إشكالية الذاتي والموضوعي


قراءة في نظرية الصورة في الفيلم التسجيلي
 
قيس الزبيدي

تعتمد السينما أكثر من بقية الفنون على علاقة أساسية عميقة بالواقع الموضوعي، لأن آلة التصوير حينما تدور تنقل على الشريط الحساس، إما صور الواقع الموضوعي ذاته (تسجيلي)، أو تنقل طرازاً (موديلاً) حياً متحركاً لواقع معين فني (روائي). وقاد تطور السينما، منذ البداية، إلى ظهور تيارين اثنين، أصبح لكل منهما، كجنس فني، منهجه الخاص، الذي أخذ يتطور، باستمرار، مع تطورهما المختلف والمتنوع. نتيجة لذلك نجد أن كل التفسيرات الجمالية تؤكد، بهذا القدر أو ذاك، علاقة الفن بالواقع. من هنا نضع أيدينا، في الأساس، على منهجين في تاريخ الفيلم (1):
أولهما: ينظم الواقع المرئي، بشكل واقعي.
وثانيهما: يعيد بناء الواقع، بشكل تعبيري.
ونتعرف في السينما المعاصرة على تنويعات فنية عديدة لهذين المنهجين في التعبير التسجيلي أو الروائي. وإن هذه التنويعات الفنية لمنهجين متقابلين ومتداخلين في التعبير السينمائي تساعد في محاولة الاقتراب، بشكل أكثر، من حقيقة الواقع الاجتماعي، ومن خلق صلة عميقة وصادقة به. كما أنها تساعد أيضاً، من جهة أخرى، في محاولة الكشف عن خصوصية فن السينما، لأن المنهج الذي يعتمد تنظيم المادة (في الواقع) يمثل المنهج الذي يعتمد إعادة بناء طراز (موديل) فني للمادة (في الواقع) فهل كلا المنهجين نتاج رؤية فنية ذاتية؟ والى إي مدى تتفاعل العلاقة بين الذات المعبرة وبين طبيعة الوسيط في تسجيل الموضوع الفيزيائي؟.
علينا أن ندرس بعناية دور ما هو ذاتي وما هو موضوعي في الفن، وندرس العلاقة، التناقض والصراع في وحدتهما الجدلية.
بدايةً نود أن نوضح ما المقصود بـالذات وما المقصود بـالموضوع، كذلك ما نعني بـالإشكالية وبـالهوية، وذلك بالرجوع إلى المعجم الفلسفي المختصر وإلى معجم جلال الدين سعيد.
ونستنتج من المرجع الأول أن: الذات والموضوع مقولتان فلسفيتان تستخدمان لتفسير نشاط الناس العملي والمعرفي،لأن نشاط الذات مشروط بالعالم الموضوعي. وتشكل عملية المعرفة جانباً ضرورياً من التفاعل بين الذات والموضوع، فليس في وسع الإنسان تغيير الموضوع، إذا لم تكن لديه معرفة عنه وعن روابطه وقانونياته. وتشكل الذات والموضوع ضدين تجمعهما الوحدة، وتحل التناقضات بينهما في مجرى نشاط الناس العملي. وتشكل “الأجهزة والأدوات” كأعضاء صناعية، إضافات للإنسان.

*قيس الزبيدي: مخرج وأكاديمي وروائي عراقي

بقية المقال


إعلان