كشمير.. الإقليم المسلم “اليتيم” بين أقدام الكبار

يعتبره البعض نسخة طبق الأصل من القضية الفلسطينية، فهو ملف أرضٍ غالبية سكانها من المسلمين، كانت تحت النفوذ البريطاني في الفترة الاستعمارية، وتم اقتطاعها من امتدادها الإسلامي لحظة خروج بريطانيا، وتحديدا عام 1947.

ومنذ الانسحاب البريطاني من شبه الجزيرة الهندية، والحرب التي اندلعت بين الدولتين الوليدتين، أي الهند وباكستان، بات إقليم كشمير مقسّما بين جزأين، أحدهما تحت السيادة الباكستانية، والثاني يخضع للسيطرة الهندية لكنه يشهد مطالب سياسية بالانفصال؛ بعضها يرغب في الانضمام إلى باكستان، وبعضها الآخر يحلم بدولة مستقلة.[1]

إقليم كشمير المتنازع عليه بين باكستان والهند جرح نزف ستين عاما ويزيد، لكنّه يُنكأ من جديد كلّما اعتقد البعض أنه اندمل في طريقه نحو الشفاء.

في صيف هذا العام 2019، وحين كانت النيران تلتهم آلاف الهكتارات من غابات الأمازون في أمريكا اللاتينية مسببة احتراق قلوب الملايين من سكان الكوكب الأرضي، كانت يد الهند تتحرّك من جديد في عمق الجرح الكشميري في النصف المقابل من الكرة الأرضية، حين أعلنت تجميد العمل بالجزء الذي يخوّل الإقليم ذي الغالبية المسلمة حكما ذاتيا من الدستور، دون أن يحرّك ذلك ردود فعل دولية ذات بال.

“انقلاب” دستوري

في مستهل أغسطس/آب 2019، خيّمت على إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان سحابة شكّ كثيفة جعلت العالم يضع يده فوق قلبه ترقبا لما تنوي السلطات الهندية الإقدام عليه.

ففي صبيحة يوم الجمعة 2 أغسطس/آب، أصدرت الحكومة المحلية لإقليم جامو كشمير قرارا طارئا ينص على إجلاء جميع السياح الوافدين على الإقليم وإغلاق المؤسسات المدرسية، والسبب الذي برّرت به السلطات هذه الإجراءات هو وجود تهديد إرهابي، بينما كانت السلطات المركزية الهندية قد بعثت قبل أيام من ذلك تعزيزات عسكرية انتشرت داخل الإقليم.[2]

في يوم الأحد 4 أغسطس/آب، قامت السلطات المحلية لحكومة إقليم جامو كشمير بخطوة إضافية، تمثلت في تعطيل خدمات الإنترنت وإرغام عدد من القيادات السياسية من الصف الأول محليا على لزوم الإقامة الإجبارية داخل بيوتهم.[3]

وقد جعلت هذه الإجراءات المراقبين يدركون بيقين كبير أن الحكومة الهندية تعدّ لأمر أكبر وأخطر من عملية إرهابية باتت أشبه بالخبز اليومي لسكان الإقليم، وذلك بعد أن فشل المسارات الدولية والأممية لإنهاء النزاع الدائر حوله بين الهند وباكستان. واستحضر الجميع ساعتها ما كشفته دراسات حديثة من ميل ثلثي سكان الإقليم إلى خيار الاستقلال، مقابل قبول الثلث فقط باستمرار السلطة الهندية على الإقليم.[4]

الخبر اليقين تناقلته وسائل الإعلام الدولية صباح يوم الاثنين 5 أغسطس/آب، فقد قررت الهند إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي، والتي تخوّل إقليم جامو كشمير حق الحكم الذاتي منذ العام 1949، وهو إعلان تلقّفه العالم كما لو كان إعلانا للحرب في نزاع يدور بين قطبين نوويين.[5]

تخطيط هندي طويل

وزير الداخلية الهندي أميت شاه قال يومها أمام البرلمان إنه “سيتم تطبيق الدستور بأكمله على ولاية جامو وكشمير”، مما ينهي حقوق الولاية في وضع قوانين خاصة بها. وفي وقت لاحق أقر الرئيس الهندي هذه التغييرات التي أجرتها الحكومة. وأخطر ما في القرار أنه يلغي أيضا الحظر الذي يمنع القادمين من خارج الولاية من شراء ممتلكات هناك حفاظا على الوضع الديمغرافي وامتداداته السياسية.[6]

فبموجب الوضع الدستوري القائم منذ عام 1949، كانت الوظائف الحكومية المحلية في إقليم جامو وكشمير مخصصة بشكل حصري لسكانه، إلى جانب فرص الدراسة الجامعية. لكن السلطات الهندية عملت على التحضير لهذه الخطوة بشكل مسبق وفي تكتم استمر عدة شهور.

فقد تصاعدت حدة التوتر بين الهند وباكستان منذ بداية عام 2019 عبر تبادل الاتهامات بتنفيذ عمليات إرهابية وإسقاط طائرات مقاتلة هندية من طرف الجيش الباكستاني، وقصف الهند مواقع مسلحين يستقرون داخل باكستان..

وكانت البوادر الأولى للقرار الهندي الأخير قد ظهرت في عام 2018، حين انهار الائتلاف الحكومي الذي كان قائما بين حزب “بهاراتيا جاناتا” الهندي القومي الرافض للوضع الخاص لكشمير، وحزب “الشعب الديمقراطي” المحلي. وخضوع الإقليم لحكم رئيس الوزراء الهندي المباشر بفعل غياب حكومة محلية، سهّل عملية إلغاء الاستثناء الدستوري، فالدستور ينص على تصديق مجلس الولاية على القرارات التي تهمه، وهو الاختصاص الذي يوجد بحوزة رئيس الوزراء الهندي حاليا.[7]

سارعت الجارة النووية باكستان إلى إدانة الخطوة الهندية ووصفتها بغير القانونية، بينما ذهب سياسيون باكستانيون إلى اعتبار ذلك خيانة لشعب كشمير. كما أعربت منظمة التعاون الإسلامي عن “القلق البالغ إزاء تدهور الوضع في جامو وكشمير التي تحتلها الهند”، مشيرة إلى “انتهاكات هندية في أعقاب إعادة نشر قوات شبه عسكرية إضافية في الولاية” مما أعاد أجواء الحرب التي تدور بين البلدين منذ سبعين عاما، تارة حربا ساخنة وتارة باردة.[8]

 

جنة وسط الجحيم

يقع إقليم كشمير في موقع جغرافي يجعله بمثابة القلعة الحصينة، نظرا لارتفاعه فوق قمم جبال الهمالايا، وإطلاله على دول ومناطق إستراتيجية في كل من الهند وباكستان والصين، وغير بعيد عن العمق الإستراتيجي لروسيا وريثة الاتحاد السوفياتي السابق.

فهذا الإقليم المتنازع عليه يوجد إلى الشمال من باكستان وفي شمال غرب الهند، بمساحة إجمالية تفوق 86 ميلا مربعا، في منطقة تتسم بتضاريس وعرة وجبال هي جزء من عقدة بامير وجبال الهمالايا. ويتصل الإقليم بالهند عبر طريق جبلية وعرة بينما يعتبر جغرافيا امتدادا طبيعيا لباكستان مما يجعل اتصاله بها أسهل.[9]

وينقسم الإقليم عمليا منذ وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان إلى شطرين، يخضع كل منهما لسيطرة إحدى الدولتين، فتبسط الهند سلطتها على قرابة 54 ألف ميل مربع، بينما تسيطر باكستان على جزء تقدر مساحته بحوالي 32 ألف ميل مربع، وهو الجزء الذي يعرف باسم “كشمير الحرة” أو “آزاد كشمير”.[10]

وتتسم طبيعة جامو وكشمير بجمالها الخلاب، مما يجعلها توصف بـ”سويسرا آسيا”، بينما كان إمبراطور المغول “أكبر” قد وصف المنطقة بأنها “جنة الأحلام” التي اشتهى أن تكون حديقته الخلفية، مما جعل الإقليم يظل هدفا لأطماع الغزاة من تتار ومغول وهنود.[11]

 

دخول الإسلام

إذا كانت الهوية الإسلامية لكشمير أول ما يواجه الباحثين والدارسين لهذه القضية، فإن المؤرخين يعيدون ظهور الدين الإسلامي في هذه المنطقة إلى القرن الخامس الهجري، وذلك بطريقة سلمية عن طريق العلماء والتجار، حيث عجزت الدولة “الغزنوية” الإسلامية التي جاورته في القرنين العاشر والحادي عشر عن غزوه بالنظر إلى وعورة تضاريسه.[12]

لكن الانتشار الحقيقي للإسلام في كشمير لم يتم إلا في القرن الـ14 على يد الداعية الشهير باسم “بلبل شاه”، وهو عبد الرحمن شرف الدين الذي أقنع ملك كشمير البوذي “جياليورين تشان” باعتناق الإسلام، وهو ما نتج عنه دخول أعداد كبيرة من سكان الإقليم إلى دين الإسلام، وأصبح الإقليم جزءا من الامتداد الإسلامي، ويتبع مباشرة للدولة التي كانت قائمة في أفغانستان.[13]

 

الإخوة الأعداء

قامت لجنة برلمانية فرنسية منبثقة عن لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والقوات العسكرية في مجلس الشيوخ الفرنسي، بمهمة استطلاعية إلى الدولتين المتنازعتين بشأن كشمير في شهر مارس/آذار 2002. وخلصت هذه اللجنة إلى تقرير ضمّنته خلاصاتها، أولها أن الأمر يتعلّق بمنطقة هامة إستراتيجيا حيث تضم دولتا الهند وباكستان سدس سكان العالم، ويضمّان كثافة سكانية أكبر من تلك التي تشهدها الصين.[14]

يقدّم التقرير كلا من الهند والصين باعتبارهما “إخوة أعداء” لانحدارهما معا من الإمبراطورية البريطانية في الهند. وذهب السياسيون الفرنسيون إلى تشبيه العلاقات الهندية الباكستانية بتلك التي تربط بين فرنسا وألمانيا في أوروبا؛ أي التنافس الدائم، وشبهوا إقليم كشمير بما كان عليه إقليم “الألزاس واللورين”، أي المنطقة الجبلية التي يقاتل الألمان والفرنسيون من أجلها قرابة 75 عاما، وبالتالي فإن أجيالا من البلدين كبرت على عقيدة القتال من أجل السيطرة على الإقليم المتنازع عليه.[15]

تلتقي التقارير والدراسات التي اهتمّت بقضية كشمير عند نقطة واحدة، وهي بروز الصراع الهندي الباكستاني جراء الوجود الاستعماري البريطاني في شبه الجزيرة الهندية. فقبل هذا الوجود الأوروبي كان إقليم كشمير يشهد ومنذ قرابة عشرة قرون استقرارا نسبيا، سواء في فترة انقياد الإقليم للهيمنة الهندوسية بين القرنين الـ9 والـ12 ميلادية، أو بعد خضوعه للسيطرة الإسلامية منذ القرن الـ14. فعلى مدى ثلاثة قرون تقريبا ظل الإقليم تحت حكم سلاطين مستقلين، أي إلى غاية نهاية القرن الـ16، ثم انتقل بعد ذلك إلى الحكم المغولي إلى غاية منتصف القرن الـ18، وتبعه الحكم الأفغاني إلى غاية مستهل القرن الـ19.[16]

ومع وصول المدّ الاستعماري الأوروبي إلى شبه الجزيرة الهندية وسيطرة بريطانيا عليها، قامت هذه الأخيرة بـ”بيع” إقليم كشمير إلى عائلة الـ”دوغرا” بزعامة “غلاب سينغ”، وذلك مقابل 7.5 ملايين روبية هندية، على أن تستأثر العائلة بالإقليم لقرن كامل.[17]

 

مقاومة إسلامية مبكرة

في الفترة الأخيرة من هذا الوضع السياسي التجاري، واجه المسلمون أصنافا جديدة من التمييز والاضطهاد، حيث كانت القوانين تعاقِب مثلا بالإعدام كل من أقدم على ذبح بقرة، وتصادر أملاك من يقدم على اعتناق الإسلام، في مقابل التسامح مع من يرتدّ عنه.

وباتت بالتالي الغالبية المسلمة في الإقليم تواجه دكتاتورية الأقلية الهندوسية، وبدأت التناقضات العقدية تبرز بعدما كان سكان الهند موحدين في مواجهة الاستعمار البريطاني في بدايات المقاومة، وبالتالي فإن السنوات الأخيرة التي سبقت الانسحاب البريطاني شهدت بروز مقاومة إسلامية للحكم الطائفي الهندوسي، وكان هناك ميل مسبق للانضمام إلى باكستان التي ستخرج إلى الوجود لاحقا.[18]

ويتزامن انتهاء هذه الفترة المتفق عليها مع مصادقة البرلمان البريطاني على قانون الاستقلال الهندي، والذي دخل حيز التطبيق منتصف أغسطس/آب 1947. ونصّ هذا القانون على انسحاب بريطانيا وإحداث دولتين منفصلتين، واحدة هي الهند والثانية باكستان، مع ترك الاختيار للولايات في الانضمام إلى هذه الدولة أو تلك.

وبعد مناوشات عسكرية أولى في بعض الولايات التي تنازعت عليها الدولتان، بقيت حالة كشمير عالقة، حيث كان حاكمها الهندوسي “هاري سينغ” يريد الانضمام إلى الهند رغم أن غالبية السكان مسلمة وترتبط حضاريا وثقافيا بباكستان. وبعد تطورات متسارعة، تحوّل الأمر إلى حرب طاحنة بين الدولتين الحديثتين.

 

ثلاث حروب كبرى

يسجّل التاريخ ثلاث حروب كبرى على الأقل دارت بين الهند وباكستان منذ استقلالهما، وكانت حربان منهما بسبب إقليم كشمير.

الحرب الأولى شهدها العامان 1947 و1948، حيث بدأت بمواجهة بين الكشميريين والجيش الهندي، وانتهت باحتلال نيودلهي ثلثي الإقليم، وهو ما سارعت منظمة الأمم المتحدة إلى التدخل بسببه، حيث أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا بوقف إطلاق النار وتنظيم استفتاء لتقرير المصير.[19]

وبعد مشاورات معقدة، اقتنع المجتمع الدولي بضرورة اقتسام إقليم كشمير بين دولتي الهند وباكستان كحل سياسي نهائي للنزاع، لكن هذا الحل لم يجد طريقه إلى التنفيذ واستمر التوتّر والحرب الباردة لعقدين تقريبا، قبل أن تندلع الحرب الثانية منتصف الستينيات، حيث كانت باكستان تدعم المقاتلين الكشميريين ضد الهند، قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة وتصبح مواجهة مباشرة استمرت أكثر من أسبوعين، وانتهت بوقف إطلاق النار دون غالب أو مغلوب.

ولم يستمر الهدوء سوى ست سنوات، حيث عادت المواجهة بين البلدين عام 1971، ولكن هذه المرة لم تكن بسبب كشمير، وإنما بسبب دعم الهند انفصال بنغلاديش (باكستان الشرقية)، ومال ميزان القوى بوضوح في هذه الحرب لصالح الهند، وانتهى بميلاد دولة بنغلاديش المستقلة عن باكستان، وانطلاق سباق تسلّح محموم في المنطقة توّج بحصول البلدين على السلاح النووي عام 1998.[20]

 

أسباب إستراتيجية

علاوة على الأسباب السيادية والحساسية المعتادة لدى الدول تجاه امتدادها الجغرافي، توجد أسباب مباشرة للصراع الهندي الباكستاني ترتبط بالمصالح الاقتصادية الإستراتيجية لكل منهما.

فبالنسبة لباكستان يعتبر إقليم كشمير امتدادا جغرافيا وبشريا ودينيا طبيعيا بالنسبة لها. والتقرير الذي أعده مجلس الشيوخ الفرنسي عام 2002 عن النزاع، يقول إن باكستان ترى في الأطماع الهندية في كشمير رفضا للإقرار بوجود دولة باكستان أصلا، لكونها تأسست على أساس ضمّها للسكان المسلمين للمستعمرة البريطانية السابقة.[21]

كما أن إقليم كشمير يعتبر حيويا لدعم الموقع الجيوإستراتيجي لباكستان، عبر تمكينها من الاتصال المباشر بالحدود الصينية، وخصوصا الأقاليم ذات الغالبية المسلمة في الصين. كما يحاذي الإقليم طرقا تجارية حيوية وخطا هاما للسكة الحديد، وتنبع من كشمير ثلاثة أنهار هامة للنشاط الزراعي في باكستان.[22]

وتجد إسلام آباد صعوبة كبيرة في القبول بأي وجود هندي في كشمير، لأنه يخلّ بالأساس الذي حكم تقسيم المجال الترابي بين الدولتين منذ البداية؛ أي أن ينضم المسلمون لباكستان والهندوس والبوذيون للهند.

في المقابل ترى الهند في بقاء كشمير تحت سيطرتها ارتباطا مباشرا بطبيعتها كدولة علمانية متعددة الأعراق والأديان. كما تنظر الهند إلى انفصال كشمير أو التحاقه بباكستان إيذانا بتحرك الأقليات الأخرى داخلها -خاصة منها الأقلية المسلمة- من أجل انتزاع مكاسب مماثلة.[23]

وتحوّلت القضية الكشميرية مع مرور الزمن إلى عامل أساسي في بناء عقيدة الدولتين الهندية والباكستانية، ومحدد لاختياراتهما الدبلوماسية والعسكرية. فقد توجّهت باكستان عموما إلى التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية والصين، فيما تقاربت الهند تاريخيا مع الاتحاد السوفياتي سابقا، أو على الأقل كما فهم الغربيون خيار عدم الانحياز الذي اتخذته الهند حينها. وهي تحالفات وإن كانت قد تعرّضت لبعض التحولات، فإن معالمها بقيت مهيمنة على النزاع.

فالتقارب الباكستاني الصيني بُني تاريخيا على التناقض مع الاعتراض الهندي على إقامة طريق صينية باكستانية للتجارة، وهو المشروع الذي كانت بكين قد وعدت بضخ مليارات الدولارات في باكستان لتقويته.[24]

أما الحلف الهندي السوفياتي القديم، فكان الباعث عليه هو عمل باكستان على انتزاع عمق إستراتيجي كبير داخل أفغانستان، وذلك خدمة لمصالحها ومصالح حليفها الأمريكي.

ومع توالي سنوات الحرب والتوتّر، أصبح إقليم كشمير بالنسبة للهند بمثابة منطقة عازلة تمنع تمدد الفكرة التي قامت عليها جمهورية باكستان؛ أي الأساس الديني الإسلامي.

بوابة أفغانستان

إلى جانب القوى الإقليمية والدولية الكبرى، توجد دولة أخرى أقل وزنا في العلاقات الدولية، لكنها ترتبط بملف كشمير، وهي أفغانستان. فهذه الأخيرة يرشحها البعض لتصبح ساحة حرب جديدة بين الهند وباكستان، نظرا لروابطها التاريخية والجغرافية والديمغرافية مع كشمير.

ففي لقاء عُقد في أكتوبر/تشرين الأول 2016 بمقر مركز الدراسات الذي يحمل اسم “المجلس الأطلسي الأمريكي” بواشنطن، قال المبعوث الخاص للرئيس الباكستاني إلى كشمير “مشاهد حسين” إنه إذا لم تُحلّ قضية هذا الإقليم لن يعرف أفغانستان طريقه إلى السلام والاستقرار.[25]

وكانت لهذا التصريح تبعات دبلوماسية قوية من جانب أفغانستان، حيث سارعت وزارة الخارجية إلى إدانة هذه التصريحات، كما اقتفى آثارها في ذلك مجلس الأمن الوطني الأفغاني وباقي المؤسسات السيادية الأفغانية.

هناك علاقات تاريخية بين الأفغان وكشمير، فقد سبق لهذا الإقليم أن خضع لحكم أفغاني في الفترة ما بين منتصف القرن الـ18 وبداية القرن الـ19، ومنذ ذلك العهد أصبح هناك بعض الأفغان والبشتون الذين يقيمون في كشمير سواء في جزئه الهندي أو الباكستاني، لدرجة أن رئيس المحكمة المحلية لكشمير منح الجنسية لأكثر من 100 ألف أفغاني منتصف خمسينيات القرن الـ20، كما تعيش في أفغانستان جالية كشميرية هامة.[26]

لكن للربط الباكستاني بين استقرار أفغانستان وحل القضية الكشميرية خلفيات أخرى، حيث تسعى إسلام آباد إلى كسر عزلتها الدولية كلما أحسّت باشتدادها، وذلك عبر تحريك الورقة الأفغانية. ولا يستبعد المراقبون تحوّل أفغانستان إلى ساحة مواجهة جديدة بين الهند وباكستان إذا انسحبت القوات الأمريكية كليا من هذا البلد الآسيوي.

 

انعطافه 11 سبتمبر

تسجّل الدراسات التي اهتمّت بملف كشمير، حصول تحوّل في معادلة النزاع بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2011، وذلك من خلال الحرب التي أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان، وتغيّر المزاج الدولي العام وتوجّهه نحو محاصرة الوجود الإسلامي عالميا.

ففي الوقت الذي كانت واشنطن تُعتبر الحليف التاريخي لباكستان في المنطقة، أصبح الأمريكيون بعد 2001 يبدون أكثر ميلا إلى الهند. فقد ازداد الاعتماد الأمريكي على نيودلهي في مواجهة المد الصيني، وباتت الولايات المتحدة تدفع الهند نحو سياسة انعزال إقليمي يبعدها عن الصين والعالم الإسلامي شبيهة بتلك التي اعتمدتها مع تركيا قبل ذلك.[27]

كما برز في هذه الفترة تقارب كبير بين الهند وإسرائيل، حيث دخل الجانبان في شراكات تجارية وعسكرية وتكنولوجية كبيرة، وهو ما يسّرته أجواء ما بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وهو تحوّل جعل الهند تبدو كما لو تلتحق بالمعسكر الغربي المسيحي الذي أعلنه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، في مواجهة المعسكر الإسلامي باعتباره مصدرا لـ”الإرهاب”.

لم تكن الخطوة الهندية الأخيرة -بإلغاء الوضع الدستوري الخاص لإقليم كشمير- لتتم لولا هذا التحوّل الدولي والإقليمي الذي جعلها تعزز ثقلها الجيوسياسي، كما أن المبادرة إلى اجتثاث جذور التطلعات السياسية في الإقليم هدفها قطع الطريق على خيار الاستقلال الذي بات راجحا في السنوات الأخيرة، حيث يصعب تبرير أي قمع لتحرك يرمي إلى إقامة دولة مستقلة، على عكس فكرة الانضمام إلى باكستان التي بقيت “مبررة” من وجهة نظر دولية. فالأحزاب القومية الساعية إلى تحقيق استقلال كشمير وإقامة دولة جديدة، باتت تحصد نتائج قوية في الانتخابات المحلية منذ العام 2002، أي مع تزايد هامش الحرية في التصويت والتعبير عن المواقف السياسية.[28]

 

رهان السلاح النووي

التحول الشامل في الموقف الإقليمي والدولي الذي يضعف موقف باكستان، قد لا ينعكس فقط على قضية كشمير وتطلعات سكانها إلى الاستقلال، بل إن المراقبين يعتبرون هذا الملف هامشيا في أجندة القوى الدولية، وفي مقدمتها واشنطن.

وهذه الأخيرة وإن تحالفت تكتيكيا في مرحلة سابقة مع إسلام آباد، خاصة في الفترة التي كانت فيها واشنطن عرّابا لـ”الجهاد” الإسلامي في أفغانستان، فإنها حاليا لا تجد في هذه المنطقة موضوعا أكثر أهمية من السلاح النووي الباكستاني، والذي تسعى إلى نزعه، إما بمحاصرة باكستان إستراتيجيا، أو بالتعويل على حرب حاسمة تشنها الهند ضدها.

المصادر:

[1] https://www.erudit.org/fr/revues/cd1/2012-v53-n2-cd0121/1009446ar/
[2] http://www.slate.fr/story/180513/cachemire-inde-pakistan-abrogation-article-370-autonomie

[3] http://www.slate.fr/story/180513/cachemire-inde-pakistan-abrogation-article-370-autonomie

[4] https://tribune.com.pk/story/49238/two-thirds-in-indian-kashmir-want-independence-poll/
[5] https://www.lepoint.fr/monde/new-delhi-revoque-l-autonomie-constitutionnelle-du-cachemire-indien-05-08-2019-2328320_24.php
[6] https://www.aljazeera.net/news/politics/2019/8/5/%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%86%D8%AF-%D9%83%D8%B4%D9%85%D9%8A%D8%B1-%D8%A8%D8%A7%D9%83%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86-%D8%AC%D8%A7%D9%85%D9%88-%D9%88%D9%83%D8%B4%D9%85%D9%8A%D8%B1

[7] https://www.independentarabia.com/node/47161/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA/%D9%85%D9%88%D8%AF%D9%8A-%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%86-%D8%A8%D8%A5%D8%B1%D8%AB%D9%87-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AD%D9%84-%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D9%83%D8%B4%D9%85%D9%8A%D8%B1
[8] https://alarab.co.uk/%D9%83%D8%B4%D9%85%D9%8A%D8%B1-%D8%A3%D8%B1%D8%B6-%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%AA%D8%AA%D8%AC%D8%AF%D8%AF-%D9%85%D9%86%D8%B0-%D8%B3%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%AF

[9] https://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=9306
[10] https://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/2075f650-9b70-45bb-8a7e-5bb30024d254

[11] https://archive.islamonline.net/?p=8912

[12] https://archive.islamonline.net/?p=8912

[13] https://archive.islamonline.net/?p=8912

[14] http://www.senat.fr/rap/r01-336/r01-336_mono.html
[15] http://www.senat.fr/rap/r01-336/r01-336_mono.html
[16] https://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/2075f650-9b70-45bb-8a7e-5bb30024d254

[17] https://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/2075f650-9b70-45bb-8a7e-5bb30024d254

[18] https://archive.islamonline.net/?p=8912

[19] https://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/2075f650-9b70-45bb-8a7e-5bb30024d254

[20] https://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/2075f650-9b70-45bb-8a7e-5bb30024d254

[21] www.senat.fr/rap/r01-336/r01-336_mono.html
[22] https://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/f17d910f-3d04-479d-adea-f200291ec3fc

[23] www.senat.fr/rap/r01-336/r01-336_mono.html
[24] http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2016/11/–161114123537209.html

[25] http://csrskabul.com/ar/?p=1729

[26] http://csrskabul.com/ar/?p=1729

[27] https://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/f17d910f-3d04-479d-adea-f200291ec3fc

[28] https://www.ladocumentationfrancaise.fr/dossiers/inde-pakistan/cachemire.shtml


إعلان