الإسراء والمعراج.. مراسيم فرض الصلاة في رحلة الرسول الكريم إلى السماء

لم يسمع التاريخ منذ أزله إلى اليوم عن رحلة أكثر عظمة وإبهارا وإعجازا وقداسة من رحلة الإسراء والمعراج، التي كسرت حدود المكان وآفاق الزمان، وقواعد المنطق المتداول لدى عموم البشر، منذ الأزل إلى اليوم.

كان لهذه الرحلة عالمها الخاص، وأفقها الممتد في فضاء قدرة الله جل وجلاله، كانت أول لقاء في بحبوحة السماء بين أهل الأرض والملأ الأعلى.

إنها المعجزة الخالدة التي استقرت في أعماق الوجدان الإسلامي، ملهمة للإبداع الإنساني في تخيل رحلة وأحداث ولقاء لا يحيط به عقل بشري ولا يتصوره خيال شاعري مجنح.

رحلة الإسراء.. جلال سماوي يمحو آلام عام الحزن

لم يكن العام العاشر من البعثة النبوية (620 م) عاما عابرا في مسيرة المصطفى ﷺ، بل كان من أحلك السنين المكّيات التي عاشها الرسول الأعظم ﷺ وهو يدعو المشركين إلى توحيد الله جل جلاله، وإلى تعظيم مكة وتنزيه البيت الحرام والكعبة المشرفة عن أن تكون مستندا لمئات الأصنام الحجرية التي لا تنفع ولا تضر، كانت دعوة التوحيد جزءا من منظومة قيم شاملة، وكانت أم القرى وما حولها في أمسّ الحاجة إليه.

جاء العام العاشر ليصبّ حزنا جديدا على النفس النبوية المطمئنة التي يهذبها الوحي، حين توفي عمه أبو طالب الذي كان أهم سند اجتماعي للنبي الكريم ﷺ، وذلك بعد فترة وجيزة من وفاة زوجه الكريمة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، التي تقف صفحات الأيام والوفاء عاجزة عن إيفائها حقها من المجد الإيماني الخالد، فقد كانت أم أبناء النبي ﷺ التي واسته بنفسها ومالها، وتلقت تحيات الملأ الأعلى وبشارات السماء ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.

من أجل ذلك وتطييبا لخاطر النبي ﷺ، وإعدادا لمستقبل الدعوة الخالدة، جاءت الدعوة إلى أعظم رحلة في تاريخ الكون، وكان كل شيء جاهزا ومرتبا بقدرة “كن فيكون”.

جاء جبريل عليه السلام والنبي ﷺ متوسّد في الحجر بالكعبة المشرفة، فأيقظه لتبدأ من تلك اللحظة مراسيم الرحلة المقدسة. فقد كانت تأشيرة العبور دعوة من الملأ الأعلى، وكانت وسيلة النقل جاهزة، إنها الدابة العظيمة التي يركبها الأنبياء والأنبياء فقط، كان اسمها البراق، ووصفها النبي ﷺ بدقة، فهي دابة فوق الحمار ودون البغل، خارقة السرعة، تضع حافرها حيث ينتهي بصرها، ولا تسل أين ينتهي ذلك البصر الحديد، فأنت في عالم لا يقاس بحد، “ولا يُقـالُ لِفَضْلِ اللهِ ذَا بِكَمِ” كما قال الإمام البوصيري.

“مَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللهِ مِنْهُ”.. دابة الأنبياء

ورد ذكر الإسراء في القرآن الكريم في سورة الإسراء في قوله تعالى: ﴿سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، وورد ذكر المعراج في سورة النجم ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ﴾.

كما ورد حديث الإسراء والمعراج في عدد من مصادر السنة النبوية، وأوصل بعض الأئمة عدد رواته إلى أكثر من 26 صحابيا، وتوارت وتداخلت روايات الحديث وتعاضدت، وتداولت الأحداث بين الاستفاضة والاختصار.

ووفق بعض الروايات فقد بدأت رحلة الإسراء مباشرة بعد أدائه صلاة العتمة في المسجد، وكانت الصلوات يومها ركعتين في الصباح وركعتين في الليل لا أكثر، وفق ما روى شداد بن أوس في حديث رواه البيهقي. وتدل عبارة الإسراء على أن هذه الرحلة التي يمكن أن تستغرق مليارات السنين -إن نظرنا إلى جزء منها بمقياس الناس اليوم- كانت في جزء من الليل، حيث لا يكون السّرى إلا بعد أن يسدل الليل أستاره.

كان أول أحداث الرحلة حيث أوقف جبريل دابة البراق، فاستصعبت عليه ﷺ، وفق ما يروي أنس بن مالك في سنن الترمذي “أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُتِيَ بِالبُرَاقِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مُلْجَمًا مُسْرَجًا، فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَبِمُحَمَّدٍ تَفْعَلُ هَذَا؟ فَمَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللهِ مِنْهُ. قَالَ: فَارْفَضّ عَرَقًا”. وفي رواية أخرى “وَأَتَانِي جِبْرِيلُ عليه السلام بِدَابَّةٍ بَيْضَاءَ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، فَقَالَ: ارْكَبْ، فَاسْتَصْعَبَتْ عَلَيَّ، فَدَارَهَا بِأُذُنِهَا، ثُمَّ حَمَلَنِي عَلَيْهَا”.

ولا غرابة في موقف هذه الدابة السماوية ذات المكانة السامية، منذ أن ذللها الله ركوبا للأنبياء، وربما كان آخر عهد لها بالأنبياء كان قبل قرابة ستة قرون فاصلة بين ميلاد عيسى عليه السلام ورحلة الإسراء العظيمة.

محطات الرحلة.. صلوات في منازل الوحي ومحاريب الأنبياء

كان للصلاة سرها العجيب في رحلة الإسراء والمعراج، بل كانت الكلمة المفتاحية الأكثر ترددا في أحاديث هذه المعجزة الخالدة.

ولئن كانت الرحلة بدأت بعد صلاة العتمة في المسجد الحرام، فقد كانت محطة التوقف الأول صلاة في المدينة المنورة، وكانت الثانية صلاة أخرى في مَدْيَنَ عند شجرة موسى عليه السلام، ثم سارت رحلة الموكب الخارق، لتكون محطة الصلاة الثالثة في بيت لحم، حيث ولد عيسى عليه السلام، أما الصلاة الرابعة فكانت عند الوصول إلى بيت المقدس، حيث صلى إماما بالأنبياء في مؤتمر الجلال والعظمة في بيت المقدس.

الحائط الغربي أو حائط البراق حيث ربط النبي الكريم براقه ليله أسري به من مكة المكرمة إلى بيت المقدس

وقد روى الحديث النبوي الشريف طرفا من هذه الصلوات العظيمة، إذ قال ﷺ “فَانْطَلَقَتْ تَهْوِي بِنَا: يَقَعُ حَافِرُهَا حَيْثُ أَدْرَكَ طَرْفُهَا، حَتَّى بَلَغْنَا أَرْضًا ذَاتَ نَخْلٍ فَأَنْزَلَنِي، فَقَالَ: صَلِّ. فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ رَكِبْنَا فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ: اللهُ أَعْلَمُ. قَالَ: صَلَّيْتَ بِيَثْرِبَ، صَلَّيْتَ بِطَيْبَةَ. فَانْطَلَقَتْ تَهْوِي بِنَا يَقَعُ حَافِرُهَا حَيْثُ أَدْرَكَ طَرْفُهَا، ثُمَّ بَلَغْنَا أَرْضًا فَقَالَ: انْزِلْ. فَنَزَلْتُ، ثُمَّ قَالَ: صَلِّ. فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ رَكِبْنَا، فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ: اللهُ أَعْلَمُ. قَالَ: صَلَّيْتَ بِمَدْيَنَ، صَلَّيْتَ عِنْدَ شَجَرَةِ مُوسَى عليه السلام. ثُمَّ انْطَلَقَتْ تَهْوِي بِنَا يَقَعُ حَافِرُهَا حَيْثُ أَدْرَكَ طَرْفُهَا، ثُمَّ بَلَغْنَا أَرْضًا بَدَتْ لَنَا قُصُورٌ، فَقَالَ: انْزِلْ. فَنَزَلْتُ، فَقَالَ: صَلِّ. فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ رَكِبْنَا، قَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ: اللهُ أَعْلَمُ. قَالَ: صَلَّيْتَ بِبَيْتِ لَحْمٍ، حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى عليه السلام المسيح ابن مَرْيَمَ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ مِنْ بَابِهَا الْيَمَانِيِّ فَأَتَى قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ فَرَبَطَ بِهِ دَابَّتَهُ”.

وفي غضون تلك الروايات العظيمة، يأتي ذكر موسى عليه السلام قائما في قبره وهو يصلي عند الكثيب الأحمر، كما روى أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ قال: “أَتَيْتُ عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ”.

وكان في تلك الرواية أيضا إشارة إلى قصة موسى عليه السلام، وحرصه على القرب من الأرض المقدسة، فقد كان يسأل الله تعالى أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر، فدفن منها قاب قوسين من أفياء القدس الشريفة.

قدح الخمر واللبن.. اختبار غذائي في بيت المقدس

كانت مدينة بيت المقدس -أو إيلياء كما تعرف في الأدبيات القديمة- أهم منبر مقدّس في العالم يومها بعد المسجد الحرام، بل كانت قبلة العالم المسيحي عامة، إذ تنام المدينة المقدسة على قرون عدة من تراث الأنبياء والعباد والأولياء، وغزوات الملوك وطغيان المحاربين، ومئات القرون من دموع الرهبان ودماء المشردين.

وعند وصول الموكب النبوي العظيم، خرق جبريل بإصبعه خرقا في الصخرة المقدسة ثم ربط البراق، وبدأت مراسيم أخرى مفتتحة بالصلاة كالعادة، كما في رواية للبيهقي “ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ مِنْ بَابِهَا الْيَمَانِيِّ، فَأَتَى قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ فَرَبَطَ بِهِ دَابَّتَهُ، وَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ مِنْ بَابٍ فِيهِ تَمِيلُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، فَصَلَّيْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ حَيْثُ شَاءَ اللهُ”. وفي رواية مسلم: “فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ”. قَالَ: “ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ”.

من فوق الصخرة المشرفة عرج بالنبي الأكرم إلى السماوات العلا، ثم بنيت فوقها القبة الذهبية تكريما لها

وبعد الصلاة بدأت مراسيم الاحتفاء، واختيار الإستراتيجية الحياتية للأمة الإسلامية، وصياغة وجدانها عبر اختبار نوعية الغذاء، فجاء جبريل عليه السلام للنبي ﷺ بقدحين؛ أحدهما من لبن والآخر من خمر، فاختار النبي ﷺ قدح اللبن، لتأخذ أمته مسارا أخلاقيا عميقا وراسخا قوامه أنها أمة لا تجتمع على ضلال، وعن ذلك المشهد ورد حديث “أُتِيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ، قَالَ جِبْرِيلُ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، لَوْ أَخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ”.

كان قدح اللبن زادا آخر من أزواد رحلة إيمانية عميقة، فلم يكن المعراج ليبدأ قبل أن تستقر كل عوامل وأسباب الهداية والاجتباء والتعظيم التي أحاط بها الله جل جلاله نبيه الكريم ﷺ.

“مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ”.. استقبال في السماء

لم يكن الوصول إلى الطيران لمحة عين وانتباهتها في تاريخ البشرية، كان الأمر لآلاف القرون أبعد من الخيال، وفي عالم الصحراء العربية الموغل في البداوة، كان أقصى ما يحيل إليه الخيال الشاعري أن يصف حصانا سابحا يقطع المسافات، حيث العاديات الضابحات تقدح سنابكها الصخر، أما العروج إلى السماء، فلم يكن في مقدور الخيال أصلا.

ويمكن الجزم أن المعراج كان أخص من الإسراء، ولم لا، فلم يرْوِه ﷺ لعموم أهل مكة، بل كان اختص بتفاصيله المؤمنين من أتباعه، فلم يكن في مقدور مشركي قريش أن يتحملوا تفاصيل المعراج بعد أحداث الإسراء.

ومع تعدد الروايات واختلاف العلماء، لا يمكن الجزم على نحو دقيق هل أعاد جبريل عليه السلام تحريك البراق للانتقال به إلى السماء، أم اتخذ معراجا أو وسيلة أخرى في العروج بالرسول الكريم في رحلته البرقية الخاطفة إلى السماوات السبع.

أما تفاصيل الجزء المتعلق بالعروج إلى السماوات العلا، فقد ورد في روايات عدة من بينها رواية أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما أن نبي الله ﷺ حدثهم عن ليلة أُسري به فقال “فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلاَمَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.

ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ؛ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى، وَهُمَا ابْنَا الخَالَةِ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا. فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا، ثُمَّ قَالاَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.

ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.

ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى إِدْرِيسَ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.

تعجز قوانين الفيزياء أن تفسر كيف عُرج بالنبي الكريم إلى السماء السابعةوعاد في بضع ساعات

ثُمَّ صَعِدَ بِي، حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الخَامِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.

ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا مُوسَى، قَالَ: هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، قِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي لأَنَّ غُلاَمًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي.

ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلاَمَ، قَالَ: مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.

ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيَّ سِدْرَةُ المُنْتَهَى، فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلاَلِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الفِيَلَةِ، قَالَ: هَذِهِ سِدْرَةُ المُنْتَهَى، وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَمَّا البَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالفُرَاتُ. ثُمَّ رُفِعَ لِي البَيْتُ المَعْمُورُ، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: هِيَ الفِطْرَةُ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ.

الصلاة كانت الفريضة الوحيدة التي أوجبها الله على المسلمين من فوق سبع سماوات ليلة الإسراء

ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قَالَ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ. فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ. قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ. قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي”.

“إن كان قالها فقد صدق”.. سرد القصة في مكة

كان ذلك تقرير الرحلة بتفاصيلها الخارقة، وأحداثها العظيمة التي بدأت من جوار الكعبة المشرفة، وانتهت فوق السماوات السبع عند سدرة المنتهى، حيث يسمع أصوات صريف الأقلام، وبعدها كانت العودة إلى الأرض، حيث عاد الرسول ﷺ إلى بيت المقدس، قبل أن يقفل عائدا إلى مكة، وفي طريقه تلك مر بقافلة من قريش قد أضلوا بعيرا لهم، فدلهم على مكانه، وعاد إلى بيته في مكة، ثم أصبح إلى المسجد الحرام، وحدث الناس بقصته الخارقة، فتبادر المشركون إلى تكذيبه، وبادر أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى الإقرار بها، حتى قبل أن يسمعها من النبي ﷺ، معلنا كلمته الخالدة، “إن كان قالها فقد صدق”.

وبعد ثلاثة أيام وصلت القافلة، وتطابقت روايتها في قصة البعير مع ما أخبر به النبي ﷺ، كما تطابقت أيضا روايته ﷺ ووصفه للتفاصيل الدقيقة لبيت المقدس، مع ما يرويه رحالة قريش وتجارها الذين كانوا يفدون بين الحين والآخر على المدينة المقدسة.

أنكر كفار قريش على نبينا الكريم إسراءه إلى بيت المقدس فسألوه أن يصفه لهم، فجلّاه الله له فطفق يصفه بدقة

لقد أخذ الإسراء والمعراج مكانه ضمن أسمى المعجزات الإيمانية الخالدة التي نصر بها الله جل جلاله نبيه محمدا ﷺ وأيده بها، وثبت بها فؤاده، ولقد كان من أهم خلاصات هذه الرحلة العظيمة:

قصور دائرة العقل والخيال عن إدراك عالم الغيب، ففي تلك الرحلة المباركة تحطمت تحت حوافر البراق حدودُ الزمان والمكان وإمكانيات العقل. كانت الصلاة الركن الثابت والمتعدد في رحلة الإسراء، كما كانت التكليف الأهم الذي عاد به النبي الكريم ﷺ من لقاء الملكوت الأعلى وجولة المعراج العظيم. ربط الإسراء والمعراج بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى ربط إيمان وعلاقة وجدان، فهما توأما روح الإسلام وقرينا نبوة الصادق المصدوق.

وبين الإسراء والمعراج فواصل من عظمة الخالق ومن تعظيم الرسول الكريم ﷺ، وأمجاد من قصة دين يجمع بين طباق السماء وظلال الأرض، وبين الروح والمادة، والعقل والمعجزة، إنه الدين المعجزة.


إعلان