“التاريخ في فنجان”.. قصة مشروبات الاستعمار الثلاثة التي تحتل موائد العالم

من شرق العالم إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، دخلت هذه المشروبات الثلاثة حياتنا اليومية، فأصبحنا نستهلك أربعة مليارات كوب من الشاي يوميا، بينما تنتج ملايين الأطنان من البن سنويا، وفي أوروبا يبلغ معدل تناول الشوكولاتة للفرد سنويا ستة كيلوغرامات.
شاي أم قهوة أم شوكولاتة ساخنة؟ ثلاثة مشروبات يومية صارت جزءا لا يتجزأ من حياتنا، خلال ثلاثة قرون أصبحت هذه المشروبات ثوابت أساسية في فطورنا.
في هذا الفيلم الذي تبثه الجزيرة الوثائقية بعنوان “شاي، قهوة أم شوكولاتة؟ التاريخ في فنجان”، نتتبع تاريخ هذه المشروبات، وكيف شقت طريقها إلى الغرب لتستهوي الملوك والطبقات الأرستقراطية.

بين الروائح العبقة لهذه المشروبات الثلاثة ومذاقاتها الجذابة التي تستحوذ على العقول، تختفي أبشع أنواع تجارات التاريخ البشري التي ارتبطت بتجارة الرقيق والأفيون، وامتدت إلى الرق والتعاملات الدينية والجاسوسية، لتروي لنا هذه المشروبات قصة العالم السفلي المرعب.
كان الشاي يجلب من الصين، والشوكولاتة من أمريكا الوسطى، أما البن فيأتي من القرن الأفريقي، ويرجع تاريخ دخول القهوة لأوروبا إلى الحملات الصليبية، عن طريق تجارة الإيطاليين في المتوسط.
وصلت الشوكولاتة للمستعمرات الإسبانية في أمريكا في القرن السادس عشر الذي اكتشفت فيه أراض جديدة عن طريق “كريستوفر كولومبوس” و”فاسكو دا غاما” و”فرناندو ماجلان”.
أما الشاي فقد وصل عن طريق شركة الهند الشرقية الهولندية في الهند، وكان السبب لظهور هذه المشروبات بحث الغرب عن عوالم جديدة.
جدل النبيذ الإسلامي القادم من مرتفعات إثيوبيا
أحضر تجار البندقية القهوة من مدينة إسطنبول التركية، لكن أصل البن يعود للقرن الأفريقي، إذ كانت تنبت شجيراتها في مرتفعات إثيوبيا، وتقول الأسطورة إن راعي الأغنام كدالي راقب معزاة كانت تأكل من شجيرة ما، وفجأة أصبحت في قمة النشاط فدهش لحركتها، ومن هنا اكتشفت القهوة.
بعد ذلك انتقلت إلى اليمن، وفي القرن الثاني عشر انتقلت لشبه الجزيرة العربية، وكان الحجاج يشترونها من مكة ويأخذونها إلى بلادهم، فانتشرت في القاهرة وإسطنبول ودمشق وحلب وبغداد، واخترع العرب القهوة المغلية غير المصفاة، وكان لها قيمة اجتماعية في الدولة العثمانية.
يقول المؤرخ “كريستيان غراتالو”: انتشرت المقاهي في إسطنبول والقاهرة، وكانت أماكن للقاءات الاجتماعية وللعب الطاولة وإلقاء الشعر وتجاذب الحديث، وقد وصلت إلى البندقية في القرن السابع عشر، وهناك لقيت رواجا كبيرا.

لكن إيطاليا الكاثوليكية بنظامها الديني الصارم ارتابت من المشروب المسمى بالنبيذ الإسلامي، ولجأوا للبابا كليمونت الثامن، لقد أخذ العالم المسيحي الحجة من الصوفيين المسلمين الذين كانوا يقولون إن القهوة تبقيهم يقظين في الصلاة ليلا.
كان قرار البابا حين تذوقها وأحبها أن سمح بها، وبذلك أصبحت إيطاليا عاصمة القهوة في أوروبا، وفي عام 1720 افتتح الفلورين في ساحة سانت مارك، وهو أول مقهى في البندقية، وبعد ذلك انتقلت المقاهي إلى باريس ولندن وأمستردام.
اكتشاف الشوكولاتة
عرف شعب المايا الشوكولاتة قبل أوروبا بقرون عدة، وكان لحبوب الكاكاو وظيفة ثلاثية، حيث اعتبرها هذا الشعب مقدسة، واستخدمت في المناسبات الدينية، كما أنها كانت تستعمل للمقايضة، وكانوا يشربونها أيضا، ولكن بطريقة مختلفة عن ما نعرفه اليوم، إذ كانوا يحمصونها ويطحنوها ويضعون عليها الفلفل ويشربونها باردة.
كان “كولومبوس” أول من اكتشف الكاكاو، لكن لم يعره اهتماما، وبعد عشرين عاما احتُلت المكسيك، وكان القائد “آرنان كورتس” يكتب تقارير خطية إلى شارل الخامس عن عملة مقايضة غريبة تستخدم كمشروب.

يقول المؤرخ “نيكيتا هارويك”: عندها عرف الأوروبيون الشوكولاتة، وكانت أول ما جربت في الأديرة، وكانت تعتبر صيدليات آنذاك، ثم قاموا بدراسة تلك النبتة، وكتب “آرنان كورتس” في مذكراته: كوب واحد من هذا المشروب الثمين يسمح للإنسان بقضاء يوم كامل دون أكل.
وسرعان ما أصبحت الشوكولاتة مشروب المرضى والذواقة من الأثرياء، كان لاذعا في البداية لكن الأوروبيين وضعوا لمستهم بإضافة السكر، وظلت تلك الحلوى سرا في إسبانيا لما يقرب القرن.
لقد كان مشروبا استعماريا بامتياز
كان ميناء أمستردام الهولندي أول ميناء يستقبل الشاي القادم من الصين في عام 1606، وقد كان الشاي يستخدم في آسيا كفنّ وثقافة وكجزء من الفلسفة هناك. تقول الأسطورة الصينية عن اكتشافه، إنه قبل خمسة آلاف سنة، كان الإمبراطور شينونغ يغلي الماء تحت شجرة فتساقطت أوراقها في الماء، عند ذلك تعرف العالم على الشاي.
من ميناء غوانزو جنوب الصين، بدأت السفن الهولندية والبريطانية والبرتغالية والفرنسية تحمل الشاي إلى أوروبا عبر شركة الهند الشرقية التي كانت تحمل ترخيصا من الحكومات، وأعطيت الضوء الأخضر في عمل أي شيء لجني المال.

يقول “ديدريك وايلدمان” أمين المتحف الوطني البحري في أمستردام: في أربعينيات القرن الثامن عشر بنت شركة الهند الشرقية الهولندية سفنا خشبية ضخمة، وجلبت الشاي والخزف الصيني والحرير، وبهذا غدت أمستردام أكثر المدن ازدهارا.
كانت هولندا ترسل آلاف الرحلات غير الآمنة، وكانت تلك السفن مسلحة بمدافع كبيرة، وتحمل على متنها 300 شخص من البحارة والمطلوبين. يقول الباحث “ماثيو موغر”: كانت الرحلة تستغرق خمسة أشهر ذهابا، وتبقى أربعة أشهر، وفي العودة خمسة أشهر أخرى، ونشبت منافسة بين شركة الهند الشرقية والأسطول البريطاني عام 1710، وهكذا بدأ عصر العولمة لعمل مشروب تجلب أوراقه من جهة، ويجلب له السكر من جهة أخرى، لقد كان مشروبا استعماريا بامتياز.
غنائم الجيش العثماني المهزوم.. شراب النخبة
استقطبت هذه المشروبات الطبقة المخملية المرفهة، وشقت طريقها للقصور الملكية، فكان الشاي المشروب المفضل لدى ملكة إنجلترا “كاثرينا” التي جعلته موضة في لندن، وأصبح استهلاكه خاصا بالنخبة، حتى وصلت قيمته الشرائية نحو 850 جنيه إسترليني لنصف الكيلو.
أما الشوكولا فكانت المفضلة للملكة “آن” والدة لويس الرابع عشر، لكن المشروب بقي سريا في فرساي عدة سنوات، إلى أن تزوج لويس الرابع عشر من الإسبانية “ماري تيريز”، فأصبح مشروب الشوكولاتة رائجا، وكانت “ماري” تحبه كثيرا، وقد أطلقت على خادمتها لقب “الملونيرا” أي الخلاطة لكثرة أكواب الشوكولا التي قدمتها للملكة.
وفي فرساي أيضا تعلموا صناعة القهوة التركية، فقد حملها سفير إسطنبول سليمان آغا كهدية دبلوماسية من الدولة العثمانية، وقد وقعت فرنسا وإسطنبول وقتها اتفاقية للوقوف في وجه جارتهما المشتركة هابس بورغ (النمسا) وكانت عاصمتها فيينا التي هاجمها العثمانيون وطوقوها عام 1683.

تقول الكاتبة “بريجيت سفانر”: كانت أوروبا تراقب الدولة العثمانية، وكانت خائفة من أن تهاجمها، لأنها لن تكتفي بفيينا فقط، وكانوا مستعدين لنجدة فيينا، وأثناء الحصار جاع أهل المدينة فأرسلوا جاسوسا اسمه “كولزكشتكي”، وكان قد عاش فترة في إسطنبول ويتقن التركية، وفي أثناء مروره أمام الجيش التركي كان المطر يهطل فغنى بالتركية، فأخذه ضابط إلى داخل خيمته وأشربه القهوة، وأكمل بعد ذلك مهمته وتواصل مع الحلفاء.
خسر العثمانيون الحرب بعد تطويق الحلفاء لهم، وكهدية للجاسوس “كولزكشتكي” أعطوه كل حبوب البن من معسكرات الأتراك وأعطوه الجنسية، وقد افتتح مقهى في العاصمة فيينا لا يزال يحمل اسمه.
كما احتفل الخبازون بالنصر وصنعوا معجنات على شكل الهلال على العلم التركي وسمها كرواسان، ولم تعرفها باريس إلا بعد مئتي عام. يقول “كريستيان غراتالوا” إن وجبة الفطور للطبقة المتوسطة في فرنسا كان حساء اليوم السابق، أما الفطور المعروف اليوم فقد اشتهر عند الطبقة الثرية.
خطة فرنسا لزيادة إنتاج البن والسكر
أضحت المجتمعات في باريس وأمستردام ولندن ثرية للغاية في القرن الثامن عشر، فأدخلوا تلك المشروبات إلى حياتهم وارتبطت بالفطور، وأظهرت كثير من اللوحات الفنية تلك المشروبات كموضة، مثل لوحة بوشيه، وجاءت اللوحات لتظهر ثراء الأرستقراطيين ووضعهم، لكن الأغرب كان ظهور العبيد في اللوحات.
وقد انتقد “بيرناردين دي سان بيير” مؤلف رواية “بول وفرجينيا” هذه الظاهرة عندما سافر إلى جزر الهند الغربية التي فضلها الأوروبيون لسهولة بلوغها، ولأنها تشكل سجنا طبيعيا للعبيد، وقسمت تلك الجزر بينهم، فقد أخذ البريطانيون جامايكا والبهاما، وأخذت فرنسا فوادلوي والمارتنيك وسانتو دومينغو، أما الإسبان فقد استولوا على كوبا وبورتريكو.

وهناك في مدينة نانت الفرنسية أكبر موانئ للعبيد تحمل بقايا حقبة سوداء في التاريخ الإنساني، فنقوش رؤوس العبيد على مباني الأثرياء تقف شاهدة على تلك الجرائم، وفي ليفربول ولندن الإنجليزيتين ولشبونة البرتغالية وأمستردام الهولندية صار ساحل الأطلسي ثريا بفضل تجارة العبيد.
كانت تجارة العبيد معقدة ورباعية أي بين أربع قارات، فقد بدأت قبالة سواحل البنغال، واستخدمت منتجات شبه القارة الهندية لمقايضة العبيد الذين احتجزوا في أفريقيا ثم نقلوا لأوروبا ثم أمريكا، وكانت الرحلة لجزر الهند الغربية تستغرق عدة أشهر ويموت خلالها كثير من العبيد في الطريق.
لقد رحّلوا 12 مليون أفريقي إلى أمريكا، وكانت تلك أكثر الأنظمة الرأسمالية وحشية، فقد تطلبت كثيرا من الأشخاص ومجموعات تمويلية من أصحاب شركات الشحن والتجار، ومع ازدياد الطلب على تلك المشروبات ضاعفوا عملياتهم، وكانت ظروف العمل صعبة فمات كثير من العبيد، لذلك قاموا بجلب مزيد من الأسرى الذين كانوا يحولونهم إلى عبيد.

لقد عمل 500 ألف عامل في مستعمرة سانتو دومينغو بظروف قاسية، لأن فرنسا عملت المستحيل لتكون المورد الأول للسكر والبن، وفي 22 أغسطس/ آب 1791 نشب تمرد عنيف، فقد طالب العبيد بمساواتهم بالبيض، وبقيت الثورة ثلاثة عشر عاما، وعلى إثر ذلك استقلت عام 1804 لتصبح هايتي.
وفي باريس افتتح 300 مقهى كلها على نمط مقهى “لو بروكوب” (Le Procope)، وهو أول مقهى في المدينة افتتحه الصقلي بروكوبيو، كان هذا المقهى ملتقى الأدباء والمثقفين، وكان مبنيا من الرخام الأبيض والأسود.
كان هذا المقهى أيضا مقصد النخبة الباريسية والتنويريين الفرنسيين أمثال “فولتير” و”ديدرو” و”دولمبيرغ” و”روسو”، ودارت فيه حواراتهم حول الفلسفة والعلم وحقوق الإنسان.
حفلة الشاي
بدأ الشاي يشق طريقه إلى المستعمرات الأمريكية التي تخضع لضريبة التاج البريطاني، لكنهم غير ممثلين في برلمان ويست منستر.
وفي القرن الثامن عشر وصلت الأوضاع المالية في بريطانيا لأدنى مستوى، ولإنقاذ الخزينة قرروا إلزام المستعمرين بدفع ضرائب أعلى، وبما أن الشاي من ضمن تلك المنتجات المصدرة سميت بضريبة الشاي.

لقد كانت الشركات البريطانية تخزن الكثير من الشاي الذي تلف وتعفن وأرادوا أن يشحنوه لأمريكا ويلزموهم بشرائه ودفع ضريبته، لكن عند وصول الشاحنة إلى بوسطن تنكر 60 شخصا بزي الهنود الحمر، وركبوا ثلاث سفن ورموا بالحمولة التي كانت تزيد عن 54 ألف طن في البحر، وسميت حفلة الشاي، وكانت هذه أول ثورة في المستعمرات الجديدة، ثم تلتها ثورات أخرى وبعد ثلاثة سنوات استقلت أمريكا عام 1776.
حرب الأفيون.. لعبة أكبر تاجر مخدرات
كانت الحكومة الصينية متخوفة من السفن الأوروبية، وكان هناك أيضا قلق من أسلوب حياة الأوروبيين الذي يهدد بنية المجتمع الصيني، فقاموا بإجراءات لحماية أنفسهم، وفتحوا ميناءا واحدا لهم في غوانزو، لكن لم يسمح لهم بالتنقل في البلاد، وسمح للضباط والتجار فقط بالنزول.
وفي القرن التاسع عشر سمح لهم بالدخول يوما واحدا، ولم يقبل الصينيون سوى الدفع النقدي، لأنهم لم يكونوا بحاجة إلى البضائع الأوروبية، فحاولت شركة الهند الشرقية أن تقايضهم ببضائع أخرى لكنهم رفضوا، لذا قررت الشركة زراعة نبتة الأفيون في نهر الغانج في الهند بدل الشاي، ونجحت في ذلك.

كانت الهند جزءا من الإمبراطورية البريطانية، وهي موطن الخشخاش، وكانت الشركة تسيطر على زراعته في البنغال، ووضعت الحكومة الصينية قوانين صارمة ضد الأفيون ومنعته في الصين، وأصدرت أحكام الإعدام على كل من يقوم ببيعه، وفي عام 1839 دمرت الصين الفرقاطة البريطانية التي كانت تحمل المخدرات، واشتعلت حرب الأفيون.
كانت شركة الهند الشرقية البريطانية أكبر تاجر مخدرات في العالم، فقد جعلت أكثر من مليونين صيني مدمنا، وفي عام 1840 خسرت الصين أمام البريطانيين في حرب الأفيون، ووقعوا معاهدة مذلة فتحت على إثرها الموانئ الصينية للتجارة العالمية، واستعمرت هونغ كونغ.
غابات الشاي.. موانئ الهند تغير بوصلة التجارة
أرسل الإنجليز عالم النباتات “روبرت فورتشون” لمهمة تجسسية تنكر فيها بزي صيني، وتعلم أسرار زراعة الشاي، وأخذ معه نبتة الشاي ومجموعة من المزارعين الصينيين بطريقة غير شرعية لزرع الشاي بالهند، لكنهم تفاجأوا حين أخبر موقع عسكري بريطاني في ولاية آسام شمال الهند أن الشاي ينمو بكثرة، وهناك غابات شاي في كل مكان.
في تلك الفترة طرد البريطانيون الهنود من أراضيهم ليزرعوا الشاي، واستُعبد السكان وأجبروا على العمل لصالح المستعمرين، وهكذا أصبح تصدير الشاي من الهند وسيلان (سريلانكا) أكبر بكثير من تصديره من الصين، وانهارت تجارة الشاي الصيني تماما وتركوها مدمرة بفعل الأفيون.

في المقابل، انتشرت عادة شرب القهوة في المجتمع المدني في باريس، ولا تزال شوارع باريس تحمل نقوشا بذلك، كما انتشر باعة القهوة المتجولين، كانت الثورة الصناعية قادمة وفرغ الريف من سكانه، وبدأت المصانع تعمل ودمر المجتمع التقليدي وعاداته الغذائية، وصنعت الساعات وأصبح الوقت دقيقا ومهما، وكان هذا سببا في ظهور وجبة الفطور.
وقد اعتاد العمال على شرب القهوة والشاي مع السكر والحليب الذي اعتبر مشروب الثورة الصناعية، وهو الذي أمد العمال بالطاقة والصمود أمام ساعات العمل الطويلة.
الشوكولا.. سحر أسود يغزو الموائد الأوربية
وُضعت علامات تجارية للشوكولا من قبل صانعيها الأوائل مثل “أنتوان مونيير” و”أغوستين بولان” و”رودولف لينت” و”شواشار” و”هنري نستله”، فقد كانوا خليطا من صيادلة وكيميائيين وحلوانيين ساهموا في بناء إمبراطورية الأغذية مثل “فان هاوتن” الذي صنع مسحوق الشوكولا الطرية، و”أنتوان مونيير” الذي صنع ألواح الشوكولا، و”هنري نستله” الذي أنتج الشوكولا بالحليب.
في بادئ الأمر كان الناس يظنون أن الشوكولا مثيرة للشهوة، لذا منع الأطفال من تناولها. يقول المؤرخ “نيكيتا هارويك”: بدأت المعتقدات الأولية تختفي، لذا تمكن الأطفال من تناول الشوكولا، ومع بداية القرن التاسع عشر أصبحوا هدفا لتلك السوق.

حقق “فان هاوتن” مكاسب من بيع شوكولا الأطفال، وفي عام 1828 طور الكيميائي الهولندي طريقة لصنع مسحوق الشوكولا الذي أصبح أساسيا للفطور، وفي نهاية القرن التاسع عشر وصلت شوكولا “فان هاوتن” الساخنة إلى باريس وأمستردام ونيويورك، فقد كان رائدا للإعلانات والتسويق، وابتكر البطاقات التذكارية، ونشر إعلاناته على عربات الترام.
دفع النقص في الشوكولا في إيطاليا إبان الحرب العالمية الثانية عائلة “فيريرو” إلى ابتكار معجون الشوكولا مع البندق، كانت تلك الطرية موجودة أصلا في إيطاليا، ومعروفة باسم جياندورا، وكانت حلوى شهيرة، فقد أخذت العائلة المفهوم وحولته إلى معجون، وكان لذيذا، كما أن سعره كان مقبولا.
كما ابتكر “فيريرو” اسما للمنتج هو اسم “نوتيلا” وهي مشتقة من كلمة بندق بالإنجليزية، والجدير بالذكر أن ربع إنتاج العالم من البندق يذهب لصناعة النوتيلا، وبسبب معجون الفطور صنعت عائلة “فيريرو” ثروة تقدر بعشرين مليار يورو.
فن التسويق.. ثورة صناعية تقلب خارطة التجارة
بسبب الشاي بنى السير “توماس ليبتون” إمبراطوريته، وكان رجلا عصاميا، فقد بدأ حياة متواضعة وحقق النجاح بسبب حبه لإدارة الأعمال.
وضع “توماس” خطة لدخول سوق الشاي الذي كان محتكرا من قبل الحكومة، وفي رحلته إلى أستراليا توقف في سريلانكا، واشترى خمس مزارع للشاي كانت قد أعلنت إفلاسها، وقام بإيجاد طرق مختصرة، فصدر الشاي إلى متاجره في لندن مباشرة، وكان شعاره “من المزرعة إلى الكوب”، فافتتح أول متجر في غلاسكو، وبعد عشرين عام أصبح لديه 300 متجر.
اخترعت أكياس الشاي في بداية القرن العشرين، وازداد هامش الربح والميزة في تلك الأكياس، إذ أنهم يستطيعون استخدام بقايا الشاي مثل العروق دون أن يتغير لونه، لذا يمكنهم استخدام شاي أقل جودة، واليوم نجد أن 95% من الشاي يباع بأكياس.

أما التسويق في مجال القهوة فقد تطور كثيرا، إذ كان في السابق لا بد من طحن القهوة وتحميصها في المرحلة الأخيرة، وكان يستوجب توفر مطحنة في كل بيت، لكن “جاك فابرا” اخترع الأكياس المضغوطة، وبفضله توفرت القهوة في المتاجر، وأطلق إعلانه في السوق، وأصبح الأول في السوق المحلية الفرنسية.
وقد بقيت للشاي مكانته في إنجلترا ولم يزل وقت الشاي ركيزة أساسية، فهذا التقليد أطلقته دوقة بيت فورد في منتصف القرن التاسع عشر رغبة منها في تقديم وجبة خفيفة لصديقاتها، وأقامت حفلات الشاي الراقية، وكان الشاي من بعد الظهر عادة أرستقراطية.
لقد فضل البريطانيون الشاي، وأما الفرنسيون والإيطاليون فكانوا من محبي القهوة، بينما اختار الألمان والسويسريون الشوكولا، وهم أكبر مستهلك لها في العالم.
ويمكن القول إن الاستعمار غيّر خارطة تلك المشروبات وأماكنها الافتراضية، فالبُن يزرع اليوم في أمريكا اللاتينية وآسيا بدل أفريقيا، أما الكاكاو الذي أصله من أمريكا الوسطى فيزرع اليوم في أفريقيا الغربية.