الهنود في الجيش البريطاني.. وقود حرب عظمى ليست حربهم

منذ الحرب العالمية الأولى، شكل الجنود الهنود ثلث الجيش البريطاني المرابط في خطوط المواجهة، لكن هؤلاء لم ينصفهم التاريخ البريطاني وقضوا في أدراج النسيان حتى في بلادهم الهند، فلا يعلم معظم الناس مقدار إسهاماتهم في الدفاع عن بريطانيا العظمى. والسؤال الملح هو، ماذا لو لم يكن هؤلاء الجنود هناك؟

لم يشكل الجيش البريطاني إلا نسبة ضئيلة في الإمبراطورية البريطانية الممتدة، بمن فيهم الجنود الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى، والذين قاتلوا تحت لوائها في أوروبا وفلسطين وبلاد الرافدين وشرقي أفريقيا والصين.

وفي سلسلة “آسيا في الحرب العظمى” التي بثتها قناة الجزيرة الوثائقية وتتكون من جزأين، تتناول إحدى حلقاتها إسهامات الجنود الهنود في الحرب العالمية الأولى إلى جانب الحلفاء ضد الجيش الألماني، وكيف أن الجهود التي بذلها ما يزيد عن 1.3 مليون جندي هندي لم تجد في نهاية المطاف إلا قليلا جدا من التقدير.

كما أن دماء أكثر من 75 ألفا من هؤلاء الجنود أريقت خلال هذه الحرب بالإضافة إلى مثلهم من الجرحى، ولم تزحزح بريطانيا العظمى عن موقفها بإعطاء الهند حق السيادة، بل عوض ذلك، منح الهنود حقوقا بسيطة جدا لا تتناسب مع حجم هذه التضحيات الهائلة.

رغم النسيان.. جهود لإحياء الذكرى

عندما يسافر المرء بين ميادين القتال شمال فرنسا وبلجيكا سيجد نُصبا تذكارية لجنود من نيوزيلندا وأستراليا والولايات المتحدة، لكنه لن يجد أي شيء يدل على إسهامات الجنود الهنود.

من أجل ذلك، وضع مجموعة من الفنانين خططا لإحياء ذكرى هؤلاء الجنود. يقول الفنان رانا تشينا “إذا لم نبذل جهدا لإبراز تلك المشاركة، فلن يعلم العالم بها، لذلك قررنا وضع نصب تذكاري في فرنسا لإحياء ذكرى الجنود الذين لقوا حتفهم في فرنسا وفلاندرز”.

يُظهر مخطط الفنان للنصب التذكاري الركيزة التي سيوضع عليها في موقع قتال الخيالة الهنود في معركة كامبريه عام 1917، وذلك من أجل تعريف الفرنسيين والأوروبيين بدور الجنود الهنود الذين قاتلوا وقضوا أيضا من أجل حريتهم قبل مئة عام.

يشير الفنان تشينا إلى أن الزي الذي وضع على النصب يعود لجده من جهة أمه ساردار بلاكا سينغ، الذي شارك في الحرب العالمية الأولى، وقد التحق حينها بفرقة رماة الرماح “هاريانا السابعة” عام 1900، وفقد بصره مع تقدمه بالعمر، لقد كان يستطيع التحدث باللغة السواحلية لأنه خدم في شرق أفريقيا.

ومن الذكريات التي كان يرويها الجد، كيف كان الجنود ينامون في عربات سكة الحديد، وحدث مرة أن اقتحم أسد العربة وانقض على أحد الرفاق والتهمه.

جمع الفنان تشينا كثيرا من الروايات حين التحق بالأكاديمية الحربية، وسمع من الرجال الذين ذهبوا للحرب العالمية الأولى، وكيف شاركوا في الحرب على ظهور الخيول، وحاربوا بالرماح والسيوف.

قتال مع التاج البريطاني مقابل الاستقلال

كان لبريطانيا جيش صغير في ذلك الوقت محمي بواسطة سلاح البحرية، وتطلع البريطانيون لكسب دعم دول الإمبراطورية، وكانت الهند واحدة من المستعمرات، وكان ساستها يطالبون بالسيادة كما هو الحال في أستراليا ونيوزلندا وجنوب أفريقيا.

لم يكن الساسة الهنود يتطلعون إلى الاستقلال في تلك المرحلة، بل صار الاتفاق الرئيسي في بداية الحرب العالمية الأولى أن البريطانيين سينظرون بشكل إيجابي لطلب الهند في السيادة، لذلك قدم قادة الهند الدعم لبريطانيا ومنهم ألمهاتما غاندي، وكانت حجتهم في ذلك أنهم يريدون أن يثبتوا أنهم يستحقون الحكم الذاتي.

شاركت الهند في الحرب العالمية الأولى أملا منها أن تنال بعض حقوقها من بريطانيا

كان عدد الجنود الهنود كبيرا جدا، كما كانت تضحياتهم كذلك رغم عدم الاهتمام بهم. يقول عالم الأيدولوجيات العنصرية والإمبريالية سانتانو داس “لقد أراد الهنود استخدام الجهد الحربي ليس لهدف قومي محدد، بل لاستخدامه ضد هدف أكثر جوهرية وهو التمييز العنصري وللدفاع عن شرفهم الوطني والقومي”، لذا قال غاندي إن “الطريق إلى الحكم الذاتي يكمن في حقول فرنسا وفلاندرز، لكن الأهم أن الجهد الحربي سيمنح الهنود الشعور بالشرف والقدرة العسكرية”.

دأب البريطانيون منذ العقد الثالث من القرن التاسع عشر على إرسال قوات هندية لجميع معاركهم، وفي الحرب العالمية الأولى كانت قد تشكلت لديهم خبرة في جمع الهنود وإرسالهم للحروب.

كانوا الجنود يرسَلون من الهند البريطانية والولايات الأميرية مع الزي العسكري والحيوانات لنقل المعدات والطعام والتموين وعربات النقل، ووصل الأمر في بعض الأحيان أن يعملوا على نزع السكك الحديدية من الأرض الهندية وإرسالها لإعانة المجهود الحربي البريطاني في بلاد الرافدين.

في أوروبا.. مذكرات جندي هندي

ذهب رانا تشينا إلى لندن للقاء حفيد خيّال هندي اسمه سردار هارنام سينغ، وتواصل مع عائلته لأنهم وجدوا مذكراته الأصلية التي كتبت قبل مئة عام باللغة البنجابية.

قام بترجمتها لتستفيد منها الأجيال القادمة في الهند، وهي أول سردية لجندي هندي يتحدث عن الحرب، يقول فيها “أثناء الحرب العالمية الأولى أو حرب الألمان كنت في البنجاب في إجازة لمدة شهرين، وعندما اندلعت الحرب في أوروبا قرر البريطانيون مساعدة فرنسا فطُلب من جميع الجنود في الجيش البريطاني الهندي العودة إلى كتائبهم فورا، وقد استغرق وصولنا إلى بومبي ثلاثة أيام حيث تم تجهيز السفن لمغادرتنا، ورغم الأمواج العاتية التي واجهتنا وصلنا إلى ميناء مرسيليا الفرنسي الشهير بعد 22 يوما”.

تتابع المذكرات “وصل الجنود إلى أوروبا بزيهم العسكري الصيفي، لم يتوقعوا أن يذهبوا إلى هناك، وعندما وصلوا وزعت عليهم بنادق جديدة لم يسبق لهم حملها أو التدرب عليها فاضطروا لقضاء عدة أيام أخرى للتدريب، كانوا بوضع غير مناسب مع المعدات، لكنهم ارتقوا إلى مستوى التحدي”.

مذكرات خيال هندي في الجيش البريطاني اسمه سردار هارنام سينغ

كان الجو باردا في المخيمات “ولأننا أتينا من بلاد دافئة شعرنا بالبرد بشكل أكثر حدة، لم يكن لدينا وقت وصولنا سوى الزي الصيفي الكاكي الخاص بنا، يسقط الثلج كل صباح كالقطن الناعم محولا الخيام والأرض كاملة للون الأبيض، كل شعوب أوروبا بيض ربما لأنهم صلوا وكفّروا عن ذنوبهم، لم يروا من قبل رجالا ببشرة داكنة من بلاد كبلادنا، كانوا ينظرون إلينا بكثير من الحنان والاحترام، كما صافحت سيدات رقيقات نبيلات الجنود الهنود بمحبة كبيرة”.

يقول سانتانو داس “يُنظر إلى الحرب على أنها صدام حضارات، لكنها أيضا نقطة تحول في تاريخ المواجهات الثقافية”، وهناك رسالة مؤثرة، يقول أحد الجنود الهنود اليافعين “إنه كان يسكن مع سيدة متقدمة في السن ذهب ثلاثة من أبنائها إلى الحرب، كانت تأتي وتجلب له الفطور وتلمع حذاءه وترتب سريره، وعندما غادر بكت هذه السيدة من أجله ووضعت بيده ورقة من فئة الخمسة فرنكات”.

يشير الكثير من الجنود للسيدات المتقدمات في السن بوصفهن أمهاتهم الفرنسيات، أقام العديد من الجنود في المزارع المحلية وعاشوا مع السكان، ووصفها بعض المتحدثين في الفيلم على أنها أول هجرة جماعية للجنود الآسيويين إلى أوروبا.

كان هناك احترام متبادل ونشأت بعض علاقات الحب، وولد أطفال من أمهات فرنسيات وآباء هنود، وهذا مهم للهنود لأن القاعدة العامة في الهند كانت تقول إنهم محكومون من قبل أسياد من البيض، بينما في أوروبا عاملهم الفرنسيون والبلجيكيون على قدم المساواة.

رغم النسيان.. مقتنيات بقيت على مر الزمان

كان البريطانيون يتعاملون مع فئات محددة من الهنود لتجنيدهم، وكان معظمهم من البنجاب التي عرفت على أنها منطقة التجنيد الرئيسية، أغلب الجنود الهنود الذين خدموا في الحرب العالمية الأولى من البنجاب، واعتبرهم البريطانيون جنودا جيدين.

كان الجندي هارنام سينغ صاحب المذكرات منهم، وقد احتفظت عائلته بمقتنياته بشكل جيد في صندوق خشبي، فقد حصل على ميدالية النصر في الحرب العالمية الأولى، وكذلك ميدالية الخدمة العامة الهندية مع شريط أفغانستان للحرب الأفغانية الثالثة عام 1919، بالإضافة لسيف فرسان نموذجي يحمل شيفرة الملكية لجورج الخامس يعلوه تاج، وكذلك منظار يعود لنهاية القرن التاسع عشر فرنسي الصنع مكتوب عليه اسم صانعه وهو بوتي باغيه.

كان معظم الجنود الهنود من البنجاب التي عرفت على أنها منطقة التجنيد الرئيسية

من الغرابة أن هذه المقتنيات كانت محفوظة بشكل جيد، ففي الغالب كانت هذه الأغراض تضيع في القرى الهندية، فالسكان عندما يجدون ثيابا قديمة يستخدمونها كلباس في الحقول.

كان وصول الجنود الهنود إلى فرنسا وبلجيكا مهما، وتم في الوقت المناسب لأن القوة العسكرية البريطانية كانت عبارة عن جيش محترف صغير، وخلال الأسابيع الأولى من الحرب كان هذا الجيش قد أبيد، ولم يكن لديهم جيش كبير كالجيش الألماني أو الفرنسي وكانت القوات الاحتياطية لديهم من الهنود وتم استخدامهم على هذا النحو.

ضحى الهنود بمعركة إيبر ونيوشافيل تضحية عظيمة، يقول ساشي ثاور –أحد المتحدثين في الفيلم- “كانت جميع رسائل الجنود خاضعة للمراقبة، لقد كانت محزنة للغاية، كانوا لا يعلمون ولا يتوقعون ما يحدث، ولم يكونوا متآلفين بشكل كامل مع ما يحيط بهم، ومما كتبوه في هذه الرسائل: تنهمر القذائف كالأمطار الموسمية. هذا ما خطر لهم وهذا ما شاهدوه”.

معركة إيبر.. جهود شاقة لوقف تقدم الألمان

من مذكرات هارنام أنه في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1914، أُمر الجنود الهنود بالتقدم إلى الجبهة، “كنا نتقدم سيرا على الأقدام في الليل وكان السير سادسينغ أول من أصيب من كتيبتي برصاص العدو، لقي الرفيق المسكين حتفه على الفور، لم يكن أمامنا خيار سوى سحب جثته على جانب الطريق ومواصلة السير، توقفنا بعد فترة طويلة في سلسلة من الخنادق كالثعابين، تم إخبارنا همسا أن العدو أمامنا مباشرة”.

وفي 18 ديسمبر/كانون الأول “بدأت معركة جيفنشي، وكنا في الخنادق، وكتيبة المشاة البلوش 129، ومن يسارنا شنوا الهجوم الأول، وكان أحد رجال الكتيبة مستلقيا ومصابا بجروح خطيرة وكان ينادي على رفاقه لإنقاذه، قفز أحد البلوشيين من الخندق مخاطرا بحياته وأسرع نحو الرجل المصاب، رفعه على كتفيه وعاد راكضا، صرخ الرجل المصاب: احذر إنني أحتضر، لكن ذلك الشجاع تمكن من إعادته إلى خنادقنا وأنقذه من موت محقق، وخلال أسبوعين إلى ثلاثة وصلنا إلى أرض معركة إيبر”.

معركة إيبر معركة الخنادق الحاسمة لمنع تقدم الألمان الذين كانوا يهاجمون بأعداد كبيرة

تتابع تلك المذكرات التي قدمت وصفا دقيقا لما حدث، “كانت الخنادق بعمق أربعة أقدام تقريبا غُمرت بمياه الأمطار التي كانت تنهمر من الأعلى بينما ينهمر الرصاص علينا من الأمام دون توقف، فإن وقفنا واجهنا الرصاص وإن جلسنا غمرتنا مياه شديدة البرودة، كانت أجسادنا مخدرة لدرجة أن النار أطلقت على خنصر باغشيش سينغ ولكنه لم يلاحظ ذلك، لأن يديه كانتا متجمدتين، كما تورمت قدماي وكنت أتحرك بالكاد، كانت الأيام تمر، ويمتاز الليل بأنين الرجال الذي لا ينقطع طوال الليل”.

كانت معركة إيبر حاسمة لمنع تقدم الألمان الذين كانوا يهاجمون بأعداد كبيرة، بينما كانت أعداد الجيش البريطاني قليلة، أوقفت تلك الاشتبكات تقدم الألمان ومنحت البريطانيين والفرنسيين الوقت لإعادة تنظيم قواتهم وتجنيد قوات إضافية، أدى ذلك لبقاء حرب الخنادق.

كانت مهمة الجنود الهنود شاقة وصعبة، يقول دومينيك -أحد المتحدثين في الفيلم- بالنظر إلى حرب إيبر الأولى استحوذت القوات الهندية على الثلث في الصفوف الأمامية للجيش البريطاني، والسؤال المشروع: لو لم يكن الجنود الهنود هناك ما الذي كان سيحدث؟

كانت الحرب العالمية الأولى حرب مناورات في بدايتها، الألمان من جهة والحلفاء من الجهة الأخرى، وفي أيلول/سبتمبر عام 1914 حدثت سلسلة اشتباكات انتهت بحرب الخنادق، وكانت تلك آخر ثغرة لم يتم سدها، لذا كان القتال قويا في معركة إيبر الأولى ليس فقط بسبب وقوعها في قناة الموانئ، وإنما لأن الحرب توقفت هناك.

إيبر.. مقبرة جماعية للجنود الهنود

كان الوجود في إيبر مهلكة ولم يكن هناك أي مجال للتخلي عنها، وخلال أربع سنوات تم تدميرها بالكامل. يقول دومينيك: إذا ذهبت للمدينة كل ما ستراه لا يتجاوز عمره مئة عام، لم يعد حَجَران فوق بعضهما، فقد تم تدميرها تماما وإخلاء السكان في الوقت الذي وصل فيه الجنود الهنود إلى هناك.

في تلك المدينة يوجد مقبرة جماعية للجنود الهنود، لكن لا يُعرف إن كانوا أحرقوا ودفنوا. يقول رانا تشينا “كانت الجبهة الألمانية على التقاطع وجاء الجنود من نقطة انطلاقهم وساروا على التلة ومن ثم اختفوا عن الأنظار، وواجهوا المواقع الألمانية التي شكلت الخط الجديد، من ثم فتح الألمان في وجوههم أسطوانات الغاز الخاصة بهم فتم محاصرة الجنود الهنود بين نيران مدافع الرشاشات القاتلة والغازات السامة”.

مدينة إيبر.. أطلال بعد عين .. آخر معاقل الحرب العالمية

يقول دومينيك “هذه من الأمثلة على استخدام قوات المستعمرات كوقود للمدافع، وواحد من تفسيرات العديد من المآسي للحرب العالمية الأولى والصراع بين عقليات جنرالات القرن التاسع عشر وحقائق الحرب الحديثة، كان الجنرالات يعتمدون على الخيالة، أولا يقوم المشاة بعمل فجوة من ثم يتمكن الخيالة من الاختراق”.

يوجد في المتحف في نيوشابيل (Newchapel) مقتنيات خاصة بالجنود الهنود، ووُجدت تحديدا في المجموعات الأثرية الخاصة وليست العامة، وذلك وفقا لتدوين التاريخ الرسمي، فقد كان الاهتمام قليلا جدا بقوات المستعمرات في المتاحف لفترة طويلة. يقول دومينيك “لو سمعت وصفا للجنود الهنود من السكان المحليين فسيقولون كانوا يرتدون كالإنجليز باستثناء القبعة كانت التي عبارة عن قطعة قماش ملونة ولم يعرفوا كلمة عمامة”.

نصب تذكاري.. قليل من الوفاء

خدم الهنود عبر الجبهة الغربية ولعبوا دورا أساسيا في معركة كامبريه عام 1917 التي شهدت قتالا عنيفا تكبد فيها الجنود خسائر فادحة، وتم منح أحد الجنود صليب فكتوريا وهو أرفع وسام للشجاعة يمكن أن يحصل عليه جندي هندي في ذلك الوقت.

غادر الخيالة الهنود المنطقة، وذهب بعضهم لمصنع البنجر وتوجه آخرون إلى الوادي بالقرب من كلداريبوست، وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1917 جاء الخيالة الهنود من الجنوب وعبروا القرية، لكنهم في اليوم الثاني تكبدوا خسائر فادحة.

يقول رانا تشينا “في هذا المكان الذي قتلوا فيه سيبنى النصب الرئيسي، ويتضمن الشعار الوطني الهندي: لا تزال آثار الجنود مرئية في هذا المكان، ولا يزال أهل القرية يتذكرون قصصهم”.

يوجد في متحف نيوشابيل وتحديدا في المجموعات الأثرية الخاصة مقتنيات خاصة بالجنود الهنود

وهنا يقول أنافينسن بريفوست “عندما وصلتُ مزرعة فوسلنت التي مر بها الجنود الهنود وبدأت العمل في الحقول، وجدت الكثير من الرصاص والقذائف ومواد مختلفة من مخلفات الحرب، وفسر لنا أجدادنا ما حصل هنا، كان كارثة حقيقية، كان عليهم الجلاء وعندما عادوا كانت القرية بما فيها المزرعة مدمرة بالكامل”.

النصب التذكاري في نيوشابيل هو النصب الوحيد والحصري للجنود الهنود الذين قضوا وليست لديهم قبور معروفة، لقد صمدوا في معركة إيبر الأولى إلى أن احتل الألمان موقعهم وحاربوا حتى النهاية.

كان من بينهم جمدار كابور سينغ من كتيبة مشاة البنجاب الرابعة، كان آخر الرجال المتبقين، وقد أطلق الرصاص على نفسه واختار الموت على الخزي والعار، إنه يرمز لمأساة حرب لم تكن حربهم، وقطعوا آلاف الأميال من أجلها وقضوا وهم يؤدون واجبهم، وهذا أقصى ما يقدمه أي رجل.

يقول تشينا “أنا مسرور لأننا تمكنا في الذكرى المئوية من استذكار تضحياتهم واستخدام هذه الذكرى لبناء الجسور مع أصدقائنا الفرنسيين، كذلك تعليم أبنائنا عبثية الحرب”.

هناك يخطط طلاب مدرسة في تلك المنطقة لوضع نصب تذكاري آخر في مقبرة محلية في أزيلوت، وقد قام التلاميذ بتصميم لوحة زاخرة بالألوان لتكون مضادة لألوان الحرب الرمادية.

تقول إحدى الطالبات “لقد صدمتني القصة بالفعل ولم أكن أعلم أن الجنود الهنود قدموا إلى هنا من أجل الحرب وتم محوهم من التاريخ نهائيا”، ويعلق رانا تشينا بقوله “حتى في الهند ذاتها يعي عدد قليل جدا مساهمة الهنود في الحرب العالمية الأولى”.

يقول هارنام في مذكراته “تم إرسالنا إلى إنجلترا لتلقي العلاج، كان هناك ممرضة واحدة لكل جناحين كانت متقدمة في العمر وتعتني بالمرضى طوال الوقت، أذكر أن أحد الزملاء اعتذر لها ذات مرة عن الإزعاج الذي تسبب به لها، فكان ردها ما هذا الإزعاج الذي نتعرض له، إننا نجلس براحة في بلادنا ونتلقى أجرا لقاء قيامنا بهذا العمل، أنتم تحملتم المتاعب من أجل بلادنا وتركتم بلادكم فمهما فعلنا من أجلكم فلن نوفيكم حقكم”.

بعد الحرب.. تنكر لمطالب الهند

يقول سانتانو داس “ربما كان من تأثير الحرب العالمية الأولى أنها قوضت تماما تفوق الغرب في نظر الهنود، فإن لم يكن بإمكان أوروبا السيطرة على همجيتها على سبيل المثال فما الحق الذي تعطيه لنفسها لحكم البلاد الأخرى؟”.

ويستحضر داس رسالة من أحد الجنود يقول فيها عندما كان عائدا من مرسيليا وقضى ساعات في باريس “في ذلك اليوم تناولنا الطعام جميعا على ذات الطاولة، كانت رفقتنا تتكون من خمسة جنود هنود ثلاثة منهم من السيخ ومسلميْن بالإضافة لكنّاسين وطهاة، لكننا أكلنا على نفس الطاولة من نفس الطعام المعد من قبل المسلمين”.

النصب التذكاري للجنود الهنود الذي قضوا في الحرب العالمية الأولى

أدرك الجنود الهنود أن الذين يحاربون إلى جانبهم يقومون بمهمات مماثلة، وأدركوا أيضا أهمية التعليم وبدؤوا يطالبون به وأن يكون متاحا لوطنهم، أدركوا كذلك الدور الذي لعبوه.

سمح ذلك للهند بالمشاركة سياسيا مشاركة كاملة، وكانت أحد الموقعين في معاهدة فرساي التي شكلت عصبة الأمم. يقول ساشي ثاور “إن إحدى الصور الشهيرة في المتحف الحربي بلندن تظهر هذا الوسيم الملتحي ذا العمامة راجبوت مهراجا بيكانير الذي كان من الموقعين لكنه لم يكن له أي دور في التفاوض على الشروط، وقّع حيث طلب منه”.

وفي النهاية، بدلا من أن يمنح البريطانون السيادة للهنود، جاؤوا بإصلاحات مونتيغيو شيلمس فورد غير المنطقية التي منحت الهند سلطة نسبية جدا في تسيير شؤونها، وسمحت للهنود بالتصويت في الانتخابات على أن يصوت شخص واحد عن كل 250 شخصا، كان ذلك من أجل الحصول على مناصب استشارية لحقائب ثانوية في مجالس إقليمية بينما احتفظت بريطانيا بالسلطة المتعلقة بالضرائب.

بدأت الحرب العالمية الأولى كحرب أوروبية، لكن عواقبها وتأثيراتها كانت على أشخاص في العالم كله، وكان هؤلاء الأشخاص كالجنود الهنود وقودا لتلك الحرب، وما أن خبت وانطفأت، تحولوا إلى رماد وطوت ذكراهم من صفحات التاريخ.


إعلان