“خَنّاق بوسطن”.. صحفية تلاحق قاتل النساء الذي أعجز الشرطة

بسبب غموض جرائم القتل التي ارتُكبت في مدينة بوسطن الأمريكية أوائل ستينيات القرن المنصرم، وراحت ضحيتها 13 امرأة قتلن خنقا بجوارب نسائية، ولعجز الشرطة الأمريكية وقتها عن معرفة القاتل الحقيقي، فُتح المجال واسعا أمام التأويلات والتخمينات، وأُتيحت للصحافة في الوقت نفسه فرصة التدخل والبحث بنفسها عن القاتل “خنَّاق بوسطن”، وهو اسم أطلقته عليه صحفيّتان لعبتا دورا كبيرا في كشف الخيوط الرابطة بين كل الجرائم المرتكبة ببشاعة.

يتخذ الفيلم البريطاني الأمريكي المشترك من الاسم “خنَّاق بوسطن” (Boston Strangler) عنوانا له، وبه يُعيد تجسيد القصة الحقيقية بأسلوب سينمائي يجمع بين الإثارة والتشويق، وبين الدراما الكاشفة لضعف أداء الشرطة الأمريكية ومحاولتها التستر على الحقيقة حفاظا على سمعتها.

“لوريتا”.. صحفية تطمح للعمل في قسم التحقيقات

في المشاهد الأولى من الفيلم يظهر أن أخبار القتل والجرائم الحاصلة في ولاية بوسطن تأخذ بشكل طبيعي طريقها إلى النشر في صحافتها المحلية، بما فيها خبر مقتل امرأة عجوز في شقتها في ظروف غامضة لم ترغب الشرطة المحلية بالكشف عن تفاصيلها.

مثابرة في العمل تدفع الصحفية “لوريتا مكلاكلين” ثمنها عائليا

لكن كالعادة يدفع ذلك الصحفية “لوريتا مكلاكلين” (الممثلة كيرا نايتلي)، إلى قص الخبر من الصحيفة وضمه إلى مجموعة القصص التي تريد التحقيق فيها بنفسها، ولكن إصرار رئيس تحريرها على إبقائها في قسم “أخبار الحياة اليومية” في صحيفة “ريكورد أمريكان” كان يقف حائلا أمام تحقيق رغبتها للعمل في قسم “الأخبار والتحقيقات”.

ومن دون موافقته، تذهب “لوريتا” لتتحرى في تفاصيل الجريمة، فقد حدثت بالقرب من بيت والدتها، ومن بين ما تسمعه من جيران الضحية أن عملية القتل وقعت بواسطة جورب نسائي رُبط على شكل أنشوطة حول عنقها، وخُنقت به.

وبمراجعتها لأرشيفها الخاص وعثورها على خبرين سابقين، يتضمنان معلومات مقتضبة عن مقتل عجوزين خنقا قبل مدة قصيرة، يدفعها ذلك للربط بينها وبين الجريمة الأخيرة، ويشجعها على مصارحة رئيس التحرير برغبتها في البحث بنفسها عن المشترك بينها.

قاتل العجائز.. تحقيق يثير الشارع ويغضب الشرطة

بعد تردد يوافق رئيس التحرير على طلب “لوريتا”، وبجهودها الخاصة تتوصل إلى مشترك يشير إلى قاتل واحد يختار ضحاياه من النساء المُسنات اللواتي يعشن وحيدات، فبعد خنقهن بجورب نسائي فإنه يتعمد تشويه أجسادهن، وفي النهاية يربط الجورب على شكل عقدة حول رقابهن. هذه العقدة تشبه العقدة التي تُربط بها عادة أغلفة الهدايا. ويقوم القاتل بكل هذا من دون أن يسرق أو يأخذ شيئا من المكان الذي يرتكب فيه جريمته.

انتقادات للشرطة من قبل الصحفية “لوريتا مكلاكلين” بسبب فشل تحقيقاتها

يثير نشر الصحيفة ما توصلت إليه “لوريتا” ردودَ فعل في الشارع، ويغضب إدارة الشرطة التي اعتبرت إشارتها إلى القاتل بـ”خَناق بوسطن” كلاما غير دقيق وخاليا من الصحة.

أما في منزلها، فيستقبل زوجها نشر مقالها بفرح ويشجعها على مواصلة عملها، على الرغم من شكوى أخته من إهمال الزوجة لواجباتها إزاء أولادها وبيتها، مما يضطرها هي إلى القيام به بدلا منها.

قهر الضغوط.. صعوبات تواجه المرأة الصحفية

يربط المخرج “”مات روسكين” طيلة مسار فيلمه بين الجانب المهني والشخصي للصحفيّة، ويتكشف من خلاله الموقف السلبي من عملها، ومن قلة الفرص المتاحة لعمل النساء في الأقسام التحريرية عموما، وفي أقسام ملاحقة جرائم المدينة على وجه الخصوص، لكونها كانت مكرسة للرجال وحدهم في ذلك الوقت.

المحقق جيم يسرب للصحفيتين معلومات مهمة

كما يعرض الثمن الذي غالبا ما كانت تدفعه الصحفيّة جراء عملها، فهو يأخذ جل وقتها ويبعدها عن المنزل، الأمر الذي تلازمه عادة صعوبات ومشاكل عائلية.

هذا الوضع ستعيشه “لوريتا” بعد فترة من عملها في قسم التحقيقات، وكانت زميلتها “جين كول” (الممثلة كاري كون) قد عانت منه قبلها، لكنها أصرت على مواصلة عملها الصحفي، وستكتسب شهرة أكبر فيه بعد قبولها مشاركة زميلتها التحقيق في نفس القضية، بناء على طلب رئيس التحرير، فقد خضع لضغوطات رجال الشرطة وطلبهم منه إبعاد “لوريتا” عن التحقيق في الجرائم التي ظلوا عاجزين عن التوصل إلى مرتكبها الحقيقي.

تغيير الضحايا.. منعطف حاد في قضية معقدة

التطورات اللاحقة للقضية وغير المتوقعة زادت من شدة التباسها وتعقيدها، وغدا حلها عصيا على رجال الشرطة بعد ورود أخبار عن جرائم جديدة مشابهة تُرتكب بنفس الأسلوب، ولكن بفارق أن المجرم كان يختار ضحاياه هذه المرة من النساء الشابات.

وتكشف شابة للصحفيّة معلومات مهمة تشير إلى محاولة رجل يرتدي زيا عماليا أن يدخل إلى شقتها، بحجة تصليح مواسير معطلة فيها، لكنها ادعت وجود زوجها في الداخل، فأسرع هاربا خشية كشف أمره.

الصحفيتان “لوريتا مكلاكلين” “جين كول” تنصتان إلى تسجيل صوتي لأحد المتهمين

يُحيّر هذا التحول من قتل النساء المسنات إلى الشابات “لوريتا”، ويدفعها للاتصال بخبير مختص بالجريمة، فيؤكد لها أن انتقال قاتل نساء مُسنات إلى شابات يصعب حدوثه، لارتباطه بدوافع نفسية عند المجرم لا يمكنه تجاوزها بسهولة. وكان من بين الضحايا الشابات طالبة جامعية قُتلت في شقتها، وحامت الشكوك حول صديقها القديم “دانييل مارش” الذي لم يكف عن مضايقتها وتهديدها بعد انفصالها عنه.

تبحث الصحفيتان عن “مارش”، وتصلان إلى محقق في الشرطة يدعى “جيم” (الممثل أليساندرو نيفولا) لا يخفي امتعاضه من أداء شرطة بوسطن، وتكتشفان من خلاله بأن المشتبه به كان يرقد في مشفى للأمراض العصبية والنفسية وقت حدوث جريمة قتل الطالبة.

شرطة بوسطن.. ضغط صحفي يزعج الإدارة المتقاعسة

تتواصل مفاجآت “خَناق بوسطن” مع وصول أخبار من ولاية نيويورك تشير إلى وقوع جرائم خنق لنساء بنفس الطريقة التي جرت فيها في بوسطن. ويكشف رئيس شرطتها أن الرجل الذي كان محجوزا لديهم ويشكون في ارتكابه لتلك الجرائم، كان من بين أكثر المشكوك فيهم عند شرطة بوسطن، ولكن شرطة بوسطن لم تشارك معلوماته مع بقية الولايات، فاضطرت شرطة نيويورك لإطلاق سراح “ألبرت ديسالفو”، على الرغم من أنه صاحب سوابق.

فشل إدارة شرطة مدينة بوسطن في كشف هوية “خَناق بوسطن”

لكن “لوريتا” باتت متيقنة من تورطه في الجرائم، بعد مقابلتها لشابات حاول التحرش بهن من خلال تقديم نفسه وكيلا لدور عرض أزياء يغوي الشابات بالعمل فيها، إلى جانب وصفه في مرات أخرى بـ”الرجل الأخضر” نسبة إلى الزي العمالي الذي كان يرتديه ليدخل بعض البيوت، بعد تقديم نفسه لأصحابها على أنه عامل جاء لتصليح أشياء معطلة فيها.

ضياع فرصة إلقاء القبض على هذا المتهم تزيد من مهاجمة الصحفيّة لرجال الشرطة في بوسطن، وتتهمهم بالتقاعس عن أداء واجبهم. وبناء على ما نشرته بخصوص تحقيقات نيويورك، تضطر إدارة الولاية لتعيين محققين جدد للقضية، فقد اتسعت مساحتها ووصلت إلى ولاية ميشيغان.

يسرب رئيس وحدة التحقيقات الجنائية في ميشيغان معلومات للصحفيّة تفيد بأن سبب إطلاق سراح “ديسالفو” في نيويورك، جاء بناء على معلومات وردت من إدارة مشفى للأمراض العصبية والنفسية، يفيد بوجوده فيها أثناء وقوع الجرائم، لكن المحقق يكشف لها أن المريض قد حصل على إجازة خروج مؤقت، ارتكبت خلالها بعض تلك الجرائم.

ثلاثي التواطؤ.. صدفة مفاجئة تكشف الأسرار الخبيئة

كلما تيقنت الصحفيّة من أن أحد المشتبه بهم هو الجاني الحقيقي، جاءتها معلومة مضادة تبعده عن مركز الشبهات. لكن المحقق “جيم” يكشف لها أن المحققين أثناء استجواب “ديسالفو” طلبوا من شابة -حاول أحدهم قتلها لكنها تمكنت من الهرب منه- التعرفَ على وجهه من بين مجموعة سجناء.

رئيس التحرير يثني على إنجاز “لوريتا مكلاكلين”

ولا تكمن المفاجأة في أنها تعرفت على المستجوب فحسب، بل إنها تعرفت على شخص آخر يقف على بُعد منه اسمه “جورج نصار”. هذا الاسم سيشكل مع “ديسالفو” و”مارش” ثلاثيا ينقل مسار الفيلم والتحقيقات إلى مستوى آخر، يظهر من خلاله التواطؤ الحاصل بين إدارة الشرطة ومحام مشهور يدعى “أف. بي. بايلي”، صرّح بأنه قد حصل على اعترافات مسجلة من “ديسالفو” يقر فيها بارتكابه كل جرائم الخنق.

لم تطمئن الصحفيّة لإعلانه، لذا راحت تبحث في أسباب توليه الدفاع عن المتهم الرئيس في القضية، ومن بين ما عرفته أنه أبرم اتفاقا مع الشرطة تتعهد الشرطة بموجبه بعدم استخدام اعترافات موكله ضده في المحكمة، مقابل تقديم المتهم لهم كل ما يحتاجونه لإنهاء التحقيقات وإغلاق ملف القضية.

“ديسالفو”.. كبش الفداء الطامع في قطعة من الكعكة

من أكبر المفاجآت التي تظهر في مسار بحثها عن علاقة المحامي بالمتهم “ديسالفو”، هو وجود “ديسالفو” مع “مارش” و”نصار” في نفس المستشفى وفي نفس الفترة، وأن المحامي الشهير وضع خطة يظهر فيها أن “ديسالفو” هو المُرتكب الوحيد لكل الجرائم، مقابل حصول الدفاع على حق نشر قصته في كتاب، يجني من وراء بيعه مبالغ طائلة.

وكأن القضية لا نهاية لها، فعلى حين غرة، يتقدم أحد السجناء من “ديسالفو” ويطعنه عدة طعنات بسكين ترديه قتيلا داخل المستشفى. وقد جاء مقتله بعد تحديده موعدا لمقابلة الصحفيّة، للاعتراف أمامها بكل تفاصيل “المسرحية” التي رتبوا فصولها مع المحامي وتدربوا عليها.

المتهم دانييل مارش طليقا رغم الشكوك القوية في تورطه بكونه “خَناق بوسطن”

وبموته كادت الحقيقة وكل التحقيقات المتعلقة بالقضية أن تذهب أدراج الرياح، لكن “لوريتا” واصلت عملها وتوصلت إلى حقيقة صادمة، مفادها أن هناك أكثر من مجرم يقف وراء جرائم الخنق، لكن “ديسالفو” نسبها لنفسه وحده، أملا منه في الحصول على مكافئة مالية مجزية من الخطة الموضوعة مع المحامي الذي تبين لـ”ديسالفو” أنه يريد استغلاله، فقرر لهذا مكاشفة الصحفيّة بكل ما يعرفه.

خنّاقو بوسطن.. مجرمون أفلتوا من سطوة المحاكم

في مقالتها “خناقو بوسطن” تشير “لوريتا” إلى حقيقة وجود أكثر من متورط في جرائم الخنق، وبه وضعت نهاية لمساهمتها الصحفية، ومعها يصل فيلم “خَناق بوسطن” المشوق والديناميكي إلى نهايته المستندة على النهاية الحقيقية للقصة، فيثبتها بكلمات تظهر على الشاشة تخبر المُشاهد بحصول الصحفيتين على عدد من الجوائز، ونيلهن شهرة كبيرة جعلتهن أسماء تتهافت إدارات الصحف للحصول عليها.

أما المتهمان الرئيسيان، فلم تدن المحاكم أحدا منهم بارتكابها، ولكن بعد مرور سنوات أدانت محكمة أمريكية “ديسالفو” على جريمة واحدة منها فقط، لتوفرها على أدلة دامغة مستندة على فحوص الحمض النووي “دي أن أي”، وقد أُخذت من عينات عثروا عليها في موقع الجريمة، ولكن بعد فوات الأوان.


إعلان