مجزرة سربرنيتسا.. حين خضبت دماء المسلمين أرض البوسنة

يقطع “محمد هوزديكهودجيتش”، ممشى يشق مقبرة تضم عددا لا يمكن عدّه من القبور المتراصة، ارتفعت عنها شواهد تشبه المسلاّت البيضاء المقببة.

إنه لمن الغريب أن تنبعث من تلك القبور المصففة بطريقة منظمة كصفوف جنود يلقون التحية على آمرهم، مسحة غريبة من الرهبة والسكون، ذلك على الأقل ما يمكن أن يحس به أغلب من يشاهد الدقيقة الأولى من فيلم “ضباب سربرينتسا” الذي بثته قناة الجزيرة الوثائقية.

لكن بمجرّد التمعن في ملامح “محمد هوزديكهودجيتش”، سرعان ما يدرك المشاهد أن لتلك المقبرة حكاية مرعبة ومقززة وبشعة، وأن من يرقدون في بطون تلك القبور قتلوا بطريقة تشبه طريقة سلسلة أفلام الرعب، وبقيت جثثهم مطمورة في الأرض دون هوية طيلة سنوات، حتى جُمعت لتقف قبورها شاهدة على واحدة من أبشع المجازر التي عاشها الإنسان خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين. إنها مجزرة “سربرينتسا” البوسنية.

بوجه لم تمح عنه السنين فظاعة ما عاشه، يقف “محمد هوزديكهودجيتش” في ممر المقبرة التي تؤوي ستا وسبعين ضحية من أقربائه الذين قضوا في تلك المجزرة، والتي راح ضحيتها قرابة 8 آلاف بوسني من المسلمين البوشناق العزل على يد صرب البوسنة، الذين كانوا قبل وقت قريب جيرانهم ورفاقهم في المدرسة، واغتصبت في تلك المذبحة أكثر من عشرين ألف امرأة.

“محمد هوزديكهودجيتش” في مقبرة تضم 76 ضحية من عائلته، من بين ألوف الضحايا

ليس هناك أفضل من الناجين لرواية تلك المأساة بصدق، فملامحهم ما تزال تحتفظ رغم مرور أكثر من عقدين على تلك المذبحة، بتفاصيل دقيقة لتلك المحنة، وبعضهم بقي ينتظر أكثر من عقد ليدفن رفات أحد أقربائه أو ما تبقى منه من عظام نخرة.

نار الحقد تحت رماد السلام المزعوم

في بداية تسعينيات القرن الماضي، وبعد أن تفكك الاتحاد السوفييتي، دونت كتب التاريخ أن الحرب الباردة انتهت، لم يكن ذلك صحيحا 100%، فقد هدأ الصراع بين القطبين إلى حين، في المقابل تفجّرت ألغام القوميات والعرقيات في الجزء الشرقي من أوروبا.

كانت الفرصة ملائمة جدا لمنطقة البلقان، المتقدة دائما بالصراع الإثني، حتى تؤسس كل قومية على أساس ديني أو عرقي دولتها. فقبل وقت ليس ببعيد، أشعل الفتى “غافريلو برينسيب”، وهو من صرب البوسنة، فتيل الحرب العالمية الأولى. ومن السذاجة القول إن الانتماء القومي الدسم الذي تغذى منه “برينسيب” سينضب في أقل من قرن.

خديجة تروي قصتها مع مجزرة سربرنيتشا

يقول الصحفي الأمريكي “ديفيد ريف” في كتابه” مجزرة البوسنة وتخاذل الغرب”: “منذ اللحظة الأولى التي بدأت فيها يوغوسلافيا بالتفكك، كان واضحا أن كلاّ من القوميين الكروات والصرب كانوا أقل اهتماما بالحدود وأكثر ميلا لتكوين دولة ذات تركيب عرقي، وكان الصرب يحلمون أن يحيا جميع الصرب في دولتهم الخاصة بهم”.

وفي يوم 25 من يونيو/حزيران من العام 1991، زار وزير الخارجية الأمريكي “جيمس بيكر” بلغراد، وحذر كرواتيا وسلوفينيا من أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تعترف باستقلال الدولتين، لكن ذلك التحذير كان متأخرا، فقد بدأ تقسيم يوغوسلافيا حينها بالفعل، وبعد يومين من خطاب “بيكر”، أعلنت كل من كرواتيا وسلوفينيا استقلالهما، واندلع قتال بقيادة الجيش اليوغسلافي في سلوفينيا قبل أن ينسحب، وهو ما يعد اعترافا ضمنيا بقبول باستقلال سلوفينيا.

الاعتراف باستقلال كرواتيا وسلوفينيا

لكن في المقابل، لم تكن يوغوسلافيا لتقبل باستقلال كرواتيا، والسبب هو القومية العرقية للصرب. حسب الكاتب “ديفيد ريف” لم يكن هناك وجود للصرب تقريبا في سلوفينيا، وفي المقابل كان هناك عدد كبير منهم في كرواتيا، وباسم الدفاع عن هذه الأقلية الصربية، بدأ الجيش الوطني اليوغسلافي عملياته الهجومية في كرواتيا منتصف يوليو/تموز سنة 1991، وأسفرت هذه الحملة على استيلائهم على ثلث كرواتيا وكانت معظم المناطق التي سيطروا عليها في الجانب المحاذي للحدود البوسنية.

استولى الصرب على جزء من كرواتيا، حيث ادعوا أن ذلك الجزء لم يعد منطقة تابعة لكرواتيا بل لجمهورية “كرايينا” الصربية، حينها لاح طموح الصرب الجارف نحو تكوين دولة صربيا الكبرى في مساحات كبيرة من تركة الاتحاد اليوغوسلافي، وأن لا شيء سيردعهم عن تحقيق ذلك، وبدا للكثيرين أن هناك صربيا كبرى قد بدأت في التشكل بالتوازي مع تفكك يوغوسلافيا.

“أحمد أوستيتشك” جندي بوسني سابق

استمر القتال في كرواتيا حتى بداية العام 1992، قبل أن تعترف الدول الأوروبية باستقلال كرواتيا وسلوفينيا، وبدأت المفاوضات من أجل وقف إطلاق النار بين الصرب والكروات، وقد نجحت تلك المفاوضات، وفي المقابل، لم تسترجع كرواتيا الجزء المحاذي للبوسنة الذي استولى عليه الصرب.

لم تع الدول الأوروبية مخاطر قرارها بالاعتراف باستقلال كرواتيا وسلوفينيا، رغم تحذيرات وزير الخارجية الأمريكية الأسبق “سايروس فانس” من مخاطر ذلك على الشق الشرقي من أوروبا.

يقول “ديفيد ريف”: “كان المفاوض الأمريكي “سايروس فانس” قد حذر وزير الخارجية الألماني آنذاك، “هانز ديتريش جينشر”، من خطر الاعتراف باستقلال كرواتيا وسلوفينيا، وأن هذا الاعتراف سيجعل الحرب حتمية في البوسنة، وهو ما حصل فعلا خاصة أنه كان من المفترض نزع سلاح الصرب وأن تحل الأمم المتحدة محلهم، لكن لم يحصل ذلك، فقد استبدل الصرب في المناطق التي احتلوها، لباس الجنود بلباس الشرطة، وهو ما مكّنهم من الاحتفاظ بسلاحهم”.

خروج الوحش الصربي من القمقم

في شهر أغسطس/آب من العام 1991، حذر الرئيس البوسني “علي عزت بيغوفيتش” من أن الرئيس الصربي “سلوبودان ميلوسوفيتش” يريد كل البوسنة. وكانت البوسنة قامت باستفتاء على استقلالها في 29 من فبراير/شباط سنة 1992، بطلب أوروبي، ووافق مسلمو وكروات البوسنة على ذلك، وكانوا يمثلون أكثر من 60% من السكان. في المقابل دعت قيادة صرب البوسنة بمقاطعة الاستفتاء وقامت بمنع تركيز مراكز الانتخابات، وبدا أن القتال يلوح من جبهة قريبة.

جنود صرب يطوقون قرية سربرنيتشا

وفي مارس/آذار من العام 1992، وبعد أيام قليلة من الاستفتاء، قامت مليشيات من صرب البوسنة بإقامة حواجز على الطرقات، وهو نهج سلكته خلال الحرب في كرواتيا، وأوحى ذلك ببداية الصرب حربهم، ولم ينته الشهر حتى استولت تلك الميليشيات على مناطق شاسعة من البوسنة. وفي يوم 6 أبريل/نيسان من ذلك العام، بدأ حصار سراييفو وسقطت مدن أخرى لتبدأ مجازر الصرب ضد مسلمي البوسنة.

يقول “ديفيد ريف” في كتابه “مجزرة البوسنة وتخاذل الغرب”: “إنها مذبحة، لأن الإشارة إلى أن ما يحدث هو حرب يُعد تشويها، بل والأكثر من ذلك، تجميلا لما حدث. فقبل القتال أكد “عزت بيغوفيتش” أنه لا يمكن نشوب حرب لأن جانبا واحدا، وهو جانبه، لن يقاتل. والواقع أن تصور إمكانية تفادي تلك المجزرة لمثل هذا السبب كان واحدا من الافتراضات الساذجة العديدة الجديرة باللوم التي وقعت فيها الرئاسة البوسنية”.

أنا جارك، لا تطلق النار

في بداية التسعينيات، كان “دافيد ريف” مراسل حرب في البوسنة، وكان يريد أن يفهم الحرب هناك حتى يفكك معادلات غامضة مثل أسباب تفجر ذلك الصراع ولماذا لم تتحرك الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية لوضع حد لما يدور في البوسنة.

زار “ريف” البوسنة وسراييفو بالتحديد عدة مرات، وكان يؤمن أن ما تنقله كاميرات القنوات التلفزية وما تكتبه الصحف عما يدور هناك، سيكسر الصمت حتما عما يجري، خاصة أن الأمم المتحدة وقوات حفظ السلام فشلت في حماية مسلمي البوسنة.

يقول ريف: “قال لي صديق من سراييفو ذات مرة: في البداية كانت يوغوسلافيا ثم أصبحت بوسنيا، والآن أصبحت مسلما. لم يكن الخيار خياري، إنني لم أكن ذات يوم متدينا، لكن بعد مقتل مائتي ألف، ما الذي تريدني أن أفعله؟ إن على كل إنسان أن يكون له بلد ينتمي إليه”.

فهم الصحفي الأمريكي أن مسلمي البوسنة لم يكونوا يولون للاختلاف الديني أو العرقي أي اهتمام حتى في بداية اندلاع الحرب، فقد كانوا يؤمنون بالاختلاف ويعيشون مع باقي سكان البوسنة على أساس راية واحدة وهي المواطنة، لكنهم لم يحسبوا حسابا ليوم وجّه فيه جيرانهم ومعارفهم الصرب، فوهات بنادقهم ومدافعهم نحوهم.

تروي “أ. ك.” وهي إحدى الناجيات من المذبحة، شهادتها في فيلم “ضباب سربرنيتسا” بهوية غير مكشوفة، وتقول إنها ولدت في قرية قرب سربرنيتسا حيث يعيش السكان من ديانات مختلفة وكان من ضمنهم البوشناق المسلمون والصرب ذوو الأغلبية الأرثوذكسية. كان عمر “أ. ك.” أربعة عشر عاما حين بدأت المأساة.

تقول: “كان هناك حديث عن بداية الحرب، وشاهدت الصرب يسلحون أنفسهم. وفي أبريل/نيسان من العام 1992، أغلقوا الطريق المؤدي إلى القرية، وكان الناس خائفين ولا يعرفون ما الذي سيحصل، وكان السكان يغادرون القرية. وقد سمعت أمي تطلب من أبي الرحيل، وأن نهرب ونترك المنزل، وكان أبي يردد طيلة الوقت نحن لم نفعل شيئا خاطئا. كنا في شهر مايو/أيار، وكان الوقت ليلا، وكنا نائمين واستيقظت على صوت الطلقات النارية. وفي اليوم التالي حزمنا حقائبنا وذهبنا إلى الغابة، فقد كانوا يقصفون الغابة لأنهم علموا أننا كنا هناك. وفي صباح أحد الأيام، ذهبت أنا وعمتي لإحضار الطعام، ومشينا أسفل التل نحو المنزل، وأمام الإسطبل، رأيت جنديين قادمين باتجاهي، كانت معهما بنادق، كانوا جيراني الصرب”.

“أ.ك.” تتحدث عن حادثة اغتصابها من قبل جنود صرب

لم تستوعب “أ. ك.” تعامل جيرانهم الصرب معهم قبل المذبحة، ولم تتخيل أنهم قادرون على أن يرتكبوا جرائم بشعة في حقهم، وما تزال تستحضر مشهد اغتصابها الفظيع من قبل الميليشيا الصربية، تقول: “كان يمسك بيدي وكلما صرخت كان يضربني، وبعد أن قام باغتصابي خرج ودخل جندي آخر، وقام بدوره باغتصابي، ثم غادر ودخل جندي ثالث”.

في البداية، لم يأخذ مسلمو البوسنة مسألة الحرب بجدية، فكيف لمواطنين تقاسموا الأرض ذاتها أن يوجهوا السلاح في وجوه بعضهم، وكيف للإنسان أن يشعل حربا أخرى وجراح التي قبلها ما تزال مفتوحة؟

تقول “خديجة محمدوفيتش” وهي بوسنية مسلمة في شهادتها في فيلم “ضباب سربرنيتسا”: ” في العام 1992، بدأوا الحديث عن الحرب، ولم نتمكن من فهم ما يعنيه ذلك، فبعد الحرب العالمية الثانية كنا نعتقد أن الحضارة تقدمت وأننا نفهم بعضنا البعض. أتذكر أنه في 17 أبريل/نيسان سنة 1992، وكان يوم جمعة -لن أنسى ذلك أبدا- لم يرغب الصرب إخبارنا عما يجري رغم أن الكثير منهم كانوا أصدقاءنا، فقد لاحظنا أن الجميع يغادرون البلدة”، ولم تصدق “خديجة” مشاهد القتل في التلفاز وظلت متيقنة أن الحرب لن تصل إلى سربرينيتسا، ولكنها وصلت.

الجرائم الصربية في حق مسلمي البوسنة

سيطر الصرب على أكثر من نصف مساحة البوسنة، وبالتوازي مع ذلك، كانوا يرتكبون مذابح عرقية في كل منطقة يسيطرون عليها خاصة شرق البوسنة ومناطق حول مدينة سربرنيتسا، وكان الرئيس البوسني “علي عزت بيغوفيتش” قد فشل في تخمين ما سيحدث والاستعداد له، خاصة أنه أمل في تدخل أوروبي لردع الصرب، لكن ذلك لم يحدث، فكان لا بد للسكان من المقاومة.

يقول “أحمد أوستيتشك” وهو جندي سابق في الجبهة في شهادته في فيلم “ضباب سربرينتسا” “خططنا للمقاومة من سربرينيتسا من أجل تحرير البوسنة، وكانوا يقصفوننا من صربيا طوال الوقت، وهذا يعني أن صربيا كانت متورطة بشكل مباشر في الحرب على البوسنة، وكانت المعدات اللوجستية تأتي أيضا من صربيا”.

لم تكن المعادلة على الميدان منصفة أبدا، ففي الوقت الذي كانت الآلة الحربية الصربية تحصد أرواح مسلمي البوسنة، لم يكن للضحايا أي خيار سوى التنقل من منطقة لأخرى بحثا عن الأمان، وما يزال ذلك الهروب محفورا في قلوب الناجين، فما تزال دموع “خديجة محمدوفيتش” تفيض حين تتذكر قرارا اتخذته سريعا بالانفصال عن ابنيها وتركهما في منطقة أخرى خوفا عليهما من الموت والجوع والعطش.

ولدا خديجة اللذان تركتهما خلفها خوفا عليهما من الموت والجوع والعطش

وتروي بأعين دامعة قصتها يوم غادرت تاركة ابنيها ظنا منها أنها تحميهما، وما يزال الشعور بذنب لم ترتكبه -وهو عدم قدرتها على حماية أطفالها الذين قُتلوا في المذبحة- يحرقها.

كان ذلك الشعور يعذبها رغم مرور أكثر من 20 عاما على المذبحة، بدا ذلك واضحا على وجهها وهي جلسة أمام كاميرا فيلم “ضباب  سربرنيتسا”.

تظهر مشاهد حقيقية بثها الفيلم من حقبة الحصار الذي ضربته الميليشيات الصربية على المدينة بين العامين 1993 و1995، منازل مهدمة خالية تقبع على أطراف الطريق، وكان صوت المدافع غير المنقطع يخلف صدى مخيفا في تلك القرية الهادئة.

يروي “أحمد أوستيتشك” أن القرية هوجمت من قبل ثلاثة ألوية جاءت جميعها من مدن صربية، وتمكنت تلك الألوية من السيطرة على 250 كيلومترا مربعا، واضطر المقاومون من البوسنة إلى التراجع إلى التلال، حينها أصبحت سربرينيتسا ملاذا للمسلمين الهاربين من المناطق التي وقعت تحت سيطرة الصرب، وارتفع عددهم إلى أربعين ألف نسمة.

هروب جماعي خوفا من هجوم الصرب على المدينة

أصبحت سربرينيتسا مخيما يضم ضعفي سكان القرية، وأصبحت القصة المروية من هناك أكثر قتامة ورعبا. تقول “خديجة محمدوفيتش” “سيكون من المستحيل رواية القصة بأكملها عن الطريقة التي نجونا بها وعن كم معاناتنا دون غذاء أو دواء وكيف كان الجرحى يقاومون”.

وتستحضر ” خديجة” مشهدا مؤلما لجريح توجب بتر ساقه، وصراخه الذي يملأ الوادي بأكمله، بينما يروي “أحمد أوستيتشك” أن أحد البوسنيين توفي من الجوع وهو يمشي في الشارع وبقيت جثته ملقاة حتى تعفنت وفاحت منها رائحة كريهة، فكان من المستحيل نقل تلك الجثة ودفنها بسبب القصف المتواصل من المدافع الصربية.

امرأة عجوز تحاول تسلق شاحنة تابعة للأمم المتحدة

بدأت سربرينيتسا تفيض بالنازحين وبالأموات، وهو ما دفع الأمم المتحدة إلى إصدار الأمر عدد 819، والذي أقر سربرينيتسا منطقة منزوعة السلاح تحت حراسة الأمم المتحدة وقوات حفظ السلام. ووافقت القوات البوسنية على نزع سلاحها فيما كانت ما تزال محاصرة من القوات الصربية. كان ذلك بمثابة التفاحة المسمومة التي قدمتها الأمم المتحدة للبوسنيين، فلم يتوقف الصرب عن قصف أهدافهم يوميا، رغم أن القوات التابعة للأمم المتحدة كانت منتشرة في سربرنيتسا.

وشم عفن في جبين الإنسانية

في 11 يوليو/تموز سنة 1995، أصبحت سربرنيتسا بعد شيء من الهدوء، وجهة لفوهات الدبابات الصربية والأسلحة الثقيلة مرة أخرى، وتحركت كتائب مقاتلة من صربيا نحوها، في المقابل كان السكان البوسنيون عزلا بعد أن سلموا أسلحتهم للأمم المتحدة.

توجه قرابة 20 ألف بوسني نحو مجمع الأمم المتحدة بـ”بوتوتشاري” الذي يبعد قرابة خمسة أميال عن سربرينتسا، فيما دفع القصف العنيف قرابة 15 ألفا آخرين للخروج من سربرينتسا للبحث عن ملجأ آمن في الجبال، على بعد 50 كيلومترا من المدينة.

يروي “محمد هوزديكهودجيتش” أن الجنود الصرب بلباس الأمم المتحدة كان يقومون بتقسيم النازحين البوسنيين ويختارون لهم وجهتهم، وكان الأمر أشبه بمراكز الفرز النازية. وقد هرب محمد بصحبة أخيه من مجمع بوتوتشاري، ومن الغد ارتكبت المجزرة ولم يسلم أحد من الذكور حتى ذوي الإعاقة منهم.

نساء تتقدمهن خديجة في طريقهن لزيارة المقابر الجماعية في البوسنة

كانت الجريمة التي ارتكبها صرب البوسنة بمعاضدة من المليشيات، واضحة المعالم رغم محاولات إخفائها.

ويوثق فيديو بثه فيلم “ضباب سربرنيتسا” جنودا صربا وهم يأمرون بوسنيين مقيدي اليدين والساقين بالنزول من شاحنة عسكرية والانبطاح على الأرض والدعاء إلى الله، وبدا ذلك مقدمة لعملية إعدام جماعية.

راح ضحية المجزرة في سربرنيتسا أكثر من ثمانية آلاف شخص، وسُجل أغلبهم من المفقودين. وفي العام 2006، اكتُشفت 42 مقبرة جماعية في مناطق مجاورة للمدينة، وتم التعرف حينها على قرابة 2000 جثة بينما بقيت أخرى مجهولة تنتظر أن ينصفها التاريخ.


إعلان