حدود الموضوعية والذاتية بين الوثيقة والحقيقة

ربما يجب علينا في البداية إن نحاول ازاله بعض الالتباسات حول المصطلح ومفهومه والتي قد ينتج عنها بعض الارتباكات.
لقد قام بعض رواد السينما التسجيلية في مصر والعالم العربي بترجمة المصطلح الاجنبى documentary film إلى اللغة العربية بالفيلم التسجيلي .. في حين أن كلمة تسجيل في اللغة العربية تعني تدوين الشئ وتأكيده وتأريخه، وتقترن بمصطلح السجلات أو المحفوظات فى دواوين الحكومة والتي تعنى بالوثائق الرسمية التى يجب حفظها لاثبات وقائع محددة مثل حجج ملكية العقارات وما شابه، بينما لجأ البعض الآخر الي ترجمته بالمعني القاموسي، وهو الفيلم الوثائقي، ولا زالت الأدبيات النقدية السينمائية تتأرجح بين استخدام مصطلح الفيلم التسجيلي، والفيلم الوثائقي كمصطلحين مترادفين ودون تفرقة بينهما، بينما ظل المصطلح الأجنبي documentary film دون مرادف .. بينما استخدم الأمريكان مصطلح non fiction بمعني الفيلم غير التمثيلي … وقد شاعت تنويعات أخرى على المصطلح مثل أفلام الحقيقة الذى تبناه فيرتوف أو السينما المباشرة الذى تبناه ريتشارد ليكوك أو السينما الحسية أو السينما العفوية الخ.
وأغلب الظن أن رواد السينما التسجيلية العرب، الذين نحتوا مصطلح الفيلم التسجيلي عنوا به هذه النوعية من السينما التى تتوقف عند حدود تسجيل الوقائع كما هي دون أي تلاعب، أي التوقف عند حدود التسجيل السلبي لحدث أو واقع ما حقيقي يواجه الكاميرا، وذلك بالمقارنة مع الفيلم التخيلي أو الروائي fiction film ، والذي يعتمد علي واقع مصنوع لا واقع حقيقي، وستكون هذه نقطة الافتراق الأساسية التى يمكن الرجوع اليها عند أى مقارنات بين التسجيلى و الروائى
اذا فتحديد هذه النوعية السينمائية، لا يعتمد فقط علي طبيعة مصدر الصورة بل أيضا الاشارة الي نفي واستبعاد أي تلاعب بالصورة، أي التوقف عند حدود النسخ الآلي للواقع ، أي تسجيله، والذي هو خاصية أساسية للكاميرا.
هذه الفكرة التي تقوم علي الخلط بين الكاميرا “الأداه” وبين الفيلم “السينما” الذي هو فن – وسوف نعود لمناقشة هذه الفكرة لاحقا –
السؤال الأهم الآن هو : هل تتحد ماهية الفيلم التسجيلي بالتوقف عند حدود التسجيلي أوالنسخ الآلي للواقع؟
لقد اشتعل النقاش منذ النصف الثانى من القرن التاسع عشر ومنذ ظهور الفوتوغرافيا واستمر بعد ذلك والذى دار بين فريقين، فريق يعتقد أن التصوير الفوتوغرافى ينتج نسخة مطابقة للواقع، ولابد من اللجوء الى موضوعية الكاميرا التى لا يجب افسادها بأية حيل، وفريق يرى أن التصوير الفوتوغرافى يتيح للفنان فرصا عديدة مثل تلك التى يمنحها الرسم والأدب شريطة الابداع تحت تأثير خواص الكاميرا بل ويستخدم كل الحيل لاستخلاص الحقيقة والحمال من المادة الفوتوغرافية الخام، ويرون أن تعميق قدرات الكاميرا الكشفية هى مهمة المصور للحصول على أفضل تعبير عن الحقائق.
هنا يجب أن نتوقف لتحديد الفرق بين الواقع المسجل بالكاميرا والفيلم الوثائقي …

سيد سعيد : مخرج وناقد سينمائي مصري

كامل المقال


إعلان