“جرأة على المعرفة”.. موسوعة دشنت عصر التنوير وغيرت وجه العالم

 

تاريخنا ليس سوى سلسلة من الأحداث المدهشة، ويستطيع كل منا أن يؤثر في مجراه، من ولادة إمبراطورية عمرها ألف عام، إلى انهيار حضارة مزدهرة، من العبقرية الإبداعية لحفنة من الرواد، إلى ثورة ثقافية عالمية، ومن أسوأ الرؤى الاستبدادية، إلى أبشع الحروب الكبرى، ومن المقاومة البطولية لشعب كامل، إلى التصميم الحديدي لأقلية معينة، إن أبسط القرارات التي نتخذها قد تؤثر في مستقبل البشرية، وبمعرفة الماضي نستشرف المستقبل.

وإحدى هذه المحطات التي غيرت وجه العالم “موسوعة العلوم والفنون والحرف” التي أنجزت في فرنسا عام 1762 خلال عصر التنوير، وقد مرت بمعاناة وصعوبات امتدت لنحو 20 عاما حتى خرجت إلى النور.

ويعد الفيلم الوثائقي “جرأة على المعرفة” الذي يسلط الضوء على مسار إنجاز هذا المشروع الضخم، جزءا من سلسلة وثائقية تروي التاريخ عبر مجموعة من الأحداث المدهشة التي غيرت وجه العالم. فكل حلقة ترشدنا إلى إعادة النظر في حدث رئيسي أو مفترق طرق في تاريخنا، حيث يتأرجح العالم في اتجاه أو آخر.

ثورة “كوبرنيكوس”.. بداية التنوير التي أغضبت الكنيسة

نظر الغرب إلى الفلاسفة “أرسطو” و”غالينوس” و”بليني” الأكبر على أنهم أساس المعرفة، وقد قدّر مجتمع القرون الوسطى المعرفة والخبرة، ولكن العلم غالبا ما كان عندهم توليفة بين المعرفة اليونانية والرومانية واللاهوت المسيحي.

في عام 1543، أطلق الفلكي وعالم الرياضيات كوبرنيكوس شرارة ثورة علمية وثقافية بقوله بمركزية الشمس

ومنذ القرن الـ16 ظهرت طريقة جديدة للتفكير في العالم، ففي عام 1543 أطلق الفلكي وعالم الرياضيات “كوبرنيكوس” شرارة ثورة علمية وثقافية بنشره كتابه حول دوران الأجرام السماوية. مخالف بذلك ما قاله “أرسطو”، مؤكدا أن الأرض ليست كوكبا ثابتا في مركز الكون، لكنها تدور حول الشمس.

وفي نهاية القرن، ذهب عالم اللاهوت “جوردانو برونو” أبعد من ذلك واعتبر أن الشمس ليست مركز الكون أيضا، واعتبر أنها نجم كبير كغيره من النجوم الكثيرة في الكون. ولكن هذه المرة لم يمر كلام “برونو” مرور الكرام، إذ أدين بالهرطقة وعُذب وأمر بالتخلي عن معتقداته تحت وطأة التعذيب، وواجه الموت لكنه رفض، فأُحرق حيا في روما عام 1600.

عالم اللاهوت جوردانو برونو يموت حرقا لتبنيه فكرة أن الشمس ليست مركز الكون

وبعد 33 عاما، هاجمت الكنيسة عالما آخر يدعى “غاليليو غاليلي”، ولكنه لم يصمد ويتمسك بآرائه مثل “برونو”، بل تراجع بسبب هيمنة الكنيسة المطلقة، وتخلى عن نظريته حول الأجرام السماوية. وفي نهاية القرن وضع الإنجليزي “إسحاق نيوتن” نظريته للجاذبية الكونية وأسس الفيزياء الحديثة، ولم يعتمد في حساباته على “أرسطو” أو الإنجيل، بل اهتم -أساسا- بالرياضيات والتجارب. وفي تلك الأثناء طور الفيلسوف “ديكارت” طريقة تفكير تستبعد المعتقدات والخرافات السائدة.

الإنجليزي إسحاق نيوتن يضع نظريته للجاذبية الكونية وأسس الفيزياء الحديثة

وبعد كل هذا الانفتاح والتغيرات، حان وقت لإفساح المجال للروح الديكارتية والنقد والمنطق، وبات الاتجاه يميل نحو الجدل والتبادل.

مملكة فرنسا.. قلب الازدهار الفكري في عصر التنوير

في القرن الثامن عشر كانت مملكة فرنسا في قلب هذا الازدهار الفكري، والمنطق يسود فوق كل شيء، واستقلال الفرد أساسي. وفي مواجهه الظلامية والجهل، أصبح هؤلاء الفلاسفة منارات في الليل ومصابيح معرفة تخرج من الهاوية، ويدشنون ما بات يسمى “عصر التنوير”.

ولكن مثل “جوردانو برونو” أو “غاليليو” من قبلهم، عانى فلاسفة عصر التنوير من رقابة كاملة من طرف الكنيسة والسلطة المركزية، إذ اختبر غالبيتهم النفي أو السجن أو الرقابة، ولكنهم رفعوا شعار “تجرأ على المعرفة” أو “سابيري أودي” (Sapere Aude). ففي القرن الـ18 لم ينج من الرقابة الملكية الفرنسية سوى عدد قليل من فلاسفة عصر التنوير، مثل “فولتير” و”دنيس ديدرو” و”مونتسكيو” وغيرهم.

تحتل فرنسا اليوم المرتبة 33 في العالم من حيث حرية الصحافة

وفي عام 1745 في باريس، وصل العالم الألماني “غوت فردسيليوس” إلى المدينة، وكان يريد مقابلة الناشر “ليبريتون”، ليقدم له مشروع ترجمة فرنسية لموسوعة القاموس العالمي للغة الإنجليزية.

وتأتي كلمة موسوعة “سيكلوبيديا” (Cyclopedia) من اليونانية وتعني مجموع المعرفة للتعليم الكامل، وعلى عكس القاموس الذي يُعرف الكلمات لغويا، تشرح الموسوعة الأشياء بطريقه عالمية، فتجمع وتُلخص المعارف، لتصبح متاحة للجميع، والموسوعة هي عمل جوهري ضخم.

“لا تقبل شيئا بغير دليل”.. فتح أبواب المعرفة ومحاربة الخرافة

بعد نيل العالم الألماني “غوت فردسيليوس” امتيازا ملكيا لمدة 20 عاما، وحصوله على تفويض رسمي بطباعة هذا العمل وبيعه، عهد بالإشراف التحريري إلى “ديغوا ديمالافيس”، وهو رئيس دير وعالم رياضيات وعضو بالأكاديمية الملكية للعلوم وأستاذ في الكلية الفرنسية، ويحيط نفسه بالمتعاونين، ومن بينهم “جان ليرون دالمبير”، وهو نفسه عضو الأكاديمية الفرنسية للعلوم، والمترجم “دينس ديدرو”.

تتكون الموسوعة من مئات الصفحات من الرسومات التوضيحية

ولكن سرعان ما ترك رئيس الدير المشروع، لتُلقى على عاتق “دالمبير” و”ديدرو” مهمة ثقيلة لإدارة المشروع. وإذ كانت نية الناشرين -في البداية- متواضعة نسبيا، فإن نية الناشرين الجدد أقل تواضعا، لأن “ديدرو” و”دالمبير” يجسدان تماما روح التنوير، وشعارهما “لا تقبل شيئا بغير دليل”، وقد شجعا على التفكير، وكان طموحهما فتح أبواب المعرفة لأكبر عدد ممكن من الناس، ومحاربة الخرافات والظلامية، وضمان أن يسود العقل.

ولا يسعى “ديدرو” -على وجه الخصوص- إلى وضع نظام صارم أو طريقة تفكير جديدة، بل إنه على العكس من ذلك يتساءل، ويثير عدم الاتساق، ويترك القرار للقراء أنفسهم، لكنه يظهر بعض التهور، وهذا التهور أدخله السجن عام 1749، بعد نشر أحد منشوراته المجهولة.

تمويل المشروع.. فكرة ذكية تخرج المجلد الأول إلى النور

يختلف عالم النشر في القرن الـ18 عن اليوم، فرغم تقدم الطباعة كانت عملية التصنيع ما تزال مملة، والورق نفسه مادة مكلفة ذات جودة متغيرة. ولتمويل مثل هذا المشروع الطموح، لجأ الموسوعيون إلى نظام الاشتراكات، وهي عملية شراء مسبقة يقبل فيها العميل المستقبلي بدفع سُلفة للمساعدة على نشر العمل، ويحصل على نسخة بمجرد اكتمال التصنيع. وهذا يمثل مخاطرة، فالعميل لا يمكنه التأكد من موعد التسليم، ولا من الجودة النهائية.

عملية شراء مسبقة للموسوعة حيث يدفع العميل سُلفه للمساعدة على نشر العمل ويحصل على النسخة بمجرد اكتمال التصنيع

ولإقناع المشتركين، وضع “ديدرو” نصا مصحوبا بصورة تمثل مخططا لبنية الموسوعة على شكل شجرة معرفة. وهذه الأنواع من النصوص المسماة “نشرة” هي التي منحت اسمها للنشرات الإعلامية التي نعرفها اليوم. ويشبه نظام الاشتراك هذا إلى حد كبير التمويل الجماعي كما نعرفه اليوم، إنها طريقة كل منا لتمويل الثقافة التي نحب.

وفي عام 1751، وبعد خمس سنوات من إطلاق المشروع الموسوعي، صدر المجلد الأول من مطبعة “ليبريتون”، وفي مقدمته يشرح “دالمبير” طموحات المؤلفين، أو ما اعتبر -وقتها- بيان التنوير الحقيقي.

وفي العام الثاني، بدا أن إصدار المجلد الثاني يسير بسلاسة إلى أن نشر أحد المشاركين -وهو رئيس أحد الأديرة- فرضية تتضمن تفسيرات منطقية للشفاء الخارق الذي جرى على يد السيد المسيح. وانتهز معارضو الموسوعة الفرصة، وحصلوا من الملك على إدانة للمجلدين المنشورين، وحظر على أي شخص بيع أو شراء أو امتلاك نسخ منهما.

“غيوم دي مالزيرب”.. حليف غير متوقع من داخل البلاط

كان يخشى الموسوعيون حينئذ استيلاء الكنيسة على مشروعهم، وفي هذا الوقت يتدخل حليف قوي غير متوقع هو “غيوم دي مالزيرب” مدير الرقابة الملكية الذي كان يفرض رقابة واجبة في سجن “ديدرو”، لكن المفاجأة كانت بمساعدته للموسوعيين والعمل لرفع الحظر من قبل الملك.

في عام 1751 وبعد خمس سنوات صدر المجلد الاول وفي مقدمته يشرح دالمبير طموحات المؤلفين

فقد تعلم “دالمبير” الدرس ممن سبقوه، وترك الإدارة، وأصبح مجرد متعاون، ليبقى “ديدرو” وحده في سدة المسؤولية، ويستأنف نصف الكتاب، وتزداد الهجمات ضراوة مع توالي نشر المجلدات.

وفي عام 1754 انضم “فولتير” بحماس إلى المشروع، وبينما كان المشروع يسير بين الألغام، جاءت محاولة اغتيال الملك لويس الـ15 في 5 يناير/ كانون الثاني من عام 1775، لتؤجج الغضب ضد الموسوعة والموسوعيين، وتتهم هذه الأفكار الجديدة التخريبية بأنها من أسباب محاولة الاغتيال.

رئيس أحد الأديرة ينشر فرضية تتضمن تفسيرات منطقية للشفاء الخارق الذي جرى على يد السيد المسيح

وهنا بات الموسوعيون متهمين بتقويض السلطة الملكية، وصار “دي مالزيرب” نفسه مهددا، ولهذا تخلى عن المشروع، وحث “فولتير” جميع المشاركين على توخي الحذر. ولكن “ديدرو” وبعض المؤمنين بالمشروع وقفوا بحزم، فحث “ديدرو” معاونيه على البقاء وعدم الفرار أو الاستسلام لأعدائهم.

وفي روما يصنف البابا العمل ضمن الكتب المحظورة، وأي كاثوليكي يدان بامتلاك نسخة من الموسوعة سيحرم كنسيا، فألغى مرسوم ملكي الامتياز، وأعلن المجلدات السبعة الأولى غير قانونية. وصودرت مخططات “ديدرو”، لكن تلك المخبأة لدى “دي مالزيرب” نجت من المصادرة.

بابا روما يصنف الموسوعة ضمن الكتب المحظورة

وتحمّل رئيس الرقابة الملكية أخطارا كبيرة، ونجح بتهدئة عقول الناس والحصول من الملك على إذن لمواصلة نشر مجلدات الرسوم التوضيحية والنقوش فقط.

إصدار الموسوعة.. ثمار 20 عاما من العمل والصمت والحيلة

بعد تلك الأحداث تبدأ الفترة السرية للموسوعة، ومع التواطؤ السلبي للشرطة تكتب نصوص المجلدات الباقية، وتطبع سرا في مطابع “ليبريتون”. وظل “ديدرو” –الذي مر بفترة صعبة للغاية- لسنوات متحملا التهديدات والإهانات، ولكنه كان يعمل بجد وبصمت، إلى أن اقترحت عليه الإمبراطورة “كاثرين” الثانية عام 1762 إنهاء الموسوعة في مدينة ريغا بالإمبراطورية الروسية، بعيدا عن الرقابة، لكنه رفض وأصر على متابعة حلمه ومشروعه في بلاده.

الإمبراطورة كاثرين الثانية تقترح على ديدرو في عام 1762 إنهاء الموسوعة في مدينه ريغا

وفي عام 1765 طبعت آخر 10 مجلدات من الموسوعة سرا، من دون امتياز ملكي، دفعة واحدة، وتحت عناوين مزيفة للتحايل على الحظر، وقد وزعت المجلدات خارج باريس. ولدواعي السلامة لم يعد اسم “ديدرو” يظهر عليها، وآخر كلمة كتبها في الموسوعة كانت نهاية 20 عاما من العمل والتضحيات، ولكن أيضا من الخيانات.

وفي عام 1772 انتهى آخر مجلدات الرسومات الإيضاحية ونشرت أيضا. وبعد ربع قرن من العمل المذهل انتهت المغامرة الملحمية لنشر الموسوعة، وكان عنوانها النهائي “موسوعة المعارف” أو “القاموس المنهجي للعلوم والفنون والحرف”، وتشمل 72 ألف مقالة وآلاف الرسوم التوضيحية موزعة على 28 مجلدا.

عشرات آلاف المقالات تجمع أشتات الفنون.. عمل جماعي ومذهل

لم يُنشر عمل بهذا الحجم من قبل، فالموسوعة مذهلة بحداثتها وتنوع مواضيعها، فهي تتضمن مواضيع اعتبرت سابقا غير مهمة، فمقالات الميكانيكا تنشر إلى جانب مقالات علم الفلك والجراحة والرياضيات، وتقوم على مفهوم مبدع وأصيل بحد ذاته.

وهذه الموسوعة نتاج عمل جماعي لأكثر من 250 مشاركا كتبوا مقالات معظمها كُتب تطوعا. وألّف “ديدرو” -الذي كان محرر الموسوعة- مجموعة متنوعة من المقالات وخاصة التقنية منها، ولهذا لازم ورش التصنيع لفهم أسرارها والكتابة عنها بشكل علمي وعملي، ورغم انسحاب “دالمبير”، فقد زود الموسوعة بنحو 1600 مقال معظمها عن الرياضيات.

في عام 1772 تم الانتهاء من آخر مجلدات الرسومات الإيضاحية

أما “تشيفالييه ديجكور” المجتهد المتفاني الذي كرس كامل وقته للموسوعة حتى في أصعب الأوقات، فقد كتب نحو 17 ألف مقال، أي 24% من حجم الموسوعة الإجمالي.

وكان من الطبيعي أن تتفاوت جودة المقالات في الموسوعة، بسبب وجود أكثر من 150 مشاركا مختلفا، اشتغلوا بتفان وتحدّوا الرقابة وعملوا بالخفاء على تشكيل سلاح سياسي، وآخر معرفي يتجاوز تجميع المعارف، ففي الموسوعة نحو 72 ألف مقال في جميع مجالات المعرفة، وتضم كمية هائلة من البيانات، وكان -في ذلك الوقت- عملا هائلا.

تنظيم الموسوعة.. تصنيف أبجدي ونظام سابق لعصره

لهيكلة الموسوعة، اعتمد الكتاب تصنيفا أبجديا بدلا من التصنيف الموضوعي، وبالتالي كانت جميع المواضيع متساوية مما جعل القراءة مملة، لهذا أضيف نظام بارع من المراجع المرافقة أسفل كل مقال تحيل القارئ للذهاب وقراءة المواضيع ذات الصلة، مثلا تشير مقالات الزراعة إلى المحراث أو القمح.

وهكذا وقبل الإنترنت بقرون، اخترع الموسوعيون مفهوم “الارتباط التشعبي”، وإضافة لمساعدته في القراءة، يتيح هذا النظام للمؤلفين التحايل على الرقابة. وغالبا ما تكون المقالات محايدة عند النظر إليها بمعزل عن غيرها، لكن عند ارتباطها ببعضها يمكن نقل رسالة تخريبية.

عند اندلاع الثورة الفرنسية، يقدر أن أكثر من 25 ألف نسخة من الموسوعة كانت متداولة في أوروبا الغربية

وبالنسبة للناشرين، كانت الأرباح تناسب الأخطار التي تعرضوا لها، ولا جدال في أن الموسوعة كانت أعظم إصدار في عصرها، وهذه ليست سوى البداية، وهي الطبعة الأولى المسماة “باريس”، وستتلوها إصدارات كثيرة أخرى، ومع الإضافات وإعادة التنظيم والترجمات سيكون تطويرها غزيرا ومربحا للغاية.

وعند اندلاع الثورة الفرنسية، يقدر أن أكثر من 25 ألف نسخة من إصداراتها المختلفة، كانت متداولة في أوروبا الغربية. واليوم ورغم أن عمرها يتجاوز 250 عاما، ما تزال هذه الموسوعة تبدو حديثة، ويتيح لنا نظام المراجع التبادلية التنقل بين المقالات، تماما كما هو الحال في روابط الإنترنت، حسب تفكيرنا ورغباتنا.

“شجع القارئ على التفكير بنفسه”.. ثورات المعرفة

وجد النظام الذي تخيله “ديدرو” امتداده عام 2008 عند تحميل نسخة رقمية مفتوحة للوصول إلى الموسوعة، وأصبحت المراجع التبادلية ارتباطات تشعبية حقيقية، لكن ثورة الإنترنت لا تتوقف هنا، فاليوم توفر الشبكة العالمية طريقة جديدة لجمع المعرفة.

اخترع الموسوعيون مفهوم “الارتباط التشعبي”ليتيح للمؤلفين التحايل على الرقابة

فـ”ويكيبيديا” هي موسوعة عالمية متعددة اللغات نشأت عام 2001، وهي موجودة على خوادم مؤسسة غير ربحية، ورغم أن موسوعة “ويكيبيديا” كانت عام 2017 خامس أكثر مواقع الشبكة العنكبوتية زيارة في العالم، فقد اختارت الحفاظ على استقلاليتها، من خلال عدم بيع أي مساحة إعلانية.

كان “ديدرو” مقتنعا أنه مع مرور الوقت سينتج هذا العمل ثورة فكرية، فشعار الموسوعيين -وقتها- كان “شجع القارئ على التفكير بنفسه، وتحرير نفسه من نير الخرافات والتعصب والتمييز، ومن أي ذريعة للتسلط”.

ورغم أن نص الموسوعة كان بسيطا وواضحا، فقد ظلت عبارة عن مجموعة كتب باهظة الثمن، ولم تكن أسعارها مناسبة إلا للأثرياء فقط، ويستحيل اليوم قياس تأثيرها على العالم. ولكن هل الإنترنت امتداد لهذا المشروع الموسوعي؟

ويكيبيديا هي موسوعة عالمية متعددة اللغات أنشئت عام 2001

بطريقة ما نعم، فإنشاء موسوعات جديدة والوصول المجاني إلى موسوعات الماضي يخدم الهدف لجمع المعرفة، لكن التراكم الكبير للبيانات والتنوع الهائل للمشاركين، لا يضمنان الجودة بأي حال من الأحوال، والتوفر الفوري للإجابات يعفينا من التفكير والبحث بأنفسنا ووضع المعلومة في منظورها الصحيح، ومن هنا يطرح السؤال: هل ما تزال القضية مسألة معرفة أم مجرد معلومات؟