“مسرح الحرب”.. أحاديث ودّية بين أعداء الأمس حول مأساة المعارك

الحرب شرّ محض، وأفضل ما فيها انتهاؤها، فشرورها لا تقتصر على الزمان والمكان الذين وقعت فيهما، بل يتعدى تأثيرها إلى أجيال وأماكن متعددة، ولا يتحدد الألم بعدد القتلى والجرحى الذين سقطوا على أرض المعركة، بل ينتشر ويتمدد على صورة التداعيات النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحاصر من نجوا من القتل ووقعوا أسرى صدمة ما بعد الحرب.

في الثاني من أبريل/ نيسان عام 1982 اندلعت حرب الفوكلاند (أو جزر المالفيناس) بين الأرجنتين

في الثاني من أبريل/ نيسان عام 1982 اندلعت حرب الفوكلاند (أو جزر المالفيناس) بين الأرجنتين وبريطانيا، وراح ضحية هذا النزاع حوالي ألف ضحية من الطرفين، واستمرت الحرب 74 يوما انتهت باستسلام الأرجنتين، لكن تداعيات هذا النزاع ما زالت مستمرة إلى وقتنا الحالي، بسبب عدم تنازل أي من الطرفين عن أحقيته في السيادة على هذه الجزر.

في هذه المادة الوثائقية يجتمع عدد من المحاربين القدامى الذين شاركوا في هذه الحرب قبل 40 عاما يجترّون ذكريات الحرب المؤلمة، ويحاولون إعادة تمثيلها. وترفرف على رؤوسهم أرواح رفاقهم الذين قضوا على تلك الجزر، يضحكون حدّ النحيب على عبثية البشر في إزهاق أرواح إخوتهم، لا لشيء إلا لأن القيادة أمرتهم بذلك. فكم هي رخيصة حياة الإنسان على أخيه الإنسان.

دعونا في البداية نتعرف على أبطال الفيلم الحقيقيين الذين نجوا من جحيم الحرب، يتحدثون بألسنتهم عن أنفسهم، وعن مهامهم وذكرياتهم في تلك الحرب، ولن يتحدثوا بالترتيب حسب رتبهم أو بلدانهم التي أتوا منها، فقد قرروا أن يرموا كل ذلك وراء ظهورهم، وستسجل الكاميرا أقوالهم وأحاسيسهم ومشاعرهم بالصوت والصورة، لتبثها قناة الجزيرة الوثائقية في فيلم يحمل عنوان “مسرح الحرب”.

“هذه الراية جائزتي من الحرب”.. حديث المحاربين

اسمي “مارسيلو رامون فاييخو”، وعمري 53 عاما، وكنت في تلك الحرب برتبة جندي، ودوري في المعركة على مدفعية الهاون الثقيلة، وأعمل حاليا رسّاما وبستانيا، وأمارس عددا من الرياضات.

اسمي “جيم بوش”، وعمري 54، وكانت رتبتي إبان الحرب خاصة، وأعمل حاليا شرطيّا.

أنا “مارتن بوردو”، ورتبتي جندي، وكنت ساعي بريد في قيادة الفرقة الثالثة، والمهنة الحالية ممثل.

أنا “مانويل رودرمان”، أنا شاعر وكتبتُ أغنية عن صدمة ما بعد الحرب.

المقاتلون القدامي في الحرب البريطانية الأرجنتينية سنة 1982

اسمي “خوسيه لويس أباريثيو”، وعمري 53، والرتبة مجند إجباري.

أنا “والتر ماكولي”، وعمري 63 عاما، الرتبة جندي، والمهنة الحالية نجار.

أنا “خوسيه كروز”، والمهنة في المعركة مدرب كلاب عسكرية، والمهنة الحالية منسق حدائق.

اسمي “غييرمو ديليبيينيه”، ولو كنتُ بطل فيلم يتحدث عن حرب الفوكلاند فسوف أكون النجم، بطل الفيلم، وعندما أروي الدور الذي لعبته في المعركة دائما ما أكون البطل.

أنا “جوليان ثومبسون”، من الفرقة العسكرية الكوماندوز الثالثة، ألّفتُ كتابا عن المعركة في جزر الفوكلاند عنوانه “ليست نزهة”، وأصبح من أكثر الكتب مبيعا.

ويتقدم “فيبيان فولونتي” فيقول: هذه الراية جائزتي من الحرب، هذا هو الولاء الذي يتعاهد عليه الجنود للملكة.

ثم يأتي دور إيون ماثيوز، فيقول: أحتفظ بصورة الغيوم هذه على واجهة حاسوبي، لأنها تشبه جزر الفوكلاند.

“كنا نجلس على جثثهم ونأكل طعامهم”.. أسرى الحرب

يقول “لو آرمور” أحد الجنود البريطانيين الذي شاركو في المعركة: بعد قضاء ثلاثة أسابيع في الميدان تقدمنا مسافة 60 كم، حاملين معدات وزنها 80 طنا، وكان طعامنا علب الإعاشة المتجمدة، ومشينا في حقل ألغام، وكانت نيران المدفعية الأرجنتينية فوق رؤوسنا، وتنقلنا من ملجأ لآخر، وأطلقنا النار على أي شيء يتحرك. ثم وجدنا أمامنا مجموعة من الجنود الأرجنتينيين رافعين أيديهم مستسلمين، لا أدري، هل قتلتُ أحدهم بعد استسلامه؟ ومات الآخر بين يديّ.

أما “مارسيلو رامون فاييخو”، فكان جنديا محاربا يحمل مدفعية الهاون، ويقول: هذه بقايا بطانية كنا نستخدمها أثناء الحرب، وهذه سترة لجندي وجدتها في موقعنا، وهذه فردة حذاء، جمعناها ولكننا تركنا كثيرا من أصحابها على أرض المعركة.

ويقول “سوكريم راي”: كنتُ مع صديقي “بودي” عندما خرج لنا ثلاثة جنود أرجنتينيين من خلف الصخور، وكان صديقي يريد إطلاق النار مباشرة، ولكنني أمرته أن لا يفعل، وقلت له سأعتقلهم بسكّين الكوكري هذا.

يقول “فاييخو”: في البداية نادانا الرقيب: أيها الجنود توجهوا إلى الحفرة، وبمجرد نزولنا جهّزنا مدفع الهاون وجهاز التوجيه، ووضعنا القذيفة في بيت النار وأطلقناها، “خذوا أيها الأوغاد”، لقد كان انفجارا عنيفا.

ويقول “لو آرمور”: كان الجو شديد البرودة والثلوج تتساقط، والسكون يعمّ المكان كما لو كنا في حلم، ثم ناداني الضابط للكشف عن بعض الجرحى الأرجنتينيين، أحدهم كانت إصابته في بطنه، وكان يتحدث الإنجليزية الركيكة، أخبرني أنه سيذهب إلى مانشستر ليكمل دراسته هناك، ثم ما لبث أن مات بين يدي.

ويقول “جيمس لوف”: لم نستطع الاحتفاظ بكثير من السجناء الأرجنتينيين، فقد كان عددنا محدودا، وكان لا بد من قتلهم. ولم يكن معنا ما يكفي من الطعام، فكنا نجلس على جثث الأرجنتينيين ونأكل طعامهم من اللحم المعلب، ومنذ ذلك الحين لم ألمس علبة لحم قط، لأنها تذكرني بقتل الناس.

أما “روبن أوتيرو” فيقول: كنت أتفقد مقدمة السفينة، فالصفائح منبعجة بفعل القذائف، والجنود يتساقطون هربا منها إلى قوارب النجاة، سقط أحدهم في الماء، وحاولت أنا وزميلي إنقاذه، وكان ينزلق منا كلما حاولنا الإمساك به، وفي النهاية استطعت لف ذراعي على خاصرته، وسحبته أنا وزميلي. لقد نجا.

وجها لوجه.. لقاء أعداء الأمس في حديث ودي

يلتقي “لو آرمور” و”مارسيلو فاييخو” ويدور بينهما الحديث التالي:

حوار بين الجنديين “مارسيلو فاليخو”و “لو آرمور”
  •  اسمي “مارسيلو فاييخو”. لغتك الإنجليزية جيدة،
  • أنا اسمي “لو آرمور”. أنا كنت جنديا سابقا في حرب المالفيناس.
  • حقا؟ وأنا كذلك جندي سابق في حرب الفوكلاند، آتي إلى الأرجنتين لألتقي بجنود شاركوا في الحرب.
  • أين كنت؟ على أي جبل خدمت؟
  • كنتُ على جبل هارييت، وميناء ستانلي ومستوطنة غوسكرين.
  • وأنت؟ أين كنت؟
  • كنت على جبل ويليامز.
  • هل كنت تستخدم مدفع الهاون؟
  • نعم. أنا كنت في سلاح المشاة، الكوماندوز. هذه المجلات كان والدي يشتريها لي عندما كنت على الجبهة، ولم يخطر ببالي أن أقرأها في ذلك الوقت.
  • هل أنت في هذه الصور؟ يا إلهي، هذه صورة “سان كارلوس”، رأيت كيف اصطدتم هذه السفينة، كنا في الجبال.
  • لا لست في هذه الصور، انظر، هذه صورة البابا عندما زار الأرجنتين. وهذه صورة طوافة “بيلغرانو”، أذكر تماما عندما غرقت.

في هذه الأثناء يظهر جميع الجنود المشاركين في هذا العمل في مكان التصوير، وقد ارتدوا ملابسهم أثناء تلك الحرب أو ما يشبهها، وصاروا يرفعون أصواتهم بصيحات الحرب التي كانوا يرددونها آنذاك، بالإنجليزية والإسبانية (اللغة الرسمية للأرجنتين).

“الحقيقة أنكم احتللتم هذه الجزر”.. نزاع حول السيادة

أمام خارطة الجزر يقف الإنجليزي “لو آرمور” مع الأرجنتيني “غابرييل ساغاستيوم”، ويتحدثان عن تاريخها، فيقول “لو”:

الأرجنتيني غابرييل ساغاستيوم يؤشر على خريطة الجزر لم تكن مأهولة حتى استعمرها البريطانيون عام 1833
  • هذه الجزر اكتشفت في القرن الـ16، على يد “جون ديفز” أليس كذلك؟
  • لا، اكتشفت قبل ذلك، عن طريق “فرديناند ماجيلان”.
  • لكن الفرنسيين هم أول من أنشأ مستعمرة عام 1764.
  • نعم، ولكن الفرنسيين اعترفوا بسيادة الإسبان على هذه الجزر.
  • إذن فالإسبان اشتروها من الفرنسيين.
  • لا لم يشتروها ولكنهم كانوا يدفعون مقابلا ماليا للفرنسيين، ثم ورّثوها للأرجنتين.
  • ولكنكم تعترفون أن هذه الجزر لم تكن مأهولة حتى استعمرها البريطانيون عام 1833، ها قد مضت تسعة أجيال منذ ذلك التاريخ.
  • الحقيقة أنكم احتللتم هذه الجزر منذ تسعة أجيال، ولكننا ما زلنا نقول إنها أرجنتينية، بل إن الأمم المتحدة تعترف أن هنالك نزاعا حول ملكية هذه الجزر، لكنكم أيها البريطانيون لم تقبلوا بحوار أو تفاوض حولها.
  • حوار؟ تفاوض؟ لقد أنهيتم بأيديكم كل فرصة للتفاوض عندما أطلقتم النار في 2 أبريل/ نيسان 1982.
  • لقد كانت مستعمرة بريطانية، وكان علينا تحريرها.
  • ولكنك تذكر أنه كان هنالك استفتاء بين السكان المحليين، وأنهم رغبوا أن تبقى الجزر تحت سيادة المملكة المتحدة.

“صرنا نبيع الصحف في القطارات”.. هزيمة الحرب

تنتقل الكاميرا إلى مشهد تمثيلي بمجسمات لجنود وآليات وكنتور لأرض المعركة، ويشرح “غابرييل” لـ”آرمور” عن حقل ألغام زرعه الأرجنتينيون، من دون أن يخبروا عنه جنودهم، ولم يزودوهم بخرائط توضح ذلك، وكانت النتيجة أن الألغام انفجرت وراح ضحيتها كثير من الجنود من الطرفين.

مشهد تمثيلي بمجسمات لجنود وآليات وكنتور لأرض المعركة

وهناك مشهد آخر لأغنية غنّاها الجنود القدامى عن هزلية الحرب وعبثية الساسة الذين يرسلون مواطنيهم إلى الموت والقتل، تقول كلماتها: هل رأيتم قط شخصا يموت أو يحتضر؟ شخصا يحاول الانتحار؟ أو صديقا يموت بين أيديكم؟ هل رأيتم قط شخصا يغرق في مياه متجمدة؟ أو أحدهم يحترق بنار عاتية؟ هل اشتركتم قط في حرب؟

يقول “فاييخو” في مذكراته: عدنا إلى الكتيبة، وأكلنا الطعام واستخدمنا الحمّام، ولم نكن قد فعلنا ذلك منذ ثلاثة أيام، لقد استقبلتنا بلدة “مرسيدس” عن بكرة أبيها، ماذا كنا سنقول لعائلات الجنود القتلى؟ ربما ركبوا حافلة أخرى، أو سيأتون لاحقا. ولم نكن مستعدين لهذه الأسئلة، فكان أمرا محزنا. ثم ذهبنا إلى بيوتنا، ونسينا كل شيء، أو حاولنا أن لا نتذكر أي شيء.

عدنا إلى الحياة المدنية، دون راتب تقاعدي ولا رعاية صحية أو نفسية، وكثير من الجنود انتحروا، وفقد آخرون وظائفهم، وصرنا نبيع الصحف في القطارات. وفي النهاية وجدت عملا في شركة “فورد” على خط التجميع، وكنت أشرب كثيرا، وانتهي بي الأمر إلى تعاطي الكوكايين. وبدأت العلاج في عام 2000، وكنت أرسم جبل ويليامز على جدار الغرفة حتى لا ينسيني العلاج ذلك.

بدأت أعود إلى الحياة شيئا فشيئا، أشارك أصحابي في رحلاتهم، وأذكر أنني ثملت في إحدى الرحلات ورميت بنفسي في النهر، ولم أكن أجيد السباحة، وكدت أن أغرق لولا أن أصحابي أنقذوني. وبعدها قررت أن أتعلم السباحة.

طلاب المدرسة.. صمت عميق يجيب عن أسئلة القتل

بين حصص التصوير يجتمع قدامى الجنود، كل مجموعة على حدة. يتحدث الجنود البريطانيون بنزق عن إعادة التصوير عدة مرات، ويبررون وجودهم في هذه المادة المصورة كمساهمة منهم في إنجاح مشروع أرجنتيني عن ويلات الحرب في فوكلاند. أما الأرجنتينيون فيتحدثون عن عصبية البريطانيين وحدّة طباعهم وكثرة تذمرهم، ولا يخفي بعضهم أنه وجد الانسجام مع بعض البريطانيين.

“سوكريم راي” النيبالي الأصل يمثل كيف كان يقاتل بالسكين

لكن “سوكريم راي” النيبالي الأصل، فقد آثر أن يتحدث إلى والدته عبر وسائل التواصل، ويشتكي من صعوبة التواصل مع الأرجنتينيين، سواء بالإنجليزية أو الإسبانية، وأنه يفكر بالانسحاب جديا من المشروع. يقول لوالدته إنه تحدث إلى فريق الإنتاج أنه لا يمكنه الاستمرار.

ثم زار الفريق مدرسة والتقى مع الطلاب الذين بدؤوا يسألونهم عن ذكرياتهم في الحرب، فتحدث الجندي البريطاني عن الخوف الذي كان ينتابه عندما يرى المقاتلات الأرجنتينية تحلق في السماء، ثم تلقي قنابلها فوقهم، وتحدث “سوكريم” النيبالي عن الأماكن التي عمل فيها حول العالم، من سنغافورة وأستراليا، إلى العراق وبيليز، ثم بريطانيا والأرجنتين وغيرها.

الفريق يزور مدرسة ويلتقى مع الطلاب الذين بدأوا يسألونهم عن ذكرياتهم في الحرب

وتحدث “لو آرمور” إلى الطلاب قائلا: كنت في الفوكلاند عندما غزاها الأرجنتينيون، أنا أعلم أنكم لا تحبون سماع كلمة “غزو”، ولكن كان الأمر هكذا بالنسبة لي، قبل نهاية الحرب واستسلام الأرجنتين، التُقطت صورة لي وأنا مستسلم، وانتشرت على أغلفة المجلات عندكم، ولكن النهاية لم تكن كذلك.

ثم سأله أحد التلاميذ إن كان رأى شخصا يموت، أو قتل هو أحدهم. وحينها خيَّم على القاعة صمت عميق.

إعادة تمثيل الحرب.. شخصيات حقيقية ترى شبابها في وجوه البدلاء

استخلص فريق الإنتاج تسجيلا من الأرشيف يعود لعام 1984، ويظهر فيه الجندي “لو آرمور” يتحدث إلى قناة تلفزيونية، وصف فيه جثث القتلى الأرجنتينيين كيف كانوا صغارا، وبعضهم أطفال، وكيف كانوا يدفنونهم في قبور جماعية. وأثناء حديثه كان يظهر عليه التأثر، وطلب مرارا إيقاف التسجيل. واليوم يستعيد “لو” تلك المقابلة، ويبدي أسفه وحزنه على الضحايا من الطرفين.

مشهد من المشروع ينضم فيه شباب من المدارس والجامعات الأرجنتينية إلى المحاربين القدامى

وأثناء استعادة “لو” للذكريات دخل أحد قدامى الجنود الأرجنتينيين، “إستيبان لامدريد”، حيث تحدثا سويا عن الصدمة النفسية التي عاشاها بعد الحرب، وكيف بدأ كل منهما مراجعة الطبيب لتجاوز هذه الصدمة. أما مارسيليو فحكى عن ذكرياته مع صديقه في الحرب “سوسا”، وكيف كانا مستعدّين للقتل، على الرغم من أن شيئا في صدريهما يدعوهما إلى عدم ارتكاب هذا الجنون.

وفي المشهد الأخير من المشروع ينضم إلى المحاربين القدامى شباب من المدارس والجامعات الأرجنتينية، لإعادة تمثيل بعض وقائع المعركة بدلا من المحاربين الأصليين، وقد جلس “مارسيلو” مع بديله الشاب وحكى له أنه كان يشبهه وهو في عمره، وأنه كان يهوى كرة القدم قبل استدعائه للالتحاق بالمعركة في مالفيناس.

أما “غابرييل” فقد حلق شعر بديله الشاب، تماما مثلما فعل به الجنود السابقون له في الخدمة عندما التحق بالمقاتلين. بينما جلس “لو” مع الشاب “ماتياس” الذي سيؤدي دوره، وحدّثه عن مميزات شخصيته، وأنه كان نشيطا مبادرا، ومحبا لعمله وبارعا فيه، كان يحب عمليات الإنزال بالمظلات والقفز في البحر، ولكنه كان متسرعا ويطلب من جنوده التنفيذ فورا.

“هذا الوجه لا يفارقني في نوم أو يقظة”

يخبر أحد قدامى الجنود من مغاوير البحرية الملكية بديله الشاب أنه هو من اختار هذه المهنة، ولم يجبره عليها أحد، وأن والديه كانا فخورين به في هذه المهنة. بينما اكتفى النيبالي “سوكريم” بإعطاء بديله درسا في أساليب القتال باستخدام سكّين كوكري.

مشاهد تمثيلية لتدريبات الجنود في ساحة القنال

وقال “روبن أوتيرو” لبديله الشاب: التحقت بالبحرية، وبعد التدريب أرسلوني إلى الطوافة “بلغرانو”، وفي صباح 2 أبريل/ نيسان 1982 أبحرنا جنوبا، وكنا على وشك الاشتباك مع الأسطول الإنجليزي، وبعد الظهر وأثناء عودتنا أطلقت غواصةٌ قذيفة أغرقتنا، وبقيتُ في الماء 41 ساعة، ثم أنقذتنا المدمرة “بوشار”.

ويظل “لو آرمور” يتذكر ذلك الجندي الجريح الذي قضى بين يديه، ويقف مع عاملة الماكياج ليصف لها تفاصيل وجه الجريح، لترسمها على وجه أحد الشباب البدلاء، يقول “لو”: هذا الوجه لا يفارقني في نوم أو يقظة، أراه في أحلامي، وفي وجوه الناس الذين ألتقي بهم في النهار، وما زالت كلماته الأخيرة ترن في أذني. وفي نهاية المشروع تُمثل اللقطة التي مات فيها الجندي تحديدا.

رسم تفاصيل وجه الجريح الذي قضى بين يدي “لو آرمور” على وجه أحد الشباب البدلاء

هذا الفيلم هو جزء من مشروع أكبر يتألف من عمل مرئي ومسرحية وكتاب. ففي 2014 أنتِج العمل المرئي بعنوان “فيتيرانز” (المحاربون السابقون) من أجل مهرجان لندن الدولي للمسرح. وفي 2016 أنتجت مسرحية بعنوان “ماينفيلد” (حقل ألغام)، وأبطالها هم أبطال الفيلم أنفسهم، وعرضت لأول مرة في إنجلترا والأرجنتين، ويقوم أفرادها الآن بجولة عالمية في مهرجانات المسرح الدولية المعتبرة.


إعلان