نهاية التاريخ والاساطير المؤسسة للفيلم الوثائقي

“ان غالبية الافلام الروائية التي تاخذ اشكالا وثائقية, انما تقوم بذلك لزيادة قدرتها على الاقناع بالواقعية و لزيادة درجة اعتقاد المُشاهد, غالبا من اجل التخويف اوالإقناع باللامعقول”. (فرانسوا نيناي)

هذا النوع من الافلام الروائية التي يحدثنا عنها نيناي ينقض العقد التاريخي بين المشاهد والسينمائي بل ويخرج الفيلم الروائي من فضاء الفرجة الى فضاء جاد تسممه اسطورة نقل الوقائع.
يعلق هذا الاخير على هذه الظاهرة بمفهوم “مفعول الوثائقي” الذي يمكن تحديده على حد تعبيره في اربع صوركالتالي :
 
– قبل كل شيء, الكاميرا المحمولة وهي تعطي طابع الذاتية نسبيا, مع مفعول المفاجاة وتظاهرالشخصيات بالارتجال كمحاولة لعدم لعب دور الممثل. و قد رأينا امثلة شهيرة مثل يوميات ديفد هولمزمانز وحدث بالقريب منكم. مشروع ساحرة بلير(1999), لدانييل مايريك و ايدواردو سانشيز, وهو اخر نجاح في هذا الصنف, نجاح يثبت ان إحداث الخوف ليس صعبا وبالتالي كسب الجائزة الكبرى بكاميرا (8) البسيطة وميزانية لا تتعدى ثمن شراء سيارة. النموذج الوثائقي لهذه الافلام الروائية المقلقة هو بطبيعة الحال السينما المباشرة.
– ويمكن ايضا ان تكون صور وثائقية وصفية (ملتقطة من الطائرة) او مدرجة في الميدان على (النمط العسكري) ويصحبها التعليق. هذا تخصص افلام الوحوش لسنوات الخمسينات التي تستقي بطبيعة الحال من نشرات الاخبار والوثائقيات لتلك الحقبة, على طريقة The March of Time .
– كما يتم تضمين الافلام الروائية مشاهد اوارشيفات (حقيقية اومفبركة)…لن ارجع الى كون المظهر الوثائقي للارشيف اقل ارتباطا “بطبيعته” منه الى دوره داخل المونتاج الذي يتضمنه…
– واخيرا, يمكن وضع حوار الممثلين على شكل الحوار الصحفي interview, بكاميرا ولاقط صوت متنقلان, بحيث يعطي انطباعا يختلط فيه الممثل ودوره, والشخص بالشخصية, ويلقي الريبة في نفسية المشاهد الذي لا يدري أي الاثنين يتحدث ( هكذا في فيلم مذكر مؤنث لجودار او ازواج وزوجات لوودي ألن)…

طبعا الصورالاربعة التي افردها فرانسوا نيناي لا تكفي لحصر المؤثرات الصوتية والبصرية التي تجعل المشاهد ينسى العقد الذي ابرمه مسبقا مع صاحب الفرجة.
لا يجدي في هذا الاطار الدخول في مقاربات فلسفية للموضوع لكي لا تاخذنا المفاهيم النسبية بعيدا عن واقع السينما.
لنعد قليلا لمفهوم ” العقد”, لم يتفق مؤرخوا السينما مثلما اتفقوا على التفريق بين الجانب التقني للفيلم من جهة والجانب الفني من جهة اخرى. بناءا على ذلك يمكن التأريخ للعلاقة الجدلية التي جمعت المشاهد بالسينما عبر مرحلتين, الاولى وهي تجريبية بدائية تبدا منذ خروج آلة السينماتوغراف من مختبرات الاخوين لومييروالمرحلة الثانية التي تبدا حسب المؤرخ الفرنسي جورج سادول مع انطلاقة السينما في شكلها “المسرحي الفرجوي” على يد جورج ميلييس.

* أمين الصوصي علوي: باحث في السينما والثقافة البصرية مقيم في فرنسا

بقية المقال


إعلان