“الذهب الأسود”.. ذكريات قصة النفط المليئة بالشجن في قطر

يقول القطري أحمد عبد الملك إن قصة النفط في قطر مليئة بالشجن، وفيها آلام وآمال وتغلبت الآمال على الآلام. فهذه القصة “فريدة وشاقة، إذ لم تكن هناك آلات للحفر مثل هذه الأيام، بل كل شيء كان يحفر بطريقة يدوية”.

نستعرض فيما يلي فيلم ” قطر.. الذهب الأسود” الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية ضمن سلسلة “ذكريات ملونة”، وفيها نحاول ترميم اللقطات الأرشيفية وإدخالها بعمليتي التلوين الآلي والدقيق، وسؤال الأشخاص التي عاصروها عنها، وهل اختلفت النظرة لها بين الأبيض والأسود وبين الملون.

“كانت الأمور تسير بظروف صعبة جدا”.. عصر النفط

يقول د. أحمد عبد الملك أستاذ الإعلام المشارك في كلية المجتمع بجامعة قطر: كان الناس يحفرون بأياديهم، وأحيانا يجدون صخورا، حتى أن الأبراج كانت تنصب بطريقة يدوية، ولم تكن هناك رافعات، وكان كل شيء في آخر الثلاثينيات بدائيا.

صورة ملونة لبدايات ظهور النفط في دولة قطر

وقد كانت تواجه العمال في تلك الحقبة عقبات ومعضلات قاسية، فكانوا يباشرون كل شيء بأنفسهم رغم الخطر. يقول د. أحمد: كانت الأمور تسير بظروف صعبة جدا، وكانت حمم الغاز تصل إلى العمال، ثم يركبون الصمام على فوهة البئر، ولكن في أكثر الأحيان لا يستطيعون إغلاقه، ثم يتركون الغازات تخرج من البئر وينتظرون حتى يخمد، وكان العمال يرتدون زيا موحدا، ويضعون خوذا على رؤوسهم لسلامتهم.

تدخل اللقطات في مرحلة ترميم اللقطات الأرشيفية وتلوينها بشكل آلي ودقيق معتمدة على رأي خبير في تلك الفترة.

زي العمال.. تصاميم وألوان بسيطة تحت الشمس والزيوت

كانت بشرة العمال داكنة بسبب الشمس وظروف الرياح الخارجية، والناس يعملون يدا بيد، والأرض كلها وحل وماء وطين وزيت، إضافة إلى المعدات، ومعظم ألوانها تكون مائلة إلى الصدأ بسبب ظروف العمل في الصحراء.

الدكتور أحمد عبد الملك أستاذ الإعلام المشارك في كلية المجتمع بجامعة قطر

يقول خليفة العبيدلي مدير “مطافئ” وهو مقر للفنانين في الدوحة: الألوان المتاحة في الأيام الخوالي من ناحية الأقمشة التي كانت تأتي من الهند والتصاميم، كانت بسيطة جدا وألوانها بسيطة، والناس وقتها كانوا بسطاء وليست لديهم تطلعات كبيرة، الزي الموحد للعمال كان لونه أزرق داكن، وهذا اللون يتأثر بالعرق والعمل تحت أشعة الشمس، وتبقى بقع الزيت على ملابس العمال، لأنه لا يمكن تنظيفها بغسيل الملابس.

أما النفط الخام فلونه أسود داكن، ورائحته قوية جدا، وصحراء قطر بمعظمها رملية، ولون الرمل ترابي وذهبي، وهذا التمازج بين ألوان الناس والمعدات والصحراء كان يشكل الصورة العامة لصورة تطور العمل في الصحراء.

غلبة الآمال على الآلام.. قصة الذهب الأسود في قطر

بعد مشاهدته للمشاهد بالألوان، يقول د. أحمد عبد الملك: بدأت السينما صامتة باللون الأبيض والأسود، ولكن مع دخول الألوان أصبحت الصورة أكثر قربا إلى البصرية الواقعية، والألوان تعطيك تفاصيل التفاصيل، كما أنها مريحة للمشاهدين، ويخفي الأبيض والأسود كثيرا من جمالية الصورة، وتعطي الألوان مؤشرات تخبرك عن الواقع.

أحد الآبار النفط في قطر وقد شبت فيه النار لمدة 18 يوما

ورغم الحنين إلى الماضي فإن البعض يريد التعرف على أصل الصورة، لأن التصوير في الماضي كان أبيض وأسود، وعمليات إضافة الألوان للفيلم مفيدة في هذا الشأن.

يقول د. أحمد: قصة النفط في قطر مليئة بالشجن، وفيها آلام وآمال، ولله الحمد تغلبت الآمال على آلام، وشهدت مرحلة النفط بعد عودة الشركة للإنتاج إثر التوقف خلال الحرب العالمية الثانية، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، واستأنفت عمليات الحفر في قطر عام 1946، واستمرت عمليات التنقيب حتى البئر رقم 25.

مد أنابيب النفط بطريقة يدوية، صورة بين الأبيض والأسود والملون

وقتها وقع حادث مؤسف عندما اشتعل أحد الآبار، واستمر الحريق 18 يوما، وقد استُعين وقتها بمهندس أمريكي، وعالج الموضوع بالديناميت والثلج، واستطاعوا السيطرة على الحريق بهذا البئر.

كساد تجارة اللؤلؤ.. نهضة ومشاريع ووظائف للشباب

ذاع صيت قطر في سوق النفط العالمي، وتوالت الاتفاقيات، ومن بينها اتفاقية مع “سوبر أويل” عام 1949، وقدمت إلى قطر شركات عدة، وأصبحت منطقة دخان منطقة تحضّر وسلوك مختلف عن باقي مناطق قطر، لأنها كانت تجمع مهندسين وعمالا من قطر والخليج ودول عربية ومن مختلف أقطار الأرض.

بظهور النفط في قطر، كسدت تجارة اللؤلؤ وتوجه الناس للعمل في حقول النفط

هذا أدى إلى تمازج حضاري وثقافي، إضافة إلى جوانب اجتماعية وثقافية. وبعد ظهور النفط في قطر كسدت تجارة اللؤلؤ، وأصبح الناس بلا عمل ومعظمهم أميون في أربعينيات القرن الماضي، ولهذا انتقلوا للعمل في النفط عمالا أو سائقين.

وقد احتضنت الشركة الشباب، وأخضعتهم لدورات تدريبية، وأرسل جزء منهم إلى خارج قطر، ولعب النفط دورا كبيرا في عمليات التطوير والتحديث، وغيّر النهج ونمط المعيشة. وفي عام 1957 بدأت المدارس الرسمية في قطر، ودفع المجتمع نحو الحداثة.

مع زيادة الدخل الوطني لدولة قطر من النفط، شيدت الحكومة المدارس في كل مكان

ومع زيادة مدخول الدولة من عائدات النفط بدأت تنجز مشاريع، وفي مقدمتها بناء المدارس بعد أن إذ كانت الدراسة تجرى في المنازل، وبعد سنوات بدأ المواطن يعيش حياة رغيدة، وأنشئت مدن ومؤسسات كثيرة بسبب النفط، وتنوعت المصانع، واعتمدت قطر سياسة سليمة، وابتعدت عن كثير من المشاكل التي حصلت في منابع النفط في دول أخرى.