الأمير علي باي.. رحلة جاسوس إسباني من قصر سلطان المغرب إلى مكة

بمناظر تصويرية غاية في الروعة والجمال، وجودة تقنية عالية في الصوت والصورة، ووجوه فنية رفيعة تنحدر من بضع دول أوروبية إلى جانب المغرب، استرعى المخرج المغربي سهيل بن بركة انتباه عشاق السينما نهاية سبتمبر/أيلول 2019 بعروضه ما قبل الأولى لفيلمه الجديد “من رمل ونار.. الحلم المستحيل”.

ليست عودة المخرج السينمائي القدير إلى مزاولة إبداعه خلف الكاميرا، ولا ضخامة الإنتاج وسحر “المقبلات” التي قُدّمت للمتابعين منذ انطلاق تصوير هذا الفيلم الجديد قبل بضع سنوات.. ليس ذلك كله ما أثار انتباه الجمهور بقدر ما كان وقع القصة المنبعثة من رماد الماضي القريب لذلك الجاسوس الإسباني المسيحي الذي اندسّ في قصر السلطان المغربي المسلم “سليمان بن محمد” على مدى أكثر من عامين في بداية القرن الـ19، ونجاحه في إيهام الدولة المغربية وبعدها عدد من الحكام والدول العربية بشخصيته المنتحلة كأمير عربي منحدر من سلاسة الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

اكتشاف جديد للجاسوس

بمشهد صاخب يظهر فيه البطل الذي جسده الممثل الإسباني الشهير “رودولفو سانشو” في شخصية الأمير علي باي وهو يتلقى رسالة من حكام إسبانيا يدعونه فيها إلى وقف مهمته التجسسية والعودة إلى الديار فتنتابه هستيريا الغضب والتكسير؛ حمل المخرج سهيل بن بركة جمهور عروضه الأولى المخصصة لنخبة من الضيوف والصحفيين على الاقتناع بأنهم على موعد مع عمل سينمائي كبير.

“هي قصة جاسوس إسباني بُعث إلى المغرب لإسقاط السلطان مولاي سليمان المتحالف مع بريطانيا من أجل جبل طارق، وإلى جانب القصة المركزية يصوّر الفيلم قصة لقاء البطل ببريطانية أحبته بجنون، والتي انتقلت بدورها إلى سوريا وأسلمت”.. هكذا لخّص ابن بركة قصة فيلمه الجديد في بداية أحد عروضه التي سبقت خروج الفيلم إلى القاعات مع بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019.

في حديث أدلى به لوكالة الأنباء الفرنسية في مايو/أيار 2017 أثناء لحظات استراحته في أحد مواقع التصوير، قال المخرج سهيل بن بركة متعجبا: غريب جدا أنه لم يُعدّ أي فيلم عن علي باي حتى الآن[1].

أهم ما يُحسب للفيلم ومخرجه ومنتجيه هو وقع المفاجأة الذي خلّفه لدى الجمهور المغربي، والذي اكتشف لأول مرة هذه الشخصية التاريخية الحقيقية للأمير المزيّف الذي اخترق قصر السلطان المغربي ونفّذ جزءا من مخططاته وبلغ به الأمر حدّ الطمع في الانقلاب على السلطان وأخذ موقعه.

يقول المخرج سهيل بن بركة “قرأت كتابه عن رحلته إلى المغرب، لم أجد فيه سوى أمور تافهة عن حياته في قصر السلطان، لكني بعد ذلك اكتشفت أهمية هذا الجاسوس الذي أرسله ملك إسبانيا كارلوس الرابع للإطاحة بالسلطان”[2].

“برشلوني” في مهمة خاصة

في أحد أعداد مجلة “دعوة الحق” الفكرية التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، نجد مقالة منشورة في عام 1971 بعنوان “الجاسوس المغامر.. علي باي العباسي بالمغرب”.

يقول كاتب المقال في بدايته: لا يُعرف عن نشأته وتكوينه إلا أنه كان من طلبة جامعة بلنسية (Valencia) ، وأنه كان ذا إلمام بعلوم الرياضيات والفيزياء والفلك والطبيعيات، كما كان يتكلم بالإضافة إلى الإسبانية عدة لغات كالفرنسية والإيطالية والإنجليزية وحتى اللغة العربية التي تعلمها بمدريد[3].

وفي دراسة تعتبر من أهم ما كتب عن هذه الشخصية، نشرت مجلة الفكر العربي سنة 1988 سيرته المفصلة بقلم الدكتور الطاهر أحمد مكي بعنوان “أول رحالة إسباني يزور العالم العربي في مطلع القرن الـ19”.

يستهل الكاتب دراسته هذه بالقول إنها “كان رحلة عجيبة، وكان رحّالة أعجب.. أما الرحلة فإلى العالم العربي في مطلع القرن الـ19 وبالتحديد بين عامي 1803 و1807. وأما الرحالة فإسباني تقمّص دور شخصية عربية وارتدى زيا شرقيا واصطنع لنفسه نسبا عباسيا، ومضى يطوف العالم العربي تحت هذا الستار”[4].

وتُجمع المصادر على شح المعلومات الخاصة بطفولة ونشأة هذا الجاسوس الإسباني، باستثناء كونه ترعرع في برشلونة. كما لم يثبت أنه صاحب تعليم أو مسار أكاديمي، غير أن أحدا لا ينكر أنه تميز بالذكاء وحب المعرفة والولع بالقراءة، والميل إلى دراسة الرياضيات والجغرافيا والعلوم الطبيعية[5].

حلم أفريقي

اختار المخرج السينمائي سهيل بن بركة أن يبدأ سيناريو فيلمه الجديد من لحظة تكليف الجاسوس الإسباني باختراق القصر السلطاني بالمغرب. تقول مجلة “دعوة الحق” إن “باديا” بلغ سن الرجولة في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، في وقت كانت الدول الغربية ومنها إنجلترا وهولاندا وإسبانيا وفرنسا تسعى حثيثا إلى ضبط الوسائل التي تتيح لها تثبيت أقدامها في المناطق الشرقية والأفريقية لترويج تجارتها وتنمية مواردها وفتح مجالات العمل لرجالها، فاشتاقت نفسه للأسفار وتاقت للمغامرات؛ فاقترح على حكومته أن يقوم برحلة استكشافية علمية وسياسية في الأصقاع الأفريقية وبوجه خاص في المغرب الأقصى.

وتقوم الفكرة الأصلية لرحلة باديا على استكشاف كامل الصحراء الأفريقية التي تصل بين المحيط الأطلسي والمحيط الهندي، والغاية من ذلك تمكين إسبانيا من طُرق تجارية مختلفة عن تلك التي تسلكها باقي القوى الاستعمارية الأوروبية عبر البحر[6].

هذا الحلم باستكشاف المناطق العميقة في الصحراء الأفريقية انطلاقا من المغرب، تُفصّله رواية الإسباني رامون مايراتا “علي باي العباسي.. مسيحي في مكة” التي ترجمها إلى العربية رفعت عطفة، وتُعتبر بمثابة سيرة واقعية تبيّن مقدار الشغف الذي كان يسيطر على هذا العسكري الإسباني لإقناع القائمين على الحكم في مدريد بقدراته العلمية وأهمية ما يمكنه أن يعود به من رحلة علمية تتطلّب الكثير من الأموال[7].

ويكشف مقال مجلة “دعوة الحق” الدور الحاسم الذي لعبه “غودوي ألفارو دي فاريا” وزير الملك شارل الرابع الملقّب بـ”أمير السلام”، حيث ساند مطالبه حتى تمكّن من الحصول على حاجته من مال وأدوات لينجز مشروعه.

وجاء في المقال: كان من الأهداف التي وُكلت إليه الاتصال بعاهل المغرب مولاي سليمان ليلتمس منه أن يجعل تحت نفوذ إسبانيا مرسيين من المراسي المغربية الموجودة على المحيط الأطلسي، وأن يمنحها امتيازات تجارية خاصة مقابل وعد دولته بمساندته للقضاء على خصومه والمنشقين عنه[8].

ويضيف الكاتب المغربي صاحب مقالة “الجاسوس المغامر.. علي باي العباسي بالمغرب” في مجلة دعوة الحق، أن الوزير “دي فاريا” وجه “دومنغو باديا” للانتقال إلى خطة بديلة إذا لم يجد تفهما لدى مولاي سليمان، وهي التقرب من أنشط المنافسين له ليعرض عليه مساعدة إسبانيا، ويُحكم معه خطة الاستيلاء على العرش والقبض على مقاليد الحكم.

مسلم في باريس وعاشق في لندن

بدا الوزير “دي فاريا” في المشاهد الأولى من فيلم سهيل بن بركة شديد الحماسة للمهمة التجسسيّة، لكنه حرص على إخفائها عن الملك مكتفيا بتقديمها على أنها رحلة استكشافية علمية.

ورغم أن بعض الكتابات تنسب فكرة انتحال شخصية “علي باي” إلى هذا الوزير الإسباني، فإن فيلم “من رمل ونار.. الحلم المستحيل” يؤجلها إلى المرحلة الفرنسية من خروج الجاسوس الإسباني بحثا عن عناصر تقمّص ناجح لشخصية العربي.

هناك في باريس نضجت فكرة اتخاذ اسم “علي باي” كهوية جديدة سيعمل على صقلها في لندن التي توجه إليها بغايتين: الأولى هي التزود بأكبر قدر من الثقافة العربية على يد العارفين بها هناك، والثانية اقتناص آخر ما توصّلت إليه العلوم في مجال التنجيم وهو العلم الذي يستهوي السلطان المغربي سليمان بن محمد.

لكن سيناريو الفيلم السينمائي الجديد يجعل من لندن محطة رئيسية في القصة الثانوية المكرسة لخدمة البعدين الدرامي والتجاري في الفيلم، أي لقاء “دومينغو باديا” المتقمص لشخصية الأمير العربي بـ”ليدي سوسي هيستر ستانهوب” الحسناء البريطانية التي سيجعلها المخرج سهيل بن بركة بطلة قصة حب حارقة مع بطله.

وفي بعض النصوص التي خلّفها “دومنغو باديا” عن مغامرته الشيقة هذه، يُصرّ كثيرا ويؤيده في ذلك الكُتاب الإسبان الذين ألفوا حوله الروايات؛ على الطابع السفاري المحض لتجربته هذه، حيث يصرّ هؤلاء على أن الشق الجاسوسي منها لم يكن سوى وسيلة للتمويه على السلطات الإسبانية وإقناعها بتمويل الرحلة.

فقد سافر دومنغو إلى إنجلترا صحبة مرافقه المقترَح، وهو المستعرب “سيمون دي روخاس كلِيمِنْت” الذي اتخذ لنفسه لقبَ محمد بن علي. وهناك خضع للختان في نيسان/أبريل 1803 كي يُمكنَه البرهَنة على إسلامه أثناء وجوده في المغرب؛ البلاد التي عبر إليها يوم 29 يونيو/حزيران 1803، ودخلها في اليوم ذاته[9].

“أمير” في طنجة

بعد تعريجه على المحطتين الباريسية واللندنية مستغلا فخامة القصور التاريخية والمشاهد الطبيعية الخلابة في تأثيث فيلمه بمشاهد جميلة؛ يوصِل المخرج المغربي سهيل بن بركة بطله إلى مدينة طنجة شمال المغرب، والتي عُرفت طويلا بطابعها الدولي المنفتح.

هنا يبدو “دومنغو باديا” وقد استأنس بشخصيته الجديدة وبات مرتاحا في هندامه العثماني ومدرّبا على الحديث العربي الفصيح الذي تعلّمه خصيصا لهذه الرحلة.

وفي الوقت الذي يركّز فيه الفيلم على الاتصال المباشر بين “علي باي” والسلطات المغربية في طنجة، يكتب الجاسوس الإسباني في إحدى وثائقه كيف عاد من لندن إلى إسبانيا في أبريل/نيسان من سنة 1803 ويقول: أبْحرتُ من طريفة على متن قارب صغير، وبعد عبور مضيق جبل طارق في أربع ساعات دخلتُ إلى ميناء طنجة في العاشرة صباحا يوم 29 يونيو/حزيران من السنة ذاتها، وهو الموافق ليوم الأربعاء 9 ربيع الأول من عام 1218 للهجرة[10].

يستعين فيلم “من رمل ونار.. الحلم المستحيل” باللغة البصرية ليوحي للمشاهد بفداحة التفوّق الحضاري الذي باتت تتسم به أوروبا في تلك المرحلة مقارنة بالضفة الإسلامية من البحر المتوسط.

وعبّر الجاسوس “دومنغو” عن هذا الفارق الحضاري في مذكراته بالقول “إن غرابة إسبانيا عن المغرب تكاد تعادل غرابة فرنسا عن الصين”، وقال “إن المسافر لتلك المسافة القصيرة لفَرْسخيْنِ وثُلُثَي فرسخ -وهي أقصرُ مسافَةٍ بين الضفتين كلتيهما- فإنه يعثر على فرق عشرينَ قرنا”[11].

يروي دومنغو تفاصيل لحظة وصوله إلى الساحل المغربي، ويصف كيف “كان ملفوفا في جلباب ذي هيئة كيس خشن له قلنسوة، حافيَ القدمين وعاريَ الرِّجْلين، يحملُ في يده قصبة كبيرة”. وبعد ساعات من السؤال والجواب والتأكد من هويته وصحة وثائقه، أصبح “الأمير علي باي” القادم كما يزعم من سوريا ضيفا كبيرا على ممثلي السلطات المغربية[12].

يعلّق مقال مجلة “دعوة الحق” المغربية على أجواء وصول علي باي إلى المغرب قائلا: انفتحت أمامه الأبواب وابتسمت له الوجوه ولهجت الألسن بالثناء عليه؛ إذ كان سخي اليد مواظبا على تأدية صلواته بالمسجد، وكان يُطعم كل يوم 12 مسكينا.

ويضيف الكاتب أنه وبعد حفاوة الترحيب المحلي، “استقبله السلطان مولاي سليمان عندما زار طنجة في شهر أكتوبر/تشرين الأول 1803، فقبّل علي باي يده، وقدم له هدية تشتمل على أنواع من البنادق التي تصلح للحرب والصيد، وقدم قطعا حريرية وعطرا ومظلا ملكيا جميلا، فعبر له الملك عن رضاه وغمره بعطفه، فتيسر له التجول بالمدينة وضواحيها والشروع في إنجاز مهمته العلمية، إذ أخذ يسجل دون أدنى تستر ملاحظاته عن ظواهر جوية وفلكية ويجمع عينات نباتية ومعدنية وغيرها”.

رواية يصدّقها سيناريو فيلم “من رمل ونار.. الحلم المستحيل”، لكن مصادر أخرى تكاد تكذبها نافية أي لقاء بين الجاسوس الإسباني والسلطان المغربي في طنجة.

وتقول المصادر النافية إنه أثناء إقامة علي باي في طنجة جاء السلطان مولاي سليمان مُكرها، وذلك لأن سفينة مغربية استولت على سفينة أمريكية فتدخل الأسطول الأمريكي لافتكاكها وأسر قائد السفينة المغربية وطالبوا بحضور السلطان شخصيا لإنهاء الموضوع من خلال تصديقه على المعاهدات المبرمة بين البلدين، وهو السياق الذي يعني أن مجيء السلطان إلى طنجة كان بغرض معين وفي سياق متوتر[13].

جاسوس في موكب السلطان

غادر مولاي سليمان طنجة في 12 أكتوبر/تشرين الأول 1803، وفي 25 من الشهر نفسه رحل عنها علي باي ليبلغ العاصمة مراكش في 25 مارس/آذار 1804، وكان الملك حينها يستعد لزيارة مدينة الصويرة وإقليم سوس لتثبيت الأمن ونشر السلام.

جاء في مقال مجلة دعوة الحق: “كان الملك في مدة إقامته بمراكش يكرم الرجل العالِم الصالح ويستقبله بلين ويغمره بالهدايا، إذ أعطاه دارا واسعة بمراكش، وضَيعة ذات أشجار مثمرة، وخوّله جاريتين، إلا أنه حسب ما ورد في كتابه أبدى رغبته عنهما معتذرا بكونه نذر ألا يتزوج إلا بعد أداء فريضة الحج”[14].

اعتمد “باديا” على الإفراط في تضخيم الخطر الخارجي القادم من فرنسا وبريطانيا لترسيخ وجوده في المغرب، وكسب ثقة السلطان المتوجّس من جارته الشمالية إسبانيا التي فرغ لتوه من طردها من جل نقط تموقعها في سواحل المغرب[15].

مكث علي باي بمراكش نحو السنة، وتقول مجلة دعوة الحق إنه حاول مرارا أن يستدرج الملك إلى عقد اتفاق مع إسبانيا لتحصل على الامتيازات التجارية المذكورة، غير أن محاولاته باءت بالفشل، فعزم وهو في مهمة كلفه بها السلطان بالصويرة على مد اليد لشخصين متمتعين بنفوذ محلي ليشقا عصا الطاعة على الملك، وكاتَب رئيس الحكومة الإسبانية “غودوي” في الموضوع بواسطة ممثل إسبانيا بالصويرة.

في رسالته إلى الوزير “غودوي” في منتصف مايو/أيار 1804 يقول باديا: كل الباشوات هنا خداميّ، وأنا سيد الإمبراطورية بالحب أو بالخوف والاحترام، وظهوري على رأس ثلاثة آلاف جندي يجعلهم يسارعون بتقديم التاج إلي، وأنا الآن أعتمد على عشرة آلاف، وقد أحتاج إلى معاونة القوات الإسبانية في سبتة؛ فأرسِلوا إليها ما ترونه ضروريا من قوات[16].

ظل “غودوي” محافظا على حماسته ودعمه الكبيرين لعلي باي، وحاول إقناع الملك كارلوس الرابع بالاستجابة لطلباته الواردة في مايو/أيار 1804 بالتحرك عسكريا في اتجاه مدينة سبتة، لكن الملك رفض الاستجابة لذلك خوفا من تحرك قوى أوروبية أكثر قوة من إسبانيا والاستحواذ على المغرب، خاصة منها فرنسا.

فشل محاولة جلب الدعم العسكري الإسباني لقيادة الثورة جعل علي باي يفكر في استئناف رحلته الأصلية نحو العمق الأفريقي، فحصل على إذن من السلطان باختراق جبال الأطلس نحو الجنوب، وانضم إلى قوافل تجارية بالفعل، لكن باشا مدينة مراكش اعترض طريقه بعد تصاعد شكوكه في نوايا علي باي وأعاده إلى المدينة، فلم يبق أمامه من خيار سوى التوجه شرقا بمبرر الرغبة في أداء فريضة الحج.

الممثل الإسباني الشهير "رودولفو سانشو" في شخصية الأمير علي باي
الممثل الإسباني الشهير “رودولفو سانشو” في شخصية الأمير علي باي

طرد الحاج دومنغو

وهو يستعد للقيام برحلة الحج التي تبدو في فيلم “من رمل ونار.. الحلم المستحيل” شديدة الارتباط بالرغبة في اللقاء بـ”باي” الجزائر والتحالف معه ضد السلطان المغربي؛ تحدث تطورات دولية متسارعة جعلت فرنسا وإسبانيا تتحدان لمواجهة بريطانيا التي لم تعد رحيمة بالأساطيل الإسبانية.

وفي طريقه نحو الشرق حاملا معه رسائل من السلطان إلى كل من باي الجزائر وداي تونس؛ انكشف أمر علي باي وهو بالكاد يتجاوز مدينة فاس، حيث ازدادت شكوك رجال السلطان في حقيقة نواياه، فقرروا قطع الطريق عليه قبل وصوله إلى الجزائر، وتم توقيفه وصدر قرار السلطان بأخذه إلى السواحل الغربية وإجباره على مغادرة البلاد دون رجعة.

ويبدو السلطان في أحد مشاهد الفيلم، وقد فاجأ حاشيته بقراره هذا، حيث استغربوا امتناعه عن قتله، لكنّه دافع عن موقفه بالقول إنه لا يريد منح “علي باي” شرف الشهادة، كما يعوّل على سلاح النسيان لإخراجه من التاريخ.

بلغ علي باي مدينة “العرائش” في الساحل الغربي للمغرب في 17 أغسطس/آب 1805، وهناك أُرغم على التخلي عن خدمته وأسرته والمغادرة وحيدا مع إبلاغه رسالة صارمة من السلطان مفادها: اذهب ولا تعد.

بعد أسابيع من الانتظار والإبحار، وصل علي باي إلى طرابلس الليبية في أكتوبر/تشرين الأول، وهناك عاود اللعبة نفسها، حيث تقمص دور الشخصية العربية المرموقة وربط علاقات مع علية القوم والتجار الأجانب، قبل أن يغادر في اتجاه الإسكندرية في يناير/كانون الثاني 1806، ولم يبلغ وجهته هذه في الديار المصرية إلا في مايو/أيار 1806، نظرا للصعوبات التي واجهتها السفينة واضطرارها للرسو لأسابيع في أحد الموانئ القبرصية.

إحياء الخطة في القاهرة

في طريقه من الإسكندرية إلى القاهرة أوهم علي باي من التقاهم بأنه مبعوث إسلامي خاص إلى الديار المقدسة في مكة، فكان يجد حفاوة في الاستقبال وترحابا كبيرا، وساوره حلمه القديم بالسيطرة على المغرب وكتب إلى صديقه الوزير “غودوي” داعيا إلى ذلك من القاهرة حين التقى أعدادا كبيرة من المغاربة الناقمين على حكم السلطان سليمان، خاصة منهم “مولاي سلامة” المطالب بالعرش المغربي لنفسه، وكانت بعض مناطق شمال المغرب قد أعلنته بالفعل سلطانا شرعيا عليها[17].

وقد ولّدت فترة إقامة “علي باي” في القاهرة أفكارا جديدة لديه هو وصديقه غودوي، منها محاولة فتح طريق تجارية جديدة بين إسبانيا والفلبين عن طريق مصر، وذلك في وقت كان فيه محمد علي في أوج سيطرته على الأراضي المصرية.

ويستشف الدارسون للتاريخ في كتابات “علي باي” عن هذه المرحلة بروز ذلك التناقض المبكر بين تطلع محمد علي ومن معه إلى التحديث والتطوير على الطريقة الأوروبية، وصعود تيار ديني جديد يميل إلى الماضي وأمجاده، وهي بوادر صعود الوهابية.

لقد تزامن وصول “علي باي” إلى أرض الإسلام مع أحداث جيوسياسية متسارعة، حيث كان الأوروبيون في ذروة تنافسهم قبل الخروج الاستعماري الكبير لاحتلال جزء شاسع من العالم، وضمنه الدول الإسلامية.

وفيما يقتصر فيلم “من رمل ونار.. الحلم المستحيل” على جزء صغير من سيرة “باديا”، فإنه ومن خلال شخصية “علي باي” يكثّف الروائي الإسباني رامون مايراتا التحولات التي كانت تشهدها المنطقة العربية من صعود للتيار العربي في مواجهة الحكم العثماني، وصعود الوهابيين في شبه الجزيرة العربية التي صادف وجوده فيها خلال تأديته فريضة الحج، حيث مُنع هناك من زيارة قبر النبي ومن تناول القهوة.

الفيلم يحكي قصة جاسوس إسباني بُعث إلى المغرب لإسقاط السلطان مولاي سليمان
الفيلم يحكي قصة جاسوس إسباني بُعث إلى المغرب لإسقاط السلطان مولاي سليمان

مسيحي متنكر في مكة

انتقل باديا من مصر مباشرة إلى مكة لأداء فريضة الحج. ورغم أن مستكشفين أوروبيين آخرين زاروا مكة أو اقتربوا منها قبل علي باي، فإنه خلّف أكثر الوثائق والرسومات الجغرافية دقة عن تلك المرحلة.

وبعد عودته من الحج، استقر في مصر أسبوعين ثم غادر نحو فلسطين، وخلّف عن تلك الزيارة وثائق ثمينة وصف فيها الكنيسة والخليل والناصرة.. وبعث تقارير عن حالة الرهبان الإسبان المقيمين في فلسطين. وبعد ذلك توجه نحو دمشق السورية، حيث لاحظ الدارسون أن تحركاته باتت تتسم بالسرعة وعدم الاستقرار في هذه المرحلة، وذلك نظرا إلى استشعاره تنامي شكوك محمد علي المعتمد على شبكة استخباراتية قوية في هوية هذا الزائر الغريب.

يقول “دومنغو باديا” في أحد كتبه “أُلقيت مرساة مركبنا بحبالها في ميناء جدة بنجاح، وهو ما يعني نهاية تلك الرحلة البحرية”، واصفا مدينة جدة بأنها مدينة جميلة “بشوارع منتظمة وبيوت لطيفة ذات طابقين أو ثلاثة طوابق مبنية جميعها من الحجر، وإن كان بناؤها أقل متانة نوعا ما..”. فيما خلّف “باديا” كتابات ورسومات ثمينة عما شاهده في رحلة حجه، كما قدم وصفا دقيقا للأماكن الأكثر أهمية لدى المسلمين بما فيها الكعبة وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم.

عود على بدء

ورغم أنه كان يدّعي انحداره من أسرة حلبية، فإن المدققين في الوثائق التي خلفها “علي باي” ومراسلاته يلاحظون أنه لم يكتب شيئا عن حلب، ويرجح أنه توجه مباشرة من دمشق إلى إسطنبول (القسطنطينية)، وذلك مع تنامي مخاوفه من خطر الشكوك العربية في هويته، وتحديدا من جانب محمد علي.

وأثناء إقامته في عاصمة العثمانيين، شهد التمرد الذي أطاح بسليم الثالث المنادي بالتحديث. ولم يحلّ يناير/كانون الثاني 1807 إلا وقد عبر علي باي الحدود العثمانية نحو النمسا، ومنها انتقل إلى ميونخ الألمانية حيث باغته المرض الذي أصابه أول مرة في مدينة مراكش، لكنه واصل مسيره نحو باريس ثم مدريد التي وصلها وقد نقلت تاج الملك من كارلوس الرابع إلى جوزيف الأول شقيق نابليون الذي أخضع إسبانيا لحكمه.

وبينما تصوّر بعض المصادر مثل فيلم “من رمل ونار.. الحلم المستحيل” علي باي على أنه انتهازي براغماتي اختار الاصطفاف إلى جانب نابليون المنتصر، تقول أخرى إن ذهابه إلى فرنسا كان بطلب من كارلوس الرابع كي يكون “في خدمة” بلاده إسبانيا من داخل بلاط الإمبراطور نابليون.

هناك في فرنسا، تؤكد المصادر أن باديا التقى الإمبراطور نابليون، رغم أنها تختلف في عدد اللقاءات. وهناك انتهز باديا الفرصة ليحصل على الدعم لنشر كتب رحلاته الاستكشافية، لكنه لم يفلح في إقناع نابليون بتنفيذ خططه القديمة للسيطرة على المغرب.

وبعد تغيّر الأحوال السياسية في فرنسا إثر هزيمة نابليون وقيام ثورة جديدة ضده أعادت الملكية في شخص لويس الثامن عشر، يُبرز فيلم “من رمل ونار.. الحلم المستحيل” ما يُصرّ على أنه وجه انتهازي لباديا، حيث يظهر في أحد المشاهد منهمكا في تحضير كتاب إحدى رحلاته للنشر، فتصله أخبار انقلاب الأوضاع السياسية وانتقال الحكم من نابليون إلى لويس الثامن عشر، فيحذف الصفحة الأولى من الكتاب ويغير إهداء الكتاب الذي كان موجها لنابليون بإهداء آخر إلى الملك الجديد.

 "باديا" اعتمد على الإفراط في تضخيم الخطر الخارجي القادم من فرنسا وبريطانيا لترسيخ وجوده في المغرب
“باديا” اعتمد على الإفراط في تضخيم الخطر الخارجي القادم من فرنسا وبريطانيا لترسيخ وجوده في المغرب

“أبو عثمان”.. اسم جديد في فرنسا

بعد عودة الرخاء والاستقرار إلى فرنسا، عاد باديا من جديد إلى مشاريعه القديمة، واقترح عام 1815 من جديد على وزير الخارجية الفرنسي التركيز على احتلال المغرب، مبررا ذلك بقرب المغرب مقارنة بأمريكا اللاتينية وسهولة استغلاله. والوصفة السحرية برأي باديا لاحتلال بلد مثل المغرب دون تحويل سكانه جميعا إلى مقاتلين بفعل الغزو المسيحي، كانت البحث عن أمير مسلم مستنير يقبل التنازل عن جزء من أراضي المغرب لدولة أوروبية هي فرنسا.

واقترح “الجنرال باديا” (المشير باديا كما وقع الوثيقة) إيفاد أوروبي يتظاهر بالإسلام، ملمحا إلى استعداده القيام بالمحاولة من جديد. لكن الوزير الفرنسي لم يجاهر باديا في أحلامه، ولم يول أي اهتمام لهذه المقترحات[18].

وبعد محاولات عديدة لإقناع فرنسا بتمويل رحلة جديدة لاكتشاف طرق وأسواق مكة والقسطنطينية والهند وأفريقيا، خرج باديا مجددا من باريس عام 1817 وحمل هذه المرة اسما عربيا جديدا هو الحاج علي أبو عثمان، نسبة إلى ابنٍ رزق به أثناء إقامته في المغرب سمي عثمان.

ومرورا بإيطاليا وصل “أبو عثمان” إلى القسطنطينية حيث حاول إقناع القنصل الفرنسي بدعم رحلته الجديدة، والتي كان الهدف منها دراسة جيولوجيا المنطقة العربية، وفي الوقت نفسه التمكن من اللقاء مجددا بالـ”ليدي” سوسي هيستر ستانهوب قريبة رئيس الوزراء البريطاني “ويليام بيت” التي شخصت دورها الممثلة الإيطالية كارولينا كريشنتيني، والتي انتقلت إلى المشرق عام 1810 وأقامت في قرية جوني اللبنانية، حيث سمح لها العثمانيون باتخاذ حراس مسلحين وبسط سلطتها على الجبل حيث تقيم ملقبة باسم “ميليكي”، وتقول الدراسات المتوفرة إن لقاءه بها لم يُكتب نظرا لوعورة الجبال والطرق المؤدية إليها.

وفي دمشق ألمّ المرض مجددا بباديا، وتفاقمت نكبته بسرقة أحد خدامه لما كان بحوزته من أموال، فاضطر للخروج بما تبقى لديه في رحلة جدية نحو الحج منتصف شهر أغسطس/آب 1818، وسرعان ما باغته الموت قبل نهايتها، ليدفن على الطريقة الإسلامية في الجنوب الشرقي من الأردن[19].

كتب التاريخ تحمل عددا كبيرا من الروايات حول الجاسوس الإسباني
كتب التاريخ تحمل عددا كبيرا من الروايات حول الجاسوس الإسباني

سُمّ الحب أم السياسة؟

اختار فيلم “من رمل ونار.. الحلم المستحيل” أن يتبنى رواية مقتل باديا على يد “ليدي سوسي هيستر ستانهوب” التي يقول سيناريو الفيلم إنه زارها وحين اكتشفت هويته الحقيقية دست له السم الذي قتله في طريقه نحو الحج.

لكن كتب التاريخ تحمل عددا كبيرا من الروايات التي يلتقي جلها في دسائس القوى الأوروبية ضد بعضها البعض وتنافسها على اكتشاف الطرق المؤدية إلى أسواق ومستعمرات جديدة.

وتُصرّ إحدى تلك الروايات على أن موت باديا مرتبط بخطته الأصلية لاحتلال المغرب، حيث كانت القوى الأوروبية كلها تعلم أنه يخفي تفاصيل الخطة على الجميع طلبا للحكم لنفسه.

بل إن هناك من يعتقد أن باديا لم يمت في تلك الرحلة أصلا، بل هي مجرد خدعة جديدة منه انطلت على المؤرخين، حيث اختفى عن الأنظار مواصلا مغامراته بكل حرية.

 

المصادر:

[1] https://newspaper.annahar.com/article/592253-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D8%B3%D9%88%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D9%86-%D8%A7%D9%84-18%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D9%81%D9%8A%D9%84%D9%85-%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A

[2] https://newspaper.annahar.com/article/592253-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D8%B3%D9%88%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D9%86-%D8%A7%D9%84-18%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D9%81%D9%8A%D9%84%D9%85-%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A
[3] http://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/3555

[4] https://hekmah.org/%D8%A3%D9%88%D9%84-%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%B2%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%81%D9%8A/
[5] https://hekmah.org/%D8%A3%D9%88%D9%84-%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%B2%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%81%D9%8A/
[6] https://hekmah.org/%D8%A3%D9%88%D9%84-%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%B2%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%81%D9%8A/
[7] رامون مايراتا، “علي باي العباسي.. مسيحي في مكة”، ترجمة رفعت عطفة، ورد للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق
[8] http://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/3555

[9] https://www.alaraby.co.uk/texts/2015/5/7/%D8%AA%D9%84%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9-%D8%B0%D9%84%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D8%B3%D9%88%D8%B3

[10] https://www.alaraby.co.uk/texts/2015/5/7/%D8%AA%D9%84%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9-%D8%B0%D9%84%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D8%B3%D9%88%D8%B3
[11] https://www.alaraby.co.uk/texts/2015/5/7/%D8%AA%D9%84%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9-%D8%B0%D9%84%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D8%B3%D9%88%D8%B3

[12] https://www.alaraby.co.uk/texts/2015/5/7/%D8%AA%D9%84%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9-%D8%B0%D9%84%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D8%B3%D9%88%D8%B3
[13] https://hekmah.org/%D8%A3%D9%88%D9%84-%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%B2%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%81%D9%8A/
[14] http://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/3555

[15] http://www.alriyadh.com/627685#
[16] https://hekmah.org/%D8%A3%D9%88%D9%84-%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%B2%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%81%D9%8A/

[17] https://hekmah.org/%D8%A3%D9%88%D9%84-%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%B2%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%81%D9%8A/

[18] https://hekmah.org/%D8%A3%D9%88%D9%84-%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%B2%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%81%D9%8A/

[19] https://hekmah.org/%D8%A3%D9%88%D9%84-%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%B2%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%81%D9%8A/

 


إعلان