تاريخ النفط.. قصة السائل الأسود الذي يشغّل المحركات والبنوك ويُشعل الحروب

ملايين أطنان الذهب الأسود، وملايين أطنان السموم المنفوثة في البحر والأرض والجو. تلك حصيلة عقود طويلة من استخراج النفط. فهل يمكن الجزم نهائيا وبصفة قطعية بكون هذا الذهب الأسود نعمة أو نقمة؟

يقول الكاتب الفرنسي “بيار ماك أورلان” الذي شهد عصر تحوّل النفط من سائل أسود ينقط من باطن الأرض، إلى أحد محركات الاقتصاد والحروب والدمار في النصف الثاني من القرن العشرين: أظن أن النفط يشكّل بوضوح أعلى درجات اليأس الإنساني، إذا كان لهذا اليأس رائحة.

وهو التوصيف الأكثر بلاغة لتحوّل ذلك السائل الأسود من مسارات الاستطباب والتبرك عند الصينيين القدامى وقبائل الهنود الحمر، إلى مسار حمل على ظهره الدبابات وقاذفات القنابل.

إضاءة المدائن القديمة.. استخدامات النفط منذ آلاف السنين

يُرجع الكاتبُ الأمريكي “جي تي هنري” في كتابه “التاريخ المبكر واللاحق للبترول” اكتشافَ النفط إلى العصور المبكرة في أوروبا وآسيا، فقد كان ضمن البضاعة التي تاجرت بها شعوب القارتين عدة قرون في تلك الفترة.

ويقول “هنري”: هناك سبب وجيه للقول إن النفط عُرف واستُخدم منذ العصور الأولى في العالم. ومن المستحيل العودة إلى الفترة التي اكتُشف فيها البترول لأول مرة، ولكن من خلال وجوده المتكرر على شكل ينابيع في أجزاء كثيرة من العالم، يتضح أن الإنسان عرف النفط منذ أكثر من أربعة آلاف سنة، وهناك أدلة على أن سكان نينوى القديمة كانوا يستخدمونه في بناء المدينة، فقد استُخدم بلاط إسفلتي سمّي في العهد القديم بالوحل، وكان هذا الإسفلت عبارة عن بترول معالج جزئيا، وحصل عليه في بابل من ينابيع على ضفاف نهر الفرات.

مدرعة أمريكية في أحد حقول النفط في الشمال الشرقي لسوريا سنة 2021

ويستدل الباحث “هنري” على وجود استخدام النفط منذ عصور مبكرة بحديث “هرودوت” قبل 500 عام من ميلاد المسيح، عن آبار النفط في زانتي اليونانية، حيث استعمل لإضاءة المصابيح، وكان يُسمى بزيت صقلية، وكتب الطبيب والكاتب اليوناني “ديسقوريدوس” الذي خدم في الجيش الروماني في عهد الإمبراطور “نيرون” بأن آبارا واقعة على ضفاف نهر تارو الإيطالي، كانت تُستخدم سابقا لإضاءة مدينة جنوة.

ويذهب الباحث “أونييكاشي دورو” في بحث له بعنوان “تاريخ النفط والغاز” إلى أن النفط الخام كان من الحاجيات اليومية منذ خمسة آلاف عام، وإن الإنسان كان على معرفة بوجود الغاز الطبيعي، لكن كل ما في الأمر أنهم لم يعرفوا كيفية استخدامه، فهم لم يحفروا عن النفط، لأن الكميات التي تتسرب إلى سطح الأرض كانت كافية.

ويقول “دورو”: في واحدة من أقدم الحضارات -أي بلاد ما بين النهرين- كان القطران يستخدم لأغراض البناء، فقد استخدم الإغريق والرومان القدماء البترولَ مادةً للتشحيم، والبشر استخدموا البترول غير المكرر لأكثر من خمسة آلاف سنة. وفي الواقع، هناك إجماع على أن النفط قد سبق الإنسان نفسه، وقد استخدم بشكل عام منذ تاريخ البشرية المبكر لإشعال النيران وأيضا للحرب.

وتشير آثار اللغة الفارسية القديمة إلى الاستخدامات الطبية وللإضاءة للبترول، كما كانت الصين القديمة معروفة أيضا بحرق الزيت الخالي من الدسم من أجل الإضاءة. وقد تأسست صناعة البترول المبكرة في القرن الثامن عندما رصفت شوارع بغداد بالقطران المشتق من البترول من خلال تقطيره، وفي القرن التاسع، استغلت حقول النفط في المنطقة المحيطة بأذربيجان لإنتاج النفثا، وقد وصف المسعودي هذه الحقول في القرن العاشر.

زيت “سينيكا”.. معجزة من السماء للعلاج والاحتفال

في وقت أقرب من العصور القديمة، كان السكان الأصليون للقارة الأمريكية يستخدمون النفط في معاركهم. يروي الكاتب “جي تي هنري” في كتابه “التاريخ المبكر واللاحق للبترول” أن الهنود الحمر كانوا يغمسون سهامهم في حفر النفط ويدهنون وجوههم به، ومكنهم طلاء أجسامهم به من الحفاظ على حرارة أجسامهم تحت الماء.

ويقول: استخدامات هذا الزيت في عبادتهم الدينية تحدث عنها القائد الفرنسي لحصن “دوكين” في العام 1750، فقد كتب القائد إلى الجنرال “مونتكالم” قائلا: دُعينا من قبل رئيس قبيلة “سينيكا” لحضور احتفال ديني لقبيلته، وتلا الزعيم العظيم فتوحات أسلافهم وبطولاتهم، حيث كان سطح نهر أليجاني مغطى بمادة سميكة توضع فيها شعلة، وهي إشارة معينة لانطلاق الاحتفال، فتنفجر لتشعل حريقا كاملا. وعند رؤية ألسنة اللهب، يطلق الهنود صيحة الانتصار التي أعادها صدى التلال والوديان.

بئر طبيعي للنفط في منطقة “ماك كيتريك” في ولاية “كاليفورنيا”

ولم يستعمل السكان الأصليون في القارة الأمريكية النفط للعبادة أو لدهن جلودهم، بل ظنوا أنه دواء لأمراض كثيرة. وحسب كتاب “التاريخ المكبر واللاحق للبترول” فإنه منذ الاستيطان الأول لمنطقة الأبالاش الأمريكية، كان الصيادون الأوائل على دراية بهذا الزيت. فقد انفجر بطريقة خفية وغامضة من أحشاء الأرض، وسرعان ما جذب انتباههم، واكتسب قيمة كبيرة في عيون هؤلاء الأبناء البسطاء من الغابة. وكهدية معجزة من السماء، كان يُعتقد أنه علاج لجميع الأمراض الشائعة تقريبا في تلك الأيام، كمرض المفاصل والحروق والسعال والالتواء، لذا فقد اكتسب شهرة حقيقية، وأطلق عليه حينها اسم زيت “سينيكا”، لأنه عثر عليه لأول مرة بالقرب من بحيرة “سينيكا”.

ونظرا لوجوده بكميات محدودة، مقابل الطلب الكبير والواسع عليه، وصل ثمن قنينة صغيرة منه إلى أربعين أو خمسين سنتا. وفي ذلك الوقت، كان يستخدم لمعالجة كدمات السروج على ظهور الخيول، وبدا أنه يتكيف بشكل غريب مع جلد الخيل، ويشفي عددا من أمراضها بصفة عجيبة وسريعة. كما استعمل ذلك الزيت حينها لطرد الذباب والحشرات الأخرى وخاصة منع ترسب بيض الحشرات في جروح الحيوانات الأليفة خلال أشهر الصيف.

تقطير الزيت من الفحم.. صدفة تفتح التنافس على الذهب الأسود

في العام 1830، اكتشف عالم الكيمياء الألماني “ريخن باخ” مادة شمعية بيضاء لا رائحة ولا طعم لها، وأطلق عليها اسم “البارافين”، وكان “ريخن باخ” قد كرس اهتماما كبيرا لإنتاج زيوت الإنارة من الفحم والصخر القاري في ألمانيا، لكنه طيلة مراحل تجاربه لم يتوصل إلى شيء ذي قيمة، إذ لم يكن في ذلك الوقت قد فهم بوضوحٍ التغييرَ الكيميائي لتلك المادة، غير أنه كان من أحد الأسماء التي نُسب إليها اكتشاف “الكيروزين”.

شعار شركة “جيمس يانغ” للبارافين والزيوت المعدنية

ويقول الباحث راشد البراوي في كتابه “حرب البترول في الشرق الأوسط”: ظل العالم غير مدرك لأهمية البترول وإمكانياته حتى العام 1847، حين قام “جيمس يانغ” الإنجليزي بتجارب أراد منها تقطير الزيت من الفحم، فكان النجاح حليفه دون أن يدرك أهمية تجربته.

وفي ذلك الوقت نجح الألماني “ستوهواسر” في صناعة مصباح للإضاءة يمكن أن يستخدم فيه زيت أخف وأكثر سيولة من الأنواع المألوفة في ذلك الوقت، وارتكز على تجارب “يانغ” الحاصل على براءة اختراع في إنجلترا لتصنيع زيت “البارافين” من الفحم القاري، ثم حصل على براءة اختراع من الولايات المتحدة الأمريكية.

ويذكر “جي تي هنري” أن الدكتور “أبراهام جيسنر” صنع النفط من الفحم منذ العام 1846، وعرضه في سياق محاضراته في المقاطعات البريطانية. وتحالف “يانغ” على الفور مع صناعيين، وبدأ بتصنيع زيت “البارافين” المشتق من النفط على نطاق واسع، وبيعت براءة اختراع “الكيروزين” وزيت “البارافين” من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لشركة “كيروزين غاز لايت” في نيويورك، فبدأت في العام 1854 بتصنيع زيت “الكيروزين” في “نيو تاون كريك”، لكن التقدم كان بطيئا بشكل محبط، فلم تكن عملية التكرير مفهومة تماما، كما أن الرائحة كانت قوية في المصنع.

“دريك وييل” في ولاية “بنسيلفانيا” أقدم بئر للنفط في الولايات المتحدة الأمريكية

وقد دفع الربح الكبير من تصنيع “البارافين” كثيرين إلى الدخول في مجال النفط. يقول الكاتب “جي تي هنري” إن “جيمس يانغ” قد رفع دعوى قضائية لانتهاك حق براءة الاختراع في أمريكا وإنجلترا، وطالب بدفع إتاوة قدرها ثلاثة سنتات للغالون الواحد. وفي العام 1859، لم يكن النفط سلعة محددة القيمة، فبيع الغالون الواحد مقابل خمسة وعشرين سنتا، إذ لم يكن هناك طلب عليه، لأن استخدامه لم يكن مفهوما تماما.

آبار النفط.. المارد الأسود يخرج من جوف الأرض

يرجع الباحثُ راشد البراوي الفضلَ في تفجير أول بئر للنفط إلى مدرس متقاعد، وهو “جورج بيسل” الذي أدرك أهمية هذا السائل بوصفه مادة للإضاءة، فقرر دخول مجال تصنيعه، واستطاع حفر أول بئر بواسطة بعثة للكولونيل “إلوين لورنس درايك” في بلدة تيتسفيل، وذلك يوم 23 أغسطس/ آب من العام 1859، وظلت هذه البئر الأولى تنتج أربعة آلاف لتر يوميا.

وكان أول من مهد لتكرير النفط هو الأمريكي “صامويل كيير”، فقد شيّد مصنعا لتكرير النفط في مدينة بتسبرغ، لكنه واجه عقبة الاقتصار على منابع النفط الطافية على السطح أو القريبة منه، وهي تعد قليلة الإنتاج.

آبار نفط شركة “ستاندارد أويل” في ولاية “أوهايو” الأمريكية

وفي ظرف أقل من ربع قرن، انتقلت أعمال التنقيب عن النفط إلى بنسلفانيا وفرجينيا وأوهايو، واكتُشفت آبار النفط في تكساس وكاليفورنيا وكولومبيا.

وعلى الرغم من تصدرها إنتاج النفط، لم تكن الولاياتُ المتحدة الأمريكية الدولةَ الوحيدة التي جذبها الاكتشاف الثوري، فقد بدأ إنتاج البترول في رومانيا في العام 1860، تلتها روسيا في العام 1863، ثم جزر الهند الهولندية سنة 1893.

وبحلول العام 1881، كاد اختراع المصباح الكهربائي أن يقضي على الإنارة بزيت البترول، وكاد الخراب يحل بالشركات المنتجة للنفط، قبل أن تحل المعضلة على يد المهندس الألماني “غوتليب دايلمر”، فقد اخترع محركا سهل الاستعمال يعمل بقوة البنزين.

وقد مهد اختراع “غوتليب” لتوسع استعمال النفط ومشتقاته، فاستخدم في أغراض مدنية مثل الزراعة والصناعة والنقل، وكان سندا للحروب التي خاضها العالم في النصف الأول من القرن العشرين، ولكنه لم يكن أداة فحسب، بل تحول إلى سبب لحروب غيّرت حكومات وأدخلت دولا في مستنقعات أزمات لا نهاية لها.

صراع النفط.. حروب الشركات والمصارف على اقتسام العالم

بدأ السباق نحو التنقيب عن البترول واستخراجه قبل الحرب العالمية الأولى بقليل، وخاضت الشركات الكبرى في البداية ذلك السباق بدعم من حكومات دولها، لكن مع توسع استخدام البترول في الاقتصاد وفي المجال العسكري، أصبح النفط محركا للسياسة الدولية. يقول الكاتب راشد البراوي: أخذت الحكومات تستخدم نفوذها، وتتفاوض فيما بينها لتقسيم الموارد والأسواق بين شركاتها المتعددة، واقتسمت الأراضي ذات الموارد والاحتياطات الكبيرة من البترول.

مدرعات أمريكية تشتغل بالبترول على خط المواجهة في فرنسا في الحرب العالمية الأولى

وكانت السوق العالمية في بداية القرن العشرين في الغالب مقسمة بين عائلتين كبيرتين، هما شركة “ستاندارد أويل” التي أسستها عائلة “روكفلر” في العام 1862، وعائلة “روتشيلد” والإخوة “نوبل”، وقد سيطرت على إنتاج النفط في الأراضي الروسية، ولقيت هاتان الشركتان منافسة من شركة “مانتاشوف ياكو”، إضافة إلى شركة “شال” الهولندية البريطانية في المستعمرات الهولندية، وهي ذات رأسمال بريطاني.

ويستحضر الباحث راشد البراوي وصف “لينين” لسباق السيطرة على منابع البترول من قبل الشركات، بقوله إن “العالم شهد بعد ذلك صراعا عنيفا بين المصالح البترولية في سبيل اقتسام العالم”، فقد بدأت الحرب بين الشركات حين كوّنت شركة “روكفلر” شركة تابعة لها في هولندا، واشترت آبار نفط في الهند الهولندية.

وفي المقابل سعى البنك الألماني مع مصارف ألمانية أخرى للاحتفاظ بآبار النفط في رومانيا، وتوجهت تلك المصارف إلى التحالف مع روسيا ضد مصالح شركة “روكفلر”، وانتهت المعركة في العام 1907 بهزيمة البنك الألماني، فاضطر لعقد اتفاق مع اتحاد الشركات الأمريكية الموحدة، تعهد فيه بالامتناع عن أي نشاط قد يؤدي إلى الضرر بالمصالح الأمريكية.

امتلاك الآبار.. حبر يكتب أسماء المنتصرين في الحرب العالمية

في 21 من نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1918، ألقى اللورد “جورج كورزون” حاكم الهند البريطانية خطابا خلال حفل عشاء على شرف أعضاء “هيئة البترول المتحالفة” في قصر “لانكستر هاوس”، قال فيه: كان البترول -حتى قبل الحرب- من أهم الصناعات والموارد القومية، وتزايَد استعماله في الأغراض الاقتصادية والنقل، ولكن بابتداء الحرب أصبح النفط ومستخرجاته في مصاف العوامل الرئيسية التي يتسنى بواسطتها مواصلة الحرب وكسبها. كيف كان باستطاعتهم دون بترول أن يحققوا سرعة انتقال الأسطول وحركته ونقل الجنود أو صناعة المفرقعات.

ثم قال: لقد لعبت كل مستخرجات النفط والغاز دورا متساويا في الحرب، وفي الحقيقة يجوز لنا القول إن الحلفاء قد طافوا على موجة من النفط نحو النصر. فلقد كان محتما على الحكومة أن تنظم موارد إمداده في مختلف أنحاء العالم، وأن تحتفظ بكميات منه، وأن تعمل على توزيعها بالعدل، وأن تتخذ التنظيمات التي تكفل نقله وخزنه.

ويقول الباحث راشد البراوي في كتابه “حرب البترول في الشرق الأوسط”: احتلت ألمانيا رومانيا سنة 1916 لتستفيد من حقولها النفطية، ولكن لم يمض وقت قصير حتى تمكن الحلفاء من تدمير أغلبية الآبار والأنابيب ومعامل التكرير. وقد حذر المارشال “جوفر” قائلا إن الحلفاء سيخسرون الحرب إن لم تحافظ الولايات المتحدة على مستوى عال من إنتاجها، واعترف المارشال الألماني “لودندورف” أن عدم كفاية الموارد البترولية قد أجبر ألمانيا على طلب الهدنة في نوفمبر/ تشرين ثاني 1918.

صدمة النفط العربي.. بترول الشرق الأوسط يدخل المعمعة

في الثامن عشر من أبريل/ نيسان سنة 1977، قال الرئيس الأمريكي “جيمي كارتر” في خطاب له: في الوقت الذي یشـكل النفط والغاز 7% فقط من احتیاطاتنا المحلیة، علینا اللجوء إلى الفحم الحجري مـع الحفـاظ علـى البیئـة، وإلـى المحطـات النوویـة مـع الحفـاظ علـى السـلامة. ولكـن لا بـد مـن إیجـاد وسـائل بدیلـة لتعويض مـا بقي مـن احتیاطاتنـا النفطیـة فـي المسـتقبل، والحـل لا یكـون إلا بـالتحرك إلى خارج الولایات المتحدة والبدء بوضع استراتیجیة اقتصادیة تؤمن مستقبلنا النفطي، ثم بعد ذلـك لا بـد لنـا من إیجـاد وسیلة لتحركاتنـا، حتى لو تطلب الأمر خوض حروب اقتصـادیة وعسـكریة وسیاسیة في مواجهة الخطر الذي سیدهم بلادنا في نهایة هذا القرن.

جاء ذلك الخطاب بعد أربع سنوات من أزمة حظر النفط في العام 1973، وتُسمى “صدمة النفط الأولى”، وقد بدأت في 15 أكتوبر/ تشرين الأول سنة 1973، بعد قرار منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول إعلانَ حظر نفطي، واتخاذه ورقة ضغط ضد الدول الغربية لإجبار الاحتلال الإسرائيلي على الانسحاب من الأراضي التي احتلها في حرب 1967.

بئر نفط في المملكة العربية السعودية في أربعينات القرن الماضي

استمر الحظر حتى شهر مارس/ آذار من العام 1974، واستهدف بالأساس الولايات المتحدة الأمريكية التي وقفت على التهديد الجدي لمصالحها دون نفط دول الشرق الأوسط. ونقل موقع قناة “بي بي سي” البريطانية في العام 2004 عن وثائق بريطانية رُفعت عنها السرية، أن الولايات المتحدة الأمريكية فكرت في استخدام القوة العسكرية للاستيلاء على حقول النفط في الشرق الأوسط أثناء الحظر، وعلى منشآت بترولية في السعودية والكويت، ووضعت خطة بديلة، وهي الإطاحة بحكام الدول العربية التي أعلنت الحظر، وتسليم السلطة لحكام أكثر مرونة.

وتقول الوثائق: أكثر مصادر الخطورة في هذه المواجهة في الخليج سيأتي من الكويت، فقد يشعر العراقيون -بدعم من الاتحاد السوفياتي- بأن عليهم أن يتدخلوا، وسيقع الغزو إذا تدهور الموقف في المنطقة إلى درجة تؤدي لإطالة أمد حظر النفط، الأمر الذي قد يهدد الاقتصاديات الغربية. وكان يطلق على هذا الأمر اسم السيناريو الأسود.

وقد بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بالفعل في تطبيق حماية آبار النفط في الشرق الأوسط بعد قرابة ثلاثة عشر عاما من خطاب “كارتر”، وذلك خلال النزاع المعروف بحرب الخليج الثانية، حين اتُّهم العراق الكويت بسرقة النفط عبر حفر مائل للآبار، مما أدى إلى اجتياح للأراضي الكويتية.

غزو العراق.. حرب لاقتسام لعنة النفط القابعة في الأعماق

في يناير/كانون الثاني 1991، قادت الولايات المتحدة الأمريكية وقوات التحالف عملية عسكرية لإجبار العراق على الخروج من الكويت، وتوغلت داخل الأراضي العراقية في هجوم بري وجوي، وكان ذلك في عهدة الرئيس الأمريكي “جورج بوش” الأب.

وأدى اجتياح الكويت إلى فرض حصار اقتصادي على العراق انتهى باتفاق ما يسمى “برنامج النفط مقابل الغذاء” الذي أصدره مجلس الأمن، وهو برنامج يسمح للعراق بتصدير جزء من نفطه، مقابل توفير احتياجاته من الغذاء. وسمح البرنامج للعراق بتصدير النفط بقيمة 62 مليار دولار بين العامين 1996-2003.

طريق الموت حيث دمرت قوات التحالف أكثر من1400  آلية عسكرية عراقية في حرب الخليج الثانية

وما يزال العراق يتخبط في فوضى ما بعد الحرب، ونتيجة للعنة ثروة النفط في بطن أرضه، كشفت صحيفة “الأندبندنت” البريطانية عن وثائق رسمية تثبت أن حكومة رئيس الوزراء السابق “توني بلير” الذي كان من أكبر داعمي أمريكا لغزو العراق قد اجتمع مع شركات النفط الكبرى قبل سنة من غزو العراق، لبحث حصتها من ثروات العراق البترولية.

وقالت الصحيفة: قبل غزو العراق بخمسة أشهر أبلغت وزيرة التجارة في حكومة “بلير” وقتها، شركة “بي بي” أن الحكومة ترى أنه يتعين حصول شركات الطاقة البريطانية على نصيب من احتياطي النفط والغاز العراقي الهائل، مكافأةً على التزام “بلير” بخطط أمريكا لتغيير النظام في العراق.


إعلان