“وزراء الفوضى”.. أصابع الكراهية والعنصرية التي تدير اللعبة في إسرائيل

في وثائقي “إسرائيل، وزراء الفوضى” (Israël, les ministres du chaos)، يسعى المخرج الفرنسي “جيروم سيسكوين” إلى تحليل العبارة السياسية التي تصف حكومة “بنيامين نتنياهو” بأنها “الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، وأكثرها تعميقا للانقسامات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي”.

فيتناول القضية من منظور شامل، يربط فيه بين توجهات “نتنياهو” اليمينية المتشددة، وبين من يشاركه نفس التوجهات من السياسيين، ومن أبرزهم وزير الأمن القومي “إيتمار بن غفير”، ووزير المالية “بتسلئيل سموتريتش”.

تريلر الفيلم على موقع “فيميو”

وزيران مجهولان على الساحة الدولية، ألقت أحداث الأشهر الماضية الضوء عليهما، وكشفت مجازر إسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة عن علاقتهما بالأصولية اليهودية المتشددة، التي لا تدعو إلى طرد الفلسطيني من أرضه فحسب، بل إزالته من الوجود بذرائع فكرية، ورثاها من حركات يمينية دينية متشددة، منها الكاهانية والصهيونية الدينية.

وعلى ضوء الأحداث الدموية في غزة ومناطق أخرى من فلسطين، يتضح سعيهما المحموم لتحقيق أهدافهما العقدية، المتمثلة بفرض التشريعات اليهودية العنصرية، وإعادة تأسيس إسرائيل التوراتية.

حلف المتطرفين.. حكومة تعبث بمؤسسات الدولة

يتتبع الوثائقي هذين الوزيرين المتطرفين، ومسارهما السياسي، وصلتهما القوية بالحركات اليهودية المتشددة، من خلال مراجعة لوثائق وتسجيلات تلقي الضوء على تكوينهما السياسي والعقدي.

يفتتح الفيلم بمشهد يظهر فيه “إيتمار بن غفير” و”بتسلئيل سموتريتش”، وهما يلقيان الخطب الرنانة في “مؤتمر القدس”، الذي انعقد في سبتمبر/ أيلول 2024، وكان أغلب الحاضرين إليه من المستوطنين.

ملصق الفيلم الدعائي

وقد ركزت كلمة وزير الأمن القومي “بن غفير” على “حق اليهود في السيطرة على كل فلسطين، لأنها كما جاء في التوراة تعود لنا وحدنا”، أما وزير المال “سموتريتش” فقد ركز كلمته على “احتلال غزة ثانية”.

وجودهما في حكومة نتنياهو الائتلافية، المُشَكلة أغلبيتها من التيارات اليمينية المتطرفة، قد أثار ردود فعل الشارع الإسرائيلي، بسبب استجابة رئيس الوزراء لمطالب المتشددين، وتوافقه الفكري معهم.

وقد تجسد ذلك بالإعلان عن توجه الحكومة لتحجيم دور القضاء، وتعطيل دور المحكمة العليا، وجعل أحزابهم المتطرفة بديلا عنها وعن المؤسسات الدستورية، ثم السيطرة الكاملة على المشهد السياسي، وفق تصوراتهم الدينية المتشددة.

“سموتريتش”.. أهداف رجل نشأ في بيئة متعصبة

يربط الوثائقي بين تشكيل نتنياهو لحكومته، ذات التوجهات العنصرية المعادية للديمقراطية والمتنكرة للحق الفلسطيني، وبين تهم الفساد الموجهة إليه، ويسعى من خلال سياسة التشدد والمضي في الحرب إلى تأجيل محاكمته، التي يحتمل أن تقود لإسقاطه سياسيا، وربما لمعاقبته قضائيا.

حضور الوزيرين في مؤتمرات تدعو لمزيد من الاستيطان

يدفع ذلك “نتنياهو” إلى مزيد من التقارب مع الوزيرين، وبناء عليه يعود الوثائقي لمعرفة تاريخهما الشخصي والسياسي.

فيُذكر بأن انتماء “سموتريتش” إلى عائلة من الحاخامات المتدينة، المؤيدة لفكرة الاستيطان الإسرائيلي وطرد العرب من أراضيهم، قد غرست في نفسه كراهية العرب، حتى أنه رفض أن تلد زوجته في مستشفى تلد فيه نساء فلسطينيات!

حفاظا على مصالحه ينفذ نتنياهو ما يطلبه الوزيران

وخلال مسيرته السياسية التي توجت بدخوله الكنيست 2015، عن حزب “الاتحاد الوطني (تكوما)”، شدد على فكرة دحر العرب، والسيطرة التامة على الضفة الغربية، وربط تحقيق ذلك بضرورة إجراء إصلاحات قانونية.

وبهذا يكون قد سبق “نتنياهو” في الدعوة إلى إجراء إصلاحات قانونية، بل يعد هو “العقل المدبر” لفكرة تحجيم دور المحكمة العليا، وترسيخ نظام سياسي ديكتاتوري.

“غوش إيمونيم”.. تربية الحركات العنصرية متطرفة

يتحدث ضيوف الوثائقي من سياسيين ومؤرخين عن خلفية “سموتريتش” الفكرية، فينسبونها إلى حركات متشددة ظهرت في إسرائيل بعد حرب عام 1967، التي خسر فيها العرب أجزاء من أراضيهم.

كانت تلك الهزيمة مما شجع التيارات اليهودية المتشددة على إحالة “انتصاراتهم” للنصوص التوراتية، التي يزعمون أنها تبيح لهم أخذ كل “الأرض الموعودة”، ويقصدون بها احتلال مساحات كبيرة، لا من فلسطين فحسب، بل من دول عربية أخرى.

الأصولية اليهودية منبع أفكار الوزيرين المتطرفين

تجسدت تلك الدعوة التوسعية في حركة “كوك”، وهو رجل دين يهودي دعا أنصاره إلى “استيطان كل الأراضي التي وعدتهم بها التوراة”، وقد لقيت أفكاره ترحيبا قويا بين مؤيدي حركة “غوش إيمونيم” الصهيونية.

بين أحضان تلك الحركات العنصرية والمتطرفة، تربى الوزير “سموتريتش” فكريا، ونشأ سياسيا على أفكارها المغذية لكراهية العرب والفلسطينيين، والداعية أيضا إلى احتلال مساحات جديدة من أراضي الدول العربية.

“بن غفير”.. كراهية للعرب منذ أيام المراهقة

على نفس الخلفية العنصرية، نشأ الوزير “إيتمار بن غفير”، وظهرت تأثيراته عليه مبكرا، ففي سن المراهقة أخذ ينشط في تنظيم أقرانه، ودفعهم للمشاركة في أعمال عدائية ضد الفلسطينيين، ويدعوهم إلى طرد أصحاب الأرض واستيطان أراضيهم.

يعود الوثائقي إلى سنوات مراهقته، وانضمامه إلى الحركات المتطرفة الداعية لرفض اتفاقية أوسلو الموقعة عام 1993، بين الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي “إسحاق رابين”. وكانت كراهيته للعرب ورفضه للاتفاقية نابعين من انتمائه المبكر لحركة “كاهانا” وحزب “كاخ” اليميني المتطرف.

بن غفير.. نشاط عدائي محموم منذ المراهقة

يستعرض الوثائقي نشاط مؤسس الحركة “مائير كاهانا” في أواخر الستينيات، ودوره في تغذية التيارات العنصرية المعادية للعرب، والمتجسدة بدعوته منذ دخوله الكنيست الإسرائيلي عام 1984 إلى طرد العرب بقوة السلاح.

وعلى أفكار هذه الحركة نشأ “بن غفير”، ثم انتمى إلى حزب “كاخ” الذي حظرته المحكمة العليا الإسرائيلية عام 1988.

يفسر ذلك أسباب تشدده، التي تجسدت بنشاطه المحموم، لكسب أكبر عدد من الشباب، وإلحاقهم بصفوف تلك الحركات، التي لم تخفِ رغبتها في اتخاذ العنف وسيلة لتحقيق أهدافها السياسية.

تأليب عنصري من بن غفير ضد أصحاب الأرض

يظهر الوثائقي أنه منذ صباه كان يحمل السلاح حيثما يذهب، وخلال الاحتجاجات الفلسطينية في بيت جراح عام 2022، أدى دورا في تأجيج مشاعر الكراهية ضد الفلسطينيين، وتعمد إثارة أعمال الشغب، ليظهر أمام مؤيديه بطلا يتقدم الصفوف لمحاربة العرب.

صناعة التطرف.. دولة يحكمها دُعاة المجازر

يبرز الوزيران سياسيا على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، فيؤسس وزير المالية حركة “ريغافيم” اليهودية المتطرفة، الهادفة إلى توسيع استيطان الأراضي الفلسطينية.

أما “بن غفير” فتزداد شعبيته، بسبب خطبه الرنانة، وظهوره المستمر في وسائل الإعلام داعيةً لتأسيس دولة يهودية عاصمتها القدس، دولة لليهود وحدهم لهم الحق في حكمها. وفي داخل حزب الليكود يزداد نفوذ المتطرفين واليمينيين قوة، ويُقصى كل من يعارض سياسة “نتنياهو” خارجه.

ينقل الوثائقي مقاطع مسجلة من الوزيرين، تُظهر عدة مراحل من نشاطهما السياسي، فتبيّن للمشاهد أنهما يدفعان جمهورهما إلى مزيد من التطرف، ومن الناحية العقدية يسعيان إلى تحقيق حلمهما بتأسيس دولة لا يحكمها القانون، بل يديرها متطرفون لا يترددون في ارتكاب مجازر ضد العرب والفلسطينيين.

حكومة يمينية ائتلافية تلبي مطالب المتطرفين

يتجسد ذلك أيضا في نقل الوثائقي لوقائع التصادمات الحاصلة في الشارع الإسرائيلي، بين مؤيدين لهما ومعارضين لدعوتهما السيطرة على الحكم، وإدارة البلد بأسلوب ديكتاتوري قمعي، يجد تعبيراته بوضوح بعد أحداث 7 أكتوبر 2023 (طوفان الأقصى).

حكومة الكراهية.. صراع داخلي وعزلة خارجية

يستغل الوزيران حدث 7 أكتوبر لتأجيج الكراهية ضد كل ما له صلة بأصحاب الأرض، ويطالبون من دون حياء بإبادة سكان غزة، وإعادة السيطرة عليها، كما يرفضون -ومعهم “نتنياهو”- مشروع إقامة الدولة الفلسطينية، لأنهم جميعا ينكرون حق الشعب الفلسطيني في الوجود.

ومن هنا يذهب الوثائقي ليسجل بالأرقام عدد هجمات المستوطنين المسلحة، على أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، خلال السنوات الماضية.

بسبب فساده، أصبح نتنياهو موضع سخرية الشارع الإسرائيلي

يوثق الفيلم عدد الوفيات والجرحى جراء أفعالهم المسلحة، وينسب عزلة إسرائيل عالميا إليها، وإلى السياسة المتطرفة التي تنتهجها حكومة “نتنياهو” في كافة المجالات، بما فيها الداخلية التي توجت بالرغبة في تقليص صلاحيات المحكمة العليا، وقد رفضت ذلك قطاعات كبيرة من المجتمع الإسرائيلي، وعبرت عنه المظاهرات الصاخبة المعارضة لسياسة اليمين اليهودي المتشدد.

فيلم “إسرائيل، وزراء الفوضى” وثائقي مهم، يأتي في لحظة مناسبة، ليكشف طبيعة الحكومة الإسرائيلية الحالية، وطبيعة تحالفاتها التي تسبب مزيدا من الفوضى والاضطرابات والحروب، التي لن تحقق سلما ولا أمانا لإسرائيل أبدا، ما دامت تدعو لإلغاء حقوق الشعب الفلسطيني، وتعمل على تغذية الكراهية والعنصرية في نفوس مواطنيها.


إعلان