت الأندية الكروية تبدي اهتماما متزايدا بموهبته الاستثنائية.

كان أول عقود “نيمار” الكبرى مع فريق “سانتوس” البرازيلي، وهناك فجّر طاقته الرياضية وسحر كبار الخبراء المختصين في اقتناص المواهب الشابة، وقد كان بروزه الكبير الأول في مباراة ضد فريق “أويستي” برسم بطولة ولاية ساو باولو عام 2009، ولم يزل يتطوّر أداؤه إلى أن بات قائدا للمنتخب البرازيلي في مونديال قطر 2022.

محمد صلاح.. عائلة متواضعة تنجب أغلى لاعب عربي وأفريقي

لم يكن أحد يعتقد أن محمد صلاح حامد محروس غالي (الاسم الكامل لمحمد صلاح)، المولود في قرية نجريج الصغيرة التابعة لمدينة بسيون في محافظة الغربية بجمهورية مصر العربية، والذي اضطره الوضع الاجتماعي المتواضع إلى ولوج معهد اللاسلكي بدل الجامعات المرموقة؛ سيصبح بعد سنوات قليلة من اكتمال نموه الجسماني من بين أعلى الناس دخلا في العالم، وأكثرهم تحقيقا للعائدات المالية.

يحل النجم المصري محمد صلاح خامسا في ترتيب نجوم اللعبة الممارسين حاليا (حتى نهاية سنة 2022) من حيث المداخيل المالية السنوية، فقد أحصت مجلة “فوربس” الأمريكية ما يناهز 53 مليون دولار من العائدات خلال العام 2022، ثلثاها تقريبا مصدره الراتب الذي يحصل عليه محمد صلاح من ناديه “ليفربول”، والباقي من عائدات أنشطته التجارية الأخرى. وهو يعتبر أعلى اللاعبين أجرا في البطولة الإنجليزية لكرة القدم.

المصري محمد صلاح خامس أغنى لاعب كرة قدم في العالم

بدأ محمد صلاح مسيرته الرياضية في صفوف فريق “المقاولون العرب”، فئة الناشئين، وهناك أثار انتباه القائمين على النادي، فضُم إلى الفريق الأول بشكل مبكر، وما إن سطع نجمه في الميادين المصرية، حتى لجأ نادي “بازل” السويسري إلى خدماته، وهو أول عقد احترافي له في أوروبا.

وقد حقق محمد صلاح مع النادي لقب كأس السوبر السويسري، ثم توّج بلقب أفضل لاعب في دوري السوبر السويسري في السنة الموالية، ليلتحق إثر ذلك بنادي “تشيلسي” الإنجليزي ويحقق معه لقب الدوري الإنجليزي الممتاز وكأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة.

ورغم أن صلاح لم يبرز بقوة في صفوف فريق “تشيلسي”، فإن إعارته لناديي “فيورنتينا” و”روما” الإيطاليين، منحته فرصة لإبراز مواهبه بشكل لافت، إذ سجل ما مجموعه 34 هدفا، ليقرر نادي “روما” الإيطالي التعاقد معه رسميا بدل الاكتفاء باستعارته، وكان ذلك مقابل 15 مليون يورو، ولم يكن ذلك في الحقيقة إلا قفزة صغيرة في مسار صلاح، إذ سرعان ما سينتقل إلى نادي “ليفربول” الإنجليزي مقابل 42 مليون يورو و8 ملايين إضافية كحوافز، وهو ما جعله أغلى لاعب عربي وأفريقي على الإطلاق.

“ساديو ماني”.. من أزقة الحي الفقير إلى سيد الأندية الإنجليزية

كما هو الحال مع جل لاعبي ونجوم لعبة كرة القدم، ولد النجم السنغالي “ساديو ماني” في كنف أسرة سينغالية شديدة الفقر، لم تتمكن حتى من توفير تكاليف تعليمه، وكانت لعبةُ كرة القدم في شوارع وأزقة الحي مع الأقران خبزَه اليومي، فقد أبدى مهارة وتفوقا كبيرين.

كما يحصل مع جل المواهب الأفريقية في مجال كرة القدم، أتى الخلاص إلى “ساديو ماني” على يد فرنسي متخصص في اكتشاف المواهب، وقد وقعت عليه العين الخبيرة وهو في عامه الخامس عشر، فانتقل فورا إلى فرنسا، حيث التحق بصفوف نادي “ميتز”.

السنغالي “ساديو ماني”، يفضل العودة إلى مسقط راسه لسماعدة الفقراء

أبهر “ساديو ماني” متابعي الساحرة المستديرة، وسرعان ما حملته موهبته هذه إلى الديار البريطانية، حيث لعب في صفوف أندية مثل “آنفيلد” و”ساوثهامبتون” و”ليفربول”، وقد دفع “ليفربول” 34 مليون جنيه إسترليني عام 2016 مقابل الاستفادة من خدماته، وبعد ستة مواسم مذهلة مع ليفربول حقق خلالها لقب الدوري المحلي ودوري أبطال أوروبا، انتقل المهاجم الدولي السنغالي إلى بايرن ميونيخ بطل ألمانيا بعقد لمدة ثلاث سنوات مقابل أكثر من 42 مليون دولار.[6]

بعد بلوغه ذروة هرم النجومية والثروة بفضل كرة القدم، اشتهر “ساديو ماني” بحرصه الشديد على العودة إلى مسقط رأسه لمساعدة مواطنيه وأقاربه، مع اتخاذه مواقف تميل إلى الإنسانية والتضامن والتآزر. يقول عن نفسه: لقد جعت وعملت في الحقول ولعبت حافي القدمين، ولم أذهب إلى المدرسة، الآن يمكنني مساعدة الناس، أفضل بناء مدارس وإعطاء الفقراء الطعام أو الملابس.[7]

“لوكا مودريتش”.. كفاح نجم نشأ بين الحرب والهشاشة البدنية

يعتبر “لوكا مودريتش” -قائد المنتخب الكرواتي في مونديال قطر 2022- أحد أبرز لاعبي كرة القدم في فترة المونديال، ويعتبره الكثيرون أفضل لاعب وسط ميدان من أبناء جيله، ورغم تقدمه في السن (من مواليد 1985)، فإنه قد تألق وهو في الثلاثينيات من عمره، إذ حصل على الكرة الذهبية التي تمنح لأفضل لاعب في العالم سنة 2018، كما توّج كأفضل لاعب لكرة القدم في أوروبا في السنة نفسها، وقاد منتخب بلاده في مونديال روسيا 2018 إلى موقع الوصيف، بعد وصوله إلى المباراة النهائية وهزيمته أمام فرنسا.

“لوكا مودريتش” قائد المنتخب الكرواتي في مونديال قطر 2022

ولد “مودريتش” في مدينة زادار، والتحق بصفوف نادي “دينامو زغرب” عام 2002، بعد أن برزت موهبته مع فريق الشباب لنادي مسقط رأسه، ليبدأ رحلة صعوده التي بصمها عام 2007 بحصوله على جائزة أفضل لاعب في الدوري الكرواتي، وقد انتقل في السنة الموالية إلى فريق “توتنهام هوتسبير” الإنجليزي مقابل أكثر من 18 مليون دولار، ليقود الفريق نحو استعادة أمجاده القديمة ببلوغه دور ربع نهاية دوري أبطال أوروبا سنة 2010.[8]

لكن طفولة “مودريتش” ونشأته الأولى لم تكن يسيرة، فقد ولد خلال فترة الحرب التي عاشتها منطقة البلقان، وكانت كرواتيا واحدة من ساحاتها، كما صادفت طفولته وضعية مالية صعبة لوالديه، مما جعل جده يتولى إعالته في سنوات عمره الأولى، وكان “لوكا” يساهم في رعي الماعز والقيام ببعض الأعمال الزراعية. ولم تسلم حياته من مآسي الحرب التي كانت بلاده تعيشها، فقد قتل جده واحترق بيت الأسرة، مما اضطرها إلى النزوح.[9]

وعلى غرار “ميسي”، عانى “مودريتش” في طفولته من بنيته الجسمانية النحيفة وقصر قامته، وهو ما حفّزه أكثر على تطوير مهاراته وموهبته الكروية، ولا يستبعد المختصون أن تكون الرياضة قد ساعدته على تحسين بنيته الجسمانية، مثلما ساعدته على جمع ثروة تقدّر بملايين الدولارات.

“بيليه” و”مارادونا”.. أيام قاسية في طفولة أعظم الأساطير

لا يقتصر الصعود الاجتماعي من قعر الفقر إلى قمة الثراء على نجوم لعبة كرة القدم الممارسين في السنوات الحديثة، بل يشمل جل النجوم الأوائل للعبة، ومنهم لاعب القرن العشرين بامتياز البرازيلي “بيليه”، فقد عاش طفولة قاسية عنوانها الفقر والحاجة، واضطره الوضع الاجتماعي للعمل في بعض المقاهي والمطاعم، ولم يجد أفضل من الكرات المحشوة بالجوارب والأكياس في بدايات اكتشاف موهبته الكروية.

لكن الأسطورة الأرجنتيني الراحل “دييغو مارادونا”، يقدم نموذجا أكثر وضوحا لهذا الارتقاء الاجتماعي، فقد ولد في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1961 وعاش طفولة صعبة بسبب فقر أسرته التي كانت تقيم في حي فيلا فيوريتو الفقير، وكان ينام في غرفة واحدة برفقة سبعة من إخوته، بل واجه الطفل “دييغو” رفقة إخوته لحظات الجوع التي كان الأب يعجز فيها عن توفير الطعام، ولم يكن الاحتفال بعيد الميلاد بالنسبة إليه يعني أكثر من قبلة وتهنئة من جانب الأقارب، لا أكثر.

شكلت موهبته في لعبة كرة القدم سبيله نحو الانفلات من شراك الفقر رفقة أسرته، إذ لم يتلق تعليما ولا أتقن حرفة، وبفضل موهبته الخارقة في المراوغة والتسديد، انطلق نحو تحقيق المعجزات بتوقيعه أول عقد في عامه الـ15، ليتوج مساره الرياضي بالتتويج مع المنتخب الأرجنتيني بكأس العالم سنة 1986. هذا التتويج العالمي فتح أبواب الثراء أمام “مارادونا”، فقد وقع عقد انتقال قياسيا وقتها لحساب نادي برشلونة الإسباني، بقيمة أكثر من خمسة ملايين دولار.

بديل الطموحات والأحلام.. مهرب العاجزين عن الدراسة

لاحظت الدراسات المتخصصة أن الناشئين المنخرطين في أندية رياضية لكرة القدم، يُبدون سلوكا شبيها بتلاميذ المدارس، إذ يلتحقون بحصص التداريب في الوقت المحدد، إن لم يكن قبله، ويبدون كثيرا من التركيز والحرص على التعلم وتنفيذ ما يتلقونه من دروس، علما أن أسر بعض هؤلاء الناشئين تشكو انحرافهم أو شغبهم في جوانب حياتهم الاجتماعية الأخرى.

ورغم قلق الآباء من أن يكون الانشغال بكرة القدم على حساب المسار الدراسي لأبنائهم، فإن الدراسات أبانت عن وجود اهتمام وانخراط متزايدين من جانب الأسر على الاستثمار في المسار الرياضي لأبنائهم، موازاة أو بدلا من المسار الدراسي.

كما سجّلت دراسات اجتماعية متخصصة راقبت علاقة الناشئين الصغار بهذه اللعبة، أن الأمر يتعلق بمسار مهني مُغر وملهم، وليس بمجرد لعبة. وتلاحظ هذه الدراسات أن جلّ الناشئين المقبلين على لعب كرة القدم بشكل منتظم داخل أندية متخصصة، هم ممن فشلوا في مواصلة مسارهم الدراسي أو يتابعون تعليمهم في شُعب لا تفتح آفاقا كبيرة على المستقبل، أي أن الكرة هي بديل لطموحاتهم وأحلامهم المستقبلية المرتبطة بفرص الشغل والعائدات المالية التي سيحصلون عليها.[10]

إثبات الوجود.. لهذا ينجح الفقراء في كرة القدم

يفسر أستاذ التدريب الرياضي والمحاضر الدولي في كرة القدم الدكتور جمال إسماعيل في حديث سابق مع الجزيرة نت، ظاهرة ندرة الأغنياء في عالم كرة القدم، حيث إن كل النجوم تقريبا هم ممن نشأوا فقراء أو في مستوى معيشي متوسط، ويقول إن أي أداء -وخاصة في كرة القدم- يتعلق بالدوافع، لأنها محركات السلوك، ويقول: نظرا لصعوبة أن يشق اللاعب طريقه في اللعبة الشعبية الأولى في العالم، يعزف الأغنياء عنها أو لا يكملون المسار حتى النهاية.[11]

ويُحسم أمر الناشئين المقبلين على احتراف رياضة كرة القدم في عمر مبكر، يحدده المختصون في عتبة 13 عاما، حيث يصبح الانتقاء أصعب والحظوظ أقل، وتؤهل المواهب الصاعدة لخوض مرحلة التكوين التي تبدأ في سن 16 عاما، وهي المرحلة الحاسمة في مسار جل لاعبي الحقبة المعاصرة، وفيها يحسم مصير اللاعب الناشئ، من خلال حصوله على عقد مع ناد مرموق أو عدمه.[12]

ويعتبر الدكتور جمال إسماعيل أن الدافع عند اللاعبين الفقراء يكون أكبر للتفوق، لأنها طريق الثراء والنجومية، خاصة عندما يرى تشجيعا من أهله ومحيطه، مشيرا إلى أن الدافع ينمو ويكبر مع اللاعب بشكل مضطرد، وأن أكثر الدوافع المستدامة إثبات الوجود وتحقيق الذات. ويؤكد بناء على تجربته الشخصية مدربا لكرة القدم، أن 99% من الذين يستمرون في اللعبة هم اللاعبون الذين نشأوا في أوساط فقيرة نسبيا، مدللا على كلامه بالبرازيل التي ينحدر معظم نجومها من الوسط الفقير أو من أسر معدومة أحيانا.[13]

ولا تتوقف ثروة نجوم كرة القدم عن النمو باعتزالهم اللعب في الملاعب، بل إن كثيرا منهم يواصلون حصد المداخيل المالية بفضل رصيد نجوميتهم في هذه اللعبة، من خلال أنشطة الدعاية والتسويق.

 

المصادر

[1] https://www.aljazeera.net/sport/football/2022/3/18/%D9%81%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D8%A8%D9%84%D9%82%D9%8A%D9%87-%D8%A3%D8%BA%D9%86%D9%89-%D9%84%D8%A7%D8%B9%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D9%8A%D8%B9%D8%B1%D9%81

[2] https://www.pausefoot.com/avant-detre-millionnaires-ils-ont-grandi-dans-la-pauvrete/

[3] https://www.scmp.com/magazines/style/celebrity/article/3150292/how-cristiano-ronaldo-became-footballs-first-billionaire

[4] https://www.sasapost.com/football-players-who-were-poor/

[5] https://www.bbc.com/pidgin/articles/c06xjrx2340o

[6] https://www.dw.com/ar/%D8%A8%D8%A7%D9%8A%D8%B1%D9%86-%D9%85%D9%8A%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%AE-%D9%8A%D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%82%D8%AF-%D8%B1%D8%B3%D9%85%D9%8A%D8%A7-%D9%85%D8%B9-%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%87-%D8%A8%D8%B9%D9%82%D8%AF-%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB-%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AA/a-62221400

[7] https://sportmob.com/ar/article/865920-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%82%D8%B1-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%A3%D9%81%D8%B6%D9%84-%D9%84%D8%A7%D8%B9%D8%A8%D9%8A-%D9%83%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D8%AF%D8%A3%D9%88%D8%A7-%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D8%AA%D9%87%D9%85-%D8%A8%D9%84%D8%A7-%D8%B4%D9%8A%D8%A1

[8] https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%84%D9%88%D9%83%D8%A7_%D9%85%D9%88%D8%AF%D8%B1%D9%8A%D8%AA%D8%B4

[9] https://sportmob.com/ar/article/865920-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%82%D8%B1-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%A3%D9%81%D8%B6%D9%84-%D9%84%D8%A7%D8%B9%D8%A8%D9%8A-%D9%83%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D8%AF%D8%A3%D9%88%D8%A7-%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D8%AA%D9%87%D9%85-%D8%A8%D9%84%D8%A7-%D8%B4%D9%8A%D8%A1

[10] https://www.vice.com/fr/article/kz7adz/il-existe-un-mythe-selon-lequel-on-peut-changer-de-destinee-grace-au-foot

[11] https://www.aljazeera.net/sport/football/2020/1/9/%D8%A3%D8%BA%D9%86%D9%8A%D8%A7%D8%A1-%D9%82%D8%A8%D9%84-%D9%85%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%B3%D8%A9-%D9%83%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D9%85

[12] https://www.vice.com/fr/article/kz7adz/il-existe-un-mythe-selon-lequel-on-peut-changer-de-destinee-grace-au-foot

[13] https://www.aljazeera.net/sport/football/2020/1/9/%D8%A3%D8%BA%D9%86%D9%8A%D8%A7%D8%A1-%D9%82%D8%A8%D9%84-%D9%85%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%B3%D8%A9-%D9%83%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D9%85