السينما الجزائرية.. الرديف الوفي لثورة تحرير بلد المليون شهيد
هل للسينما الجزائرية فضل على ثورة التحرير الجزائرية أم العكس؟ يحتمل هذا السؤال الإجابتين، إذ يعترف معظم النقاد والباحثين المتخصصين في المجال السينمائي بفضل ثورة التحرير الجزائرية في ميلاد السينما الجزائرية التي كانت بداياتها توثيقية بالأساس للمقاومة الجزائرية إبان اندلاع الثورة ضد المستعمر الفرنسي، حيث وقفت عدسات الكاميرا جنبا إلى جنب مع فوهات بنادق المجاهدين لتكون صوت القضية الجزائرية.
ثورة التحرير.. كفاح البندقية والكاميرا جنبا لجنب
لقد عملت الثورة الجزائرية منذ بدايتها على تسخير كل الوسائل السمعية والبصرية التي أتيحت لها من أجل توثيق كفاح الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، فكانت المادة الأساسية للأفلام من صميم الواقع اليومي للثورة. وفي تلك الفترة سُجلت ولادة متميزة ومتفرّدة لسينما أقرب إلى الواقعية الإيطالية، لكنها ارتبطت ارتباطا مباشرا بالنضال ضد الاستعمار، فلم يكن للأعمال السينمائية المنتجة حينها سوى خيار واحد، وهو مواجهة الآلة الدعائية للمستعمر الفرنسي وتوثيق نضال مسلح لمجاهدين أرادوا تخليص الشعب من معاناة دامت قرابة قرن ونصف في ظل الاستعمار.
كان دور السينما في الجزائر توثيقيا من جهة، ودعائيا من جهة أخرى خلال حرب التحرير التي دامت قرابة سبع سنوات (1954-1962)،وكان للسينمائيين في الجزائر -خاصة خلال فترة حرب التحرير- مهمتان كبيرتان هما القيام بدعاية كبيرة من أجل التعريف بالثورة الجزائرية، والتوثيق من أجل تأسيس ذاكرة فنية تحفظ أحداث الثورة.
كما قدمت السينما الجزائرية الرواية المضادة التي كان يطمسها المستعمر الفرنسي، وكان هذا الدور دليلا مثبتا لجرائم المستعمر الفرنسي التي ارتكبت في حق الشعب الجزائري، فقد تمكنت السينما التحريرية في الجزائر من الاضطلاع بدور جبّار في الثورة بالتزامن مع اندلاع حرب التحرير، وتجاوزت الأبعاد التقليدية لصناعة السينما التي سطرتها هوليود، فقد كانت الكاميرا سلاحا حقيقيا وكان المخرجون مقاومين على أرض المعركة، من أجل تقديم صور حية وواقعية عن بطولات المجاهدين الجزائريين وكشف جرائم المستعمر الفرنسي الذي كان يشن حربا استنزافية حقيقية في الجزائر.
سينمائيو الجزائر.. مقاومون على أرض المعركة
لم تكن السينما الجزائرية خلال حرب التحرير وبعد الاستقلال مجرّد نزعة أو ربما نزوة حماسية أو مغامرة فرضها سياق تاريخي معيّن، بل كانت انطلاقتها في تلك الفترة على أسس مدروسة بوّأتها مكانة كبيرة في العالم، إذ يصنفها أحد النقاد الأمريكيين على أنها “دون شك السينما الأكثر ثراء وإبداعا في العالم العربي، فقد حازت على شهرة عالمية، وهي المنافس الوحيد للسينما المصرية”.
كانت البداية بأفلام تسجيلية سجلت من أرض المعركة وحملت مشاهد حقيقية، وهي تذكّرنا بالواقعية الإيطالية التي غيّرت الذاكرة الجماعية الإيطالية لفترة ثلاثة عقود، خاصة أفلام المخرج الإيطالي “روسيليني” مثل “روما نوافذ مفتوحة” (Roma Citta Aperta) الذي عرض في العام 1944 و”بايزان” (Paisan) في العام 1946، وهو الفيلم الذي استعمل فيه المخرج جثثا حقيقية عند تصوير الفيلم.
لكن ما يميّز سينما المقاومة الجزائرية عن غيرها هو أن السينمائيين كانوا مجاهدين بحق، فهم جنود ومحاربون بكل ما يحمله هذا اللفظ من معنى فمواجهة الموت في ساحة المعركة كان أمرا حتميا، ويقول الكاتب “جان ألكسان” في كتابه “السينما في الوطن العربي”: إن السينما الجزائرية هي إحدى المعطيات التي أفرزتها حرب التحرير، بل إن مجموعة من السينمائيين استشهدوا في هذه الحرب منهم معمر زيتون وعثمان مرابط ومراد بن رايس وصلاح الدين السنوسي وعلي جنادي، لقد كانت الحاجة ملحة لإيجاد سينما تواكب مسيرة حرب التحرير التي بدأت عام 1954.
ميلاد السينما الجزائرية.. عملية التغريب الثقافي
من المفارقات أن العديد من الأجانب قد ساهموا في إنتاج أفلام المقاومة، بل أسسوا للسينما الجزائرية مثل “ريني فوتييه” و”سيسيل ديكوجيس” و”بيار كليمون”، إلى جانب مخرجين من الجزائر مثل أحمد راشدي وجمال شندرلي ومحمد لخضر حامينة، فقد كان سلاح هؤلاء الجزائريين والسينمائيين الأجانب المتعاطفين مع الثورة هو الصورة والتوثيق والدعاية لها، وكانت الأفلام المنتجة في تلك الفترة أداة كفاح بحق.
ولدت السينما الجزائرية لسببين رئيسين هما مواجهة عملية التغريب الثقافي التي استعملها المستعمر الفرنسي لطمس الهوية الجزائرية بأدوات ثقافية كثيرة من ضمنها السينما، ومن أجل التوثيق والدعاية لحق الجزائريين في التحرر من الاستعمار وكشف ما يدور فعليا على ساحة المعركة، ولم تكن ظروف الإنتاج سهلة.
وهذا ما يؤكده الكاتب “ألكسان جان” قائلا: لا يخفى علينا أن تلك الأفلام صورت وأنجزت في ظروف صعبة جدا وبوسائل مادية محدودة على أيدي سينمائيين تنقصهم التجربة ولكنها كانت بحق شهادة هامة وبرهانا ملموسا على تلك المرحلة الصعبة.
“الجزائر تلتهب”.. إنتاج مهم رغم قساوة الواقع
رغم قساوة الظرف التاريخي في الجزائر التي كانت تقاوم من أجل تحررها، وجد مخرجو الأفلام في ميدان حرب التحرير مجالا خصبا لإنتاج الأفلام، ولقد كان أمرا جنونيا أن يكون ميدان التصوير حقيقيا وأن يعطي المخرجون بظهورهم تارة ويواجهوا بصدورهم تارة أخرى قذائف المدافع وفوهات بنادق جيوش المستعمر الفرنسي، وأن يكونوا رهائن لزاوية محدودة لعدسة الكاميرا، غير عابئين بالموت الذي يمكن أن يكون متربصا بهم في زوايا أخرى.
لقد أُنتجت أفلام كانت ثمرة تصوير المعارك الطاحنة خلال حرب التحرير مثل فيلم “اللاجئون” (Les Réfugiés) للمخرجة الفرنسية “سيسيل ديكوجيس” الذي أنتجته في العام 1957، وصوّر معاناة اللاجئين الجزائريين، وفيلم ” الجزائر تلتهب” (Algérie en flammes) للمخرج الفرنسي “ريني فوتي” في العام 1958، الذي أخرج أيضا فيلم “عمري ثمان سنوات” (J’ai Huit Ans) في العام 1961 بالاشتراك مع المخرجين الفرنسي “يان لوماسون” والسوفياتية ” أولغا فارين”، وفيلم “ساقية سيدي يوسف” (Sakiet Sidi Youssef) للمخرج الفرنسي “بيار كليمان” سنة 1958، الذي حوكم بعشر سنوات سجنا من قبل سلطات بلاده بتهمة تهديد الأمن الخارجي لفرنسا.
لقد كانت كل تلك الأفلام نافذة واسعة فتحت على مصراعيها لتظهر أحداثا وحقائق حية عاشها الجزائريون خلال حرب التحرير وبعد الاستقلال، فكانت الأفلام التي أنتجت خلال معركة التحرير بالخصوص ملهمة، بسبب واقعيتها وقيمتها التوثيقية، إلى درجة أن وزارة الدفاع الأمريكية قد عرضت في العام 2003 فيلم “”معركة الجزائر” الذي أنتج في العام 1966، وهو عمل فني كبير للمخرج الإيطالي “جيلو بونتيكورفو”، من أجل الاطلاع على الاستراتيجيات الحربية التي انتهجتها المقاومة الشعبية الجزائرية، وذلك للتحضير لفترة ما بعد غزو العراق، ومواجهة المقاومة العراقية إبان الغزو الأمريكي سنة 2003.
“رونيي فوتيي”.. فرنسي بقلب جزائري
تتميّز السينما الجزائرية بخصائص “أسطورية”، فلم تكن ولادتها في الاستوديوهات ولم يكن المخرجون قادرين على إدارة الممثل أو العمل في ميدان آمن، فخلال تلك الحرب البطولية التي خاضها الجزائريون، ولدت سينما “الجبال الثورية”، في جبال أوراس، ورغم أن بعض الدراسات تنسب بداية السينما الجزائرية إلى فيلم “غطاسو الصحراء” الذي أخرجه الجزائري “الطاهر حناش” قبل اندلاع ثورة التحرير، والذي كان يملك شركة إنتاج سينمائي خاصة، فإن مخرجين فرنسيين بالتحديد هم من أسسوا للسينما الجزائرية التحررية من خلال مساعدة “جبهة التحرير الوطني” على استخدام السينما في نشر قضية الشعب الجزائري، وكان من أهم هؤلاء المخرجين الفرنسي “ريني فوتيي”.
قاد “فوتييه” مرحلة التأسيس للسينما الجزائرية، وكان منحازا بشدة لقضية الشعب الجزائري، فقد استقال من الحزب الشيوعي الفرنسي والتحق بالمقاومة الجزائرية في جبال أوراس في العام 1956، وكان ذلك بمبادرة من الشهيد عبان رمضان، أحد أهم الفاعلين في “مؤتمر الصومام” في العام 1956.
حمل المخرج الفرنسي “ريني فوتييه” كاميراته وكان أول من وثّق معارك جيش التحرير في جبال “أوراس” خلال ثورة التحرير، لذلك يعتبر من الآباء المؤسسين للسينما الجزائرية الثورية التي أنشئت نواتها في العام 1957، أي بعد ما يقارب ثلاث سنوات من اندلاع الثورة، وكان ذلك رد فعل قوي على الحرب النفسية التي كان يشنها المستعمر الفرنسي حتى يزعزع ثقة الجزائريين في ثورتهم.
وفي العام 1957 أشرف “فوتيي” على “مدرسة التكوين السينمائي”، وكان طلبتها جنودا تعلموا أبجديات السينما، فقد آمن “ريني فوتييه” بقوة الصورة، واعتبرها سلاحا يمكن أن يحقق نصرا كبيرا للمقاومة، فأصبح الجنود ناقلين لصورة الكفاح المسلح في الجبال، ونقلت الأفلام في شكلها الأول إلى يوغوسلافيا وبرلين لتحميضها وتركيبها، لكن المدرسة لم تصمد خاصة بعد استشهاد جل طلبتها الجنود في ميدان الحرب مثل محمود فاضل ومعمر زيتوني وعثمان مرابط ومراد بن رايس، وصلاح الدين سنوسي، وخروبي الغوثي مختار وعبد القادر بن حسينة وسليمان بن سمان وعلي جنياوي.
اضطلعت هذه المدرسة بدور كبير في التعريف بقضية الشعب الجزائري عن طريق إنتاج أفلام وثائقية وزعت خارج الجزائر في البلدان الاشتراكية بالتحديد، ومن أبرز تلك الأفلام “الجزائر الملتهبة” و”المدرسة” و”ممرضات جيش التحرير الوطني” و”الهجوم على مناجم الونزة” و”ساقية سيدي يوسف”.
جمال شندرلي.. صوت الجزائر في الخارج
كانت كل الأفلام التي أنتجت خلال الثورة الجزائرية أفلاما تسجيلية قصيرة، ولم يكن السينمائيون الأجانب روادا فحسب، بل عملوا إلى جانب جزائريين مثل عميد السينما الجزائرية “جمال شندرلي” الذي كان له دور كبير في الدعاية للمقاومة الجزائرية وإيصال الوجه الآخر للمعارك التي تخوضها الجزائر برواية مختلفة عن تلك التي يروّجها المستعمر الفرنسي. وكان “شندرلي” أول جزائري يحمل الكاميرا لتصوير المعارك التي تخوضها المقاومة، كما كان سفير جبهة التحرير وممثلها لدى هيئة الأمم المتحدة، ومثلت الأفلام التسجيلية التي نقلها “جمال شندرلي” صوت الجزائريين في الأمم المتحدة، حيث عرض فيلما “جزائرنا” و”ياسمينة” للمخرجين “جمال شندرلي” و”محمد لخضر حامينة” قبل الاستقلال بقرابة سنتين.
لقد كان للمخرج “ريني فوتييه” الفضل في ترسيخ السينما باعتبارها سلاحا ناعما للمقاومة، وانتهجت الحكومة المؤقتة في الجزائر المسار ذاته الذي سطره “فوتييه” بالاشتراك مع “جبهة التحرير الجزائرية” وانشأت “مصلحة خاصة بالسينما الجزائرية” ثم “مصلحة السينما” وهي تابعة لجيش التحرير الوطني الجزائري، وقد كان إيمانها قويا بدور الفن السابع في خدمة قضيتها، وتكفلت بإرسال جزائريين للتكوين في مجال السينما في يوغوسلافيا وألمانيا الشرقية، وكان من ضمنهم المخرج محمد لخضر حامينة، الذي توج بالسعفة الذهبية في مهرجان كان العام 1975، عن فيلم “وقائع سنين الجمر” وعلي يحي وأحمد راشدي.
أخرج “ريني فوتييه” فيلم “خمسة رجال وشعب” 1962، الذي أنتجته مصلحة السينما التابعة للحكومة الجزائرية المؤقتة، وكانت تلك المصلحة التي أشرف عليها المقاوم والسياسي “امحمد يزيد” هي ذراع إعلامية للحكومة المؤقتة التي تقاوم من أجل التحرر من الاستعمار.
سينما ما بعد الاستقلال.. نواة السينما الجزائرية الخالصة
كانت الثورة الجزائرية منهلا لمخرجي الأفلام السينمائية الجزائرية ولم يخفت حماسهم بعد تحرير الجزائر، وظلت فترة حرب التحرير مصدر إلهام لهم، إذ أنتجت أفلام روائية طويلة بعد الاستقلال بفترة قصيرة، وكان مضمونها ثورة التحرير، فقد “كان من الضروري على المخرجين الجزائريين الشهادة على تلك السنوات العجاف بواسطة الأفلام الروائية” حسب الكاتب “شنتوف عدة”.
لقد كانت مرحلة الستينيات والسبعينيات بالأساس مرحلة ولادة السينما الجزائرية ونضجها بإبداعات مثل فيلم “ريح الأوراس” (1967) للمخرج محمد لخضر حامينة و”الخارجون عن القانون” (1969) للمخرج توفيق فارس، وفيلم “الأفيون والعصا” (1970) الذي أخرجه أحمد راشدي، و”دورية نحو الشرق” (1971) للمخرج عمار العسكري و”نوة” (1972) الذي أخرجه عبد العزيز الطلبي.
لم ينس الجزائريون فضل السينما والأفلام التي نقلت قضيتهم خارج حدود وطنهم، لذلك فقد أولت بعد الاستقلال اهتماما كبيرا بالفن السابع، واستثمرت في هذا المجال عن طريق صقل المواهب وتوفير مجالات لتكوين الفنيين في هذا المجال، وقد وصل عدد قاعات السينما إلى أربع مائة قاعة كانت تديرها البلديات.
وفي العام 1964، تأسس “المركز الوطني للسينما” و”المعهد الوطني للسينما”، وحُلت المؤسستان المذكورتان سنة 1967، ليعوضهما “المركز الجزائري للسينما” و”الديوان الوطني للتجارة والتوزيع السينمائي” وهو مؤسسة عمومية احتكرت استيراد وتوزيع الأفلام.
أشرفت هذه الهياكل على إنتاج أفلام كان أغلبها ذا نفس سياسي وثوري، وكان من أبرز المخرجين في تلك الفترة لخضر حامينه ومصطفى بديع وعمار العسكري وأحمد راشدي الذي اعتمد في فيلم “فجر المعذبين” (1965) على محتوى أرشيفي غني ووثائق تسجيلية توثق فترة الماضي الاستعماري، وحاول المخرج على أساس تلك المادة تقديم تطلعه إلى مستقبل ثوري للقارة الأفريقية.
يعتبر فيلم “ريح الأوراس” للمخرج محمد لخضر حامينة (1966) أحد أبرز الأفلام في تلك الفترة، فكان شكلا تعبيريا قويا للجزائري الذي قاوم من أجل الدفاع عن هويته العربية.
يروي الفيلم قصة فلاحة اعتقل المستعمر الفرنسي ابنها، فخاضت مغامرة البحث عنه في معسكرات الاعتقال، لتجده في إحداها، وتكتفي بمراقبته كل يوم خلف الأسلاك الشائكة المشحونة بالكهرباء، وحين يختفي تلقي بنفسها على الأسلاك التي تصقعها، محاولة إيجاده وخوفا من إعدامه، وقد حصل هذا الفيلم على جائزة العمل الأول في مهرجان “كان” عام 1966.
“معركة الجزائر”.. ثنائي الواقعية السينمائية
شهدت مرحلة ما بعد الاستقلال إنتاج أفلام مشتركة، خاصة مع إيطاليا التي كانت تجربتها الواقعية قريبة من التجربة الجزائرية، وأنتج فيلم “معركة الجزائر” (La Battaglia di Algeri) سنة 1966، للمخرج “جيلو بونتيكورفو”، وكان مرجعا سينمائيا في العالم، وحصل على جائزة “الأسد الذهبي” في مهرجان البندقية.
يروي الفيلم سيرة المجاهد والممثل “ياسيف سعدي” الذي عاش معركة الجزائر وكان شاهدا على حصار قوات الاستعمار للمقاومين الجزائريين في العاصمة الجزائرية، كان الفيلم مشبعا بالدراما دون أن يمس بالمقاربة التاريخية للأحداث.
كانت العشرية التي تلت الاستقلال ثرية وزاخرة بالأعمال السينمائية، إذ أنتج ما يقارب 24 فيلما بين العامين 1966 و1974، لعل أبرزها فيلم “الليل يخاف من الشمس” سنة 1966، للمخرج مصطفى بديع.
كما خاض المخرج محمد لخضر حامينا تجربة الكوميديا في العام 1968، في فيلمه البارز “حسن الطيرو” الذي قدم فيه صورة مأساوية بطابع كوميدي، ويروي الفيلم قصة موظف بسيط أصبح ثائرا على الاستعمار الفرنسي دون أن يخطط لذلك، لأن الظروف المأساوية في البلاد قادته إلى طريق المقاومة.
في العام 1970، أخرج أحمد راشدي فيلم “الأفيون والعصا” الذي يصوّر فيه قصة قرية جزائرية قاومت كل أشكال سيطرة الاستعمار الذي حاول ترويضها، وكان مصيرها الإبادة وصعود من تبقى من أهلها إلى الجبال والالتحاق بالمقاومة.
“دورية نحو الشرق”.. تفرد درامي نادر
يعتبر نقاد كثيرون أن فيلم “دورية نحو الشرق” الذي أخرجه عمار العسكري سنة 1971، فيلما متفرّدا لم تأت السينما الجزائرية بمثله، فقد كان الفيلم شاهدا تاريخيا بطريقة درامية على “معركة سوق أهراس” وهي من أكبر المعارك التي خاضها المجاهدون الجزائريون، عند محاولة بعض المقاومين اجتياز “خط موريس” من أجل تموين الثوار، وقد استطاع العسكري نقل تلك الصورة التاريخية بكل ما فيها مشاعر الخوف من الخسارة الذي تعاضده شجاعة المقاومين وعملهم الجماعي من أجل الوصول إلى هدفهم.
كانت الأفلام الثورية الجزائرية مرآة عكست بصدق تلك الواقعية الأسطورية التي أتت بها السينما الجزائرية عامل تفرد لا نظير له جعلتها سينما مقاومة حقيقية ووثيقة تاريخية لا تموت، للأجيال القادمة وللعالم.