“يهود الفلاشا”.. قصة هجرة يهود إثيوبيا

يعتمد الفيلم الوثائقي “تهريب الفلاشا” للمخرج حمزة الأمين على فكرة وبحث وإعداد أماني عبد الحميد التي تقصّت عددا من الوقائع والأحداث، ورجعت إلى كثير من المصادر التاريخية، واختارت مع مخرج الفيلم 14 شخصية مهمة، منهم الباحث والمؤرخ والمفكر والمستشار والحاخام والنائب العام، والمتخصص في الدراسات اليهودية الأثيوبية، ناهيك عن عدد من ضباط الأمن والمخابرات المتقاعدين.
يتذكر هؤلاء الضيوف الأحداث بتفاصيلها الدقيقة التي تتمحور على تهريب 25 ألفا من اليهود الفلاشا الإثيوبيين إلى فلسطين، وهي أكثر عمليات الموساد جرأة وتعقيدا، فقد استأجروا منتجع عروس على البحر الأحمر بالسودان، ثم حولوه إلى مركز لإقلاع 17 طائرة، وعدد من رحلات السفن التي تنتهي بإيصالهم إلى إسرائيل بنجاح تام، لكنها وضعت الحكومة السودانية في حرج بالغ مع شعبها الداعم لقضية فلسطين وجارتها إثيوبيا ومحيطها العربي والإسلامي. وكانت هذه العملية أحد أسباب الثورة الشعبية العارمة على الرئيس جعفر النميري في العام ذاته.

يتكشّف كثير من الحقائق والخفايا لعملية تهريب يهود الفلاشا الإثيوبيين من خلال “الرؤوس المتكلمة” والتعليقات الصوتية التي عرّت كل الملابسات المحيطة بهذه العملية، وما كان لها أن تنجح لولا تدخّل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التي تعمل ليل نهار من أجل تعزيز وجود الكيان الصهيوني، ورفده بالعناصر البشرية من مختلف الأجناس والأعراق، لتزجّهم إسرائيل لاحقا في الخطوط الأمامية لمواجهة الفلسطينيين، أو غيرهم من القوميات وأفراد المكوّنات المهاجرة الذين يُعامَلون مواطنين من الدرجة الثانية، مثل الفلاشا وغيرهم من اليهود الذين يحلمون بالفردوس المفقود وأرض الميعاد، وما إلى ذلك من تسميات مجنّحة لا تمتّ إلى الواقع بصلة.
ولا شك أنّ هناك عددا من الدول العربية -منها العراق ومصر والجزائر- قد هجّرت أضعافا مضاعفة، أكثر مما هجّرته السودان، وأمدّت الكيان الصهيوني بأعداد هائلة من اليهود العرب بشكل علني.
تُرى، ما السر الذي يكمن وراء عملية تهريب الفلاشا؟ هل لأنها عملية سرية اشترك فيها الموساد والـ”سي آي إيه”؟ أم لتورط المخابرات السودانية وغض الطرف من قبل المسؤولين السودانيين الذين يتربعون على هرم السلطة العالي؟
“بيتا إسرائيل”.. عزلة اليهود الرحّل في المضارب الأثيوبية
يستهل المخرج حمزة الأمين فيلمه بنبذة تاريخية -عبر تقنية التعليق الصوتي أو “الفويس أوفر”- يعود فيها إلى العام 1917، حين بعث وزير الخارجية البريطاني رسالته إلى أحد زعماء الحركة الصهيونية، مُلتزما فيها بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، وقد وُصِف “وعد بلفور” المشؤوم بصافرة البداية التي انطلقت إثرها حملات تهجير قسري للفلسطينيين من أراضيهم بمؤازرة الانتداب البريطاني، فكان كل يهودي تأتي به الصهيونية موازيا لاقتلاع مواطن فلسطيني من أرضه.

لكن ثمة مجموعة يهودية -اشتهرت بالفلاشا- كانت تعيش في الهضاب الإثيوبية، لم تلقَ حماسا من الصهيونية في جلبها إلى إسرائيل كغيرها من المجموعات الأخرى، إلاّ بعد وقت طويل، ربما بسبب لون البشرة، أو بسبب تحولها إلى المسيحية في وقت من الأوقات، أو بسبب الكلفة المادية الباهظة الثمن.
يقول أبرار عمر -وهو باحث في التاريخ الأثيوبي بمعهد أفريقيا-: الفلاشا هم الناس الذين ينزحون من منطقة إلى أخرى، وهي صفة سلبية وليست إيجابية، وأحيانا يسمّونهم بالمنفيين، لكنهم يفضِّلون أن يطلقوا على أنفسهم اسم “بيتا إسرائيل”.

أمّا المؤرخ والباحث الفلسطيني أسامة الأشقر، فيصف الفلاشا بقوله: هم مجموعات بدائية نشأت في بيئات غير متحضرة أقرب إلى البداوة الجبلية، ولذلك فإنهم لم يكوّنوا إضافة معرفية أو علمية أو حضارية أو فنية.
وهذا توصيف دقيق يتناسب مع طبيعة الفلاشا الإثيوبيين، فهم ينتمون إلى خامس أفقر دولة في العالم، ولا غرابة في أن يغامروا بالهجرة إلى إسرائيل بحثا عن الرخاء الاقتصادي الذي يفتقدونه في مضاربهم الإثيوبية المكتظة بأكثر من 126 مليون مواطن، يعاني غالبيتهم من ضيق ذات اليد وشظف العيش.
أما المفكر الإريتري حسن سلمان، فيتحدث عن مهنة الفلاشا قائلا: يعملون في رعي الأغنام والزراعة والحياكة والتطريز بشكل أساسي، وقد تفادوا السياسة والتجارة، ويبدو أن الاضطهاد الذي عانوا منه جعلهم ينسحبون من مساحات الاحتكاك، فآثروا الحياة الهامشية.
سلالة الملك سليمان.. يهود غير مرحب بهم في أرض الميعاد
يعود المخرج في التعليق الصوتي الثاني إلى التاريخ البعيد، إذ يرى بأنّ الأصول اليهودية في إثيوبيا ترجع إلى أكثر من ألف عام قبل الميلاد، فمنهم من يقول إن أصولها جاءت من شمال الوادي بمصر. وتقول الرواية الثانية إنها وفدت من اليمن، بسبب التفاعل التاريخي بين المنطقتين.
أما إبراهيم أحمد الطاهر -وهو عضو هيئة اتهام مهرّبي الفلاشا- فيقول إن الإمبراطور “هيلا سيلاسي” كان يعد سليل الملك سليمان، وهذا يعني أنّ هناك ارتباطا ما بين التاريخ الإثيوبي والتاريخ اليهودي. ويعرّح المفكر الأريتري حسن سلمان إلى زعم امتداد السلالة السليمانية، فيورد ما يقولون من أنّ ملكة سبأ حين ذهبت إلى سليمان وأسلمت على يده وتزوجتهُ، أنجبت منه ابنا تنتسب إليه هذه المجموعات.

وحين هاجت أشواق بعض يهود إثيوبيا للهجرة إلى إسرائيل منذ قيام دولتها سنة 1948 وحتى منتصف السبعينات، قابلت السلطة والمجتمع الإسرائيلي تلك الأشواق والتمنيات بتردّد وجفاء وحدّة، فارتأت الوكالة اليهودية للهجرة أن تكتفي بتأهيل مدارسهم وتساعدهم على تحسين أوضاعهم المعاشية داخل إثيوبيا.
ويروي “أبراهام بورغ” -وكان رئيسا للوكالة اليهودية وللكنيست- أنّ الأمر معقد بعض الشيء، وأنّ هناك قوى سياسية لا ترغب في مجيئهم، وثمة خلاف في أوساط العالم الديني اليهودي فيما إذا كانوا يهودا أم شيئا آخرَ، وأنّ قدومهم سيخلق فوضى عارمة في البلاد.
فتوى الحاخام.. شروط الدخول في العباءة اليهودية
يفرّق “شارون زودا شالوم” -وهو حاخام متخصص في الدراسات اليهودية الإثيوبية- بين عقيدتين مختلفتين، وهما يهودية إثيوبيا التي أسسها “المقرا”، ويهودية العالم التي أسسها “التلمود”. ويوضّح أسامة الأشقر هذه الفكرة بأنهم لا يمثلون امتدادا للفكر التلمودي الذي تأسست عليه الحركة الصهيونية.
ويرى “شالوم” أنّ الحاخامات يستصعبون الاعتراف بيهوديتهم، بسبب تلك الاختلافات، ناهيك عن لون بشرتهم الذي لم يتقبلوه في بداية الأمر، وأما اليهود الذين هاجروا في الستينيات، فقد حرصت الدولة على طردهم وإرجاعهم إلى بلدهم.

وحين تفاقمت النقاشات حول صحة المجموعات الإثيوبية، حسمتها فتوى الحاخام “عوفاديا يوسف” في مارس/ آذار 1973، الذي قرّر أن يشملهم بقانون العودة، شريطة التزامهم باعتناق الدين اليهودي، كما هو مطلوب في القانون الإسرائيلي.
ويروي الفاتح عروة -وهو خبير في الشأن الإثيوبي- أنّ المجاعة هي التي دفعت الإثيوبيين إلى الهجرة إلى السودان، ومن بينهم اليهود الفلاشا. ويقول موسى إسماعيل -وهو عقيد متقاعد أشرف على ترحيل الفلاشا- إنهم كانوا موجودين في معسكر “تواوا” القريب من مدينة القضارف، وكانوا معزولين في هذا المعسكر لا يختلطون مع اللاجئين الإثيوبيين من القبائل الأخرى.
منتجع قرية عروس.. أنشطة مريبة ترصدها استخبارات السودان
يقترن منتجع قرية عروس بعمليات الترحيل، سواء عن طريق البحر أو الجو. ويقول أحمد إبراهيم الطاهر -وهو عضو هيئة اتهام مهربي الفلاشا- إن قرية سياحية شمال بور سودان كانت مجهزة بكل الخدمات تقريبا، وقد أشرف عليها مكتب غوث اللاجئين في السفارة الأمريكية في الخرطوم بالتنسيق مع الموساد.

ولكن شكوك السلطات السودانية ظلت تدور حول طبيعة هذا المنتجع وسبب إنشائه، فقد لاحظت الاستخبارات السودانية أنشطة مريبة في المكان، منها رسو سفينة على شاطئ البحر، كما رصد الجيش مجموعة أفراد يقومون بعمليات غطس في البحر في الساعة الثانية صباحا، بحجة أن المياه صافية، وأبلغوا المراجع العليا بهذه النشاطات، فأهملها جهاز الاستخبارات وسكت عنها الرئيس، ونفوا أن تكون هناك أي عمليات لنقل الفلاشا إلى خارج البلاد.

وحين تزداد مضايقات السلطات الأمنية السودانية، تهرب المجموعة التي كانت تدير المنتجع في طائرة “هيركوليز” وتهبط في قلب الصحراء، لتنقل عناصر الموساد وسياراتهم. وسرعان ما استؤنفت عملية التهريب عبر مطار “غيرساكو” القديم المهجور، فكان يُنقل إليه اللاجئون داخل حاويات القطار، فتتوقف بهم قرب المطار لتهريبهم مساء كل خميس، لكن هذه العملية لم تحقق نقل الأعداد المطلوبة.
تهريب الفلاشا.. لعبة من وراء ظهر الأجهزة الأمنية
يشكو الرئيس جعفر النميري أثناء وجوده في الولايات المتحدة من ازدياد عدد اللاجئين من دول الجوار، ولا سيما من إثيوبيا، بل إن أحد ضباط المخابرات الأمريكية أخبر عثمان السيد -وهو لواء متقاعد ومدير سابق للأمن الخارجي- بأنّ حوالي 7 آلاف من يهود الفلاشا قد دخلوا الأراضي السودانية، فطلب منه أن يقابل النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس الجهاز آنذاك، لأن هذه القضية أكبر من صلاحياته.

ويرى أسامة الأشقر بأنّ الدور الأمريكي فيما يتعلق بيهود الفلاشا لم يكن مُساندا أو مسهلا فحسب، لا سيما في الأمور اللوجستية، بل إنه كان دورا قياديا تشاركيا في معظم عمليات النقل، ولا سيما في حقبة الثمانينيات، ولولا تدخل المخابرات الأمريكية المركزية لما نجحت أي عملية تهريب على الإطلاق.

وتُعد هذه العملية هي الأكبر من حيث التنسيق، لأنها استطاعت نقل 9 آلاف لاجئ، وقد حرصت الإدارة الأمريكية على سرية العملية، وأن لا تعلم بها أجهزة الدولة السودانية.
ويقول عثمان السيد -وكان مديرا للأمن الخارجي- إنّ الطائرات بدأت تنقل اللاجئين اليهود إلى إسرائيل مباشرة، وأن العدد الذي وصل إلى “أرض الميعاد” قد بلغ 6 آلاف لاجئ من الفلاشا، فاتضح أنّ هؤلاء قد انتقلوا من بروكسل إلى إسرائيل مباشرة.
“إنّ السودان ليس سجنا للاجئين”
كانت تلك العمليات سريّة حتى ذلك الوقت، ولم تعلم بها أجهزة الدولة الأمنية، ولا الشعب السوداني نفسه. وقد اتخذ موسى إسماعيل -المشرف على ترحيل الفلاشا- قرارا بإيقاف العملية، لأنه كان يظن أنّ اللاجئين يتجهون إلى أوروبا، لا إلى إسرائيل.

ويروي عثمان السيد -وكان مديرا للأمن الخارجي- أنّ الرئيس جعفر نميري كان يظن تلك العملية عملية لاجئين عاديين، وأن السفارة تُرحّلهم إلى أوروبا. ويعزز هذا الرأي عمر محمد الطيب -وكان رئيس جهاز أمن الدولة-، إذ يروي أن الرئيس جعفر النميري قال يوما: “إنّ السودان ليس سجنا للاجئين، والقانون الدولي يقول إنّ أي لاجئ من حقه أن يغادر”.
لذا لم يستطع السودان أن يرفض طلب مغادرة اللاجئين لسبيين: الأول، علاقة السودان المتميزة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والثاني أنّ اللاجئين يشكّلون عبئا كبيرا على ولاية القضارف.
السودان.. قلعة الكفاح عن القضية الفلسطينية
يدافع وزير الثقافة السوداني علي شمو، عن موقف السودان المتقدم من القضية الفلسطينية منذ سنة 1948، فقد حارب السودانيون واستشهدوا، وحاربوا في القناة سنة 1973، وكانوا أساسيين في القضايا العربية، على المستوى العسكري والشعبي.

كانت سياسة السودان المُقرّة منذ عام 1957 هي مقاطعة إسرائيل، وكان يُنظر إلى السودان على أنها ذات دور ريادي في هذا الموضوع، وكان مكتب مقاطعة إسرائيل موجودا في الخرطوم، فلا غرابة إذن أن يقع تذمر في جهاز الأمن الخارجي.
ومن تجليات ذلك التذمر، أن الرائد عبد الله عبد القيّوم رأى أن عملية الترحيل لا تليق بالدولة السودانية، فقرر السفر إلى تونس، حيث مقر الجامعة العربية حينها، حتى يفضح العملية على الملأ، وحينما وصل خبر هروبه لرئاسة أمن الدولة، طلبوا اعتقاله وتسليمه إلى السودان. وصارت حكايته دليلا على رفض عملية التهريب حتى بين ضباط الأمن السوداني.

وقد تزامن تهجير الفلاشا مع عوامل سياسية واقتصادية، أدّت إلى سقوط نظام الرئيس جعفر نميري على وقع ثورة شعبية عارمة، انحاز لها قائد الجيش السوداني المشير عبد الرحمن سوار الذهب في 6 أبريل 1985.
تهمة الخيانة العظمى.. محاكمة على البث التلفزيوني
في أكتوبر/ تشرين الأول 1986، شُكلت محكمة لمقاضاة الضالعين في عملية ترحيل الفلاشا بتهمة الخيانة العظمى، ووجدت النيابة العامة بيّنات واعترافات مسجلة، وثمة اتهامات بشأن عملية الإثراء المحرّم في قضية بناء الجهاز الجديد بلغت حدود مليوني دولار، لكن المحكمة لم تجد أي أدلة على وجود هذه الأموال في بريطانيا.

وكان رئيس جهاز أمن الدولة ونائب رئيس الدولة ضالعَين في الجريمة مع المتهم الهارب جعفر النميري، إضافة إلى المتهمين الآخرين في تلك العمليات، ولكن اتضح أنّ البينة كانت بينة شريك، ولا تصل إلى عقوبة الإعدام في هذه الحالة.
وقد تبين من جلسات المحكمة -المنقولة على التلفاز الرسمي- تورط السفارة الأمريكية في نقل الفلاشا، فطلبت من السلطات السودانية إيقاف بث جلسات المحكمة، لكن السلطات السودانية رفضت هذا الطلب، لأن هذه المحكمة تقاضي مواطنا سودانيا، ثم طلبوا إيقاف البث التلفازي للمحكمة، فرفضت السلطة السودانية، وقالت إنّ هذه سياسة البلد المتبعة ولا يمكن خرقها.

في نهاية المطاف، توقفت عمليات نقل الفلاشا عبر السودان، لكنها تجددت عبر بوابة إثيوبيا المضطربة في بدايات عهد الرئيس “ملس زيناوي”. ففي مايو/ أيار عام 1991، نقلت إسرائيل بطيرانها الحربي حوالي 14 ألف لاجئ خلال يومين، بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية.
إعادة التهويد.. ختان فوري وغسل من الرجس
ما إن وطئت أقدام الفلاشا أرض إسرائيل، حتى تحوّل الفردوس المُنتظر إلى كابوس يقضّ مضاجعهم، فاستيقظوا على خازن جنتهم مجلس الحاخام الأعلى والسلطات الإسرائيلية، الذين لم يرضوا عن يهوديتهم، حتى مع جهود رئيس الوزراء “مناحيم بيغن”، والفتوى التي صدرت عن الحاخام “عوفاديا يوسف” -وهو الزعيم الروحي لحزب شاس- في منتصف سبعينيات القرن المنصرم، فأعادوا تهويدهم من جديد وتعليمهم اليهودية وفق المذاهب التلمودية، بغسلهم من الرجس، كما أُجري لهم ختان فوري مهما كانت أعمارهم.

أما “يونا شركي” -وهو المستشار القانوني لسياسة الهجرة الإسرائيلية- فكان له رأي صادم، مفاده أنّ إثيوبيا هي من الدول الخمس الأكثر فقرا في العالم، ومن الطبيعي أن يطلب الناس في إثيوبيا الذهاب إلى إسرائيل، والسؤال الذي ينبغي إثارته دائما هو: هل يحق لهم المجيء إلى إسرائيل؟

يرى المستشار أنه في كل سنة يجد قوائم جديدة لأشخاص إثيوبيين، يدّعون بأنّ أجداد أجدادهم كانوا يهودا، وهذا يعني أن هذا الأمر مفتوح ولا نهاية له، ولا يمكنك أن تتخيل عدد الأشخاص الذين يدّعون مثل هذا الادعاء في إثيوبيا، نظرا لرغبتهم في الوصول إلى الأرض الموعودة، وهذا يعني أنّ الحديث يدور عن عشرات الملايين من ثاني أكبر شعب أفريقي بعد نيجيريا.
عزلة الفلاشا.. عنصرية قد تحدث ثقبا في سفينة الاحتلال
يكشف الفيلم أنّ مجموعة قليلة العدد لم تتجاوز 160 ألف نسمة، حُددت مساكنهم في مواقع معينة، مما عمّق لديهم الشعور بالعزلة والغربة والتمييز العنصري، وهذا الأمر ينطبق على اليهود الشرقيين.
وتُقدّم “رينا غوراليك” -وهي المديرة التنفيذية لرابطة اليهود الإثيوبيين- عرضا لتقرير مراقب الدولة العام سنة 2020، بأنّ المُعطيات ما زالت مُقلقة، فمعدلات توقيف القاصرين الإثيوبيين يفوق ما نسبته 3.3%، وهو ضعف توقيف نظرائهم من بقية السكّان.

أما الباحث والمؤرخ أسامة الأشقر فيرى أنّ الإثيوبيين يشكّلون عبئا على المجتمع الإسرائيلي والدولة الإسرائيلية، ولهذا تحتاج إسرائيل أن تنفق عليهم إنفاقا كبيرا، من أجل أن يكونوا جزءا طبيعيا من هذا الكيان العدواني.
وتقول “رينا غوراليك” إن 84% من مهاجري إثيوبيا يوجدون في مستويات العمل الأولية، وأنّ 0.2% فقط يعملون في المستويات العليا، بحسب تقرير “التنوّع والتمثيل المناسب في الخدمة المدنية لعام 2020”.

وقد تَبدد الحماس لدى سلطات الهجرة في إسرائيل، وباتت تدّعي الآن أنّ كثيرا منهم غير يهود، لتعلن نهاية الهجرة في ظل تكاثر الأزمات الداخلية ودعواتهم لنيل حقوق المواطنة الكاملة.
ويرى المفكر الأريتري حسن سلمان أنه خلال عشرين أو ثلاثين سنة، كانت هناك نسبة 25 ألفا من المواليد الجدد، ويستطيع المُشاهد أن يتصور كم سيكونون في السنوات العشر القادمة. ويرى سلمان أنهم سيشكلّون تحديا كبيرا، فإمّا أن يأخذوا حقوقهم كاملة، أو سيرهقون الكيان الصهيوني بعد ذلك.

ويُنهي “شارون زودا شالوم” -وهو حاخام متخصص في الدراسات اليهودية الإثيوبية- رؤيته الثاقبة حينما يصف المجتمع الإسرائيلي بالسفينة الكبيرة التي تضم غرفا كثيرة، وأنه يتوجب عليهم أن يبدوا تعاونا وتضامنا مع كل الناس الموجودين على متنها، وإذا لم يهتموا بالجميع على حد سواء ولم يتضامنوا معهم، فلا يُستبعد أن يُحدثوا في يوم ما ثقبا في السفينة، سوف يُغرقهم جميعا.