الفيل والحمار.. رمزا الصراع الأزلي بين الجمهوريين والديمقراطيين في أمريكا

قبل قرابة قرنين ونصف، وضعت الولايات المتحدة الأمريكية أحد أعمدتها لتأسيس الدولة، بعد أن خاض سكان المستعمرات البريطانية حربا ضد بريطانيا، وأعلنوا استقلالهم في 1776، ثم وُضع الدستور بعد 10 سنوات من الاستقلال، وكان أحد الأسس القوية لتنظيم الحياة السياسية والمدنية في الولايات المتحدة الأمريكية.

أراد واضعو الدستور الأمريكي أن يكون الرئيس بعيدا بقدر الإمكان عن المنافسة الحزبية، لكن المقومات الاجتماعية للمواطن الأمريكي أسهمت في تكوين تنظيمات متحزبة، كل منها قائم على أسس متشابكة، يمكن القول إن أوضحها هي الأسس الاجتماعية، فكل حزب يخدم مصلحة طبقة اجتماعية، عادةً ما ينتمي إليها كل أعضائه أو معظمهم.

وقد أثبتت البنية الاجتماعية للحزبين الديمقراطي والجمهوري أن الرئاسة أصبحت هدفا مركزيا تصبو إليه الأحزاب بقوة، وأصبح التنافس على الرئاسة أكثر التفسيرات أهمية حول سبب ظهور الأحزاب في أمريكا، ولا سيما الفيل والحمار، أي الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري.

بدأ التنظم الحزبي بداية عشوائية قبل استقلال المستعمرات البريطانية عن التاج البريطاني، حينها ظهر تنظيمان يسمى أحدهما “توريس” (Tories)، أي المحافظين، والآخر “ويغز”(Whigs) أي الأحرار.

لم يكن التياران منظّمين لكن يمكن تبين الفرق بينهما من خلال موقفهما من التاج البريطاني، فالمحافظون الملكيون كانوا من الإقطاعيين الكبار، وقد أيدوا بقاء بريطانيا، أما تيار الأحرار فكان ممن دافعوا عن سلطة نيابية محلية، وعن عدم أحقية فرض البرلمان البريطاني ضرائب على تلك المستعمرات، وكان أغلب من يمثلون تلك التيارات من الطبقات الفقيرة، ومن الكتاب والمثقفين أيضا.

“جورج واشنطن” أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية

وبعد الانتصار بقيادة “جورج واشنطن” على التاج البريطاني، تلاشى التنظيمان وظلت الولايات المتحدة الأمريكية بين 1781-1787 بعيدة عن التنظيمات الحزبية، إلى غاية تأسيس أقدم حزب في أوائل تسعينيات القرن الثامن عشر، حين تأسس الحزب الفيدرالي الأمريكي، ثم تلاه تأسيس الحزب الجمهوري الديمقراطي، الذي تفرع عنه الحزب الديمقراطي بشكله المعاصر.

“سوف يحكم واشنطن العظيم الأرض”.. الانتخابات الأولى

بدأ سباق أول انتخابات أمريكية بين ديسمبر/ كانون الأول 1788 ويناير/ كانون الثاني 1789، وقد صوّت الناخبون في الرابع من فبراير/ شباط عام 1789، ونتج عن تلك الانتخابات فوز أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، ألا وهو “جورج واشنطن”، ولم يكن ينتمي لأي حزب.

في تلك الحقبة، كان الأمريكيون ينتخبون رئيسهم ونائبه، وبرزت الحزبية لتمثل اتجاها في اختيار نائب الرئيس، فقد كان الفيدراليون الذين يتطلعون إلى حرمان “جون آدامز” من منصب نائب الرئيس، ممن تسببوا في انخفاض عدد المصوتين له، فقد شككوا في ولائه، في حين كان المناهضون للحزب الفيدرالي يريدون أن يكون حاكم نيويورك “جورج كلينتون” نائبا للرئيس.

لوحة التوقيع على الدستور ويظهر فيها “جورج واشنطن” واقفا على المنصة

حينها رفع الأمريكيون المناصرون للمرشح “جورج واشنطن” أصواتهم بأغنية “سوف يحكم واشنطن العظيم الأرض”.

الفيدرالي الأمريكي.. رئيس تحت مظلة أقدم الأحزاب الأمريكية

في انتخابات ديسمبر/ كانون الأول 1792، فاز “جورج واشنطن” بولاية ثانية، وقد نافسه فيها مرة أخرى “جون آدامز”، ولم يكن له انتماء حزبي، بل كان منتميا للتوحيدية، وهي حركة دينية مسيحية، أما “جورج واشنطن” فكان يمثل الكنيسة الأسقفية الأمريكية، وهي طائفة أنجليكانية.

وخلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 1792، تقدم “جورج واشنطن” لسباق الانتخابات تحت مظلة الحزب الفيدرالي الأمريكي، وهو أقدم أحزاب الولايات المتحدة الأمريكية، وتقاسم مع منافسه الأول “جون آدامز” الانتماء ذاته للحزب الذي كان يرأسه “آدامز”.

في المقابل واجه “جورج واشنطن” 3 منافسين آخرين منتمين للحزب الديمقراطي الجمهوري، وهو الحزب الذي تأسس ردا على توجهات الحزب الفيدرالي، وعرف أيضا باسم الحزب “الجيفرسوني” نسبة لأحد مؤسسيه، “توماس جيفرسون”.

الظلال الحزبية.. سباق محموم إلى كرسي الرئاسة

تزايدت هيمنة الحزب الفيدرالي بعد انتخابات 1800، وحصلت انشقاقات في صفوف الحزب الديمقراطي الجمهوري خلال انتخابات 1824، واتجه جزء من المنشقين نحو الحزب الديمقراطي الحديث.

“جون أدامز” ثاني رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية

بدأت الظلال الحزبية تصاحب مترشحي الانتخابات الرئاسية الأمريكية منذ الانتخابات الثانية في تاريخ البلاد، وسرعان ما لاح التنافس الحزبي على الحكم بعد صعود “جون آدامز” لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، في الانتخابات التي أقيمت في ديسمبر/ كانون الأول 1796، وكان تحت مظلة الحزب الفيدرالي الأمريكي.

وكان منافسه “توماس جيفرسون” -الذي فاز بمنصب نائب الرئيس- ممثلا للحزب الديمقراطي الجمهوري، ودخل سباق الانتخابات في ذلك العام 4 متنافسين من الحزب الفيدرالي الأمريكي، ومعهم 3 من الحزب الديمقراطي الجمهوري.

أصبح الحزب الديمقراطي الجمهوري منافسا قويا، حين استطاع “توماس جيفرسون” إزاحة “جون آدامز” من السلطة في انتخابات 1800، ولما فشل الحزب الفيدرالي الأمريكي في العودة إلى السلطة، وعجز عن منافسة الحزب الديمقراطي الجمهوري، أدى ذلك إلى حله عام 1824.

اعتمد المتنافسون في انتخابات 1800 طرقا جديدة لإدارة حملاتهم الانتخابية، فاستخدموا المنشورات والكتيبات والصحف والمقالات الدعائية الحزبية، وقد أدين عدد من محرري الصحف الجمهوريين بموجب القانون، فغُرّموا وسُجنوا، كما أغلقت 3 صحف ديمقراطية جمهورية.

قضية “إكس واي زد”.. شرارة كادت تشعل الحرب مع فرنسا

ظلت الشؤون الخارجية تشكل الشغل الشاغل للسياسة الأمريكية، فقد كانت الحرب الدائرة في أوروبا تهدد بجر الولايات المتحدة إلى صراع داخلي.

كان الرئيس “جون آدامز” غير مندمج مع بقية أعضاء إدارته، وغالبا ما يتخذ قرارات لا يستشير فيها القائد العام للجيش “ألكسندر هاملتون”، ولا غيره من القادة الفيدراليين الكبار.

في تلك الحقبة، بدا أن حربا وشيكة قد تندلع بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، ومما زاد احتمال حدوثها ما يعرف بقضية “إكس واي زد”، وهي قضية محاولة مسؤولين فرنسيين رشوة دبلوماسيين أمريكيين، وقد رأى الأمريكيون ذلك إهانة لهم.

رسم كاريكاتوري سياسي يصور قضية “إكس واي زد” ممثلة بكولومبيا، التي تتعرض للنهب من قبل خمسة فرنسيين

كان “ألكسندر هاملتون” مؤيدا لإعلان الحرب رسميا، وذلك من خلال غزو مستعمرات إسبانية متاخمة للولايات المتحدة، لأن إسبانيا كانت حليفة لفرنسا، أما الرئيس” آدامز” فلم يشأ المغامرة بخوض الحرب، ويمثل ذلك حيادا عن مبادئ الحزب الفيدرالي.

كان الحزب الفيدرالي يفضل الاعتماد على بناء علاقات تجارية قوية مع بريطانيا، على عكس الحزب الديمقراطي الجمهوري، الذي عادى بريطانيا وفضّل التوجه نحو بناء علاقات مع فرنسا.

أدت كل تلك العوامل إلى سقوط “جون آدامز” في انتخابات 1800، وهو سقوط مهّد لاندثار الحزب الفيدرالي بعد عقدين من ذلك.

“أبو الدستور الأمريكي”.. رئيس عزز قوة الحزب الديمقراطي الجمهوري

ألقت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية، بقيادة “جون آدامز”، بظلالها على الحياة السياسية في انتخابات 1800، فقد تجنب الأمريكيون الانتخابات المنقسمة كما حدث في عام 1796، مما أدى إلى انتخاب رئيس ونائب رئيس من حزبين مختلفين.

قامت حملات الحزبين على اتهامات متبادلة، لتحفيز الناخبين على التصويت ضد مرشح كل حزب، فالفيدراليون دعوا إلى عدم التصويت لـ”جيفرسون”، واتهموه بتدمير الدين والمجتمع، وفي المقابل حفز الديمقراطيون الناخبين على عدم انتخاب من سيجرهم للحرب، ويغرقهم في الديون.

“جورج واشنطن” مع وزير الخارجية “توماس جيفرسون” ووزير الخزانة “ألكسندر هاملتون”

وفي عام 1808، استطاع الحزب الديمقراطي الجمهوري أن يتجذر في الحياة السياسية الأمريكية، لا سيما بعد فوز “جيمس ماديسون” في انتخابات ذلك العام، فمع أنه كان يتهم بأنه رجل ضعيف يقوده ظل “توماس جيفرسون”، فقد كسب لقب “أبو الدستور الأمريكي” بعد التعديلات التي قام بها.

كما ضاعف -خلال توليه منصب وزير الخارجية- مساحة الدولة، حين عقد صفقة شراء لويزيانا من فرنسا، وعزز الشعور بالقومية الأمريكية بعد إعلانه الحرب على بريطانيا عام 1812، وقد دامت تلك الحرب 3 سنوات.

كانت تلك الحقبة حاسمة، فقد ظهر انقسام في الحزب الجمهوري الديمقراطي الحاكم قبيل انتخابات 1824، وبدأ تشكل الحزب الديمقراطي بشكله المعاصر.

الحرب العالمية الأولى.. تعطش الرئيس للقتال ورفض الشعب

يمكن أن نلحظ أن الاستقطاب السياسي قد شهد نقطتي ذروة، الأولى امتدت بين عامي 1889-1919، والثانية بين عامي 1989-2009.

ومن الطبيعي أن تشهد الذروة الأولى استقطابا بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فعلاوة على التموجات الاجتماعية التي عاشها المجتمع الأمريكي، فقد شهد القرن العشرون حربين عالميتين أثرتا وتأثرتا بالثنائية الحزبية الأمريكية.

فقد كان الرئيس الأمريكي “وودرو ويلسون” يميل بشدة لدخول بلاده الحرب، لكن في النهاية التزم الحياد مرغما، بسبب رفض أغلبية الأمريكيين التورط فيها، وكان “ويلسون” من الحزب الديمقراطي، وقد ترأس بلاده لولايتين بين عامي 1913-1921.

في المقابل قاد الجمهوريون حركة تأهب عسكري عن طريق قادة عسكريين، واتجهوا للكونغرس لعرض جاهزية القوات الأمريكية، ومع أن الرئيس “ويلسون” كانت متعطشا للمشاركة في القتال، فإن الحزب الديمقراطي رأى أن حركة التأهب حركة خطرة.

ومنذ ذلك التاريخ أصبحت سياسة الحزب الديمقراطي تجاه النزاعات الدولية راسخة في عدم الجنوح نحو الحرب، على عكس الحزب الجمهوري.

قضية العبودية.. ذروة الصراع في أمواج السياسات الحزبية

يعلم المطلعون على تاريخ العمل السياسي -وبالتحديد التنظيمات الحزبية- أن الأحزاب الأمريكية ليست لها سياسات ثابتة، ولا سيما الحزبان المسيطران على الحياة السياسية، وهما الحزب الجمهوري والديمقراطي.

فقد خضعت برامجهما لتغيرات مسّت مبادئ الحزبين في حد ذاتها، فقلب ذلك خريطة التأثير والأنصار في كل الولايات المتحدة الأمريكية.

نشأ الحزب الديمقراطي حزبا محافظا، ثم جنح إلى المبادئ التحررية، فجذب الطبقة العاملة وأصحاب المشاريع الصغيرة في قطاعي الصناعة والزراعة، وحصل العكس مع الحزب الجمهوري، فأصبح يمثل المستثمرين الكبار ورجال الأعمال، ثم توسع جنوبا بعد أن كانت قاعدته عند تأسيسه في الولايات الشمالية الشرقية والوسط الغربي.

أُسس الحزب الديمقراطي في يناير/ كانون الثاني 1828، أي قبل قرابة عام من انطلاق سباق الانتخابات الرئاسية، وكان لـ”مارتن فان بورين” دور كبير في بناء تحالف تشكّل على أساسه الحزب الديمقراطي، وذلك من أجل الدفع نحو انتخاب “أندرو جاكسون”، وقد فاز في انتخابات ذلك العام.

دعم الحزب الديمقراطي في البداية مصالح الولايات التي ما تزال تقنن العبودية، لكنه عارض الأداء الجمركي المرتفع، وفي عام 1860، انقسمت الآراء داخل الحزب بشأن العبودية، بين مؤيد لبقائها ومعارض لها، وبدا أن المسألة كانت حاسمة منذ منتصف القرن الـ19، في زخم التغيرات الاجتماعية التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية.

ففي عام 1854، تأسس الحزب الجمهوري على يد معارضي قانون “كانساس نبراسكا”، الذي سمح بانتشار العبودية في بعض الأراضي الأمريكية، منها إقليم كانساس وإقليم نبراسكا.

وسرعان ما اكتسب الحزب الجديد شعبية بسبب موقفه، حتى أصبح أكبر منافس للحزب الديمقراطي، وفاز “أبراهام لينكولن” عن الحزب الجمهوري بولايتين في انتخابات العامين 1860 و1864.

“أبراهام لينكولن”.. محرر العبيد الذي دفع روحه ثمنا لذلك

سعى الحزب الجمهوري إلى أن يصبح الصوت السياسي السائد، مستفيدا من خيبة أمل ولايات الشمال في الديمقراطيين، فروّج للارتباط التاريخي بالثورة الأمريكية، والحاجة إلى حماية الجمهورية.

ويذكر الجمهوريون أن الولايات الجنوبية -بحفاظها على العبودية- قد تخلت عن المثل العليا للآباء المؤسسين، وقوّضت التجربة الجمهورية للأمة، وقد تبنى الرئيس “لينكولن” هذا الموقف، حين وصف الولايات التي كانت تعتمد العبودية بأنها تخلصت من السياسة القديمة للآباء.

لوحة تحاكي اغتيال الرئيس الأمريكي “أبراهام لينكولن” الذي نادى بتحرير العبيد

كان “أبراهام لينكولن” قد بدأ تطبيق مبادئ حزبه بإعلان التحرر للعبيد، وقد مهد ذلك لنهاية العبودية أواخر عام 1865، بعد نهاية الحرب الأهلية، لكن موقفه كلّفه روحه في أبريل/ نيسان 1865، على يد المسرحي “جون ويلكس بوث”، وكان قد عادى “لينكولن” بسبب سياسة تحرير العبيد.

وفي عام 1874، نشر رسام الكاريكاتير “توماس ناست” رسما للفيل الذي يمثل الحيوان القوي، ومنذ ذلك التاريخ، ارتبط ذلك الرسم بالحزب الجمهوري وأصبح شعاره. وقبل ذلك حوّل “أندرو جاكسون” رسما ساخرا لحمار خلال حملته الانتخابية عام 1828، إلى رمز للحزب الديمقراطي.

قبل أن يشارف القرن الـ19 على نهايته، رسم الحزبان الجمهوري والديمقراطي ما يشبه خريطة أو حلبة صراع بين الفيل والحمار، ما زالت قائمة ليوم الناس هذا.

انفصال الجنوب.. ذروة الاستقطاب بين الحمر والزرق

منذ تأسيس الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ظهر الاستقطاب في ولايات الشمال وولايات الجنوب، وقد استقصى ذلك الباحثان حافظ مالك وماجد عبد العباس، في دراسة “البنية الاجتماعية والجغرافية للحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية”.

يقول الباحثان: اتضح أن التوزيع الجغرافي للحزبين كان نتيجة استقطاب الشمال والجنوب، ولا سيما في الحرب الأهلية بين العامين 1861 و1865، التي قامت بين ولايات الشمال وولايات الجنوب (ولايات الرقيق) التي أعلنت الانفصال، وشكلت الولايات الكونفدرالية الأمريكية الجنوبية، وأعلنت الحرب على الولايات المتحدة (الشمال) التي تساندها الولايات الحرة، وأفرزت تلك الحرب خريطة النفوذ للحزب الجمهوري في الشمال، والحزب الديمقراطي في الجنوب.

كان الجنوب يصوت تصويتا مطلقا لمرشحي الحزب الديمقراطي، وبعد اختراق الحزب الجمهوري لمنطقة الجنوب، بدأ الديمقراطي يتلاشى حتى أصبح ممثلا للاتجاه المحافظ.

وتنقسم الولايات الأمريكية تقليديا إلى ولايات حمراء وزرقاء؛ أما الحمراء فيدعم أكثر ناخبيها المرشحين الجمهوريين، وأما الزرقاء فهي التي يحصد فيها الديمقراطيون أغلبية الأصوات، وقد تلونت ولايات أخرى بلون مغاير، وتسمى الولايات البنفسجية، وهي التي تتأرجح فيها الأصوات بين الحزبين.

حقوق السود ترفع أقواما وتضع آخرين

في عام 1932، فاز “فرانكلين روزفلت” من الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة، وأطلق ما يسمى “الصفقة الجديدة”، وهي برنامج لإنعاش الاقتصاد في فترة ما يسمى “الكساد الكبير”، فتحالفت مجموعات من العمال وأصحاب المهن الصغرى والسود، لدعم الحزب الديمقراطي خلال الانتخابات.

بسبب ذلك البرنامج، حصد الحزب الديمقراطي انتصارات في الانتخابات الرئاسية بين عامي 1932-1948، وفي انتخابات 1960 و1964.

ومثلما لعبت قضية السود دورا حاسما في هيمنة الحزب الديمقراطي بداية الثلاثينيات، فقد حسمت أيضا في خسارتهم بداية الستينيات، في أوج حركة الحقوق المدنية، فقد تزايد الضغط على الحزب والكونغرس، للدفع نحو سن قانون إنهاء التمييز العنصري ضد السود، في ولايات الجنوب.

وفي المقابل ضغط شق من الديمقراطيين في تلك الولايات ضد إقرار ذلك القانون، وفي النهاية أقر الكونغرس قانون الحقوق المدنية عام 1964، وقانون حق التصويت للسود عام 1965، فأدى ذلك لغضب قادة الحزب الديمقراطي في ولايات الجنوب، وخسر الحزب هيمنته التاريخية هناك.

أما الحزب الجمهوري فقد تسرب إليها عن طريق وعود بتخفيضات ضريبية، والقضاء على الجريمة، واستغل أيضا قضية حقوق السود لكسب أصوات الناخبين البيض في تلك الولايات، وهي إستراتيجية دفعت الحزب الجمهوري بشدة نحو اليمين، وجعلته يسيطر على ولايات الجنوب، حتى أصبحت معقلا له.

بين عامي 1981-1993، سيطر الحزب الجمهوري على الرئاسة في أمريكا، فقادها “رونالد ريغان” ولايتين بين 1981-1989، ثم قادها خليفته “جورج بوش الأب” بين عامي 1989-1993.

وتلك حقبة شهد فيها العالم تحولات مزلزلة، منها سقوط الاتحاد السوفياتي، وحرب الخليج، وبقيت سياسات الجمهوريين والديمقراطيين تلقي بظلالها على كل الساحة الدولية حتى اليوم.


إعلان