“جوازات سفر للقتل”.. اغتيال المبحوح في دبي بأيدي عملاء الموساد والعرب

“جوازات سفر للقتل” هو عنوان فيلم عرضته قناة الجزيرة الوثائقية حول قصة اغتيال محمود المبحوح، القيادي في حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في دبي في 19 كانون الثاني/ يناير 2010.

ويأتي العنوان من جوازات السفر المزورة التي حملها الجُناة خصيصا، وتنقلوا بها لتنفيذ عملية الاغتيال التي أشارت كل الدلائل بأن إسرائيل هي التي كانت تقف خلفها، سواء الدلائل التي أوردها الفيلم، أو التي أوردتها التحقيقات القضائية.

يتتبع الفيلم عبر مخرجته وراويته “جين كوربين” تفاصيل عملية الاغتيال هذه، فقد شارك فيها 27 شخصا، وأثبتت التحقيقات التي أجرتها السلطات الإماراتية أنهم قدموا من تسعة بلدان مختلفة إلى دبي، وقد وجهت دبي أصابع الاتهام إلى إسرائيل قائلة إنها هي التي زودت هؤلاء بجوازات سفر مزورة صادرة من خمس دول أوروبية.

نحو نصف هذه الجوازات كانت بريطانية لأشخاص ولدوا في بريطانيا ويعيشون في إسرائيل، وكانت صدمة أصحاب الجوازات الأصلية عندما شاهدوا أسمائهم من ضمن المشاركين في هذه العملية، ومخرجة الفيلم تجري مقابلة مع أحدهم يبدي فيها ذهوله مما حدث.

“الحياة أفضل من دون المبحوح”

تجري مخرجة الفيلم مقابلات مع قائد شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان، ومع مسؤولين سابقين في الموساد، وبعض الخبراء الأمنيين، ومع خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ومع والدَي المبحوح. وكلهم يؤكدون أن الموساد الإسرائيلي هو من يقف وراء العملية، فأحد مسؤولي الموساد يقول إن المبحوح “ارتكب الكثير، وفعل الكثير بحقنا، وكان مسؤولا عن تزويد حماس بالسلاح، لذلك فإن الحياة أفضل من دون المبحوح”.

محمود المبحوح في لقاء خاص على الجزيرة

ويتتبع الفيلم الثغرات والأخطاء التي قادت إلى عملية الاغتيال، مثل حجز المبحوح لتذكرة السفر عبر الإنترنت، وقدومه إلى دبي بمفرده من دون مرافقة، ظنا منه أن إسرائيل لا تراقبه أو تقتفي أثره.

وبغية الكشف أكثر عن شخصية المبحوح، تعود مخرجة الفيلم إلى مقابلة كانت قناة الجزيرة قد أجرتها مع المبحوح، ويظهر فيها ملثما، ثم تسافر إلى غزة حيث والداه اللذان يخبرانها أنه مطارد منذ 22 عاما، وأنهما كانا يتوقعان اغتياله في أي لحظة.

 “الكلاب العرب رصدوه والموساد كمّل”

تشير المخرجة إلى الأيادي الفلسطينية التي ساعدت الموساد الإسرائيلي في اغتيال المبحوح، فكاميرات المراقبة في دبي رصدت فلسطينيا التقى بأحد أفراد العصابة التي نفذت الاغتيال في مطار دبي، وتشتبه شرطة دبي بأن هذا الرجل زودهم بمعلومات عن تحركات المبحوح، وأن هذا الشخص ينتمي إلى حركة فتح.

كما أن هناك فلسطينيين محتجزين لدى شرطة دبي على ذمة التحقيق في القضية، وهو ما يتحدث عنه والدا المبحوح بحرقة، فأمه تقول: “الكلاب العرب رصدوه والموساد كمّل”. بينما يقول الوالد: “العملاء العرب هم الذين عرّفوا الموساد الإسرائيلي عليه، فالموساد لم يكن يعرفه”.

الموساد تزور جوازات سفر بريطانية وتمنحها لعملائها تسهيلا لهم لدخول دبي

وتورد راوية الفيلم تفاصيل عملية الاغتيال قائلة: دخل أفراد العصابة إلى المبحوح وهو في غرفته في الفندق، وحقنوه بمُرخٍ عضلي سريع المفعول يوقف عمل العضلات التنفسية، مما يؤدي إلى الاختناق، ووضعوا وسادة على رأسه، وعلبة دواء بجانب السرير كي يوحوا أنه كان يعاني من مرض في القلب.

ثم غادروا الغرفة بعد أن أغلقوها من الداخل ووضعوا إشارة “الرجاء عدم الإزعاج” على مقبض الباب من الخارج. ولم يكشف أمر العملية إلا بعد ست عشرة ساعة، وحينها كان المنفذون قد غادروا دبي.

مجرمو الموساد.. اعتزاز بخفافيش الاحتلال الضاربة

تسافر المخرجة إلى تل أبيب مستطلعة الرأي حول جريمة الاغتيال هذه، لتجد أن جميع من استطلعت آراءهم يرون أن الموساد هو من قام بالاغتيال، وأن الإسرائيليين سعداء بهذه الجريمة التي تحتفي بها وسائل إعلامهم. وتقول إن معظم الشعب الإسرائيلي يرى عملاء الموساد أبطالا وحماة لدولتهم الصغيرة في منطقة مضطربة.

كاميرات الفندق في دبي توثق دخول عملاء الموساد وتتبّعهم للمبحوح

كما تزور ضريحا لعملاء الموساد الذين قتلوا في حروب إسرائيل السرية. وكشفت أن الاستخبارات الإسرائيلية نفذت أكثر من أربعين عملية اغتيال في الخارج، أهمها في دمشق، وهي عملية اغتيال مسؤول الجناح العسكري في حزب الله عماد مغنية.

سياسة الاغتيالات.. حرب احتلال تحت أسماء مشوهة

في سياق الفيلم، تقول راويته: “تشن إسرائيل منذ 11 أيلول/ سبتمبر2001 معركة ضد التطرف الإسلامي كمعركة مفتوحة”. لكن هذا القول في واقع الأمر تشويه لمفهوم الصراع العربي الإسرائيلي، وتصوير له على أنه صراع ديني، أو صراع إسرائيل ضد “الإرهاب”.

عملاء الموساد المتورطون في عملية اغتيال محمود المبحوح في دبي سنة 2010

وهذا التشويه ناجم إما عن فهم خاطئ لطبيعة هذا الصراع أو أنه متعمد، فإسرائيل كما هو معروف تقوم منذ عقود طويلة بعمليات اغتيال مشابهة، مستهدفةً قادة المقاومة الفلسطينية ورموزها السياسية والعسكرية والثقافية في أماكن متفرقة من العالم، وذلك في سياق صراعها الطويل مع الشعب الفلسطيني.

حماس تودع محمود المبحوح الذي اغتاله الموساد في دبي سنة 2010

ربما لا يضيف هذا الفيلم شيئا جديدا على صعيد التحقيق في اغتيال المبحوح، سواء من حيث معرفة الجناة أو كشف الأدلة، لكن فضله يبقى في أنه يلقي الضوء من جديد على وقوف الموساد الإسرائيلي وراء جريمة الاغتيال هذه، مذكرا بجرائم إسرائيل السابقة والمشابهة ضد قادة المقاومة الفلسطينية، مما يساهم في تكريس صورة الدولة الإرهابية التي تمثلها إسرائيل، وهنا أهميته.


إعلان