السينما الوثائقيّة سينما إيديولوجيّة

“وخوفا من سقوط الأحداث في النسيان تستغلّ الممارسة الوثائقيّة الوسيط السينمائيّ بغاية إعادة إنتاج الظاهرة بكلّ وفاء”
 ماري ـ هيلين ليبي

تمهيد:
لقد دأبنا على تقسيم الفعل السينمائي إلى ضربيْن أساسييْن هما السينما الفنيّة والسينما الوثائقيّة والميسم الفاصل بينهما هو كون الأولى تخضع لسيناريو وخطاب سرديّ يتولّى المخرج بعد ذلك تجسيده مستخدما الوسائل التقنية التصويريّة والصوتيّة إلى جانب المؤثرات الخارجيّة. أمّا السينما الوثائقيّة فهي سينما توثيقيّة موضوعيّة لأنّها تستمدّ مادتها من الواقع المعيش والتاريخيّ إضافة إلى شهادات الأفراد الأحياء والسجلات الرسميّة والرسائل الإداريّة والقرارات والأحكام القضائيّة…إلخ. ويعود الفارق الثاني بين السينما الفنيّة والسينما الوثائقيّة إلى طبيعة العلاقة التي يؤسسها المشاهد المستهلك. ففي الوضعيّة يكون المتلقّي واعيا بأنّه يتعامل مع مشاهد فنيّة خياليّة ووظيفتها التسلية والترفيه والمتعة أمّا السينما الثانية فتتعلّق بقضيّة أو أطروحة أو حادثة تاريخيّة والمتلقّي في هذه الوضعيّة يدرك أنّه أمام مادة سينمائيّة تعليميّة تكوينيّة لأنّها تصحّح بعض الأمور أو تعدّل بعض المواقف أو هي تكشف عن خلفيات الواقع من زاوية نظر علميّة محايدة موضوعيّة وأنّ الغاية من المشاهدة هي الإقناع وبالتالي تخاطب السينما الوثائقيّة العقل لديه.
غير أنّنا لا نميل إلى هذا التصوّر المثالي عن السينما الوثائقيّة ونعتقد أنّ المسألة ليست بمثل هذا الحسم والبتّ القاطع وأنّ الأسئلة التي تثيرها الوثائقية أكثر وأعقد من تلك التي تثيرها الفنيّة، فهل يصدر المخرج عن رؤية موضوعيّة عند اختيار موضوعه؟ وهل أنّ وجهة النظر التي يعتمدها ستكون موضوعيّة أو ذاتيّة لأنّها تعكس موقف البعض دون الآخرين؟ وكيف يستطيع المخرج أن يبني شريطه الوثائقي دون أن يصدر عن تصوّر وتخطيط، وبعبارة أخرى ألا تحتاج الوثائقيّة هي بدورها إلى سيناريو؟ وما الموقف الذي سنحدّده عندما نتعامل مع الصورة في الوثائقي؟ وهل يمكن لنا أن نجرّد السينما الوثائقيّة من بعدها الجماليّ؟ وإلى أيّ حدّ ستكون المشاهد والزوايا والخلفيات وأعماق التصوير بعيدة عن النزوع نحو التأثير في المتلقّي؟
هذه الأسئلة وغيرها سنحاول أو نجيب عنها ما أمكن معتمدين في ذلك على عيّنة هي شريط “أراضي الإسلام.

* رضا بن صالح: باحث وكاتب تونسي

كامل المقال


إعلان