قولوا لعين الشمس.. أغنية الوجع والفقد والتسليم
رغم أن “قولوا لعين الشمس” سبقت النكسة، فإن كثيرين ربطوها في تلك الأيام بمشاعر الخيبة والانكسار. ففي مطلع القرن العشرين كان بطرس غالي الجد (1846- 1910) واحدا من أهم سدنة الاحتلال الإنجليزي بمصر، وأثناء توليه القضاء أصدر أحكاما مجحفة بحق الفلاحين والقرويين فاستضعفهم وصادر حقولهم وأرغمهم على العمل سخرة لخدمة البريطانيين.
وعندما سكن الوجع والقهر ربوع البسطاء، قدم الشاب المسيحي إبراهيم نصيف الورداني من سويسرا حيث كان يدرس الصيدلة وقرر أن يثأر لبني وطنه من قاضي الاحتلال.
وفي يوم مشهود بمصر، أودع الشاب الورداني خمس رصاصات في جسد بطرس غالي وأرسله فورا إلى الموت.
وما إن اقتيد الورداني إلى منصة الإعدام، حتى تحرك الوجدان المصري عفويا للتعبير عن الحزن الجمعي، فخرج الأهالي يرجون القدر أن يترفّق ببطلهم وهم يرددون:
قولوا لعين الشمس ما تحماشِ
أحسن حبيب القلب صابح ماشي
كانت هذه أشهر قصة حديثة ترتبط بأغنية “قولوا لعين الشمس” التي تسرد الجزيرة الوثائقية تاريخها ضمن سلسة “حكاية أغنية”.
صرخة ضد السلطة
ولكن المؤرخين الموسيقيين يقولون إن جذور الأغنية سبقت ذلك التاريخ وترتبط بكل معاني القهر والغضب من السلطة.
يقول الناقد الفني آدم ميكوي إن هذه الأغنية صرخة ضد السلطة وتعبر عن الوجع الشعبي، فيما يوضح الكاتب سيد محمود أنها جزء من الفلكلور والعادات والتقاليد المصرية القديمة.
ويروي الكاتب الصحفي محمد دياب “ربما لها علاقة بعمل السخرة في حفر قناة السويس، هناك أغان أخرى ظهرت في ذلك الوقت ولها معان مشابهة”.
وعندما كان أبناء الريف يساقون للعمل سخرة كانت الأمهات تتبعهم وهن يتوجعن ويتمنّين أن تترفق الشمس بهم فلا تلفحهم بأشعتها أثناء العمل الشاق.
ويقال إن المطربة أمينة شخلع هي أول من غنى “قولوا لعين الشمس”. ولكن لا يوجد تسجيل يثبت هذه الأسبقية.
أما سعاد مكاوي فقد غنت “قولوا لعين الشمس” بمناسبة تسيير مركب شراعي في مدينة الإسكندرية المطلة على الأبيض المتوسط.
جولة في الصعيد
وفي منتصف الستينيات تجول سيد الألحان بليغ حمدي في قرى الصعيد للبحث عن كلمات شعبية تجسد الإبداع الجمعي الذي لا يُعرف مؤلفه ولا ملحنه. وقد وقع اختيار بليغ على كلمات “قولوا لعين الشمس” وقرر أن ينقلها إلى عالم الأضواء ليتحف بها الوسط الفني في القاهرة.
يومها طلب من الشاعر مجدي نجيب أن يكتب له كلمات جديدة مشحونة بمفردات الانكسار والرجاء، على أن يحتفظ بالمطلع القديم “قولوا لعين الشمس ما تحماش”.
هذه الكلمات غنتها شادية وعبرت عنها بطريقة تحاكي النواح والبكاء ووجع الأمهات، رغم أنها كانت دائما تقدم صوت البهجة والسطوع والفرحة والمرح والحضور الأنثوي.
وفي مقطع من الوثائقي، يظهر راديو عتيق لينبعث منه صوت جهوري ومنكسر في ذات الوقت: “لقد قررت أن أتنحى تماما ونهائيا عن أي منصب رسمي”.
كان ذلك صوت جمال عبد الناصر في أعقاب نكسة 1967 التي هزمت فيها إسرائيل الجيوش العربية مجتمعة خلال ستة أيام واحتلت سيناء والجولان وقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس.
ورغم أن “قولوا لعين الشمس” سبقت النكسة، فإن كثيرين ربطوها في تلك الأيام بمشاعر الخيبة والانكسار، إلى حد أن صاحب تاكسي أمر الشاعر مجدي نجيب النزول من سيارته عندما علم أنه صاحب الكلمات.
مع شادية
لكن الأغنية حافظت في النهاية على ألقها وظلت كلماتها تقتحم الوجدان عند المرور بالمحن والمصائب وأمام آلام الغربة والفقد والرحيل والوداع.
وبعد الحديث لكوكبة من الموسيقيين والفنانين، تعود شادية من جديد لتشدو في ختام الوثائقي:
قولوا لعين الشمس ما تحماشِ
أحسن حبيب القلب صابح ماشي
يا حمام يا حمام طير قبله قوام يا حمام
خلي له يا حمام الشمس حرير يا حمام
ويا ناس لو غاب يا ناس خلوه يبعت لي سلام
دي الآه بقولها وهو ما يدراشِ
وفي بعده طعم الدنيا ما يحلاشِ
قولوا لعين الشمس ما تحماشِ
أحسن حبيب القلب صابح ماشي
لا حنام أيام ولا حتى أشوف أحلام
أيام وإزاي لو غاب حتفوت الأيام
ويا ناس لو غاب يا ناس خلوه يبعت لي سلام
دي الآه بقولها وهو ما يدراشِ
وفي بعده طعم الدنيا ما يحلاشِ
قولوا لعين الشمس ما تحماشِ
أحسن حبيب القلب صابح ماشي
آه يا ناس مطرح خطاويه ما تروح
اسقوه بحنان اسقوه وادوا له الروح
ويا ناس لو غاب يا ناس خلوه يبعت لي سلام
دي الآه بقولها وهو ما يدراشِ
وفي بعده طعم الدنيا ما يحلاشِ
قولوا لعين الشمس ما تحماشِ
أحسن حبيب القلب صابح ماشي