“أحداث 1958”.. ذكريات ملونة للحرب الأهلية الأولى في لبنان

كثيرة هي الذكريات التي شكلت منعطفا في حياة الأفراد والبلاد، ولكنها بقيت في اللونين الأبيض والأسود، فهل تتغير النظرة إليها وقراءتها إذا شوهدت بالألوان.

في فيلم “أحداث لبنان عام 1958” الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية ضمن سلسلة “ذكريات ملونة” التي أنتجتها الجزيرة الوثائقية، نحاول ترميم اللقطات الأرشيفية بعملية التلوين الآلي والتلوين الدقيق، ثم سؤال الأشخاص التي عاصروها عنها، وهل اختلفت النظرة لها.

وقد استضاف الفيلم شخصين عاصرا هذه الأحداث لنسمع منهم تعليقهم على اللقطات بالأبيض والأسود وبالملون.

“كانت البلاد منقسمة على نفسها”.. شرارة الحرب الأهلية

يقول زهير عبد الرحمن العبيدي (مواليد عام 1940) الحائز على جائزة الدكتوراه بالاقتصاد والمال، حين كان يشاهد اللقطات بالأبيض والأسود: أحداث عام 1958 أدت إلى حرب أهلية تقريبا عمت كل لبنان، وأسفرت عن قتلى وحرائق، والحدث الأكبر أن رئيس الجمهورية آنذاك كميل شمعون عدل الدستور، وحاول تمديد ولايته، وكانت هذه الشرارة التي أطلقت الأحداث، وقد فرض النظام العالمي ضغوطا على شمعون، وفرض عليه الانسحاب من الانتخابات.

جانب من الحرب الأهلية في لبنان سنة 1958

كانت أحداث الواقع هي ما دفعت النظام العالمي للتدخل، فقد انقلبت البلاد رأسا على عقب، وعم العنف والفوضى. يقول د. زهير: ظهر المسلحون في الشوارع، وانخرطوا في الحرب الأهلية الأولى في عهد الرئيس شمعون، وكانت البلاد منقسمة على نفسها، وحصلت وقتها عدة حوادث أمنية وانفجارات خلفت ضحايا وجرحى ودمارا. وبعد رحيل كميل شمعون وانتخاب فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية، تشكلت حكومة من 4 شخصيات، وهم ريمون إده وبيار الجميل ورشيد كرامي وحسين العويني.

مقتل الصحفي المعارض.. اندلاع الشغب وبداية الفوضى

يتحدث الدكتور سهيل منيمنة رئيس جمعية تراث بيروت عن أسباب أحداث الحرب الأهلية، قائلا: أسباب أزمة عام 1958 في لبنان متعددة الجوانب، وكانت فرصة للأمريكيين لتطبيق مشروع “آيزنهاور” (الرئيس الأميركي الـ34 دوايت آيزنهاور) للسيطرة على المنطقة لأسباب اقتصادية، خاصة السيطرة على منابع النفط.

رغبة رئيس الجمهورية اللبنانية كميل شمعون بتعديل الدستور لتمديد مدة ولايته اشعلت فتيل الحرب

وقد اختار رئيس الجمهورية كميل شمعون في ذلك الوقت الوقوف إلى جانب الأمريكيين، ولقي معارضة شديدة، خاصة من المسلمين الذين وقفوا إلى جانب مصر، ولكن الذي فجّر الشارع هو اغتيال الصحفي نسيب المتني.

وعلى أثر هذا الاغتيال اندلعت أعمال الشغب وظهر المسلحون، ووصل الأمر إلى حد الحرب الأهلية، ونُصبت المتاريس في الشوارع، واستخدمت سيارات مفخخة لاستهداف المحلات التجارية، وخاصة في أسواق بيروت التي أقفلت تماما، واحترق كثير من السيارات والمحلات في هذه المناطق، وكان لها أثر اقتصادي كبير جدا.

أزياء العسكر وبدلات الساسة.. ألوان الحقبة

يتحدث د. سهيل منيمنة عن الألوان التي كانت تصطبغ بها لبنان في تلك الفترة، قائلا: كان لون السيارات الغالب هو الأبيض والأسود، وكان لباس رجال الأمن هو الأخضر الداكن، وخوذهم كانت أيضا خضراء، وحتى رجال الإطفاء كانوا يرتدون اللون الأخضر، ولكن خوذهم كانت حمراء، وسيارات الإطفاء كان لونها أحمر.

في لبنان بدلات رجال السياسة السوداء تتغير في فصل الصيف إلى اللون الأبيض

وكانت بدلات رجال السياسة لونها أسود، وفي فصل الصيف كانوا يرتدون اللون الأبيض، وقد تسلم رئاسة الجمهورية اللواء فؤاد شهاب الذي كان قائدا للجيش، وكان يرتدي في أغلب المناسبة بدلة لونها أبيض.

وبعد ترميم اللقطات الأرشيفية وتلوينها بعد الاستعانة بحديث الدكتور منيمنة، عبّر الدكتور زهير العبيدي عن إعجابه بهذا التطور التكنولوجي، ثم قال: أظن أن هناك أحداثا كثيرة شاهدتها بالأبيض والأسود، ولم أميز القادة في الصفوف الأولى، ولكن بعد تلوين اللقطات تعرفت عليهم.

ترميم الصورة.. إعادة سرد التاريخ وبث الحياة فيه

يعيد د. زهير العبيدي سرد الأحداث، ولكن بعد رؤيتها بالألوان، قائلا: أحداث عام 1958 التي أدت إلى الثورة، انطلقت من حديث لرئيس الجمهورية كميل شمعون، تضمّن رغبته في التمديد لولاية ثانية كرئيس للجمهورية، وعدل القانون، وأجرى زيارات إلى بغداد ودول أخرى، لأنه كان يريد إلحاق لبنان بحلف بغداد، وتمرير مشروع “آيزنهاور” في البلاد العربية، ولكن كانت القوى الإسلامية واليسارية وجزء من الشعب اللبناني يرفضون هذا المشروع.

اندلاع الحرب الأهلية في لبنان سنة 1958 أدى إلى مقتل المئات

الحدث الأبرز كان اغتيال الصحفي في جريدة التلغراف، وهو كان من أشد المعارضين لكميل شمعون ومجموعته النيابية.

رفضا لمشروع الرئيس آيزنهاور في المنطقة، نزل الناس إلى الشوارع

ومن هنا بدأت المظاهرات وشارك فيها نواب من الصف الأول وعدد من الأحزاب اللبنانية، ولهذا تشجع الشباب وحملوا السلاح والمتفجرات التي كانت تستخدم في شوارع وسط بيروت، وأمام الفنادق والمؤسسات الكبرى، وفي شمال لبنان، واستهدفت أيضا المقرات الأمنية، وانتشرت المتاريس في شوارع البلاد وخلفت هذه الأحداث المئات بين قتيل وجريح، وانتشرت أجواء الرعب في الشوارع بين النساء والأطفال بسبب هذه التفجيرات.

بعد استقالة الرئيس كميل شمعون انتخب البرلمان قائد الجيش فؤاد شهاب لتشكيل الحكومة

عندما تدخل النظام الدولي أرسل قوات أممية لإعادة الهدوء والعيش المشترك، بعد أن استقال كميل شمعون، وانتخب مجلس النواب قائد الجيش فؤاد شهاب، وشكل حكومة برئاسة حسين العويني وعضوية ريمون إده وبيار الجميل عن الموارنة، ورشيد كرامي والعويني عن السنة.. ليهدأ الشارع وينعم البلد بهدوء، ولكن الأحداث عادت وانفجرت عام 1975.