“عالم ترامب”.. سلسلة تكشف أيام الرئيس العصيبة في البيت الأبيض
بعد أربع سنوات من تولي “دونالد ترامب” المفاجئ رئاسةَ أقوى دولة على وجه الأرض، قدم المخرج البريطاني “روب كولدستريم” عام 2020 سلسلة وثائقية بعنوان “عالم ترامب” (The Trump Show)، ليروي قصة الرئاسة الأكثر غرابة في تاريخ الولايات المتحدة.
إنها الرحلة السياسية لمطور عقارات صارخ وجد نفسه -بطريقة ما- يلعب دور الرجل القوي لأمريكا، وانتهى به الأمر إلى تولي أكبر وأثقل وظيفة في العالم.
من خلال الحلقات الوثائقية، يستعيد الذكريات موظفو البيت الأبيض ومديرو وسائل الإعلام ومديرو الحملات ومستشارون ومعجبون وأعداء مطلعون، وشخصيات أخرى كانت قريبة من “ترامب” خلال رئاسته، في أربع سنوات مضطربة، ويأخذنا كل منهم وراء الكواليس، ليحدثونا عن أدوارهم المختلفة، في هذا الفيلم المكون من أربعة أجزاء، والمتاح بجميع حلقاته عبر موقع الجزيرة الوثائقية، وعبر منصتها على اليوتيوب.
يسرد الفيلم الخلافات والتحديات التي واجهها “ترامب” في سنواته الأربع في منصبه، مثل فضيحة “ستورمي دانييلز”، ومحاكمة عزله الأولى، وجائحة كوفيد-19، والادعاءات الملفقة بتزوير الانتخابات، وهجوم الكابيتول.
لكن ما الذي لم يُقل بعد عن “دونالد ترامب” وهو أشهر كتاب مفتوح، فمنذ شبابه الذهبي وحتى السنوات التي قضاها في البيت الأبيض، كان “ترامب” نجم كثير من الأفلام الوثائقية والمسلسلات المتوفرة على المنصات، عن طفولته وشبابه وعائلته ونجاحاته وإخفاقاته في مجال الأعمال، وعن حياته العاطفية المليئة بالأحداث أو حتى طموحاته السياسية.
المدهش أنه اتضح أن هناك كثير مما لم نكن نعرفه، وقد عرفناه من خلال هذا الفيلم.
“التجربة”.. لقاء مع أعداء الرئيس في البيت الأبيض
في بداية الحلقة الأولى، يعرض المخرج لقطات للضيوف الذين أجريت معهم المقابلات على حين غرة، وربما حسبوا حينها أن الكاميرات لم تكن تعمل، فيظهر “رودي جولياني” محامي “ترامب” وهو يسأل عن كيفية جلوسه، و”شون سبايسر” وهو يتفقد العدسة التي يجب أن ينظر إليها، ومساعدة “ترامب” السابقة “أوماروسا مانيجولت نيومان” وهي تصفف شعرها في مرآة جيب، وتسأل عن ما إذا كانت تبدو نحيفة، فكانت هذه اللقطات العفوية عنصر جذب للمشاهدين.
وقد تضمنت الحلقة مقابلات مع لاعبين رئيسيين من ذلك العام الأول الفاضح في السلطة، عندما كان “ترامب” يفعل كل ما لا ينبغي للرئيس أن يفعله، وقد استعاد البعض رباطة جأشهم، بينما يبدو أن الآخرين ما زالوا في حالة صدمة من سلوكه معهم.
رفع المطّلعون الغطاء عن أول عام لـ”ترامب” في الرئاسة، وهم الموظفون الذين طُردوا فجأة واستُبعدوا أو أُجبروا على الاستقالة خلال الفترة الأولى من وصوله إلى البيت الأبيض، ومنهم “ستيف بانون”، وكان مستشارا في البيت الأبيض، و”شون سبايسر”، وكان سكرتيرا صحفيا للبيت الأبيض، قال “ترامب” إنه فقد عقله.
ومنهم “أوماروسا مانيجولت نيومان”، وكانت مساعدة في البيت الأبيض، ومتسابقة شهيرة في برنامج تلفزيون الواقع “المتدرب” (The Apprentice)، وقد وصفها “ترامب” بـ”الكلبة المسعورة”، ومنهم “أنتوني سكاراموتشي” مدير الاتصالات في البيت الأبيض، وقد أقيل بعد 10 أيام من تعيينه، بسبب تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها لمجلة “نيويوركر”.
ومع كل الفوضى، كان تغيير الموظفين المستمر في البيت الأبيض ذا جانب إيجابي واحد، فقد أفرز كثيرا من المسؤولين الذين تركوا مناصبهم، ولديهم قصة ليرووها في هذا الفيلم. ونجح المخرج “روب كولدستريم” في استنطاق كبار المطلعين، ليخبرونا ببعض محادثاتهم الأشد حساسية مع الرئيس.
ويختتم الجزء الأول من السلسلة بإقامة الرئيس علاقة صداقة مع زعيم كوريا الشمالية “كيم جونغ أون”.
ففي طريقه إلى القمة معه، كان أكثر اهتماما بمظهره على شاشة التلفزيون من تفاصيل المباحثات بين بيونغ يانغ وواشنطن، وتعامل “ترامب” مع القمة على أنها انتصار في حد ذاته، فتلذذ باهتمام وسائل الإعلام، وتصرف وكأنه نجح في تحقيق شيء رائع حقا بإقناع “كيم” بالاجتماع، والتقاط الصور التذكارية.
وبعد بضعة أشهر، انهارت القمة الأمريكية – الكورية الشمالية التالية في هانوي.
“أعمال قذرة”.. فضائح تترى تقض مضجع الرئيس
تبدأ الحلقة الثانية بفضيحة عام 2016، وهي فضيحة الممثلة الإباحية “ستورمي دانييلز”، وكانت قد اتهمت “ترامب” بدفع مبلغ 130 ألف دولار لها، نظير التكتم على لقاء جنسي مزعوم بينهما عام 2006، وعدم نشر أي قصص إخبارية من شأنها إلحاق الضرر بحملته الانتخابية عام 2016.
وقد برزت القضية على المستوى الوطني عام 2018، عندما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن محامي “ترامب” الشخصي زمنا طويلا “مايكل كوهين”، قد تفاوض على دفعة سرية للممثلة الإباحية، ووُجّه الاتهام إلى “ترامب” في هذه القضية، وأصبح أول شخص في تاريخ الولايات المتحدة يشغل منصب القائد الأعلى، ثم يُتهم بارتكاب جريمة. وردا على ذلك، دفع “ترامب” ببراءته.
ففي تلك القضية، عندما أقر “كوهين” بالذنب مشيرا بإصبع الاتهام إلى “ترامب”؛ قال كوهين إنه كان يتصرف بتوجيهات من “ترامب”، قائلا إن المدفوعات للنساء كانت تهدف للتأثير على انتخابات 2016 الوشيكة، من خلال منع قصصهن من أن تصبح علنية، وأصدر محامي “كوهين” بيانا يتساءل فيه عن سبب اعتبار المدفوعات إجرامية في حق “كوهين”، لا في حق “ترامب”.
وقد وصف “ترامب” محاميه السابق بأنه “جرذ” و”شخص ضعيف”، ورد عليه “كوهين” بأنه “غشاش وكاذب ومحتال ومتنمر وعنصري ومفترس ومحتال”.
بإثر ذلك، قضى “كوهين” بعض الوقت في السجن، بعد إقراره بالذنب في قضيتين جنائيتين، إحداهما قضية تتعلق بانتهاكات تمويل الحملة المتعلقة بـ”دانييلز”، وامرأة أخرى زعمت علاقة غرامية مع “ترامب”. وقد أدين ستة أعضاء من فريق حملته بجرائم تشمل الاحتيال وعرقلة العدالة بين عامي 2017-2019.
تتزايد الصعوبات التي يواجهها “ترامب”، مع فتح المحقق “روبرت مولر” تحقيقا خاصا عن التدخل الروسي في انتخابات عام 2016، وعندما يبرئه تقرير “مولر” يظهر “ترامب” أكثر ثقة من أي وقت مضى.
“تصفية الحسابات”.. أزمات داخلية وصراع عابر للحدود
بعد نجاة “ترامب” من كل التهم، أصبح أكثر جرأة من أي وقت مضى، لكن شخصيته ونهجه في الرئاسة أصبحا تحت التدقيق مرة أخرى.
ففي هذه المرة، اتُهم بالضغط مرارا وتكرارا على رئيس أوكرانيا، للتحقيق مع نجل غريمه “جو بايدن”، وحث “فولوديمير زيلينسكي” 8 مرات تقريبا على العمل مع محاميه الخاص “رودي جولياني” في تحقيق قد يعوق خصم “ترامب” المحتمل عام 2020، وكالعادة نجا “ترامب” من المساءلة.
ثم ضرب كوفيد 19، وعادت حركة “حياة السود مهمة” إلى الاحتجاجات مرة أخرى بعد وفاة أخرى أثناء احتجاز الشرطة لرجل أسود، وهيمنت لغة الانقسام على المشهد السياسي، فتحول تحولا كبيرا في السنوات الأربع التي حكم فيها “ترامب”.
ومع اقتراب موعد انتخابات 2020، كان السؤال المطروح: هل فقد “ترامب” السيطرة، أم أن ذكاءه السياسي وغرائزه القتالية وفهمه لطبيعة القوة والأداء قادر على دفعه إلى نصر آخر؟
“السقوط”.. فوضى الأيام الأخيرة لرئيس مجروح الغرور
بعد خسارته انتخابات 2020، قضى “دونالد ترامب” الأشهر الأخيرة في الرئاسة محاولا قلب النتيجة، وقد بلغ ذلك ذروته في اقتحام أتباع “ترامب” مقر الكونغرس الأمريكي، في أعقاب تجمع زعم فيه “ترامب” مرة أخرى وجود تزوير كبير للانتخابات.
ويروي الأصدقاء والمستشارون والمراقبون قصة أيام “ترامب” الأخيرة في منصبه، من التجمعات المزدحمة للاعتراض على نتيجة الانتخابات التي أقيمت من مناصريه بينما يحاصر فيروس كورونا البلاد، إلى أعمال الشغب على الكابيتول.
وقد اختار “ترامب” أيضا التوقيع على تنفيذ عمليات إعدام فيدرالية، ومنح العفو وأشكال أخرى من الحصانة القانونية لمؤيدين له.
“الخسارة ليست يسيرة قطعا” لدى رجل كان يتوق إلى الثناء قبل كل شيء، فكونه أول رئيس يُقصى بعد فترة ولاية واحدة منذ ما يقرب من 30 عاما، هو بلا شك ضربة قاسية. قد يكون غروره مجروحا، لكن المؤكد أنه يصر على العودة.