“الباستيل” سجن مظلم في قلب عاصمة الأنوار

في الأساطير اليونانية، يمثل “تارتاروس” هاوية سحيقة في العالم السفلي، وهي زنزانة يرمى فيها الأشرار حيث تسلط عليهم أنواع من العذاب والمعاناة. وينقل أفلاطون أن “تارتاروس” هو مكان تُسجن فيه النفوس المدانة بعد الموت.

تذكّر أسطورة “تارتاروس” بسجن “الباستيل” في فرنسا الذي يسميه الفرنسيون “جحيم الأحياء”، حيث تُسدل على جدران سجن “الباستيل” ستائر من الغموض عززت الحكايات المخيفة بخصوصه واختلطت فيها الحقائق بالخرافات، أما الحقيقة الثابتة فهي أن ذلك السجن كان شاهدا على عصور الاستبداد التي عاشتها فرنسا تحت حكم ملوكها في القرون الوسطى ما قاد الثوار في أواخر القرن الثامن عشر إلى الهجوم عليه وحرقه وتدميره.

باريس مدينة غير محصنة أمام الإنجليز

في منتصف القرن الرابع عشر، كان العرش الفرنسي مهددا من الإنجليز، ولم تكن المقاطعات الفرنسية محصنة بما يكفي لردع هجمات وشيكة من الجهة الغربية لفرنسا. تقول الباحثة “فاليري كوبياك” في مقال لها بعنوان “بناء الباستيل في القرن الرابع عشر، عملاق لحماية العاصمة”: “بعد بداية حرب الـ100 عام سنة 1337، أصبح سقوط باريس في أيدي الإنجليز بمثابة كابوس لحكام المدينة.

مخطط سجن الباستيل في باريس حولي سنة 1550

ومنذ بداية القرن الثالث عشر، كانت العاصمة محمية بأسوار سميكة بُنيت في عهد “فيليب أوغست”، ومع ذلك، كان التطور الحضري كبيرا لدرجة أن المنازل والدكاكين الواقعة على الضفة اليمنى اتسعت وامتدت إلى ما وراء أسوار المدينة. وفي عام 1356، قام “إتيان مارسيل”، عميد تجار باريس، ببناء حاجز جديد ليشمل أحدث المناطق التي نشأت خارج المدينة، ولكنها كانت حماية نسبية للغاية، فلم تكن هذه الحصون سوى خنادق معززة بجدران ترابية منخفضة”.

وتضيف كوبياك “ومن جهة الشمال الشرقي، كانت بوابات “سان دوني” و”سان مارتن” و”سان أنطوان” فقط تحرسها الحصون، وهي حصون صغيرة لم تكن كافية لإثارة قلق قوات العدو. ومن أجل حماية الجزء الشرقي من المدينة، وهو الجزء الأكثر عرضة للخطر، قرر الملك “شارل الخامس” بناء حصن عسكري عند بوابة “سان أنطوان”. كان ذلك الحصن هو قلعة “الباستيل”.

من قلعة صغيرة إلى حامية كبيرة

شُيّدت قلعة الباستيل على مراحل، فقد بدأت بقلعة صغيرة قبل أن يتم تعزيزها بأبراج وحامية. وحسب كتاب “سجن الباستيل” للكاتب “فرانتز فونك برينتانو”، كان الباستيل في البداية عبارة عن قلعة ذات برجين تابعة لبوابة “سان أنطوان”، شيدت بين عامي 1356 و 1358 أثناء عمادة “إتيان مارسيل”.

يقول الكاتب “فرانتز فونك برينتانو” “في العام 1367، قرر الملك “تشارلز الخامس” تزويد الجزء الخلفي من هذه البوابة بسياج يشكل قلعة حضرية حقيقية، وتكون حصنا يكون ملاذا مستقلا وله حامية خاصة به، وذلك من خلال رفع طول البرجين وبناء ستة أبراج أخرى. كان الهدف من هذا الحصن هو الدفاع عن ميناء “سان أنطوان” والأسوار الشرقية لباريس التي أصبحت أكثر عرضة للخطر.

قلعة الباستيل بنيت في القرن الـ14 بثمانية أبراج محيطة بها

كما عملت أيضا على حماية الملك في حالة ثورة الشعب الباريسي لأنها تؤمن الطريق الذي يربط بين مقر إقامة الملك بفندق “سان بول” وقصر “فينسين”، حيث أراد الملك “شارل الخامس” إنشاء المركز الإداري للمدينة في المملكة” وهو ما يذكره أيضا الكاتب “رولان دولاشانتال” في كتاب “تاريخ شارل الخامس”، حيث يقول إن “الباستيل” بني من أجل تحصين المدينة خلال الصراع مع إنجلترا في منتصف القرن الرابع عشر.

من حصن للحماية إلى سجن مظلم

بُنيت قلعة “الباستيل” في شكلها المكتمل بأبراجها الثمانية في العام 1370، على يد عميد التجار آنذاك “هيغ أوبريو” كما ذكر كتاب “تاريخ الباستيل منذ تأسيسه عام 1374 حتى تدميره عام 1789″، ومن المفارقة أنه انتهى الأمر بـ”أوبريو” سجينا في أحد أبراج القلعة حسب الكتاب ذاته، وذلك بعد اتهامه بازدراء المسيح ومصاحبة امرأة يهودية.

ولم يكن الملك “تشارلز الخامس” متجنيا في تحويل “الباستيل” إلى رمز مظلم في تاريخ فرنسا، فقد كان يرمي إلى حماية نفسه من الغزاة الإنجليز من جهة وتحصين سلطته ضد أي ثورة يقوم بها الباريسيون من جهة أخرى.

يقول “فرناند بورنون” في كتابه “الباستيل: تاريخ ووصف للمعمار” إن هندسة الباستيل كانت مطابقة تقريبا، عندما تم الاستيلاء عليه في 1789، للتصميم الذي وضعه المهندسون المعماريون في القرن الرابع عشر، فقد كانت قلعة الباستيل التي تحولت إلى سجن في القرن السادس عشر، تحتوي على ثمانية أبراج، يحمل كل برج منها اسما خاصا به، وقد حمل برجان اسم “القناع الحديدي” نسبة لسجين مجهول الهوية يكنى بذلك الاسم، و”بازينير” وهو أيضا سجين حكم عليه بالسجن سنة 1661، وقضى في الباستيل أربع سنوات.

ويضيف “بورنون” أن البرج الثامن كان يطلق عليه برج الحرية، وكان ذلك البرج مخصصا للمحتجزين لمدة طويلة، وأطلق ذلك الاسم على البرج لأن السجناء فيه كانوا يتمتعون بحرية التنقل داخل ساحات القلعة خلال النهار. وقد بُنيت قلعة الباستيل في البداية ببرجين أطلق عليهما اسم برج الكنيسة وبرج الخزانة، وهما الأقدم، ووضعت تماثيل القديسين والأمراء هناك، وزين فناء القلعة بساعة ضخمة مدعومة بمنحوتات تمثل سجناء مقيدين بالسلاسل.

سجن الباستيل.. أساطير ومحفوظات

يقول “فرانتز فونك برينتانو” في كتابه “سجن الباستيل: أساطير ومحفوظات الباستيل”، “في العام 1356، ذكر المؤرخون الأعمال المهمة التي تم تنفيذها داخل أسوار باريس. وهي عبارة عن مبان مربعة تقطع السور من مكان إلى آخر، ومرتبة لحماية مدخل المدينة أو السور نفسه. وكان يطلق على تلك المباني التي ارتفعت بين بوابات المدينة أسماء “الباستيل” أو “الباستيد”، وتعني القلاع التي خصصت لحماية المدينة. وفي اليوم التالي لمعركة “سان كوينتين” الخاسرة، دفع الخوف من الغزو الملك الفرنسي “هنري الثاني”، الذي حكم فرنسا بين العامين 1547 و1559، إلى تعزيز الباستيل.

في ذلك الوقت تم بناء معتقل أمام بوابة “سان أنطوان”، والتي تم تعزيزه فيما بعد بحديقة ليتجول فيها السجناء. وهنا، تحولت القلعة إلى سجن أسود ضخم، يرتفع على كل المباني المحيطة به.

سجن الباستيل.. قلعة عسكرية

لم يكن الباستيل في البداية سجنا، لقد أصبح كذلك في وقت مبكر جدا، منذ عهد “تشارلز السادس” الذي حكم فرنسا بين العامين 1380 و1422. ومع ذلك، احتفظ الباستيل بطابعه كقلعة عسكرية لمدة قرنين من الزمن. ففي بعض الأحيان كان الملوك يقيمون هناك، وكان الباستيل أيضا مقر إقامة النبلاء وأشراف القوم الذين يمرون عبر باريس، وقد أقام “لويس الحادي عشر” و”فرانسيس الأول” حفلات رائعة هناك، تحدث عنها المؤرخون بإعجاب”.

امتدت المباني حول قلعة الباستيل خاصة بعد بناء الأبراج الستة التي أكملها “هيغ أوبريو”، ومع انتشار المساكن قرب القلعة وكثافة الحركة التجارية حولها، لم يعد الباستيل مكانا يحبذه الملوك والنبلاء.

يقول الكاتب “غابرييل ديران” في مقال بعنوان “الباستيل، القلعة الشريرة” “مع تضاؤل ​​أهميته العسكرية بمرور الوقت، أصبح الباستيل بمثابة سجن للسجناء البارزين، وكان “أوبريو” نفسه أولهم. ومن ناحية أخرى، فإن التطور الحضري من شأنه أن يجعل زحف المنازل على القلعة أكثر فأكثر، الأمر الذي جعلها وجهة غير سارة للملوك”.

من قلعة إلى مقبرة غامضة

بدأت قلعة الباستيل التي انتصبت حامية للباريسيين، في ابتلاع محكومين بالسجن بعد أن انطفأت أهميتها العسكرية، ومنذ ذلك الحين أصبحت مثل ظلال وحش غامض لا يُعرف مصير من يدخل أحشاءه. ويصف الكاتب “فرانتز فرانك برينتانو” القلعة بالقول “كان للأبراج جو من الغموض والقسوة والحزن، حيث ألقت الحكومة الملكية الغموض حولها مثل السحابة.

فعند حلول الظلام، عندما تغلق النوافذ، تشق عربات جسر القلعة المتحرك، وفي سواد الليل، تخرج مواكب جنائزية، وتظهر ظلال غامضة يضيئها ضوء الشعلة على الجدران، وتخرج بصمت. كم من الذين دخلوا هناك شوهدوا مرة أخرى؟ إذا التقى أحد بسجين سيطرح عليه سؤالا عما يحدث في الباستيل، فيجيب السجين بأنه عند مغادرته وقّع على تعهد بعدم الكشف عن أي شيء مما رآه. لقد فُرض الصمت المطلق على الحراس. كتبت امرأة تدعى “مدام دي ستال” “لا يوجد تبادل للأسرار في هذا المكان، والأشخاص الذين تقابلهم لديهم كل ملامح الوجه الجامد الذي قد تفكر مرتين قبل أن تطرح عليه أي سؤال”.

الباستيل.. سجن مظلم على كل من يدخله

تحول سجن الباستيل إلى قبلة لكل أنواع المدانين بجرائم مختلفة مثل الجرائم الأخلاقية والتسول، وضم أيضا مشردين وأصحاب مناصب، حيث يقول المؤرخ الفرنسي “فرناند بورنون” الذي سمى الباستيل باسم سجن الدولة، “يجب أن نفهم أسباب سجن هؤلاء الذين ارتكبوا جريمة أو مخالفة غير منافية للقانون العام، أولئك الذين ظهروا خطرين على أمن الدولة، سواء كان الخطر يهدد الأمة نفسها، أو زعيمها، أو مجموعة كبيرة إلى حد ما من المواطنين، أو مجموعة صغيرة تقتصر في بعض الأحيان على عائلة ما. إذا أضفنا إلى هذا النوع من السجناء الأشخاص البارزين جدا بحيث لا يمكن معاقبتهم على جريمة من جرائم القانون العام مثل المجرم العادي، والذين بدا أنه يجب الزج بهم في سجن خاص، فسنكون قد استعرضنا الأنواع المختلفة من الجرائم التي قادتهم إلى الباستيل من عهد “ريشيليو” حتى الثورة”.

الباستيل لا يستثني أحدا من جحيمه

لم يكن “الباستيل” سجنا كغيره من السجون الأخرى في فرنسا، ويعتبر الكاتب “فرانتز فونك برينتانو” أنه في عهد الكاردينال “ريشيليو”، بدأ سجن الباستيل يتخلص بوضوح من عباءته كقلعة أو حصن حام للمدينة إلى سجن مرعب، ويقول “إن “ريشيليو” هو الذي يجب اعتباره مؤسس “الباستيل”.

قبله، كانت الزنزانات في القلعة القديمة عادية، والجدير باهتمامنا هو حالة السجناء الذين كانوا في قلعة الباستيل في زمن “ريشيليو”، حيث كان من بين المعتقلين، العديد من المشتبه بهم أو المدانين بارتكاب مخططات ضد الكاردينال “ريشيليو”، وبعضهم متهم بالتآمر على العرش أو بالتجسس. ونجد أيضا في قائمة المتهمين كاهن، وراهب، وثلاثة نساك، وثلاثة مزورين، والماركيز “داسينيي” المحكوم عليه بالإعدام قبل أن يتم تخفيف عقوبته إلى السجن مدى الحياة، وحوالي عشرين شخصا وُصفوا بأنهم مجانين وأشرار”.

صورة لتعذيب السجناء في سجن الباستيل

وقد ضم “الباستيل” خلال عهد “لويس الرابع عشر” سجناء خضعوا لمحاكمات كبرى وهو ما أحدث انطباعا غريبا ومخيفا لدى الفرنسيين وأحاط المتهمين بهالة غامضة حسب المؤرخين، وظل بعض السجناء محتجزين في الباستيل دون أن يعلموا سبب سجنهم، حتى أن أحد السجناء ظل مسجونا ثلاثة عشر عاما دون أن يعرف السبب. واختلفت فئات المساجين في الباستيل، قبل أن يصبح في عهد “الكاردينال دي فلوري” مأهولا بالكتاب والفلاسفة والشعراء.

الجحيم الذي يرمي فيه الملك معارضيه

في العام 1662، أُعدم الشاعر “كلود لو بيتي” بسبب كتابته قصائد وُصفت بأنها فاضحة، وكان “لو بيتي” قد كتب قبل ذلك بسخرية عن سجن الباستيل “ما فائدة هذا الجدار القديم الواقع في خندق؟ هذه القلعة غير المأهولة، والتي لا فائدة منها كحصن، ولكنها تحاول أن تكون سجنًا! “.

كان “كلود لو بيتي” مخطئا جدا لأن الباستيل خدم ملوك فرنسا خاصة في القرنين السابع عشر والثامن عشر من أجل التخلص من كل منتقديهم أو معارضيهم. يقول الكاتب “مايكل ويلش” في كتاب “أثر الباستيل: تحول مواقع السجون السياسية”: “كان الباستيل عبارة عن سجن حصين تخلصت فيه الملكية من المعارضين السياسيين وغيرهم ممن يضايقونها.

وكان الفيلسوف “دوركايم” قد اعتبر الباستيل رمزا دنيئا، أو كما يصفه “سميث” بأنه مكان ملوث. لقد ظهر الباستيل كتعبير قوي عن الملكية الفرنسية، التي اختارت تقديم استعراض للقوة، حتى لا تضطر إلى استخدام القوة”.

صورة “داميان” المتهم بمحاولة اغتيال الملك وهو مقيد أمام القضاة

وكتبت “كلير بولير” في صحيفة “لوفيغارو” مقالا بعنوان “في جحيم أبراج الباستيل”: “كان النظام الملكي يهدف إلى قمع أي اعتداء على النظام الديني والأخلاقي والسياسي، وكانت أسباب السجن عديدة. كان السجناء السياسيون مثل “فوكيه” أو المتهمين في قضية القمح أو المتظاهرين ضد مسائل الدينية أو حتى المفكرين الأحرار، يقبعون في الظل في انتظار الحكم الذي يستغرق أحيانا عشرين عاما للنطق به”. وتضيف أنه بين العامين 1661 و1789، كان معدل واحد من بين ستة سجناء مسجونا بسبب آرائه السياسية. وتروي الكاتبة القضية المعروفة بقضية “داميان” الذي طعن “لويس الخامس عشر” في العام 1757، حيث تعرض للتعذيب وأحرقت يده وقُطعت، وما تزال سترته معروضة في باريس، إضافة إلى رسوم توضيحية تصور كيفية إعدامه عن طريق ربطه بأربعة خيول وتمزيقه.

أشهر سجناء الباستيل

كان من بين أشهر السجناء بسبب آرائهم، الكاتب الفرنسي المشهور “فولتير” الذي سُجن في الباستيل مرتين، كانت الأولى في العام 1717، وظل هناك عاما كاملا بعد أن كتب أبياتا من الشعر هجا فيها الملك وابنته. كتب “فولتير” خلال سجنه في الباستيل قصيدة تصف حاله تقول بعض أبياتها “ها أنا ذا، مقيم في هذا المكان البائس، سرير ومقصورة، ومحاصر في مساحة ضيقة، لا أنام في الليل، وأجوع في النهار”.

واشتهر أيضا سجين عُرف باسم الرجل ذي القناع الحديدي، وهو سجين تنقل بين سجون فرنسا مدة طويلة وآخرها سجن الباستيل الذي توفي فيه. ولم تُعرف هوية ذلك السجين الذي لم ينزع قناعه قط، وصيغت حوله أكثر من خمسين نظرية تخمّن هويته، لعل أشهرها التي جاء بها “فولتير” وتقول إنه الأخ السري للملك “لويس الرابع عشر”. وسُجن في الباستيل أيضا الكاتب “ماركيز دو ساد” و”الكونت ميرابو”.

يقول “مايكل ويلش” في كتاب “أثر الباستيل: تحول مواقع السجون السياسية”: “في عهد لويس السادس عشر، استُهدف المجتمع الباريسي من خلال تفريق الاجتماعات المحظورة، بما في ذلك اجتماعات النقابات التجارية التي قد تكون متورطة في أنشطة إثارة الفتنة. ولم يكن النظام القديم يراقب تصرفات أهل باريس فحسب، بل حاول السيطرة على أفكارهم أيضا. وكانت الصحف والكتب، وخاصة تلك التي تنتقد النظام، أهدافا لجهاز واسع من المفتشين. وفي الواقع، ظهرت الرقابة كأداة رئيسية للسيطرة.

ومن المفارقات أن حظر بعض الكتب لم يؤد إلا لتعزيز قيمتها، وصدر أمر بإحراق الأعمال المصادرة. لكن من المثير للاهتمام أن العديد من الكتب المحظورة التي نجت من النيران تم تخزينها في قبو الباستيل، وبمرور الوقت أصبحت مرة أخرى تتداول سرا، ودخلت العديد من الأعمال السياسية والفلسفية البارزة السوق السوداء التي تبيع الكتب سرا، بما في ذلك رواية فولتير “قرن لويس الرابع عشر”، وتم القبض على فولتير والعديد من المؤلفين الآخرين وحكم عليهم بالسجن. وأعطت هذه الاعتقالات للفلاسفة هالة الشهداء”.

الثورة الفرنسية التي أسقطت القلعة

في منتصف العام 1789، كانت باريس قد بدأت تعيش بوادر التمرد على الملك خاصة بعد تأسيس “الجمعية التأسيسية الوطنية” المتكونة من الطبقة الوسطى والبرجوازية الوسطى. وسار الغضب الشعبي الذي لم يعد يحتمل سياسة الملك، بالتوازي مع نمو شعبية الجمعية الوطنية والتي شكلت فرقة للحرس تابعة لها، وحصدت الجمعية تأييدا شعبيا في باريس.

اقتحام سجن الباستيل خلال الثورة الفرنسية

في تلك الفترة، أصبحت ساحات باريس مركزا للمناظرات السياسية، فيما كان الملك يواجه الوضع داخل قصره ويسجن الجنود الذين رفضوا إطلاق النار على المتظاهرين. وازدادت الأمور حدة حين قرر “لويس السادس عشر” عزل وزير ماليته “جاك نيكر” الذي اتهم بالتعاطف مع البرجوازية الوسطى، وكان ذلك ينذر باعتقال أعضاء الجمعية الوطنية، وهو ما أطلق حشودا كبيرة نحو القصر الملكي تحسبا لاعتقال أعضاء الجمعية. وتطورت أحداث التمرد ككرة الثلج، ولاحت خطورتها على الملك حين تسلح المتمردون وشكلوا فرقا ثائرة في باريس.

اقتحم المتظاهرون القصر المعروف باسم “قصر جرحى الحرب” وحصلوا على آلاف قطع السلاح، وكانت وجهتهم الثانية اقتحام سجن الباستيل والاستيلاء على السلاح هناك. وبعد منتصف نهار يوم 14 يوليو/تموز عام 1789، اقتحمت الحشود الغاضبة سجن الباستيل عن طريق فنائه الخارجي، وقُطعت سلاسل الجسر المتحرك، حينها بدأ إطلاق النار ودام القتال قرابة الأربع ساعات قبل أن يتدفق المحتجون إلى داخل السجن، وسقطت القلعة التي صمدت أربعة قرون كاملة لتعيش فرنسا حقبة جديدة مهدت لبناء الجمهورية وليصبح تاريخ سقوط سجن الباستيل رمزا يفتخر به الفرنسيون.


إعلان